من اجل ممارسة النظرية الماركسية على ارض الواقع: -مضاءة بنور ساطع من تجربة الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة-


خليل اندراوس
2022 / 11 / 26 - 09:58     



ما بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة خلال فترة الحرب الباردة والمؤامرة المدروسة والمخطط لها منذ عام 1954، والتي هدفت ونجحت في ذلك، لأسباب عديدة يمكن التطرق لها في مقالات أخرى، وفي عصرنا الحاضر، طورت وقوت الامبريالية العالمية، طابعها العدواني الإرهابي الرجعي.

والحروب الامبريالية في الماضي وخاصة الان والتي تدعم النظام النازي في كييف والمدعومة من الولايات المتحدة وحلف الناتو والاخطبوط الصهيوني العالمي، ستكون أفظع تدميرا، حتى ولو كانت تجارة بدم الشعب الاوكراني والروسي، وكما يحدث في اليمن وسوريا وفلسطين، وستدفع لواقع سيعيد الإنسانية بصورة ملحوظة الى حالة الوحشية لا بل الى واقع الحرب النووية.

وفقط انتصار روسيا في حربها ضد النظام النازي في كييف والمدعوم من الغرب الامبريالي، سيحرر ليس فقط الشعب الاوكراني، بل الإنسانية من هيمنة وهمجية ووحشية سياسات غطرسة القوة والعنصرية التي تمارسها الولايات المتحدة والتي تسعى الى فرض هيمنة القطب الواحد الأمريكي على الإنسانية جمعاء. انتصار روسيا في حربها على النازية سيكون نهاية عصر القطب الواحد، ونهاية هيمنته.

لا شك بأن انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991 كان بمثابة بداية لعالم احادي القطب، وكذلك الفوق الاقتصادي والعسكري والجيوسياسي الأمريكي على المسرح العالمي. ولكن قيام الوحدة الاستراتيجية بين روسيا والصين وإيران لا بد وان ينهي عصر أحادية القطب. وهنا يكفي ان أذكر الهروب الجبان للولايات المتحدة من أفغانستان وفشل الولايات المتحدة في تغيير ودعم القوى الرجعية وأنظمة الاستبداد الممثلة لطبقة راس المال الكومبرادري في أمريكا اللاتينية، وآخر مثل على ذلك نجاح ممثل قوى اليسار في البرازيل وصمود بوليفيا وفنزويلا وكوبا.

وإخفاقات الولايات المتحدة هذه وانتصار روسيا في حربها ضد النازية، سيكون له ابعاد جيوسياسية على مستوى عالمي. إخفاقات الولايات المتحدة وخاصة إخفاقاتها في مؤامرات تغيير الأنظمة في دول مختلفة حول العالم كلفتها دماء هائلة من الشعب الأمريكي ومن العديد من الشعوب حول العالم وخاصة في الشرق الأوسط، وهذا بالإضافة الى المشاكل الداخلية التي يواجهها الشعب الأمريكي زمنها المعدل المرتفع للتضخم المالي للاقتصاد الأمريكي، ومعدل المواليد خارج اطار الزواج، والحدود الجنوبية مع أمريكا اللاتينية "المنفلتة" وارتفاع جرائم القتل والعنف والمخدرات، وهيمنة المفاهيم والايديولوجيات اليمينية العنصرية على فئات واسعة من الشعب الأمريكي.

ولا تستطيع الولايات المتحدة التغلب على هذا الواقع الداخلي المتأزم الا باعترافها بنهاية عصر القطب الواحد، وإقامة علاقات ودية ندية مع روسيا والصين.

ان النزعة العسكرية هي خاصية ملازمة للرأسمالية الاحتكارية، ومبعثها الصراع الامبريالي في سبيل إعادة تقسيم العالم وقمع الحركة العمالية والديمقراطية وحركة التحرر الوطني بالوسائل الحربية. وقد كتب لينين يقوا:" ان النزعة العسكرية المعاصرة هي نتيجة للرأسمالية. وهي بكلا شكليها "مظهر حياتي" للرأسمالية. كقوة حربية توجهها الدول الرأسمالية في صداماتها الخارجية... وكسلاح يستخدم في ايدي الطبقات المسيطرة لقمع أي نوع من الحركات "الاقتصادية والسياسية للبروليتارية". (لينين المؤلفات الكاملة المجلد 17 ص 187).

