فريدريك انجلز وبعض مسائل المعرفة التاريخية


مالك ابوعليا
2022 / 12 / 1 - 10:01     

المؤلف: ليونيد ايفيموفيتش غولمان*

ترجمة مالك أبوعليا

الملاحظات والتفسير بعد الحروف الأبجدية بين قوسين (أ)، (ب)... هي من عمل المُترجم

تشكّلَ دور فريدريك انجلز كأحد مؤسسي البحث التاريخي الماركسي بشكلٍ أساسي من خلال إسهامه في تطوير الفهم المادي للتاريخ. بالرغم من أن انجلز قد أكّدَ مراراً بأن الفضل الرئيسي في تطوير المادية التاريخية التي كشفت قوانين تطور المُجتمع الأساسية، يعود الى ماركس(1)، الا أن أقرب صديق ومُعاون لهذا الأخير، قد قدّمَ مُساهمة هائلة ومُستقلة في تطوير أُطروحات المادية التاريخية العامة ومقولاتها المُختلفة.
يكفي أن نتذكر أن انجلز، قبل بدء تعاونه مع ماركس، قد شق طريقه الخاص الى التفسير المادي للعملية التاريخية، وأنه شارك في تأليف كتاب (الايديولوجيا الألمانية) 1845-1846، وهو العمل الذي ظهر فيه الفهم المادي للتاريخ لأول مرة كمفهوم مُتكامل وشامل. ان فضل انجلز هو أنه أول من قدّمَ عرضاً مُنظماً للمادية التاريخية في عددٍ من فصول كتابه (ضد دوهرينغ). هو بالذات من طَرَحَ مُصطلح "المادية التاريخية" في مُقدمة الطبعة الانجليزية من كُتيب (الاشتراكية الطوباوية والاشتراكية العلمية). أظهَرَ انجلز، في رسائله المشهورة الى ارنست في 5 حُزيران 1890، وكارل شميت في 5 آب و27 تشرين الأول من عام 1890، وبلوخ في 21-22 أيلول من نفس العام، وميهرينغ في 14 تموز من عام 1893، وبورغيوس في 25 كانون الثاني من عام 1894، نقول أظهَرَ فيها، على عكس "المادية الاقتصادية المُبتذلة" الطابع الدياليكتيكي للعلاقة بين البناء التحتي والبناء الفوقي السياسي وحتى الايديولوجي(2).
في الوقت نفسه، قدّمَ انجلز، في مؤلفاته العديد من الأمثلة الكلاسيكية لتطبيق المنهجية المادية الدياليكتيكية في تحليل الظواهر والأحداث التاريخية الملموسة. تميّزَ عمل انجلز التأريخي بثراء استثنائي وشَمِلَ أهم جوانب عملية التاريخ العالمي وتاريخ مُختلف العصور والبُلدان(3). إن أفكار انجلز حول الخصائص الفريدة للتاريخ كفرع علمي، ومكانه في منظومة العلوم الاجتماعية، ودوره في حياة المُجتمع، مُهمة بشكلٍ استثنائي للتأريخ الماركسي. كما تناولَ في كتاباته ورسائله مسائل حول اجرائات واتجاهات تأسيس الحقيقة Truth التاريخية، بالإضافة الى مسائل أُخرى تتعلق بمجال منهجية البحث التاريخي، وخاصةً معرفة العملية التاريخية. طَرَحَ انجلز حله لهذه المسائل بروح المادية الدياليكتيكية، وكانت حلوله مُرتبطة بشكلٍ عضوي بمُعالجته لأهم أطروحات الفلسفة الماركسية ككل. هنا، وجدت جوانب مُختلفة من نظرية المعرفة الماركسية تعبيراً لها في مجال التاريخ: تفسير المعرفة على انها انعكاس للعمليات الموضوعية التي يحكمها القانون والتي تحدث في الواقع الفعلي، والفهم الدياليكتيكي للعلاقة السسبية، والوحدة الدياليكتيكية للحرية والضرورة، والحقيقة المُطلقة والنسبية، ودور المُمارسة كمعيار للحقيقة، وما الى ذلك.
بالكاد وضَعَ انجلز أفكاره في مجال المعرفة التاريخية في شكلٍ مُنتظم. لم يشرع في كتابة كتاب يختص بمنطق ومنهجية فرع التاريخ. غالباً ما كانت اطروحاته تنبع من المُقاربة التي اتخذها هو نفسه للمسائل الملموسة في منهجية التاريخ والمصادر والحقائق، وليس من تصريحات مُباشرة. يُمكن للمرء أن يستنتج، ان قام بتلخيص التصريحات المُباشرة والمُقاربات المُنفصلة لحل المسائل النظرية بشكلٍ ملموس، أن انجلز، مع ماركس، قد أسسا مبادئ النظرية العلمية للمعرفة التاريخية التي تقف على أساسٍ من المادية الدياليكتيكية والتاريخية(4).
يستحق انجلز تقديراً خاصاً لأنه أوضحَ العلاقة العضوية والحدود بين الأساس المنهجي لمبحث التاريخ والمبحث نفسه، من مواقع موضوع دراسته، في المقام الأول. إن موضوع التاريخ كعلم هو العملية الموضوعية لتطور أشكال النشاط الاقتصادي والسياسي والايديولوجي الانساني منذ نشأة المُجتمع. نحن بحاجة الى دراسة كُلٍ من مظهره والتطور التاريخي للطبيعة من حيث تأثيرها بالنشاط الانساني، في كُلٍ من المرحلة المعنية والمراحل التاريخية اللاحقة(5). على الرغم من تنوعها وتعقيدها، فإن هذه العملية ليست فوضوية وبدون نظام. شدّدَ انجلز على حقيقة أن التاريخ، على الرغم من كل انحرافاته وتعرجاته، يمضي قُدُماً و"يخضع للقوانين العامة الداخلية"(6). من الجدير بالذكر أن فكرة طابع خضوع التطور التاريخي للقوانين، والمتواجدة بكثرة في كتابات انجلز الفلسفية والتاريخية، قد كررها في كثيرٍ من الأحيان في رسائل الى زُملاءه حول مواضيع الشؤون الحزبية الداخلية. على سبيل المثال، كَتَبَ انجلز الى بيبل في 16 كانون الأول عام 1879 فيما يتعلق بإدانة العناصر الانتهازية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني لأعمال الجماهير الثورية: "إن التاريخ العالمي يأخذ مجراه، غير آبهٍ بهؤلاء البرجوازيين الصغار الحُكماء والمُعتدلين"(7). في رسالة الى فيلهلم ليبكنخت في 27 كانون الثاني عام 1874 أشار فيها الى عدم جدوى المُحاولات التي تقوم بها القيادة اللاسالية لمنع تغلغل أفكار الأُممية في رابطة العُمال الألمان Allgemeine Deutsche Arbeiterverein بقوله أن "التطور التاريخي له قوانينه، التي يعجز حتى فيلهلم هانسينكليفر Wilhelm Hasenclever عن تغييرها"(8).
يرى انجلز، أن مهمة مبحث التاريخ هي تفسير العلاقة الداخلية بين الظواهر التي يحكمها القانون. يجب على هذا المبحث أن يكشف الحتمية المُحددة للأحداث المُتنوعة، وراء الظروف العشوائية ظاهرياً، والتي تُشكّل الدوافع الحقيقية لنشاط كُلٍ من الطبقات والأحزاب والأفراد، والتي لا تتوافق دائماً مع التصورات الذاتية لدافع المشاركين في الأحداث أو أو الأسباب والنتائج الموضوعية لهذه الأنشطة. كان انجلز خصماً صريحاً لمُختزلي التاريخ الى مُجرّد تجميع ووصف للحقائق Facts. كان عمله كمؤرخ، في هذا الصدد، النقيض المُباشر لأعمال مدرسة السرد، الذين احتلوا مكانة بارزة في التأريخ الألماني البرجوازي كمدرسة المؤرخ ليوبارد رانكه Leopold von Ranke التي رفعت مبدأ رفض تفسير الأحداث التاريخية الى مبدأ عام، واختزلت دور المؤرخ الى مُسجّل للأحداث.
أشار انجلز الى أنه من المُمكن أن يجد المرء طريقه في الانتظامات التاريخية فقط من خلال الاعتماد على المفهوم المادي الدياليكتيكي العام للعملية التاريخية. في رسالته الى بيبل بتاريخ 16 آذار 1892 فيما يتعلق يكتاب ميهرينغ (أسطورة ليسينغ)، وصَفَ انجلز المادية التاريخية بأنها "خيط مُرشد في دراسة التاريخ"(9). أحد المبادئ الرئيسية لنظرية المعرفة التاريخية الماركسية هو هذا التطبيق لمنهجية المادية التاريخية في دراسة الظواهر التاريخية كوسيلة حاسمة لتفسير جوهرها وطابعها المحكوم بالقانون.
ومع ذلك، فإن المادية التاريخية ليست سوى الأداة المنهجية للبحث التاريخي، والتي تُساعد على تمهيد الطريق لمعرفة الحقيقة Truth التاريخية، ولكنها، أي هذه الأداة، لا تحل محل العملية المُعقّدة لتلك المعرفة. كَتَبَ انجلز، في رسالته الشهيرة الى شميت في 5 آب عام 1890: "ان تصورنا للتاريخ هو قبل كُل شيء دليل للدراسة وليس هو رافعة للبناء على طريقة التصور الهيغلي"(10). باعتبارها الأساس المنهجي لمبحث التاريخ، تختلف المادية التاريخية عنه فيما يتعلق بموضوع دراستها وأيضاً بمُقاربتها للظاهرة الاجتماعية: هناك اختلاف كبير فيما بين العلمين، الى جانب الوحدة بينهما. تُفسّر المادية التاريخية قوانين التطور الاجتماعي العامة. تحمل مقولاتها، التي تعكس هذه القوانين، طابع التعميم والشمولية والتجريد. ان منهجية مُعالجتها للظواهر الاجتماعية مُماثلة لتلك التي يستخدمها الاقتصاد السياسي في تحليل العلاقات الاقتصادية. من حيث أنه يتم مُعالجة جميع الظواهر (من حيث نشوئها وتطورها)، فالقوانين الاقتصادية، كما كتب انجلز، تتخذ نفس المُقاربة التاريخية، لكن بعيداً عن "الشكل التاريخي والأحداث العشوائية المُتداخلة"(11). من أجل تثبيت قانونٍ عام، من الضروري تجاهل خصائص التمظهرات المحلية وانحرافاتها والعوامل الثانوية والضمنية التي تُعقّد التطور. ومع ذلك، لا يُمكن لمبحث التاريخ أن يتجاهل أشكال العملية التاريخية وسماتها الملموسة، لأنه يدرس هذه العملية في حتميتها العيانية. أشارَ انجلز، أكثر من مرة، وخاصةً في رسالته الى لافروف بتاريخ 12-17 تشرين الثاني عام 1875، الى عدم جواز مُحاولة إرجاع كُل التطور التاريخي بجميع ثرائه وتنوعه الى صيغة تطور أُحادية، لأن "مثل هذه العملية تنطوي فعلياً على إدانتها الخاصة"(12).
