نارجيلة الإخوان لتدخين الإيمان


عذري مازغ
2022 / 11 / 30 - 22:36     

لم أقرأ شيئا هذه الأيام ولم أكتب شيئا، كنت مذهولا بهذا الفرح العارم في هذه القارة الوهمية التي تمتد من المشرق إلى المغرب حول الحدث الرياضي الذي يجعلك تقف مبهورا، لا أخفي أني مولع بكرة القدم بسبب ارتباطنا بها في الشارع المغربي في الطفولة وفي الشباب وسأكون ناكرا لجميل العبث الطفولي إذا انكرت أني لم أشاهد مباراة بل بالفعل شاهدت أكثر من مباراة برغم ذلك الرفض الدفين في أعماقي بوجوب الإمساك عن العبث في ذواتنا من خلال الالتزام السياسي، لا احد أيضا يشك بأنها مخدر رائع ينخر في أعماق الوجدان.
اتخذت موقف المقاطعة لكرة القدم منذ مونديال إيطاليا بسبب تعرض الفرق الإفريقية لغش التحكيم خصوصا منتخب النيجر أو نيجيريا (أقع دائما في هذا الخلط لتشابه اسم الدولتين) ومنتخب الكاميرون، أقصي المنتخبين بسبب التحكيم، وبشكل ما، بسبب عنادي الشخصي لم أقبل ذلك التحكيم الذي فيما بعد نسيه الجميع، كانت أبأس عبارة حينها لتبرير ذلك خصوصا في وسائل إعلام الرياضة هو إضفاء نوع من الجمالية الرومنسية على "أخطاء" التحكيم، سميت اخطاء وليست غش والعبارة هي التالية: " من جمالية كرة القدم أخطاء التحكيم" ويمكن ان تتصورها بشكل جمالي أكثر في براعة مارادونا في تسجيل الهدف بيده ضد الإنجليز في مونديال 86، يمكنني كشاب مرح بهرمونات التستوستيرون وغيرها أن أقبل بذلك الغش المارادوني شماتة في الانجليز وهذا ينقلنا إلى ظاهرة نفسية حينها في تأييد هذا المنتخب أو الآخر، مثلا كنا نؤيد فرق الدول المتخلفة على فرق الدول المتقدمة كتعبير عن نوع من التحدي، كنا نؤيد منتخبات الاتحاد السوفياتي والبلدان الشرقية على البلدان الغربية، نؤيد منتخبات بلدان القرب الجغرافي على منتخبات البعد الجغرافي خصوصا حين تصبح المواجهة غير خاضعة للمواقف الأيديولوجية، كنا نؤيد البرازيل لفنيتها وكونها دولة متخلفة كدولنا حينها، وعمليا تغيرت مواقفنا تجاه المباراة وإن لا زلت أصولي في الموقف: لا زلت أؤيد منتخب لدولة متخلفة على منتخب دولة متقدمة كشكل من أشكال استمرار عنادي الطفولي والشبابي.
تقدمت كرة القدم كثير وتغيرت الكثير من قوانينها خصوصا المتعلقة بالغش ويبدو نظريا أن وضع قانون الفار قد ألغى الغش كما يعتقد الكثير لكن هذا ليس صحيحا كما سنوضح:
هناك أخطاء يمكن تجاوزها وتجووزت في مناسبات عديدة: احتكاك خفيف يتجاوزه الحكم غذا كان الخطأ لصالح الدولة المتخلفة مثل ضربة الجزاء التي حصلت عليها البورتغال في المباراة الأولى لها ضد فريق إفريقي: ضربة جزاء مجانية هدية للدولة التي يفترض انها متقدمة، كان احتكاك من اللاعبين واكثر من ذلك رجل اللاعب الإفريقي أسبق للكرة من رجل اللاعب البورتغالي.
ظاهرة ضربات الجزاء للدول المتقدمة في مونديال قطر، صحيح أنها حقيقية لكن ليس صحيح ان تكون فقط لهذه الدول بينما حصلت لدول أخرى ولم يعلن عليها بتبرير العودة إلى الجملة السحرية الرومنسية القديمة والتي تكرر في ثوب جديد: "تقدير الحكم"، "الرأي الأخير للحكم" وطبيعي أن يكون الراي الحكيم الأخير للحكم، تقديره أقصد صارما في ترجيح هذه الكفة على الأخرى، وحتى في التهديف من خطأ قريب لمربع العمليات، الهدف الاول للمغرب ضد بلجيكا، قديما هي ضربة مباشرة إلى مرمى الحارس وحين تظهر هناك حالة شرود ولم يلمسها الشارد تعتبر هدفا مشروعا، هذه المرة وضعوا خرافة جيدة بتبيان الفاو: رأس اللاعب المغربي حجب الرؤية على الحارس البلجيكي: متى كان حجب الرؤية سببا في إلغاء هدف؟ لم يكن الأمر مقنعا لذلك عمدت الفيفا في تخريجة سوريالية بعد إعادة النظر في اللقطة ليكتشفوا ان شعرة معاوية في رأس اللاعب المغربي لمست الكرة، لم يلجأوا هنا إلى الفاو بل إلى مكبر الصور وهنا ربما بنزعة الوطنية اميل إلى تأييد فريقي الوطني وهذا لا يبرر ظاهرة ضربات الجزاء لصالح الدول المتقدمة والتي الغرض منها هو إظهار ان دولنا، غضافة إلى تخلفها هي أيضا في الرياضة متوحشة تستعمل الخشونة المتوحشة بينما الدول المتقدمة تستعمل الخشونة اللطيفة التي تسمح بتجاوز الإعلان عن حطأ وهنا لن اتكلم عن الاخطاء المتجاوزة بسبب غياب خطورتها من قبيل ضربة زاوية لفريق يحولها الحكم لضربة مرمى حارس الخصم أو "التوش" خروج الكرة إلى الجانب من طرف فريق لصالح فريق متقدم، حيث لا يمكن للفريق المغشوش أن يحتج ويطالب بإعادة الفاو.. لكن ليس هذا ما حازني إلى كتابة هذا المقال، بل ظاهرة الفرح العارم.