وأيضا لقمع الشعوب المضطهدة حول العالم وخاصة في الشرق الأوسط. ودعم الولايات المتحدة لسياسات إسرائيل العدوانية الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط. واستمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وحصار غزة، وتحول إسرائيل الى دولة اليمين الصهيوني المتطرف هو اكبر مثل على همجية وبربرية الامبريالية العالمية وخاصة الولايات المتحدة وربيبتها إسرائيل القاعدة الامامية للإمبريالية العالمية في الشرق الأوسط.

ولكن دراسة الفلسفة والنظرية الماركسية وممارستها على ارض الواقع بإخلاص وتفاني "مضاءة بنور ساطع من تجربة العمال الثوريين" سوف تساعد الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة في النضال من أجل إسقاط العبودية المأجورة الرأسمالية.

وعودة الأحزاب اليسارية في العديد من دول أمريكا اللاتينية الى السلطة والتحالف الاستراتيجي بين الصين وروسيا، دليل على ان الجليد بدء يذوب بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.

الامبريالية العالمية وخاصة الولايات المتحدة المخطوفة من قبل الصهيونية والماسونية العالمية وتتحمل المسؤولية التاريخية عن استمرار النكبة الفلسطينية، جراء انحيازهم المطلق للاحتلال الصهيوني العنصري الشوفيني وسياسة ازدواجية المعايير في التعامل مع القضية الفلسطينية الكونية الإنسانية العادلة.

ولكن الشعب الفلسطيني عمّد وحدته الوطنية الميدانية بالاشتباك المستمر مع الاحتلال وجعل فلسطين بوصلة لنضال الشعوب المضطهدة من اجل التحرر والتخلص من الهيمنة الامبريالية الصهيونية عالميا.

اليوم وليس غدا من الضروري انجاز الوحدة الوطنية الحقيقية المبنية على استراتيجية وطنية شاملة تحفظ حقوق واهداف ومقدرات وطاقات الشعب الفلسطيني التاريخية، وتعيد الاعتبار لمنظمة التحرير ومشروعها التحرري ودورها التمثيلي والوطني.

من اهم سنن الازمة العامة للرأسمالية في عصرنا الحاضر هو اشتداد الرجعية السياسية في البلدان الرأسمالية، وخاصة الولايات المتحدة وإسرائيل، ويتجلى اشتداد الرجعية السياسية في البلدان الرأسمالية، كأهم سنن الازمة العامة للرأسمالية.

وآخر مثل على ذلك أيضا نجاح وهيمنة اليمين الصهيوني العنصري الشوفيني بعد الانتخابات الأخيرة للكنيست الإسرائيلي.

وهنا أريد أن أؤكد بأن كل سياسات الامبريالية الامريكية المتوحشة في الشرق الأوسط خاصة وعالميًا – وما يجري من دعم للنظام النازي في كييف من قبل حلف الناتو – لأكبر دليل على ان الولايات المتحدة تسعى الى استمرار وجود أنظمة الاستبداد الرجعي في العالم وفي العالم العربي وبدعم امريكي امبريالي، وأيضا من خلال دعمها لسياسات إسرائيل العدوانية ضد الشعب السوري وضد الشعب الفلسطيني، هي سياسات استراتيجية عدوانية متوحشة ضد الشعوب المضطهدة خدمة لرأس المال العسكري والمالي في العالم الامبريالي ومن أجل ذلك تقوم الولايات المتحدة بالتحريض والتشويه والحصار والعزل ضد ايران، وتمارس الحظر التجاري والاقتصادي ضد ايران وهذا ما تمارسه الولايات المتحدة ضد كوبا وروسيا الآن، وهذه السياسات هي الوجه القبيح للامبريالية العالمية، والولايات المتحدة هي صانعة وداعمة التنظيمات الإرهابية المتطرفة في الشرق الأوسط، وهي التي دعمت المؤامرة على تقسيم سوريا الى دويلات- دويلة علوية غرب سوريا ودويلة كردية شمال شرق سوريا، ودويلة سنية في مركز سوريا وخاصة دمشق ودويلة درزية على حدود الجولان السوري المحتل خدمة لمصالح إسرائيل الاستراتيجية العدوانية في منطقة الشرق الأوسط. هذه الخطة طرحت خلال انعقاد المؤتمر الصهيوني العالمي في القدس في ثمانينيات القرن الماضي.