يدرس مبحث التاريخ العملية التاريخية الحية، ومُجمل الظواهر التاريخية المُعقدة والمُتناقضة. يتم تركيب عمل القوانين العامة مع تأثير الروابط السببية الأكثر تخصصاً. تتجلى القوانين نفسها على أنها ميول اجتماعية مُحددة تعمل في ظروفٍ مُختلفة، اعتماداً على العديد من الظروف المُتناقضة والعوامل ذات التأثير المُتفاوت بهذه الدرجة أو تلك، والتي غالباً ما يَنبثق عنها نتائج غير مُتطابقة في النطاق والعُمق. تتحقق الضرورة التاريخية، في ظل ظروف التطور الاجتماعي العفوي، ليس بشكلٍ مُباشر، ولكن من خلال مئات الأحداث العشوائية. إن قوانين التاريخ، على حد تعبير انجلز، "تشق لنفسها طريقاً داخل حدود هذه الأحداث العشوائية"(13). ان الأشكال التي تتجلى بها التفاعلات بين القاعدة الاقتصادية المُحددة والبُنى السياسية وحتى الايديولوجية مُعقدة ومتنوعة. تؤدي ظروف وجود المُجتمع الطبيعية والبيئة الجُغرافية الى نتائج مُختلفة على مُستويات مُختلفة من تطور الانتاج الاجتماعي. لاحَظَ انجلز، في رسالته الى بلوخ في 21-22 أيلول عام 1890 أن "ثمة عدداً لا يُحصى من القوى المُتقاطعة، مجموعة لا نهاية لها من متوازيات أضلاع القُوى تؤدي الى حصيلة واحدة، وهو الحدث التاريخي..."(14). يجب أن يكون لدراسة الدوافع، بما في ذلك الدوافع النفسية للمُشاركين في الأحداث(15)، والسيكولوجيا الاجتماعية ككل، وكذلك دراسة الصفات الفردية وأفعال الشخصيات البارزة الفردية التي تُعبّر عادةً عن ميول التطور الاجتماعي أفضل من الآخرين، نقول، يجب أن يكون لهذه الدراسة مكانة كبيرة في المبحث التاريخي. لم يكتَفِ انجلز بتفسير دور الشخصيات البارزة في التاريخ على مستوى النظرية العامة (أنظر رسائله حول المادية التاريخية المُشار إليها أعلاه)، بل طَرَحَ في أعماله توصراً سيكولوجياً للعديد من الشخصيات التاريخية (توماس مُنذر Thomas Müntzer، لوثر، وشخصيات الثورة الألمانية 1848-1849 وجوسيبيه غاريبالدي Giuseppe Garibaldi ونابليون وبسمارك، الخ). كما كَتَبَ بعض التخطيطات عن سِيَر الثوريين البروليتاريين: جورج فيرث Georg Weerth وفيلهلم وولف Wilhelm Wolff ويوهان فيليب بيكر Johann Philipp Becker).
يتفاوت شكل تجلّي الصراع الطبقي، الذي هو القوة الدافعة الرئيسية في تاريخ المُجتمعات التناحرية. ان واجب المبحث التاريخي ليس فقط تحديد طابعه الخاص وحسب، ولكن في إعادة بناء المسار الملموس الذي سلكه، أي في إعادة بناء تلك "السلسة غير المُنقطعة من الصراعات الطبقية" التي كتب عنها انجلز كثيراً، لا سيما في الرسالة الى لافروف التي استشهدنا بها مُسبقاً، باعتبارها السمة الحاسمة للتاريخ، منذ زمن انحلال المجتمع البدائي(16).
وهكذا، فإن فهم سمات موضوع المبحث التاريخي، والذي يختص بعملية محكومة بالقانون، وفي نفس الوقت مُتنوعة في مظاهرها الملموسة بشكلٍ لا حصر له، هو أساس الموقف السلبي للماركسية تجاه نظرية المعرفة التاريخية التي تستبدل التاريخ بتجميع بسيط للحقائق والتي تطرح مُخططاً مُبسطاً للتاريخ يتجاهل الأساس الواقعي لعملياته.
تشهد أعمال انجلز على الاهتمام الجاد ببيانات التاريخ العيانية. كشفت أعماله عن كونها "مُختبرات" بحثية تم فيها جنع بيانات وقائعية واسعة النطاق. كما قام بتجميع جداول زمنية، من بين أمور أُخرى، عن تاريخ ايرلندا وأيضاً عن الحركة الشارتية، حيث سجّلَ العديد من الأحداث الملموسة وعن عدد كبير من الشخصيات التاريخية(17). ولكن، حتى في هذه الأعمال، لم تكن مُجرّد تجميعاً للحقائق، بل اعادة إنتاج مُفسّرة لسلسلة من الظواهر التاريخية التي تكشف عن بعض انتظامات التطور التاريخي في شكلٍ عياني (على سبيل المثال، أسباب انتفاضة الشعب الايرلندي ضد المُستعمرين الانجليز، وصعود وانحدار الحركة الشارتية). وغنيٌّ عن البيان أن مثل أعمال انجلز المُنجزة هذه مثل (حرب الفلاحين في ألمانيا) و(الثورة والثورة المضادة في ألمانيا) و(مُساهمة في تاريخ الألمان القديم) و(أصل العائلة والمُلكية الخاصة والدولة) و(دور العنف في التاريخ) و(مُساهمة في تاريخ المسيحية البدائية) تعكس مُستوىً أعلى من التعميم التاريخي، الذي يستند على أساس متين من دراسة العديد من الحقائق الملموسة.
اعتبر انجلز، من السمات المُحددة للمبحث التاريخي، على عكس العلوم الطبيعية، أنه يُعالج العمليات التي انتهت، وإن كان المرء يتحدث عن ظواهر من الماضي القريب نسبياً، فهي أصلاً وصلت الى مرحلة تتجاوز ما تتم دراسته. كتب انجلز في (ضد دوهرينغ) أن التاريخ له علاقة بأصل ونشوء الأشكال الاجتماعية والسياسية المُختلفة عندما "تكون تلك الأشكال قد قطعت نصف حياتها فأصبحت تتجه الى الزوال"(18). لذلك، المعرفة التاريخية ليست معرفة مُباشرة وفورية للموضوع. إنها لا تعكسه بالشكل الذي كان عليه في اللحظة المُعطاة، ولكن تعكسه كما كان في الماضي، من منظور زمن مُعين. كَتَبَ ماركس في مقدمته لعمل ماركس (النضال الطبقي في فرنسا 1848-1850): "لمِنَ المُستحيل أبداً الحصول على لوحة واضحة عن التاريخ الاقتصادي في مرحلةٍ ما من المراحل وعن الأحداث نفسها في آنٍ واحد، الا بعد جمع المادة والتحقق منها"(19). بالطبع لم يُنكر انجلز إمكانية التفسير العلمي للأحداث فيما يُسمّى بالتاريخ الحالي. لقد اعتبر أعمال ماركس، وتحديداً (النضال الطبقي في فرنسا) و(الثامن عشر وبرمير لويس بونابارت) أمثلةً على منهجيته التاريخية الدقيقة والتي جعلت من المُمكن الكشف العلمي عن معنى الأحداث التي حدثت للتو، أو ما بعدها مُباشرةً.
لكن من حيث المبدأ، لاحَظَ انجلز هنا سمةً موضوعية مُهمة للغاية للمعرفة التاريخية، تتجلى بغض النظر عن موهبة أي مؤرّخ مُحدد وقدرته على فهم جوهر ما حدث أو توقّع مسار الأحداث اللاحق. إضافةً الى ذلك، كلما قل الفاصل الزمني بين المعرفة التاريخية والأحداث قيد الدراسة، زادت الصعوبات التي نواجهها عادةً في دراستها: ربما لأن عواقبها لم تتضح بعد، وقد تكون المواد التي تُلقي الضوء عليها لم يتم جمعها أو ليست مُتاحةً بعد، الخ. في وقتٍ لاحق، مع تراكم هذه المواد، تنكشف تدريجياً فُرَص أكبر وأكبر بالنسبة لمبحث التاريخ، ويكتسب المزيد من امكانيات تحصيل المعارف التاريخية. كَتَبَ انجلز، في (النضال الطبقي في فرنسا)، على سبيل المثال، عن أهمية ظهور البيانات الاحصائية، التي يستغرق جمعها ومُعالجتها وقتاً كثيراً(20). لهذا السبب، غالباً ما يتعيّن على مبحث التاريخ أن يعود مرةً تلو الأُخرى الى نفس الأحداث بقدر ما يتطور هذا المبحث نفسه، وكُل عودة مثل هذه بشكلٍ عام هي مرحلة جديدة في المعرفة عنها على أساس نطاق أوسع من المصادر وبمساعدة أدوات بحث جديدة تتحسن باستمرار.
هناك خِصّيصة أُخرى للمعرفة التاريخية تكمن في حقيقة أن المؤرّخ لديه حاجة أكثر من الباحثين في المجالات الأُخرى لمُعالجة طبيعة الظواهر المُحددة وتفردها، حتى تلك ذات الطبيعة المُماثلة. إن تكرار الأحداث العيانية في التاريخ هو أكثر نسبيةً مما هو عليه في الطبيعة. كَتَبَ انجلز أن "تكرار الظاهرة في تاريخ المُجتمع هو الاستثناء وليس القاعدة، وإن حدثت مثل هذه التكرارات في مكانٍ ما، فلن تكون أبداً في ظل ظروف مُتطابقة تماماً(21). هذه السمة المُميزة للتاريخ تندمج بلا شك في عملية تحصيل المعرفة عنها، لأنه من الضروري في كُل مناسبة مُعالجة كل مظهر مُتفرّد من مظاهر القوانين العامة. ولهذا في مجال تاريخ العلم يكون ادعاء وجود حقيقة نهائية أصعب، مُقارنةً بالعلوم الطبيعية. تحمل المعرفة هنا، طابع درجات مُتفاوتة مما هو (قريب) للحقيقة.
لا ينبع من ذلك أن انجلز أنكرَ معرفة الظواهر التاريخية. لا يوجد أي شيء مُشترك بين نظرية المعرفة التاريخية الماركسية وآراء مدرسة ريكرت وفندلباند الكانطية الجديدة، الذين قدّموا اُطروحة أن التاريخ مُتعالي، وأنه يستحيل إيجاد أي انتظام تاريخي، وأن المباحث التاريخية تختلف بشكلٍ مُطلق عن المباحث الطبيعية، على أساس عدم إمكانية معرفة موضوع الأولى.
لا يُفسّر انجلز الطبيعة النسبية للمعرفة التاريخية بروح لاأدرية ونسبوية. انها بالنسبة له حالة خاصة من نسبية المعرفة بشكلٍ عام، تطورت-في مجال التاريخ من بين مجالاتٍ أُخرى-على أساس انتقال دياليكتيكي من الحقيقة النسبية الى الحقيقة المُطلقة. إن الحقائق التاريخية التي أقامتها المباحث التاريخية، وإن كانت في شكل تقريبي وأوّلي وغير مُكتمل، ليست بأيِّ حالٍ من الأحوال ثماراً للتخيّل الذاتي. لقد كانت موجودةً بشكلٍ موضوعي وهي لا تزال موجودةً في عددٍ من الحالات، ولا يزال لها وجود حقيقي إن لم ينتهِ الحدث بعد. ان الدرجة التي تكون فيها غير معروفة في لحظة مُعينة هي درجة نسبية مثل درجة معرفتها(22). هناك عوائق أُخرى أكثر عُمقاً لظاهرة مُعينة تنظرح أمام معرفة أكثر دقةً لظاهرة مُعينة مثل تحيّز المؤرّخ الطبقي والعررقي ومنهجه الخاطئ ونقص المصادر الأساسية والتكميلية، وما الى ذلك. من الناحية النظرية، يُمكن التغلّب على كُل ذلك بقدر ما تُصبح المنهجية العلمية الماركسية اللينينية التي تعكس النظرة الى العالم التي تُمثلها الطبقة الثورية المُتقدمة، والتي لها مصلحة في إعادة بناء الحقيقة التاريخية بالكامل، راسخةً في المباحث التاريخية. هذا سيجعل من المُمكن القضاء على الغمامات الطبقية وفتح الطريق أمام تصور أكثر موضوعيةً للماضي.