الفرح لا دين له، إنه شعور غريزي هستيري له لغة راقية على لغة التعبيرات اللسانية، إنه لغة جسدية غريزية عبرت عنه صورة رائعة في المغرب لطفلة مصابة بالشلل وعلى كرسي: انفعالها الفرحي حرك كل جسمها بشكل ربما سيصنع لها أمل التحرك والعيش كباقي الأشخاص العاديين: كانت صورة او لقطات رائعة لتلك الفتاة المشلولة على عربة تنقل طبية وكأن تسجيل هدف هو انتصار لذاتها على ذاتها في العجز عن تحريك بعض أطرافها: صورة هي الأجمل التي شاهدتها وأنا اتابع في الفيديوهات ردود الفعل على انتصار المغرب والسعودية، أجمل من تعبير الثغاء لمتخلين مشجعين مغاربة لقنوات عامة وخاصة:
ــ ما هو شعورك بانتصار فريقك الوطني، يسأل الصحفي
ــ "ديما مغرب" يجيب المغربي، جواب اشبه بالثغاء لأن لسانه معقود أو معكوف لا يستطيع التعبير عن فرحه بلسانه كما يعبر جسده حين يجدب ويقفز ويوسم جسده بحركات غريزية فنية رائعة وهذا يعكس أزمة التعليم المغربي الذي أنتج لنا إنسان معكوف في التعبير لا يجيد إلا جملة الثغاء: "ديما مغرب!"
ظاهرة اخرى: ظاهرة الصلاة الجماعية للاعبي المغرب في الملعب كشكل من أشكال التبشير الإسلامي.. إن لم يكن الأمر كذلك مدفوعا من اطراف اخرى من قبيل الاسلام القطري أو الوهابي السعودي فالأمر يعبر عن غربة الذات في ذاتها من حيث الإنسلاخ عن غريزة الفرح الذاتي عند الأفراد العاديين، الجدب والرقص والقفز والحركات الغريبة التي لا تمت لأي دين بصلة: الفرح العارم الهستيري في تجرده عن الخلفيات الأيديولوجية او الخلفيات المدفوعة الثمن: أسلمة المونديال أمر غير مناسب لأنه ببساطة يعكس فاشية ثقافية تجاه ثقافات الأجناس البشرية: المغرب بلد مسلم كما قطر والسعودية وليسوا في حاجة إلى التعريف بإسلامهم بالصلاة في الملعب: ضد أدلجة الرياضة سواء بالنسبة للمسلمين او بالنسبة للمسيحيين وإلا كيف سنقرأ الأمر خصوصا حين نعرف أن مسجل الهدف الأول المغربي أمازيغي لا يتقن حتى الدارجة العربية المغربية، يمكن أن نقرأ الأمر كونه يشهر إسلامه ليغطي عن غياب حضور الإسلام في ذاته: مسلم بالفطرة والجنسية وهو كذلك بالفعل دونما حاجة إلى صلاة بالأحذية الرياضية في الملعب. يمكن فهم الأمرعلى خلاف هذا، الإسلام في المغرب ليس كالإسلام في السعودية وقطر وهذا يعرفه أي محلل، يمكن فهم الأمر على انه مشكل الإسلام السياسي في شكل أخونته: إسلام قطر وتركيا وهذا بالطبع ما لا يستوعبه لاعب كرة قدم مغرّب قبل كل شيء في الغرب والصلاة بالأحذية الريضاية في الملعب هي إبداع إخواني بمثابة "نارجيلة" الإخوان في تدخين حشيش الإيمان.
تعليقات هامشية:
الدين أفيون طيب، لا يضر بالصحة، لكنه يضر بحركة التاريخ من حيث يعطل آلة تطوره حين يظهر على شكل طيبوبة أخلاقية وإنسانية.
الرياضة أفيون رائع لذلك رغم مقاطعتي السياسية للرياضة لم أمنع نفسي أن اشاهد مباراة في كرة القدم على الرغم من انها صدمتني في مونديال إيطاليا.
هي أفيون طيب لا يضر بالصحة كما المخدرات الاخرى، لكنها تاريخية، بمعنى أنها لعبة حقيقية تهذب الذات الثائرة في التحدي الفردي أو الجماعي ضد الهزائم السياسية والعسكرية وضد التخلف الذي نجتره في مجتمعاتنا ودولنا الديكتاتورية.
البلدان المتقدمة رائعة في احتواء اللعبة بالغش البنيوي وليس فقط على مستوى التحكيم في المباريات: إفريقيا تحضر بخمس فرق فقط، بينما اوربا التي تصغرها بملايين النسمات وتصغرها في النمو الديموغرافي تحضر بأضعاف رقم إفريقيا: عنصرية برغم التبجح بالديموقراطية وحقوق الأقليات والفرديات: عنصرية المهيمن بالسلاح وليس بالديموقراطية وحقوق الإنسان .
الحقوق الرياضية مختلة عالميا!
يظهر الأبطال الحقيقيون في المنافسات الفردية الذاتية، في الجري وفي الألعاب الفردية وفي فنون القتال، أما كرة القدم، في بنية سياستها العالمية فهي الشكل الرائع لجمالية العنصرية. وهذا هو الوجه الآخر الذي يغطيه أفيون كرة القدم.