الإمارات: المنجز في المنجز


عبد الحسين شعبان
2022 / 11 / 30 - 20:32     

قبل خمسة عقود وعام واحد توحّدت سبع إمارات عربية، هي أبو ظبي ودبي والشارقة وعجمان والفجيرة وأم القيوين، ثمّ انضمّت رأس الخيمة إلى الاتحاد بعد شهرين وبضعة أيام من إعلانه.
ستة عوامل مهمة رافقت إعلان الاتحاد واستمرّت معه؛
أولها – أن قياداته امتازت بالحكمة وبُعد النظر وتغليب المصلحة العامة العليا على حساب المصالح الخاصة، فضلًا عن ذلك أن الثقة بالمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيّان طيّب الله ثراه كانت كبيرة من إخوانه، وهي ثقة في محلّها، فقد مثّل رمزية على المستوى العربي وطموحًا وإرادةً نادرًا ما توفّرت بهذه الروح التي اتّسمت بالقرب من الناس والعمل من أجلهم في إطار استراتيجية بعيدة المدى.
وثانيها – التفكير بما هو جامع وموحّد، خصوصًا وأن المنطقة كانت تحت نفوذ بريطانيا لعشرات السنين، حيث لم يعد بإمكانها البقاء فيها، لا سيّما بصدور قرار تصفية الكولونيالية من جانب الأمم المتحدة وتحرير العديد من شعوب آسيا وأفريقيا.
وشهدت الستينيات انطلاقة كبيرة لدور الشعوب والأمم في تقرير مصيرها، وهذا الأمر وإن تمّ التعبير عنه بإجراءات وخطوات تمهيدية بإعلان بريطانيا الانسحاب، لكنّه فتح شهيّة القوى الإقليمية للتدخّل، حيث قامت إيران الشاه محمد رضا بهلوي باحتلال الجُزر العربية الثلاثة أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى مستغلة الفراغ الذي أحدثه الانسحاب البريطاني، وما تزال هذه الجُزر التابعة لدولة الإمارات العربية المتحدة تحت النفوذ الإيراني بالرغم من المناشدات والمساعي السلمية التي بذلتها لاستعادتها ومطالبة المجتمع الدولي بذلك. ولهذا كانت خطوة تأسيس دولة الإمارات العربية المتحدة مدروسة في مواجهة التمدّد الإقليمي ومحاولات فرض الهيمنة والاستتباع.
ثالثها – أن مبادرة الاتحاد التي جاءت بانسجام تام بين المبادئ والمصالح ودون ضجّة إعلامية أو شعارات سياسية أو صخب أيديولوجي، انطلقت من الواقع الذي كانت تعيشه، فضلًا عن الحاجة والضرورة، وتطلّب تحقيق التنمية، التوافق على صيغة مرنة ومقبولة من الإمارات السبعة، وكان الزعماء السبعة أصحاب المبادرة بقيادة الشيخ زايد، أول رئيس للدولة، والشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم نائب الرئيس والشيخ خالد بن محمد القاسمي حاكم الشارقة والشيخ راشد بن محمد النعيمي حاكم عجمان والشيخ أحمد بن راشد المعلّا حاكم أم القيوين والشيخ صقر بن محمد القاسمي حاكم رأس الخيمة والشيخ محمد بن حمد الشرقي حاكم الفجيرة.
رابعها – أن الإمرات التي تأسست في 2 ديسمبر / كانون الأول 1971 عملت لتحقيق منجزات لصالح الناس وسعت لمراكمتها بحيث أصبحت خلال عقدين ونيّف من الزمن في مصاف الدول المتقدّمة، ولا سيّما في تلبية الحاجات الأساسية للناس من عمل وصحة وتعليم وخدمات بلدية وبيئية وثقافية واجتماعية وغيرها، لهذه الأسباب حظيت بمكانة كبيرة على جميع الصُعد العربية والإقليمية والدولية ليس هذا فحسب، بل انشغلت الدولة الناشئة بقضايا العلوم والابحاث العلمية، لا سيّما في مجالات الفضاء والفلك ودخلت السباق العالمي لاستكشاف الفضاء بإرسال "مسبار الأمل" في 20 يوليو / تموز 2022 تزامنًا مع الذكرى الخمسين لتأسيس الدولة.
خامسها – توظيف الموارد بطريقة عقلانية على مشاريع نافعة ومفيدة ليس على صعيد الحاضر وإنما بلحاظ المستقبل والأجيال المقبلة بما يتّفق مع معايير التنمية المستدامة، وهو ما عملت عليه انسجامًا مع خطة 2030 وبأفق بعيد المدى يتعلّق بمئوية الدولة 2071، بما يوفّر الأمن الإنساني بجميع حقوله وأركانه الغذائي والمائي والصحي والتربوي والتعليمي والبيئي وغير ذلك للجيل الحالي والأجيال المقبلة.
وسادسها – اتباع سياسة سلمية والعمل على التوافق مع المجتمع الدولي من خلال مبادرات إنسانية من أهمها اللقاء التاريخي بين قداسة البابا فرنسيس (بابا الكنيسة الكاثوليكية) وفضيلة الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر، وكانت حصيلة هذا اللقاء التوقيع على "بيان الأخوّة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك" (4 فبراير / شباط 2019)، وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا البيان في 22 ديسمبر / كانون الأول 2020 كوثيقة مرجعية دولية للعلاقات الإنسانية.
لقد سارت الدولة بفعل هذه الاستراتيجية التي وضع- لبناتها الأولى وقام بتنفيذها المغفور له الشيخ زايد من منجز إلى منجز، وهكذا أصبح الاحتفال باليوم الوطني وكأنه احتفال بالمنجزات الوطنية والإعلان عن منجزات مقبلة، وذلك في إطار مشروع تنموي ناجح ومبشّر بأفق مشرق.