حتى هذه العقبات التي تعترض المعرفة التاريخية مثل غياب المصادر أو عدم إمكانية تحصيلها في لحظة مُعينة (خاصةً مثل عدم إمكانية تحليل بعض آثار الكتابات القديمة) هي في الأساس مؤقتة في كثيرٍ من الأحيان. كان انجلز مُتفائلاً جداً بشأن هذا الأمر، مُعرباً عن ثقته في أن تطور المبحث التاريخي سيُثري قاعدته بالمواد المصدرية باستمرار ويوسّع موارد تصحيح المعارف. توقّعَ انجلز في كتابه (أصل العائلة والمُلكية الخاصة والدولة) أن المُكتشفات الجديدة في مجالات الأركيولوجيا والأنثروبولوجيا ستجعل من المُمكن حل أكثر من لغز فيما يتعلق بفترة الماضي البشري السحيق مثل تاريخ الانسان البدائي، وسيجعل من المُمكن حينها إحداث تعديل جوهري على التحقيب الذي وضعه لويس هنري مورغان(23)(أ). كَتَبَ انجلز في سياقٍ آخر، أنه إن أصبحت جميع المعالم الموجودة في القانون الايرلندي القديم مُتاحة، والتي ستُصبح دون شك مُتاحةً مع مرور الزمن، سوف يكشف المؤرخون حينها العديد من جوانب الماضي التاريخي لإيرلندا وخاصةً المقاطع الغامضة في السجلات الايرلندية: "ستتفعل الكثير من المُلاحظات الجافة ويُلقى عليها ضوء جديد بفضل انكشاف المقاطع في مجموعات القوانين"(24).
وفي حين كان انجلز يُدرك الصعوبات الموضوعية التي تواجه المبحث التاريخي ويُقيّم حالته في عصره بشكلٍ دقيق، بقدر ما كان يُقدّر التأثير السلبي للتحيز الطبقي البرجوازي ونظرتها الى العالم، الا أنه كان يؤمن ايماناً راسخاً بالامكانات المعرفية المتزايدة للمبحث التاريخي. اتخذ انجلز كنُقطة انطلاق، في مفهومه حول مُستقبل مبحث التاريخ، الطابع النقدمي العام لتطوره، على الرغم من كل الاتجاهات القهقرية في التأريخ البرجوازي. وبأنه سيُحقق الانتصار في النهاية. وتوقّعَ أن تفتح آفاق واسعة أمام الدراسات التاريخية وكذلك العلوم الطبيعية عندما "تتشرب الدياليكتيك"(25). كان انجلز واثقاً من أن انتصار النظام الاشتراكي سيؤدي في المُستقبل الى ازدهار جميع فروع العلم، بما في ذلك مبحث التاريخ(26).
يكمن الطريق الى معرفة التاريخ من خلال البحث في المصادر: الآثار المادية والوثائقية (المكتوبة) لفترات العصور الماضية. لم يترك انجلز أي عمل متخصص دون بحث في المصادر المتعلقة به. لكن بعض مبادئ المنهج المُتعلقة بفهم دور المصادر من وجهة نظر نظرية المعرفة التاريخية وأساليب استخدام المصادر لإقامة الحقيقة التاريخية تنبع من استخداماته العديدة للمواد التاريخية الأكثر تنوعاً وبعض كتاباته، وقدّم أمثلةً لتفسير المصدر وتحليله فيما يتعلق بأبحاثة التاريخية المُختلفة (لا سيما في كتاب "حالة الطبقة العاملة في انجلترا"، وكتاباته عن ايرلندا، والجرمان القُدامى والإقطاع المُبكّر، والمسيحية المُبكّرة، الخ)(27).
كان لدى انجلز فهم عظيم لقيمة المصادر باعتبارها، إن جاز التعبير، المادة الهام الأولية لمبحث التاريخ. سعى في كتاباته الى تأسيسها على مجموعة واسعة من المواد والآثار، مما يدل على مدى اتساع تفسيره هو نفسه لمفهوم المصدر التاريخي. لقد استفاد من بيانات الأركيولوجيا وعلم العملات والاثنوغرافيا والسجلات والمواثيق والمعالم الأثرية والفن والأدب والفلكلور بالإضافة الى شهادات المُعاصرين المحليين والأعمال الحكومية والمعاهدات ووثائق السياسات الخارجية والنشرات ومحاضر المُناقشات البرلمانية وتقاريرها والمُلخّصات الاحصائية ووثائق اجراءات المُحاكمات ووثائق المنظمات العمالية والشعبية والصحافة، الخ. تباينت أنواع المصادر التي لجأ اليها انجلز، بطبيعة الحال، حسب المسألة المدروسة والفترة التاريخية قيد البحث. وهكذا اعتبر انجلز أن المواد الاثنوغرافية التي تعكس بقايا العادات البدائية بين قبائل وقوميات مُعينة في القرن التاسع عشر مُهمة جداً لإعادة البناء المعرفي لسمات أقدم النُظُم الاجتماعية(28). كان انجلز يقول، بأن إعادة بناء المشهد الاجتماعي في ايرلندا قبل الغزو الانجليزي في القرن الثامن عشر، تتطلب الاستفادة من البيانات حول ايرلندا التي جمعها كُتّاب القرن السادس عشر والسابع عشر الانجليز كمادة يُمكن على أساسها "استخلاص استنتاج حول منظومة اجتماعية أقدم"(29).
كانت المصادر ذات الطابع الايديولوجي (الوثائق الأدبية حول الموضوعات السياسية والاجتماعية، الخ) من وجهة نظر انجلز، ذات أهمية كبيرة لتحصيل المعرفة حول أي عصر. في الأساس، تقدمت كإنعكاس للحياة الفكرية والاجتماعية لعصرٍ مُحدد ونلقت جهود الطبقات والشرائح الاجتماعية، بالأشكال التي تنعكس فيها مصالحهم في وعيهم، بطبيعة الحال. لذلك، لجأ انجلز غالباً الى الكتابات الأدبية والى الكتابات النقاشية والمنشورات الدعائية لدراسة أحداث ووضعيات العصور المُختلفة، لا سيما في تحليل الصراع الايديولوجي زمن الإصلاح وحرب الفلاحين في ألمانيا والثورات البرجوازية الانجليزية والفرنسية، الخ. غالباً ما ساعدت مثل هذه المصادر أكثر من الأُخرى في تفسير "القوى المُحركة التي تنعكس بشكلٍ واضحٍ أو غامض، بشكلٍ مُباشرٍ أو ايديولوجي وربما خيالي، في شكل قناعات واعية في أذهان الجماهير النشطة وقادتها، والذي يُسَمّونَ الرجال العظماء"(30).
لا يفترض استخدام المصادر التاريخية مجرد اعادة انتاج بياناتها، بل يجب تحليلها نقدياً. مطلوب من الباحث أن يفصل بين ما هو موثوق وما هو غير موثوق في أي بحث تاريخي مُعيّن، وخصوصاً، كما كتب انجلز، فيما يتعلق بالسجلات الايرلندية في العصور الوسطى، لتعيين الحدود التي عندها يُصبح الجزء الأُسطوري حقيقة. وفي الأسطورة، يجب فصل ما هو مجرد ابتداع عقلي عن الفلكلور الشعبي الحقيقي الذي يُمكن من خلاله معرفة سمات الماضي الحقيقي بشكل أُسطوري(31). تشمل مهام المؤرخ أن يدرس بشكلٍ شامل، ولو دراسة لغوية للنصوص، لأي وثيقة تاريخية، وتحديد أصلها، وتفسير الطابع الطبقي والسياسي لواضعها. هذا يجعل من المُمكن تحديد أكثر دقة لدرجة أصالتها لتي تنعكس فيها الحقائق المُختلفة، وتمييز نُسخها المُتحيزة النابعة من التعديلات الطبقية والطائفية والقومية والأحكام المُسبقة التي تشوبها. اعتمد انجلز، بطبيعة الحال، لدى مُعالجته المصادر، على مُنجزات الدراسات التاريخية البرجوازية في مجال منشأ المصادر وعلى العديد من التقنيات النظرية في إخضاع المصادر للنقد، والتي (أي التقنيات) قد أصبحت ثبُتَت في منهجية مبحث التاريخ(32).
ومع ذلك، فإن طرح والاستخدام المتسق للمعيار الطبقي كأحد المبادئ الرئيسية للتحليل النقدي واستخدام المصادر هو مساهمة قدمها التأريخ الماركسي الذي أسسه ماركس وانجلز. وللتحقق من صحة البيانات من أي نوعٍ من المصادر، لجأ انجلز الى مُقارنة إصدارات مُختلفة من مصادر متنوعة الأصل، وأحياناً من جهات مُعادية لبعضها البعض(33).
فيما يتعلق بالمُقاربة النقدية والتحليلية للمصادر باعتبارها إحدى المُتطلبات المُطلقة التي تنبع من الطابع العلمي للمعرفة التاريخية الحقيقية، عارض انجلز الموقف الشكي المُفرط تجاه آثار الماضي. لقد أثارت هذه الشكية حفيظته عندما اتخذت شكل الاهمال الشوفيني للماضي التاريخي وتقاليد الشعوب المُضطهدة التي اتخذها المؤرخين البرجوازيين. وبالتالي، لم يقبل موقف المؤرخين البرجوازيين للقرن التاسع عشر المُتحيّز والمُزدري للمعالم التاريخية الايرلندية العائدة للقرون الوسطى، وتأكيداتهم على أن العديد من بيانات السجلات الايرلندية كانت اسطورية كُلياً، وهي وجهة نظر استخدموها كذريعة "لتجاهل كل شيء ايرلندي باعتباره عبثاً واضحاً"(34).
يرى انجلز أن التحليل النقدي للمصادر هو وسيلة يُمكن الاعتماد عليها لتحديد الحقائق الموثوقة. ولكن لا يجب على مبحث التاريخ أن يقصر نفسه على هذه المهمة. ان هدفه ليس إقامة الحقائق بل تفسيرها والكشف عن العلاقة السببية فيما بينها كما ذكرنا سابقاً. يجب على الباحث أن ينتقل من تحليل المصادر، الى نظمنة استنتاجاته، وتجميع الحقائق، ان استخدمنا تعبير انجلز(35)، الى وتعميم وتركيب الملاحظات الفردية، والوصول الى مفهوم تاريخي مُعيّن. ليس على مثل هذه المفاهيم أن تولد في نهاية عملية التحليل دائماً، بل قد تنشأ أيضاً أثناء سياقه، أحياناً في شكل افتراضات والتي يُمكن تجاهلها لاحقاً ان كانت الحقائق التي تم الكشف عنها حديثاً تتعارض معها، أو يُمكن التأكيد عليها وجعلها أكثر دقه إن تأكدت بواسطة البيانات الجديدة. تتحول في هذه الحالة، الى فرضيات شاملة تخص العلم التاريخي. في هذه المرحلة، يكون اتقان تكنيك مُعالجة المصادر مُساعد هام للمؤرخ، بقدر ما يُساعده أيضاً التطبيق الماهر لمنهجية التحليل العام للظواهر التاريخية والمعرفة التاريخية النظرية (أي ما يُسمى سعة الاطلاع التاريخي، والتي كان انجلز يحوزها الى درجة عالية)، وكذلك القدرة على الجميع بين منهجية البحث التاريخية والمنطقية. تتجلى وحدة المنطقي والتاريخي الذي يُميّز المُقربة الماركسية لدراسة الظواهر الاجتماعية، في الجمع بين التحليل التاريخي الملموس والتعميم المنطقي لنتائجه(36).
يتمتع مبحث التاريخ الماركسي اللينيني، في هذا المستوى الحاسم على وجه التحديد، من تحصيل المعرفة التاريخية، بأفضلية هائلة من حيث المبدأ على التأريخ البرجوازي، الذي تُمكنه منهجيته، من الكشف عن انتظامات معزولة فقط للعملية التاريخية في أحسن الأحوال. على النقيض من ذلك، يستند التأريخ الماركسي على فهم مُجمل قوانين التطور الاجتماعي الأساسية وهو مُسلّح بالمنطق الدياليكتيكي ومعرفة قوانين الدياليكتيك المادي، لدراسة تجليها العياني. يتوافق تطبيق الدياليكتيك على دراسة العمليات التاريخية مع طابع تلك العملية، والتي تجد تعبيرها باستمرار في العملية الموضوعية لقوانين الدياليكتيك. وعلى حد تعبير انجلز، ان كانت الطبيعة هي حجر الزاوية في الدياليكتيك، فإن التاريخ، إن استخدمنا كلماته، تُهيمن قوانين الدياليكتيك على "قوانينه الداخليه بين جميع المُصادفات الظاهرية"(37).
