الصين مستمرة في السير على نهج -الاشتراكية الصينية-


مشعل يسار
2022 / 12 / 2 - 22:33     

في 29 نوفمبر 2012، بدأت حقبة جديدة في تاريخ الصين حين حدد الأمين العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني المجدد له شي جين بينغ خطة بعيدة المدى تحت عنوان "الحلم الصيني حلم تجديد شباب الأمة الصينية" أو إيجازاً "الحلم الصيني”. لقد كان العقد الماضي فترة تغلب على صعوبات طبيعية ومصطنعة غير مسبوقة، ولكنه كان أيضًا زمن الانتصارات الكبرى.
فقد قيم المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي الصيني عالياً السنوات العشر الماضية التي مرت تحت قيادة شي جين بينغ ووافق على خططه للسنوات العشر القادمة أو نحو ذلك. ولئن سميت الفترة التي تلت المؤتمر الثامن عشر في الصين بـ"الحقبة الجديدة”، فإن فترة ما بعد المؤتمر العشرين أعطيت مصطلحا آخر هو "الحملة الجديدة”. وليس من قبيل المصادفة هنا أن غادر سبعة أعضاء من اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني فور انتهاء المؤتمر مناصبهم.
الرسالة الرئيسية من المؤتمر العشرين للصين والعالم هي أن الصين ستتحرك بثبات حسب خطة الحلم الصيني. وتتكون هذه الخطة من عدة مراحل، وتهدف إلى جعل الصين واحدة من القوى العالمية الرائدة بحلول عام 2049، عام الذكرى المئوية لجمهورية الصين الشعبية، وربما حتى القوة العالمية الرائدة. وقد تم إنجاز مهام المرحلة الأولى، حتى عام 2021، عام الذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني، وتجاوزها. فتم بناء "مجتمع متوسط الرخاء"، وانتشال آخر 100 مليون شخص من مستنقع الفقر والعوز، وتضاعف دخل الفرد، كما تضاعف الناتج المحلي الإجمالي للصين. والآن يبدأ العمل في المرحلة التالية، أي حتى عام 2035، على مضاعفة المؤشرات الرئيسية للاقتصاد. لكن الشيء الرئيسي سيكون هذه المرة التركيز على جودة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بدلاً من المؤشرات الكمية، وهذا سمة من سمات الأسلوب السياسي لشي جين بينغ. وقد شوهد هذا الأسلوب في تسريع إنشاء مجتمع الرخاء المتوسط عبر إعادة توجيه الاقتصاد الوطني من زيادة الصادرات بأي ثمن إلى التنمية المتوازنة مع التركيز على احتياجات السوق المحلية. وتضم هذه الاستراتيجية "البحث عن النمور والذباب"، وهو ما يقصد به الكفاح الممنهج ضد الفساد، وطرح مبادرة "حزام واحد وطريق واحد" التي أصبحت المحور الجغرافي الاقتصادي لتنمية الصين وكل أوراسيا، وكذلك "الخروج من الظل" وتحويل الصين إلى جهة فاعلة رائدة على المسرح العالمي. وقد أوضحت قمة مجموعة العشرين الأخيرة بوضوح الوجه الجديد للصين الشعبية.
لقد طور المؤتمر العشرون الاستراتيجية الحزبية الجديدة القاضية بأن الثروة التي تخلقها الأمة الصينية بأكملها سيتم توزيعها بطريقة أكثر إنصافًا وتوازنًا. وتتضمن هذه الاستراتيجية الحد من دخول الأوليغارشيين والأثرياء المفرطين في الثراء وإعادة توزيع بعض ثرواتهم لصالح الفقراء والفقراء نسبيًا. نعم، لم يعد هناك فقراء مدقعون في الصين، لكن حوالي 600 مليون شخص أي أكثر من ثلث السكان يعيشون على 1000 يوان في الشهر (قرابة 150-$-)، وهذا ليس كثيرًا على الإطلاق.
ويؤكد الحزب الشيوعي معنى وجوده من خلال كتابة شعار اشتراكي جديد على أعلامه، ألا وهو شعار "خدمة الشعب"! ومن خلال إبقائه راية الحزب الشيوعي حمراء وتأكيده أنها ستبقى حمراء. وهكذا، فإن رسالة المؤتمر العشرين للعالم هي: نحن نسير على طريق الاشتراكية ذات الخصائص الصينية ولن نوقفها تحت أي ضغوط.
الغرب يصور هذا وكأنه عودة لزمن "الثورة الثقافية" الصينية أو لتجربة "الملكية الجماعية" السوفيتية. لكن القيادة الصينية ليست في وارد التخلي عن اقتصاد السوق إذ تعتبره جزءاً عضوياً من اشتراكية السوق، أو ما تسميه "الاشتراكية ذات الخصائص الصينية".
ومن بين المستجدات النظرية في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، ينبغي أيضًا ذكر مبدإ "الثورة الذاتية". وهذا ليس مصطلحًا سياسيًا جديدًا فحسب، بل هو عبارة جديدة لم تُستخدم من قبل. ولعلها تعني أن الصين ستركز بشكل أكبر على حل المشاكل الداخلية، على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، على تقوية الحزب، وأن الحزب إياه سيكون المبادر إلى الثورة في مختلف مجالات الحياة في البلاد. ولكن تركيز الصين المتزايد على التنمية المحلية لا يعني اعتزالها عن العالم. فقد قال شي جين بينغ في المؤتمر "لا يمكن للصين أن تتطور بمعزل عن العالم، والعالم يحتاج للصين لأجل تنميته هو أيضا".
لا شك في أن المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني إذ يفتتح مرحلة جديدة في تطوير نفسه وتطوير الصين وشعبها سيدفع الغرب "الحسود" حتماً نحو مرحلة جديدة من محاولة احتوائها على غرار الحرب الباردة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن "الحرب الباردة" الحالية التي تخوضها أمريكا ضد الصين بدأت في عام 2018 بعد وقت قصير من انتهاء المؤتمر التاسع عشر السابق للحزب الشيوعي الصيني، حين وافق على الخطة الخمسية الأولى لشي جين بينغ وعزز التوجه الاشتراكي نحو مزيد من التنمية.
وتثبت تجربة السنوات الأخيرة أنه لا توجد لا كوارث طبيعية ولا مشاكل مصطنعة يمكن أن تعرقل سير الصين نحو هدفها البعيد المدى. وإن استطاعت إبطاءه فلن تستطيع وقفه.