يُمكن معرفة دياليكتيك الظواهر التاريخية الموضوعي هذا فقط من خلال استخدام معايير مُناسبة في شكل مقولات المنطق الدياليكتيكي التي تُعبّر عن جوهر العمليات التي تتم دراستها، وتساعد، في التحليل النهائي، على بناء استيعابها في مفاهيم تاريخية مُناسبة.
قدّم انجلز في كتابيه (دياليكتيك الطبيعة) و(ضد دوهرينغ) طرحاً لكيفية عمل قوانين الدياليكتيك الرئيسية في التاريخ. ان الصراع الطبقي، الذي يبلغ حدته الخاصة في العصور الثورية، عندما يُصبح الرافعة الرئيسية لاستبدال نظام اجتماعي بآخر، يُظهِر بوضوح قانون وحدة وصراع الأضداد. كَتَبَ انجلز: "في التاريخ، يظهر التحرك بين الأضداد، بشكلٍ خاص، في جميع العصور الحَرِجة بين الشعوب الرئيسية"(38). خضعت المساواة الأولية للبشر البدائيين الى التحوّل الى نقيضها، أي الى عدم المساواة الاجتماعية والسياسية في المُجتمع الطبقي، والتي سوف يؤدي تطورها، بدوره، الى اعادة انشاء المساواة المفقودة على أساس جديد نوعياً. هذه العملية الدياليكتيكية، التي يتجسد فيها عمل قانون نفي النفي، اكتشفها جان جاك روسو، الذي عبّرَ عنها بالطبع بالاسلوب الساذج لعصره، الذي تخللته النزعة الأخلاقوية. يقول انجلز: "حتى وجهة نظر روسو للتاريخ القائلة بأن المساواة البدائية التي تبعها اللامساواة ومن ثم انشاء المُساواة على مستوىً أعلى، هي نفي النفي"(39). في العملية التاريخية، هناك عبور دياليكتيكي ثابت من التغيرات الكمية الى النوعية، والعكس صحيح. على عكس التأريخ البرجوازي الوضعي، الذي يختزل التقدم الى التطور Evolution الثابت في العالم الفكري بشكلٍ رئيسي، تعتبر الماركسية الحركة الى أمام بمثابة حلول مُعقّد ومُتناقض للتطور الهادئ، الى تطور ثوري، وهو حلول غالباً ما يكون مصحوباً بانقطاع في التدرّج، وخطوة الى الخلف، وتراجع جُزئي مؤقت. "يتحرّك التاريخ غالباً بقفزات ولولبية..."(40).
قدّمَ انجلز هذه وغيرها من الأمثلة على عمل قوانين الدياليكتيك في التاريخ ليس فقط لإثبات عالميتها، ولكن أيضاً للتأكيد على الأهمية الهائلة للمنطق الدياليكتيكي للمعرفة العلمية للتطور التاريخي. إن مهمة تحصيل المعرفة التاريخية تتمثل، بطبيعة الحال، ليس في البحث عن أمثلة للطابع الدياليكتيكي في العملية التاريخية، بل في جعل الدياليكتيك أساساً لمُقاربة دراسة الأحداث والظواهر التاريخية. إن تطبيق المنهج الدياليكيتي على التاريخ يتكون من القُدرة على دراسة هذه الظواهر في ترابطها الداخلي وفي تطورها، وإلقاء الضوء على مُقدمات عملية نشوئها، وأشكالها الناضجة والأشكال التي تعكس مرحلة انحلالها واضمحلالها، والكشف عن التناقضات الداخلية التي تُميّز أي ظاهرة، وتمييز الجانب التقدمي من وحدة ضديها، عن جانبها المُحافظ. يجب على الباحث، عند استخدامه للدياليكتيك، أن يكشف عن طبيعة التغيرات الكمية المُتنوعة في التطور الاجتماعي، بحيث يفرز منها تلك التي تؤدي الى قفزات نوعية، ودراسة أسباب وخصائص هذه الانفجارات الثورية ودورها في تقدم المُجتمع، وما شابه ذلك.
بعبارة أُخرى، الدياليكتيك، من وجهة نظر الماركسية اللينينية، هو الأداة المنطقية الرئيسية للمعرفة التاريخية. ومع ذلك، لا يجب أن يكون التطبيق الصحيح للدياليكتيك بشكل وحيد لجانب. ولا يجب على المرء أن يختزل أدوات البحث المنطقية الى قوانين الدياليكتيك واستبعاد جميع تقنيات البحث الأُخرى، بما في ذلك المنطق الشكلي. لا يسمح التعقيد الشديد للعملية التاريخية وتنوع تجليات القوانين الدياليكتيكية باستخدام نموذجي مُنمّط للمنهجية العلمية، إنه يتطلب مُقاربة مُتنوعة لدراسة الظواهر التاريخية واستخدام ترسانة واسعة من أدوات البحث الأساسية والتكميلية. لا تقصر النظرية الماركسية للمعرفة التاريخية هذه الترسانة على مجموعة من المقولات المنطقية الثابتة الى الأبد. إنها تُقدّم لنا فرصةَ لإثرائه واستيعابه بإستخدام أكثر الوسائل والمناهج العيانية تنوعاً (بما في ذلك المناهج التحليل المنظومية والبنيوية والوظيفية(41) والرياضية وما الى ذلك)، مُنظمةً إياها في نظام علمي صارم يخضع للمبادئ المنهجية العامة.
استخدم انجلز مناهج مُختلفة تماماً في التفكير المنطقي حول المعلومات التاريخية من أجل الوصول الى جوهر الظواهر التاريخية. غالباً ما لجأ الى الدراسة المُقارنة لظواهر تاريخية مُتنوعة، من بينها تاريخ البُلدان الفردية. واعتبر المنهجية المُقارنة قابلة للتطبيق ليس فقط في علم اللغة، ولكن في دراسة تاريخ تطور اللغات المُختلفة في المجموعات اللغوية المُتنوعة(42)، وكذلك في تحليل التطور التاريخي للنُظُم والمؤسسات الاجتماعية المُختلفة. على سبيل المثال، قارنَ انجلز نفسه بين سمات نظام الكلتيين الايرلنديين وعاداتهم القديمة وبين الغاليين القُدامى، وقارنَ مُختلف طبقات وطوائف ألمانيا عشية حرب الفلاحين عام 1525 مع ووضع هذه الطبقات والطوائف في مناطق وبُلدان أُخرى(43).
وفي حين كان انجلز يُدرك الطبيعة النسبية لقانون التكرار في التاريخ، الا أنه لم يكن يميل على الاطلاق الى اضفاء صفة الاطلاق على هذه الخاصية النسبية. على الرغم من تفردية كل حدث في التاريخ، فقد رأى أنه مع ذلك، كثيراً ما يُلاحظ الدارس للتاريخ وضعيات وعمليات مُماثلة من نفس النمط. في بعض الأحيان يتمظهر سبب أو مجموعة من الأسباب لوضعية مُعينة، بطُرقٍ مُختلفة، في حين أن الانتظامات التي تُحرّك ظواهر مُختلفة وفي أماكن مُختلفة وتحت ظروفٍ مُختلفة تكون مُتشابهة في طبيعتها. على الرغم من عدم وجود ما يُسمّى التطابق الكُلي لأحداث التاريخ، يُمكن للمرء أن يرصد ظواهر مُتشابهة أو مُتماثلة. لذلك، فإن المُقارنة والقياس في البحث التاريخي، من وجهة نظر ماركس وانجلز، ليست فقط وسيلةً مسموحةً بها بل وهامة بشكلٍ استثنائي من أجل إقامة الحقيقة. تكمن إحدى طُرق الحصول على معرفة الانتظامات التاريخية، على وجه التحديد، في دراسة تمظهراتها النموذجية ليس لحالة واحدة، بل لمجموعة من الحالات، والتي (أي التمظهرات) تنطبق أيضاً على نتاجات تلك الانتظامات(44). ان المقارنة التي قام بها انجلز في عمله (دور العُنف في التاريخ) هو مثال حي على الاستخدام العلمي الحقيقي للمقارنة في علم التاريخ. قارَنَ انجلز هنا بين سياسة وأساليب حُكم لويس لونابرات وبسمارك، وبين نظام الامبراطورية الفرنسية الثانية من جهة، وما أسسه "المستشار الحديدي" في ألمانيا الموحدة برعاية بروسيا من جهةٍ أُخرى(45). ولكن انجلز، لم يسمح، ولو لدقيقة واحدة، أن يغيب عن ناظره الملامح التي تمُيّز بروسيا عن غيرها، أي الخصائص اليونكرية لأفعال بسمارك، والتي طبعت سياسته والتغييرات التي أحدثها، بخاتمٍ خاص.
تتجلى التشابهات التاريخية في شكل كاريكاتوري أحياناً. نحن نعلم، على سبيل المثال، أن ماركس، طوّرَ فكرة هيغل، الذي كتب عن تكرار الأحداث الكُبرى التي تحدث في المرة الأولى على أنها مأساة، والثانية على أنها مهزلة(46). اعتقد انجلز أن التسلس المُعاكس مُمكن أيضاً. كَتَبَ انجلز الى إد. فيلان في 5 كانون الأول عام 1890: "بعد المهزلة تأتي المأساة"، عندما تحدثَ حول عواقب سقوط البولانجرية Boulangism في فرنسا، وهي الهيمنة الصريحة لعناصر الرأسمالية المُضاربة، من جهة، وحكمة الشرائح الديمقراطية التي اجتذبتها الديماغوجية البولانجرية، من جهةٍ أُخرى(47).
لم يكن التشابه التاريخي بين الأحداث المُتزامنة بشكلٍ أو بآخر فقط، بل حدَثَ كذلك أن وجَدَ انجلز تشابه ظواهر في فترات تاريخية مُتباعدة أيضاً. وهكذ وجَدَ في دراسته لتاريخ ايرلندا أنه من المُناسب مُقارنة سلوك تشارلز الأول، مُمثل سُلطة الانجليز المُطلقة للقرن السابع عشر بملك بروسيا فريدريك فيلهلم الرابع لمنتصف القرن التاسع عشر(48). في كتابه (حرب الفلاحين في ألمانيا)، قارَنَ بين موقف وطريقة حياة تُجّار القرن السادس عشر، وخُلفاؤهم التاريخيين من البرجوازية الألمانية في القرن التاسع عشر، ووجد الكثير من القواسم المُشتركة حتى في ظروف تطور التُجّار والبرجوازيين في قرنين مُختلفين(49).
وبالتالي، فإن نظرية المعرفة التاريخية الماركسية، تعتبر أنه من المُمكن رسم مُقارنات تاريخية، ليس أُفقياً فقط، بل عمودياً أيضاً، إن جاز التعبير. علاوةً على ذلك، فإن هذا المقطع العمودي، يكشف الخيوط التاريخية التي تربط العصور البعيدة بالعصور اللاحقة، مما يجعل من المُمكن الكشف ليس فقط عن آثار الماضي في مُجتمع أكثر تطوراً وحسب، بل وأيضاً الكشف عن الجذور التاريخية للظواهر الحديثة، أي أجنّة ما وَصَلَ لاحقاً الى مرحلة النُضج. وتكمن الأهمية الموضوعية للبحث التاريخي، برأي ماركس وانجلز، في الكشف عن الجذور التاريخية للظواهر المُعاصرة تحديداً.
ومع ذلك، شددّ انجلز على استخدام منهجية المُقارنة بحذرٍ شديد. ومن أجل أن لا تكون المُقارنة سطحية، ولكي لا تتحوّل الى عملية منطقية محفقوفة بخطر تعمية جوهر الأحداث، ولا تجعل التشابه الخارجي يُعمي الاختلافات بينهما، كان من الضروري أن يكون المُحتوى الموضوعي لموضوعات المُقارنة من نفس الزمن بحق. رَفَضَ انجلز بشكلٍ صريح المُقارنة المُصطنعة بين التشابهات في عصورٍ مُختلفة، وعلى وجه الخصوص، ضد تطبيق "عصرنة" الأفكار القديمة التي ظهرت في الظروف الاجتماعية اللاحقة، أو تفسير المؤسسات الاجتماعية القديمة بناءاً على معايير لهذه المؤسسات نشأت حديثاً (يجدر بنا أن نتذكر، على سبيل المثال، نقده لمفاهيم عصرنة العائلة البدائية التي سادت لفترةٍ طويلة في الأدب التاريخي البرجوازي، الذي طرحه في مُقدمة الطبعة الرابعة من "أصل العائلة والمُلكية الخاصة والدولة")(50). أدان انجلز بشكلٍ صريح الميل الى محو السمات المُميزة والجوانب الفريدة للتطور التاريخي، الاسلوب الذي كان واضحاً في كثيرٍ من الأحيان عندما تم استخدام المُقارنات بشكلٍ أخرق ومُبتذل. وهكذا، احتجّ انجلز في عام 1890 على تجاهل الناقد الأدبي الألماني وأحد أعضاء المُعارضة شبه الاناركية للاشتراكية الديمقراطية ب. ارنست، تجاهله للسمات المُميزة لتطور الدول الاسكندنافية التاريخي (بقاء آثار الفلاحين الأحرار) وضد مُعاجلته لها على أنها مُطابِقة للطبقات الوسطى التي تشكلّت اجتماعياً بروح الاستقلال(51). لكي تكون المقارنات حقاً وسيلةً للادراك الصحيح في دراسة التاريخ، فإن عليها أن تتحرر من كُل الحشو والعصرنات، وأن تقترن بدراسةٍ عميقة والكشف عن جوهر الظواهر التي تتم مُقارنتها، مع مراعاة كُل تفردها، وأن تستند الى مبدأ المُقاربة التاريخية حقاً.
تتمثل احدى تقنيات الدراسة المُقارنة للأحداث والوضعيات من نفس النمط، ليس فقط في تحديد ما هو مُتشابه بينها، بل وتحديد الاختلافات أيضاً. ان المُقابلة بين الأحداث، تعمل على توفير مُكمّل دياليكتيكي للمُقارنة وهي أيضاً وسلة لإلقاء الضوء على عملية الانتظام التاريخي. تُساعد المُقابلة بين الأحداث على وجه الخصوص في الكشف عن العلاقة المُعقدة والمشوشة في كثيرٍ من الأحيان بين الانتظام العام والانحرافات المُحتملة عنه بسبب عوامل مُختلفة، ويُساعد على حل مسألة العام والخاص في التاريخ عن طريق البيانات العيانية(52).
تُقدّم مخطوطة انجلز (مُلاحظات حول ألمانيا)، بالاضافة الى كتابات أُخرى له عن التاريخ الألماني، فكرة بيانية خاصة حول كيفية استخدامه لتقنية البحث هذه. توجد في هذه الأعمال، على وجه الخصوص، مُقارنة لتطور فرنسا وألمانيا منذ العصور الوسطى وحتى القرن الثامن عشر، ليس فقط على مُستوى المُقارنة، بل على مستوى المُقابلة أيضاً. توصّل انجلز، لدن اجراءه هذا التحليل المُقارن الى استنتاج مفاده أن الاتجاهات الاقتصادية والاجتماعية المُتطابقة جوهرياً (انحلال الاقطاع وظهور العلاقات الرأسمالية)، لم تؤدِّ مُطلقاً الى عواقب مُتطابقة في البُنية السياسية للبلدين، على الرغم من أنها سارت في اتجاهٍ واحد. كانت فرنسا قادرةً على التماسك في دولة قومية واحدة لَعِبَ فيها الاستبداد دوراً مركزياً. أما ألمانيا، فقد ظلّت مُجزأة سياسياً، وقد نشأ الاستبداد فيها بشكل الحُكم المُطلق في إمارات دول صغيرة بالاضافة الى درجة مُعينة من المركزية في شكل مَلَكيتين كبيرتين مُتنافستين، وهما بروسيا والنمسا. هذه الثُنائية النمساوية-البروسية أدت الى تفاقم لامركزية البلاد(53). في الحالة الأولى، جاء التطور التاريخي مُقارباً للنموذج الكلاسيكي التاريخي العام المؤدي الى تشكّل أُمّة ونشوء دول قومية على أساس تطور العلاقات الرأسمالية. في الحالة الثانية، كان هناك انحراف واضح عن التطور الطبيعي الناجم عن عمل العوامل الاقتصادية والسياسية العَرَضية من وجهة نظر هذه الاتجاهات الرئيسية لتاريخ العالم (تحوّل في طُرُق التجارة الرئيسية التي تركت ألمانيا خارجها، وهزيمة الطبقات التقدمية خلال حرب الفلاحين لعام 1525، الخ). في رسالة من انجلز الى ميهرينغ في 14 تموز عام 1893، أشار انجلز الى أنه مُقتنع تماماً بأن المُقابلة بين فرنسا وألمانيا في دراسة تاريخهما ستكون مُثمرة تماماً: "في دراستي التاريخ الألماني... وجدت دائماً أن مُقارنة مع المرحل الفرنسية المُقابلة لها، تستطيع وحدها أن تُعطي فكرةً صحيحةً عن النِسَب، لأن ما حدث هناك، هو النقيض المُباشر لما يحدث في بلادنا... هناك منطق موضوعي نادر خلال سياق العملية بأسرها، وعندنا، تمزّق كئيب مُتعاظم"(54).
يرى انجلز، أن واجب المؤرّخ ليس فقط تحديد الانحرافات المحلية عن مسار التطور التاريخي العام إن جاز التعبير، وتقديم تفسير علمي لهذه الانحرافات، ولكن أيضاً التمييز بين أنماط تطورية مُختلفة تتجسد في أي ظاهرة، في كُل وضعية مُحددة، بين المُتغيرات المُحتملة، وفي الوقت نفسه الكشف عن الأسباب التي على أساسها يُمكن لأي نمط تطوري أن ينتصر على الأنماط الأُخرى في ظل ظروف تاريخية مُعينة. هذه المُهمة، ومهمة إتباع أساليب البحث المُناسبة، لا تنبثق من مفهوم الحتمية التاريخية كقوة لا راد لها وتُحرّك الأحداث وفقاً لخُطّة صارمة ومُحددة مُسبقاً. يوجد، في كل عملية تاريخية مُحدة، كقاعدة عامة، عدد من الاتجاهات البديلة التي يمكن أن تشتغل في التاريخ بأي شكلٍ من الأشكال، وعدد من مسارات التطور المُحتملة. يعتمد انتصار أي مسار على العديد من العوامل، وقبل كُل شيء يعتمد على تناسب القُوى التي لها مصلحة بإتجاه التطور المعني. يجب على الباحث الكشف عن هذه التنويعات المُحتملة لمسار التاريخ الملموس، حتى لو انتصر احدها ولم يكن بالامكان العودة الى نُقطة انطلاق الصراع فيما بينها. لا يجب استبعاد احتمالات تطور عملية مُعينة لم تتحقق من التحليل، ودون أن يفقد المرء السبيل الى فهم التعقيد الكامل لتلك العملية بالاضافة الى مجموعة الظروف التي وجهت هذا المسار وليس ذاك(55).
يُقدّم تحليل انجلز للمسارات المُحتملة المُختلفة لتوحيد ألمانيا في عمله (دور العُنف في التاريخ) مثالاً كلاسيكياً لهذه المُقاربة تجاه مسألة الاحتمالات البديلة في التطور الاجتماعي. إن المُعالجة الشاملة لهذه المسألة والنظر في جميع الظروف والاحتمالات الرئيسية فقط، مكّنا انجلز من طرح إجابة علمية على مسألة سبب عدم توحّد ألمانيا من خلال الثورة، بل لماذا اكتسبت البلاد وحدتها السياسية من خلال "السيادة البروسية"(56).
كما تناول انجلز في أعماله أيضاً مسألةً منهجيةً بالغة الأهمية مثل العلاقة بين الادراك الذاتي للعملية التاريخية من قِبَل المؤرخين، والواقع التاريخي الموضوعي. اعتبر انجلز مبحث التاريخ، مثله مثل العلوم الاجتماعية الأُخرى، مبحثاً حزبياً، يعكس، كما المجالات الايديولوجية الأُخرى، الصراع بين القُوى الاجتماعية المُتناحرة في المُجتمع الطبقي. يتحدد التعاطف الشخصي للمؤرخ، وموقفه تجاه حقائق وأحداث تاريخية مُعينة، بغض النظر عن المدى الذي يُريد فيه أن يظهر بأنه مُحايد، نقول، يتحدد من خلال طابع فهمه الطبقي للعالم، ومن خلال الموشور الذي يرى فيه الماضي. كان انجلز مُحقاً تماماً في اعتباره سعي المؤرخين البرجوازيين الدؤوب الى انكار التحزب في مبحث التاريخ ومُحاولتهم لجعله علماً "موضوعياً"، بأنه كذب عميق وإخفاء للجوهر التبريري للدراسة التأريخية البرجوازية. كَتَب انجلز بغضب عند نقده هـ. سميث وهو أحد مُمثلي الموضوعانية التاريخية في مبحث التاريخ الانجليزي ومؤلّف كتاب (التاريخ الايرلندي والطابع الايرلندي)، وهو يعبق بالميول الشوفينية: "لا يعرف المرء، عند قراءته لهذا الكتاب الذي يتم فيه تبرير السياسة الانجليزية في فرنسا تحت قناع "الموضوعية"، ما الذي يُمكن أن يتسائل عنه أكثر: جهل استاذ التاريخ هذا، أم نفاق البرجوازية الليبرالية"(57). وفي تعليقاته على هذا الكتاب، في مكانٍ آخر، وَصَف انجلز سميث بأنه استاذ برجوازي يُقدّم تبريرات "تحت ستار الموضوعية"(58).: ان تصريح انجلز هذا، يفضح رذائل الموضوعانية البرجوازية تماماً.
ومع ذلك، في حين أن المواقف الطبقية للتأريخ البرجوازي في مرحلة مُعينة لم تبدأ فقط في التداخل مع ما كان صحيحاً من الناحية التاريخية وحسب، بل ودفعته أيضاً أبعد وأبعد على طريق تزوير التاريخ لصالح البرجوازية الرجعية، الا أن الطابع الحزبي للدراسة البروليتارية للماضي لا يتعارض من حيث المبدأ مع الموضوعية الحقيقية، بل على العكس، انها (الدراسة) تعبير عنها (عن الموضوعية). ان المؤرخ البرجوازي قادر على أن يكون موضوعياً ضمن الحدود التي تسمح بها نظرته الى العالم فقط. غالباً ما يؤدي الموقف المُنجَز وفقاً لما يُمليه ضميره، هذا الموقف البسيط، الى صراع داخلي مع نمط التفكير البرجوازي المُعتاد، أو الصراع مع مُمثلين آخرين للتأريخ البرجوازي. من ناحيةٍ أُخرى، تتوافق مصالح الطبقة المُتقدمة التي تُناضل من أجل التقدم في مُجملها مع العملية الموضوعية للقوانين التاريخية، وتتوافق مُقاربتها الطبقية الحزبية للتاريخ مع مهام إدراك تلك القوانين والاستفادة منها(59).
ان الفهم الحقيقي، وليس المُتخيّل، للتاريخ، وتوضيح الروابط الفعلية بين الماضي والحاضر، والتي تجعل التاريخ صحيحاً تماماً (وليس البحث المُصطَنع في الماضي عن أمثلة لتأكيد هذا المفهوم السياسي أو ذاك)، يُسلّح الطبقة العاملة وحزبها في النضال من أجل أهدافه التحريرية. لذلك، اعتبر انجلز أن أي تحيّز أو مُقاربة براغماتية للاقتصاد السياسي والعلوم الاجتماعية الأُخرى بما فيها مبحث التاريخ، وجعل الحقائق تتناسب مع المُقدّمات الموضوعة بشكل إرادي مُسبَق، اعتبرها تضر بقضية الطبقة العاملة والمنهجية الماركسية. كَتَب انجلز في 11 آب عام 1884 رسالةً الى بول لافارغ يقول فيها: "كان ماركس سيحتج على (المثل الأعلى Ideal الاقتصادي والاجتماعي) الذي تنسبه اليه. فورَ ان يتحدّثَ المرء عن "رجل العلم" في مبحث الاقتصاد، يجب أن لا يكون لدى مثل هذا الرجل أي مثال أعلى: انه يُطوّر النتائج العلمية، وعندما يكون رجلاً حزبياً، فإنه يُناضل من أجل تطبيق تلك النتائج في المُمارسة. لا يُمكن للمرء صاحب مثلٍ أعلى أن يكون رجل عِلم، لأنه يتخذ الآراء المُسبقة كنقطة انطلاق"(60). من الواضح أن ما يقصده انجلز هنا بعبارة "مثل أعلى"، هو الفكرة المُسبقة والأفكار الابتدائية فقط، وأن ما يقوله فيما يتعلق بمبحث الاقتصاد ينطبق أيضاً على مبحث التاريخ.
لكن ما هو الضامِن بأن الحقيقة Truth التي يخلقها مبحث التاريخ، حتى مع الالتزام بالموضوعية العلمية الصارمة، تتوافق مع ما هو موجود في الواقع؟ كيف تُجيب النظرية الماركسية للمعرفة التاريخية عن هذا السؤال؟ تُعلّمنا الماركسية أن معيار الحقيقة هو الممارسة. تختلف تقنية الاستعراض العملي للحقائق العلمية بإختلاف العلوم بطبيعة الحال. بالنسبة لمبحث التاريخ، فهو يتميّز عن أي مبحث آخر تماماً. يُمكن تأكيد صحة المفاهيم المُتعلقة بالعصور الماضية، فيما يتعلق بالماضي البعيد، كما أشار انجلز مراراً في كتاباته، من خلال اكتشاف آثار ووثائق تاريخية جديدة، تماماً كما تم تأكيد نظرية داروين عن أصل الانسان من خلال كشوفات أُحافير الكائنات الحية، الخ. تتضمن مُمارسة وتطوير مبحث التاريخ (بما في ذلك التنقيب الأركيولوجي والبحث عن مصادر جديدة وفك رموز المُستندات وما الى ذلك)، مقياساً لتقييم مستوى المعرفة التاريخية التي تم الوصول اليها في المراحل السابقة مما يؤدي الى تعميق وتصحيح تلك المعرفة.
بالنسبة للعصور التاريخية التي لم تُفقَد فيها خيوط الارتباط مع الحاضر، فإن معيار الحقيقة، هو، قبل كل شيء، الممارسة الاجتماعية القائمة على الاستخدام الواسع للتجربة التاريخية. إن تجاهل دروس التاريخ يُعاقَب عليه بقسوة بفشل السياسيات. من ناحيةٍ أُخرى، فإن الاستيعاب الصحيح لتجربة الماضي يجعل من المُمكن تجنب الأخطاء السياسية وسوء التقدير والقرارات التعسفية وتقوية الأُسس الموضوعية العلمية للنشاط السياسي. شدّدَ انجلز على انه ما لم يتم استيضاح "الارتباط التاريخي الموضوعي" الذي يوفر المُفتاح لفهم تطور الأحداث المُحتمل، "فلن تكون هناك سياسة حزبية ناجحة"(61). ان توقع المُستقبل مبني على دراسة علمية للتجربة التاريخية. كان انجلز ناجحاً جداً في مثل هذه التوقعات لأنها كانت، منذ البدء، استنتاجات تقييم علمي للتاريخ والنشاط الحالي، وتحليل علمي تاريخي للطبقات المُختلفة. اعتبر لينين أن حجم العواقب الناجمة عن الحرب العالمية القادمة التي توقعها انجلز منذ عام 1887 على أنه "تنبؤ عبقري"، وهو توقّع للأحداث قبل أكثر من رُبع قرن من حدوثها. لاحَظَ لينين أن بعض جوانب تلك التوقعات جائت بشكلٍ مُختلفٍ نوعاً ما. "ولكن الأمر الأكثر إثارةً للدهشة هو مقدار ما توقعه انجلز وفقاً لليوم، فقد قدّم انجلز تحليلاً طبقياً لا يقبل الجدل، وبقيت العلاقات الطبقية على ما كانت عليه"(62). وبالتالي، فإن التنبؤ بالمُستقبل يعتمد في كثيرٍ من النواحي على مبحث التاريخ(63).
إن الدور العملي لمبحث التاريخ بإعتباره أحد وسائل التحقق العلمي من سياسة قُوى المُجتمع التقدمية والأحزاب البروليتارية، يجب، في رأي انجلز، أن يزداد قوةً بما يتناسب مع تطور المُجتمع، بقدر ما يجب أن يتزايد جدور العلم على العموم. ينمو هذا الدور، كما أشار، خاصةً في المُجتمع الاشتراكي، عندما تختفي التناحرات الطبقية وعندما يأخذ التطور التاريخي طابع النشاط الواعي والمُخطط، في الوقت الذي ستخضع القوانين الاجتماعية التي كانت تعمل في السابق بشكلٍ عفوي لسيطرة المُجتمع. الى أنه ستأتي لحظة، عند انتصار المُجتمع الاشتراكي "يبدأ فيها الناس بصُنع تاريخهم بوعيٍ كامل"، وهذا يعني انتقال البشرية من مملكة الضرورة الى مملكة الحُرية(64). تنبأ انجلز في رسالةٍ له في عام 1893 الى انه في ظل ظروف المُجتمع الاشتراكي، لن يخدم مبحث التاريخ هدف تحصيل المعارف حول العمليات الاجتماعية وحسب، بل سيُوجهها أيضاً. من شأن ذلك أن يُساعد أعضاء المُجتمع على "تنظيم نشاطهم المُشتَرَك بوعي"(65).
إن الغرض من مبحث التاريخ، برأي انجلز، ليس مُجرّد ارضاء فضول الناس الطبيعي فيما يتعلق بالماضي. من الضروري بشكلٍ أساسي، برأيه، اكتساب معرفة أفضل وأشمل عن الحاضر، وأن يتسلح بالخبرة التاريخية اللازمة في الصراع الطبقي اليوم، للاستفادة من معرفة قوانين التطور الاجتماعية من أجل التأثير على العملية التاريخية في المُستقبل الاشتراكي بنشاط. كَتَبَ انجلز الى بيبل رسالةً في 28 تشرين الأول عام 1885، مع وضعه إمكانيات الاشتراكية في ذلك الوقت بعين الاعتبار: "لا في ألمانيا ولا في فرنسا حتى الآن قادرين على توجيه التطور التاريخي"، ولكن كان انجلز يعتقد اعتقاداً راسخاً أن تأثير الأحزاب البروليتارية على العملية التاريخية سوف يزداد بإطراد وسيتخذ إن عاجلاً أم آجلاً طابعاً حاسماً. "لكن دورنا سيأتي- هذا هو مسار التاريخ البطيء ولكن الذي لا يرحم..."(66)(ب). كانت الأهمية الجتمعية للمبحث التاريخي، وتأثيره في تشكيل الوعي الاجتماعي ونشر التقاليد الثورية الماضية، كبيراً في فهم انجلز. كَتَبَ انجلز عمله (حرب الفلاحين في ألمانيا)، من بين أُمورٍ أُخرى، بهدف تذكير القُرّاء بالأزمنة التي "أنجبت فيها ألمانيا شخصيات تبز أعظم الرجال في ثورات البلاد الأُخرى"، وإحياء ذاكرة الشعب الألماني بالأوقات التي كانت فيها "أذهان الفلاحين والعامة مليئةً بالأفكار والخُطط التي بعثت الرعشة في قلوب أبناءها" وتذكرهم بـ"الشخصيات التي كانت رغم خشونتها، قويةً وعنيدةً" في حرب الفلاحين الكُبرى(67).
وبهذا المعنى، فإن جانباً آخراً من التأريخ نفسه مهم بشكلٍ خاص: ليس فقط كيفية إقامته للحقيقة التاريخية وحسب، بل وكيف يُدرك هو نفسه الصورة العامة للعصر المعني وينقله الى عقول مُعاصريه. كل علم له أسلوبه الخاص في العرض، اعتماداً على المادة التي يتعامل معها. يهتم التاريخ بالظواهر الحية المُشبعة أحياناً بالدراما الحقيقية. لذلك، في هذا المجال، يجب الجمع بين الموضوعية العلمية والجُهد لتصوير هذه الدراما. في هذا الصدد، يقع إبداع المؤرخ على الحدود مع ابداع الفنان، على الرغم من أنه لا يتطابق مع هذا الأخير، بطبيعة الحال. يجب أن يكون العُنصر الجمالي الذي يُميّز الواقع التاريخي نفسه، والذي يحوز على جوانب مأساوية وكوميدية، حاضراً في العمل التاريخي(68).
كان انجلز يعرف جيداً أهمية إظهار الجانب الابداعي للعملية التاريخية. لم يكن بدون سبب أنه ناقَشَ ماركس كثيراً عن سُخرية التاريخ(69). كَتَبَ انجلز في أيلول عام 1870 تحت تأثير أحداث الحرب الفرنسية البروسية واعتقال البروسيين لنابليون الثالث بالقُرب من سيدان: "تاريخ العالم شاعري جداً: يُمكنه أن يُحاكي سُخرية هاينه نفسه" ، مما ذكّره بقصيدة الشاعر الألماني الشهيرة the grenadiers حول العواقب المؤسفة لزحف نابليون بونابارت الى روسيا عام 1812(70). لقد رأى بأنه في حين يجب مُعالجة التاريخ بموضوعية مُثبتة بدقة وعدم السماح بتجميل الحقيقة التاريخية وإضفاء الطابع الرومانسي على الشخصيات التاريخية، كان على المؤرخ في نفس الوقت، بأن يشغل نفسه بأن لا يحرم التاريخ من لونه وبأن لا يجعله رمادياً داكناً. يجب على العمل التاريخي أن يُصوّر لقُرّائه لون الحقبة، وينقل دراما الأحداث، ويرسم صورةً للمُشاركين الرئيسيين فيه. وبطبيعة الحال، يتطلب هذا من المؤرّخ مهارةً مُعيّنة، وهذه المهارة لا تتواجد للأسف كموهبة عند المؤرخين في كثيرٍ من الأحيان. لكن على العموم، يجب على مبحث التاريخ أن يسعى من أجل ذلك. هُنا مرةً أُخرى، يُمكن أن تكون أعمال انجلز كمؤرّخ نموذجاً حياً. كان عُمق التحليل في كتاباته التاريخية يقترن دائماً بتعبير فني حقيقي. يتجلّى الفهم العميق لاتجاهات التطور التاريخية الاجتماعية في وحدة مُتناغمة مع تصوّر درامي مُتكامل للظواهر التاريخية.
كانت هذه، بشكلٍ عام، وجهات نظر انجلز حول عملية تحصيل المعرفة التاريخية والسمات المُميزة لمبحث التاريخ. يوضّح اجراء مسح سريع لهذه الآراء بشكلٍ موجز مدى الاهتمام الكبير الذي أولاه انجلز للتاريخ، المُدافع العظيم عن المعرفة التاريخية الماركسية، ومدى عَظَمة الإسهام الذي قدّمه في المُعالجة العلمية لهذه المسائل.

* ليونيد ايفيموفيتش غولمان 1930-1985، فيلسوف ومُختص بتاريخ أوروبا الغربية الوسيط والحديث، وباحث في منهجية علم التاريخ.
دَرَسَ في جامعة موسكو الحكومية عام 1950، ودافَعَ عن اطروحته للدكتوراة بعنوان (العناصر التقدمية في الفلسفات الغربية وتشكّل الماركسية) 1958. دَرّسَ في قسم تاريخ أوروبا التابع لجامعة موسكو الحكومية. كان عضواً في قسم تاريخ الثقافة المادية التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية، وكان عضواً أجنبياً في أكاديمية العلوم في جمهورية ألمانيا الديمقراطية.
نَشَرَ عدداً من المقالات العلمية، منها: (حول مقال لينين "المصائر التاريخية للماركسية") 1970، (مفهوم لينين حول منهجية معرفة التاريخ) 1972، (كارل ماركس والبيانات الجديدة حول تطور ايرلندا التاريخي) 1966، (حول وحدة تاريخ العالم) 1975، (نقد المفاهيم البرجوازية حول منهجية معرفة التاريخ) 1982.

1- See, for example, K. Marx and F. Engels, -Soch vol. 19 p. 348 Vol 21, pp. 1-2, 300-301.
2- See Fridrikh Engel s. Biografiia, Moscow, 1970 Fridrikh Engel s. Biografiia (translated from the German), Moscow, 1972 P. N. Fedoseev, "Fridrikh Engel s i ego vklad v teoriiu i praktiku kommunizma," Marksizm v XX veke, Moscow, 1972 Engel s-teoretik, Moscow, 1970 Engel s i sovremennye problemy filosofii marksizma, Moscow, 1971 Aktual nye voprosy ideinogo naslediia Fridrikha Engel sa (k 150-letiiu so dnia rozhdeniia) , Moscow, 1970 Fridrikh Engel s - velikii myslitel i revoliutsioner. Materialy nauchnoi konferentsii, Leningrad, 1972 Engels i s vremennoto nauchno znanie, Sophia, 1971 A. Cornu, Comment Engels a coopdrc? a la formation du materialisme historique," La Pensde, 1972, no. 161, 11 Engels. Revolutionk- und Wissenschaftler , Berlin, 1973.
3- لقد كُتِبَ الكثير عن انجلز كمؤرّخ، لكن لم يُكتَب حتى الآن أي عمل تعميمي، يتم فيه مُعالجة جميع الجوانب الرئيسية لإبداعه العلمي في مجال التاريخ بطريقة منهجية. الأعمال الموجودة، كقاعجة عامة، مُكرّسة إما لمُعالجة مُساهمة انجلز في فروع مُعينة من علم التاريخ أو لمُعالجة آرائه حول بعض المسائل التاريخية، وكذلك لدراسة بعض أعماله ذات الطبيعة التاريخية-السوسويولوجية. يُمكن ذكر عدد قليل من الأعمال ذات الطابع العام نسبياً التي ظهرت مؤخراً:
E. V. Gutnova, Osnovnye problemy istorii srednikh vekov v trudakh K. Marksa i F. Engel sa, Moscow, 1970 (also see the corresponding sections in another monograph by the same author: Istoriografiia istorii srednikh vekov, Moscow 1974) N. E. Zastenker, "Materialisticheskoe ponimanie istorii - velikii revoliutsionnyi perevorot v istoricheskoi nauke. Istoriche-skie vzgliady K. Marksa i F. Engel sa," Istoriografiia novogo vremeni stran Evropy i Ameriki, Moscow, 1967 Engel s i problemy istorii, Moscow, 1970 Problemy etnografii i antropologii v svete nauchnogo naslediia F. Engel sa, Moscow, 1972 Fridrikh Engel s i voennaia istoriia, MOSCOW, 1972.
4- تم استخدام تصريحات مؤسسي الماركسية في الأعمال التي تُعالج منهجية التاريخ. أُنظر:
See, for example, P. N. Fedoseev and Iu. P. Frantsev, 0 razrabotke metodologicheskikh voprosov istorii ," Istoriia i sotsiologiia, MOSCOW1,9 64 A. 1. Gulyga, "Istoriia kak nauka," Filosofskie problemy istoricheskoi nauki, Moscow, 1969 A. I. Danilov, "Materialisticheskoe ponimanie istorii i metodologicheskie iskaniia nekotorykh istorikov," Metodologicheskie i istoriograficheskie voprosy istoricheskoi nauki, no. 6, Trudy Tomskogo gosudarstvennogo universiteta, Tomsk, vol. 209, 1969
ان مُساهمة عُلماء جامعة تومسك في المُعالجة المنهجية لمسائل فرع التاريخ، والتي وجدت تعبيرها في المؤلفات التالية، وفي عددٍ آخر، مُعترف بها عالمياً.
D. Akhmedi and Iu. Sagomanov, Ob istoricheskom poznanii (populiarnyi ocherk metodologicheskikh voprosov, Baku, 1969 K. D. Petriaev, Voprosy metodologii istoricheskoi nauki, Kiev, 1971 N. Iribadzhakov, Klio pered sudom burzhuaznoi filosofii, Moscow, 1972 V. V. Ivanov, Sootnoshenie istorii i sovremennosti kak metodologicheskaia problema (ocherk DO marksistsko-leninskoi metodologii istoricheskogo issledovaniia), Moscow, 1973 V. A. D iakov, Metodologiia istorii v proshlom i nastoiashchem, Moscow, 1974: C. Bobinska, Historiker und historische Wahrheit. Zu erkenntnistheoretischen Problemen der Geschichtswissenschaft, Berlin, 1967.
بعض جوانب مُعالجة انجلز لمنهجية التاريخ كانت موضوعاتٍ لأبحاث خاصة، خصوصاً في المجموعة المذكورة أعلاه.
Fridrikh Engel s i voennaia istoriia. Also see N. A. Deviashin, "Problema istoricheskogo zakona v proizvedeniiakh K. Marksa i F. Engel sa," Problemy metodologii i logiki nauk, Uchenye zapiski Tomskogo gosudarstvennogo universiteta, vol. 79, 1969 L. K. Alekseeva, "F. Engel s i spetsifika sotsial nogo determinizma," Aktual nye voprosy ideinogo naslediia Fridrikha Engel sa, Moscow, 1970 G. P. Davidiuk, "Sotsiologicheskie metody issledovaniia rabochego klassa F. Engel som," Fridrikh Engel s i sovremennaia ideologicheskaia bor ba, MOSCOW1,9 72.
تم القيام بجهود في نظمنة آراء انجلز حول هذه المسألة منذ بداية الثلاثينيات. المقالة التالية هي مثال على ذلك:
Ts. Fridliand, "Engel s ob istorii kak nauke," Istorik-marks- -ist, 1935, no. 8-9).
5- E. V. Girusov, F. Engel s i problemy vzaimodeistviia prirody i obshchestva, MOSCOW1,9 71.
6- Marks and Engels, -Soch., vol. 21, pp. 306, 174-75,2 59 vol. 20, p. 23
7- مراسلات ماركس-انجلز، ترجمة فؤاد أيّوب، دار دمشق 1981، ص393
8- Marks and Engels, -Soch., vol.33, p. 517 see also vol. 35, p. 144 vol. 36, pp. 320, 447
9- See ibid., vol. 38, pp. 268-69
10- مراسلات ماركس-انجلز، ترجمة فؤاد أيّوب، دار دمشق 1981، ص 494
11- Marks and Engels, -Soch., vol. 13, p. 497
12- مراسلات ماركس-انجلز، ترجمة فؤاد أيّوب، دار دمشق 1981، ص359
13- Marks and Engels, -Soch., vol. 21, P175, for fuller detail see: S. I. Dzhioev, "Istoricheskaia neobkhodimost : ee priroda, poznanie i realizatziia," author s abstract of dissertation for doctoral degree, Tbilisi, 1972 G. Stiehler, "Die Rolle des Zufalls in der Geschichte , t Deutsche Zeitschrift fur Philosophie, 1973, no. 9 L. A. Zimina, "0 sluchainosti v istorii," Filosofskie problemy obshchestvennogo razvitiia, Moscow, 1974
14- مراسلات ماركس-انجلز، ترجمة فؤاد أيّوب، دار دمشق 1981، ص496
15- See V. A. Ivanov, "K. Marks i F. Engel s o meste psikhologicheskogo faktora v politicheskoi zhizni obshchestva," author s abstract of dissertation for candidate s degree, Moscow, 1973
16- مراسلات ماركس-انجلز، ترجمة فؤاد أيّوب، دار دمشق 1981، ص361
17- See Arkhiv Marksa i Engel sa, vol. X, Moscow, 1948, pp. 107-56 Marx and Engels, -Soch., vol. 45, pp. 450-62
18- ضد دوهرينغ، فريدريك انجلز، دار التقدم 1984، ص105
19- النضال الطبقي في فرنسا، كارل ماركس، كتيب الكتروني بدون دار نشر، ص2
20- نفس المصدر
21- Ibid, Vol. 20, P.90
22- See E. N. Loone, "Ob urovniakh istoricheskogo znaniia i poznaniia, "Trudy po filosofii, vol. XVI, Uchenye zapiski tartuskogo gosudarstvennogo universiteta, 1973
23- See Marx and Engels, Soch., Vol. 21, P. 28
أ- أُنظر بخصوص مسألة التحقيب، مقالة (فريدريك انجلز والمسائل المُعاصرة المُتعلقة بتاريخ المُجتمع البدائي)، لمؤلفيه يوليان فلاديمير بروملي وآبرام اسحاقوفيتش بيرشيتز، من كتاب (مجموعة مقالات ماركسية سوفييتية الجزء الأول)، ترجمة مالك أبوعليا، نشر الكتروني، ص116
24- ibid., vol. 16, p. 506
25- bid., vol. 20, pp. 525, 92
26- See ibid., pp. 118, 359
في المقالة المُشار اليها أعلاه بقلم فريدلياند حول آراء انجلز في المبحث التاريخي، يتم تفسير اطروحة انجلز حول الطبيعة النسبية للمعرفة التاريخية، على أنه يعني أنه نفى تماماً موثوقيتها في المُجتمع الطبقي. كَتَبَ فريدلياند: "ان نقطة انطلاق تفكير انجلز بخصوص مبحث التاريخ هي شكية مُبررة فيما يتعلق بموثوقية المعرفة التاريخية في المُجتمع البرجوازي". Istorik-marksist, 1935, no. 8-9, p. 9
حسب المقالة فإنه من وجهة نظر انجلز أنه سيُصبح التاريخ ظل الاشتراكية فقط علماً موثوقاً به، لأن الدوافع الطبقية لن تسود فيه. يبدو لنا أن مثل هذا التفسير لوجهات نظر انجلز، وحيد الجانب. على الرغم من فهمه للطبيعة الطبقية المحدودة لمبحث التاريخي البروازي، الا أن انجلز لم يعتبرها على الاطلاق أنها غير قادرة بالمرة على إقامة حقائق صحيحة. لقد قدّرَ الانجازات العلمية لعديد من المؤرخين البرجوزانيين تقديراً عالياً (اوغسطين تييري Augustin Thierry وفرانسوا غيزو François Guizot وجورج مورير Georg Ludwig von Maurer وبول روث Paul Roth ولويس مورغان ومكسيم ماكسيموفيتش كوفاليفسكي Maksim Maksimovich Kovalevsky، وآخرين) وأشار الى أن بعضهم اقترب من فهم قوانين تاريخية مُعينة وقام بكشوفات علمية مُهمة. إن المبحث التاريخي، في رأي انجلز، النظرة العالمية للطبقات الرجعية (لكن البرجوازية لم تكن دائماً رجعية) تحرف المبحث التاريخي بعيداً عن الحقيقة. أما الطبقات التقدمية، ولا سيما البروليتاريا، من مصلحتها إقامة المعرفة التاريخية الأصيلة. كان أيديولوجيي الطبقة العاملة ماركس وانجلز ورفاقهم هم من بدأوا النضال من أجل منهجية متقدمة في مبحث التاريخ. بدأ لينين بعد ذلك في النضال من أجل ذلك حتى قبل قيام الاشتراكية في ظروف المُجتمع الطبقي كما اعترف فيردلياند نفسه.
27- See L. V. Cherepnin, "K. Marks i F. Engel s i nekotorye problemy istoricheskogo istochnikovedeniia," Istochnikovedenie. Teoreticheskie i metodicheskie problemy, Moscow, 1969 G. M. Ivanov, Istoricheskii istochnik i istoricheskoe poznanie (Metodologicheskie aspekty), Tomsk, 1973
28- See Marx and Engels, -* Soch 7 vol. 21, pp. 47, 55, 63, and others
29- Ibid., vol. 16, pp. 509-10 also see M. P. Zav ialova, "Metod retrospektsii i modelirovaniia v istoricheskom issledovanii," Voprosy metodologii i istoriografii. Nauchnye doklady, no. 3, Tomsk, 1974
30- Marx and Engels, -Soch., vol. 21, p. 308
31- See ibid., vol. 16, pp. 504-6
32- لخّصَ المؤرّخين الفرنسيين البارزين تشارلز فيكتور لانغلويس Charles-Victor Langlois وتشارلز سينوبوس Charles Seignobos هذه التقنيات النظرية وأساليب التعامل مع المصادر في عملهما (مُقدمة في دراسة التاريخ) Vvedenie k izucheniiu istorii، 1899. يلفت انتباهنا، من بين كُتُب مناهج التاريخ المُعاصرين، كتاب المؤرخ الفرنسي المُعادي للفاشية مارك بلوخ Marc Léopold Benjamin Bloch (Apologie pour l histoire ou Métier d historien)- Apologiia istorii. Remeslo istorika, Moscow, 1973.
ومن بين الأعمال الماركسية:
see A. P. Pronshtein, Metodika istoricheskogo issledovaniia, Rostov- on -Don, 1971.
33- استند تقييم انجلز للمعركة بين الايرلنديين والنورمانيين Normans في كلونتارف عام 1014، والتي انتهت بهزيمة الأخيرين، الى المقارنة بين المصادر الايرلندية والاسكندنافية.
see Marx and Engels, -Soch., vol. 16, pp. 518-21
34- Ibid., p. 505
35- See ibid., vol. 39, p. 85
36- بطبيعة الحال، فإن مسألة وحدة المنطقي والتاريخي الواسعة والمُعقدة كما هي مُطبقة على البحث التاريخي لا تنحل بأي حالٍ من الأحوال الى أيٍّ مما قيل أعلاه. هناك مؤلفات مُتخصصة حول هذا الموضوع.
See, among others, M. M. Rozental , -print-sipy dialekticheskoi logiki, Moscow, 1960 B. A. Grushin, Ocherki logiki istoricheskogo issledovaniia, MOSCOW1,96 1 N. P. Frantsuzova, Istoricheskii metod v nauchnom poznanii (voprosy metodologii i logiki nauchnogo issledovaniia), Moscow, 1972 V. I. Stoliarov, Istoricheskii metod poznaniia v sovremennoi nauke, MOSCOW19, 73 I. I. Gritsenko, Istoricheskoe i logicheskoe v marksistskoi filosofii, Rostov-on-Don, 1969
إن مؤلف هذا العمل الأخير، في حين ينتقد عن حق الميل الى إسناد منهجية علم التاريخ مُهمة إعادة بناء التاريخ بكل ما فيه من عيانية، وليس سماته الرئيسية والمبدأية، يَخلُص الى نتيجة خاطئة: "لا يُمكن معرفة التاريخ بكل تنوعه"(ص113). في المقام الأول، لا يُمكن التوصل الى معرفة التنوع الكامل للتاريخ (معرفة جميع الأنماط الملموسة للتطور التاريخي بكل تفاصيلها، وما الى ذلك) وإعادة إنتاج جميع التفاصيل. بالإضافة الى ذلك، هذا ليس ضرورياً للعلم بأي حالٍ من الأحوال. أضف الى ذلك، إن كان لا يُمكن الكشف عن "التنوع الكامل" في أي قطعة مُعينة من البحث التاريخي حقاً، أو حتى في سلسلة من الأبحاث التاريخية، فإن هذا لا يعني أنه غير قابل للمعرفة من حيث المبدأ. إن امكانات المعرفة التاريخية لا تنضب، تماماً مثل تنوع العملية التاريخية نفسه.
37- مُختارات ماركس وانجلز في أربعة مُجلدات، المُجلّد الثالث، الاشتراكية العلمية والاشتراكية الطوباوية، دار التقدم 1975، ص101
38- Ibid., p. 527 also see vol. 34, p. 322
39- Ibid., vol. 20, p. 641
40- Ibid., vol. 13, p. 497
41- على عكس البنيويين والوظيفيين البرجوازيين وأشباههم اليوم، الذين يُطورون المُقاربة البُنيوية الوظيفية للظواهر الاجتماعية ويضعونها في مُقابل المادية التاريخية، أظهَرَ العُلماء السوفييت أن فهم وتطبيق التحليل البُنيوي والوظيفي بشكلٍ صحيح لا يُناقض المادية التاريخية على الإطلاق، وبدمجها مع مناهج تحصيل المعرفة العلمية الأُخرى على أساس المنهج، فسيكون لها أهميةً كُبرى لدراسة حياة المُجتمع: تم تطبيق التحليلاتى البُنيوية والوظيفية على نِطاقٍ واسعٍ من قِبَل مؤسسي الماركسية أنفسهم.
(see D. M. Ugrinovich, "Marksizm, strukturalizm, funktsionalizm [o nekotorykh metodologicheskikhproblemakh sovremennogo obshchestvoznaniia] ," Metologicheskie voprosy obshchestvennykh nauk, no. 2, Moscow, 1971 E. S. Markarian, Voprosy sistemnogo analiza obshchestva, Moscow, 1972 I. V. Blauberg and E. G. Iudin, Stanovlenie i sushchnost sistemnogo podkhoda, MOSCOW1,9 73 V. G. Afanas ev, "0 sistemnom podkhode v sotsial nom poznanii," Voprosy filosofii, 1973, no. 6 V. P. Kuz min, Problemy sistemnosti v teorii i metodologii K. Marksa, MOSCOW1,9 74).
42- See G. A. Klimov, Voprosy komparativistiki v trudakh F. Engel sa," Engel s i iazykoznanie, MOSCOW1,9 72
43- See Marx and Engels, -Soch., vol. 16, pp. 521-22 vol. 7,pp. 348-58
44- For fuller detail, see E. M. Shtaerman, "0 povtoriaemosti v istorii," Voprosy istorii, 1965, no. 7
45- دور العُنف في التاريخ، فريدريك انجلز، ترجمة فؤاد أيّوب، دار دمشق، ص56
46- See ibid., vol. 8, p. 119
47- Ibid., vol. 37, p. 435
48- See Arkhiv Marksa i Engel sa, vol. X, p. 167
49- حرب الفلاحين في ألمانيا، فريدريك انجلز، ترجمة محمد أبوخضور، دار دمشق، ص5
50- أصل العائلة والمُلكية الخاصة والدولة، فريدريك انجلز، دار التقدم، ص7
51- See ibid., vol. 37, pp. 351-53
52- See Sh. V. Misabishvili, Dialektika obshchego i osobennogo v sotsial nom razvitii, Sukhumi, 1971
53- See Marx and Engels, -Soch., vol. 18, pp. 571-73, 577-78
54- مراسلات ماركس-انجلز، ترجمة فؤاد أيّوب، دار دمشق 1981، ص541
55- لقد تم توضيح ذلك فيما يتعلق بدراسة لينين التاريخية لهذا الأمر في عمل:
B. G. Mogil nitskii, "Al ternativnost istoricheskogo razvitiia i leninskaia teoriia narodnoi revoliutsii," Metodologicheskie i istoriograficheskie voprosy istoricheskoi nauki, no. 9, Tomsk, 1974
56- دور العُنف في التاريخ، فريدريك انجلز، ترجمة فؤاد أيّوب، دار دمشق، ص62-75
57- Ibid., vol. 16, p. 497
58- Ibid., vol. 45, p. 82
يتطابق موقف لينين من الموضوعانية البرجوازية مع مُقاربة انجلز هذه، كما عبّر عنها بوضوح في نقده لماركسية ستروفه الشرعية، على وجه الخصوص.
on this see N. I. Smolenskii, "V. I. Lenin i problema istoricheskogo ob"ektivizma," Metodo- -log icheskie i istoriograficheskie voprosy istoricheskoi nauki, no. 9
59- See B. G. Mogil nitskii, "-print-sip partiinosti v istoricheskom poznanii ," Metodologicheskie i istoriograficheskie voprosy istoricheskoi nauki, no. 10, Tomsk, 1974 R. G. Grigor ian, "F. Engel s o partiinosti sotsial nogo poznaniia," Uchenye zapiski Vysshei partiinoi shkoly pri TsK KPSS. Marksistskoleninskaia filosofiia, no. M,M OSCOW1,9 73
60- Marx and Engels, -Soch., vol. 36, p. 170
61- lbid., vol. 35, p. 305
62- V. I. Lenin, -PSS, vo. 36, p. 473
63- See A. Z. Manfred, "Fridrikh Engel s i nauchnoe predvidenie ," Mirovaia ekonomika i mezhdunarodnye otnosheniia, 1970, no. 11 Iu. P. Ozhegov, "Sotsial nye prognozy F. Engel sa i ikh burzhuaznye fa1 sifikatory," Izvestiia Sibirskogo otdeleniia AN SSSR. Seriia obshchestvennykh nauk, no. 11 (191), issue 3, Novosibirsk, 1971 G. A. Bagaturiia, Kontury griadushchego. Engel s o kommunisticheskom obshchestve, Moscow, 1973 L. Lavalle, Za marksistskoe issledovanie budushchego, MOSCOW, 1974 S. Grundmann, "Friedrich Engels und die Gesellschaftsprognostik," in Philosoph der Arbeiterklasse Friedrich Engels, Berlin, 1971
64- Marx and Engels, -Soch., vol. 20, p. 295. Also see M. N. Rutkevich, "Idei F. Engel sa o prevrashchenii istoricheskoi neobkhodimosti v svobodu i ikh znachenie dlia sovremennosti," Filosofskie nauki, 1970, no. 6
65- Marx and Engels, -Soch., vol. 39, p. 56
66- مراسلات ماركس-انجلز، ترجمة فؤاد أيّوب، دار دمشق 1981، ص457
ب- يبدو أن الدكتور فؤاد أيّوب لم يُترجم باقي الرسالة، لذلك، اقتباس الرسالة الوارد في هذه المقالة، غير وارد في الكتاب الذي ترجمه الدكتور فؤاد.
67- حرب الفلاحين في ألمانيا، فريدريك انجلز، ترجمة محمد أبوخضور، دار دمشق، ص26
68- See A. V. Gulyga, Estetika istorii, Moscow, 1974
يورغان كوتشينسكي، المؤرذّخ المُخضرم في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، والذي كرّس حياته المهنية بالكامل للتاريخ الاقتصادي في المقام الأول، كرّسَ أحد أعماله الأخيرة لموضوع مُثير للاهتمام (الاندهاشات والمؤرّخ)، لديه أفكار جديرة بالمُلاحظة حول هذا الموضوع. يوضّح، باستخدام أمثلة من أعمال بوركهارت وتاين وآدامز، مدى أهمية الدور الذي يلعبه إدراك وإعادة إنتاج الواقع كشكل فني في البحث التاريخي، وكيف تنهض إمكانات الكتابة التاريخية عندما "تتواجد الرؤية الفنية جنباً الى جنب مع منظومة المفاهيم التاريخية للباحث". بالإضافة الى ذلك، فإن الحس الابداعي للواقع، كما يؤكد كوتشينسكي، غالباً ما يُنقذ المؤرخ من المفاهيم الخاطئة، ويُساعده على الخروج من حدود المفاهيم الايديولوجية التراجعية.
see J. Kuczynski, "Die Muse und der Historiker. Studien uber Jacob Burckhardt, Hyppolite Taine, Henry Adams
Jahrbuch fur Wirtschaftsgeschichte, special issue, Berlin, 1974, pp. 15-17 [issue dedicated to Kuczynski s seventieth birthday
69- See, for example, F. Engels s letter to Paul Lafargue, March 25, 1889, in Marx and Engels, -Soch., vol. 37, p. 140
70- Ibid., vol. 33, p. 43


ترجمة لمقالة:
L. I. Gol man (1977) F. Engels and Certain Problems of Historical Knowledge, Soviet Studies in History, 16:1, 48-83