ان الجذور الأيديولوجية للولايات المتحدة عامة جمهوريين كانوا أو "ديمقراطيين" أصبحت معروفة وزادت وضوحا في الفترة الأخيرة من خلال استمرار الدعم غير المحدود لإسرائيل ودورها العدواني في دعم النظام النازي في كييف تهدف الى منع ظهور منافس جديد للولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وهنا أنشر ما ورد في مسودة التخطيط الدفاعي في شباط عام 1992 حيث جاء ما يلي: "غايتنا الأولى هي منع ظهور منافس جديد" هناك ثلاثة جوانب إضافية لهذه الغاية: أولا، ينبغي على الولايات المتحدة.. أن تقنع المنافسين المحتملين بأنهم ليسوا بحاجة للتطلع الى امتلاك دور أكبر أو اتباع موقف أكثر عدائية من أجل حماية مصالحهم المشروعة. ثانيا، في المناطق "غير المحمية" علينا أن نكون مسؤولين عن مصالح الدول المتقدمة صناعيا من أجل تثبيط عزيمتها على تحدي قيادتنا أو السعي لقلب النظام السياسي والاقتصادي القائم. (وهذا ما تفعله الآن الولايات المتحدة ضد الصين وروسيا بهدف الحفاظ على نظام هيمنة القطب الواحد الأمريكي على العالم - الكاتب). أخيرا، علينا أن نحافظ على الآليات اللازمة لردع المنافسين المحتملين حتى من التطلع لامتلاك دور إقليمي أو كوني أكبر. (وهذه السياسة هي التي توجه الاستراتيجية الامريكية ضد ايران من خلال الحصار الاقتصادي والسياسي ضد ايران بهدف القضاء على أي دور إقليمي لإيران في منطقة غرب آسيا، وجعل إسرائيل الدولة الوحيدة المهيمنة على المنطقة، وهذه هي الاستراتيجية السياسية ضد الصين وروسيا بهدف القضاء على أي دور عالمي لروسيا والصين - الكاتب).

هذا التخطيط الدفاعي (لا بل المتوحش) الذي أصدره بول وولفتز ولويس ليبي بتوجيه من وزير الحرب الأمريكي ريتشارد تشيني بعد عدة أشهر من الانهيار الاتحاد السوفييتي في كانون الأول عام 1991، حيث وصف السيناتور الديمقراطي روبرت سي بيرد في مقابلة معه في الواشنطن بوست في 11 أذار من العام 1992 بقوله: "يبدو ان التوجه الأساسي للوثيقة (أي مسودة دليل التخطيط الدفاع - الكاتب) هو ما يلي: "إننا نحب كوننا القوة العظمى الباقية الوحيدة في العالم ونريد أن نبقى على هذه الحالة الى درجة أننا مستعدون للمخاطرة بعافية اقتصادنا ورخاء شعبنا من أجل فعل ذلك". وهذا ما يحصل الآن من خلال دعم الولايات المتحدة للنظام النازي في كييف حيث تضحي الولايات المتحدة بعافية اقتصادها ورخاء شعبها.

وهنا بودي أن أقول بأنه حان الوقت ان تدرك الشعوب الظالمة وخاصة شعوب غرب أوروبا وحلف الناتو وكذلك شعوب الولايات المتحدة وجهة نظر ماركس بأن: "شعبا يظلم شعوبا أخرى لا يمكن أن يكون حرًا".

على شعوب الأمم الظالمة أن تدرك بأن نضالها في سبيل تحررها يظل عقيمًا ما دامت تساعد على ظلم الأمم الأخرى.

وفي هذا الوضع العالمي القائم، عالم الهيمنة وسيادة القطب الامبريالي الواحد، علينا أن نرفض الاستجداء أمام الامبريالية العالمية، بل علينا ان ندعم وننشر ونمارس النضال الثوري الماركسي ضد الامبريالية العالمية، وان نرفض الخضوع لهيمنة الامبريالية العالمية المتوحشة، وخاصة في عصرنا.

إن الحرب الحالية التي يقوم بها حلف الناتو والولايات المتحدة ضد روسيا في أوكرانيا، هي حرب امبريالية، تهدف الى فرض سياسة هيمنة القطب الأمريكي الواحد على مستوى عالمي، وبرأي كاتب هذه السطور سيكون فشل الولايات المتحدة والناتو، فشل ساحق ونصر للقطب الآخر روسيا والصين وايران ونهاية "القطب الأمريكي الجديد"، المشروع الذي تبناه الجمهوريين والذين كانت أولى مبادرتهم العلنية رسالة الى الرئيس كلينتون طالبوه فيها بغزو العراق، وبداية لعالم متعدد الأقطاب.

وعالميا الشعوب المظلومة لا يمكن أن تنتصر "على البرجوازية والرأسمالية إذا لم تحضرها لذلك التربية بروح الديمقراطية الثورية الحازمة كل الحزم، والمستقيمة كل الاستقامة" لينين.

(من مقال البروليتاريا وحق الأمم في تقرير مصيرها- كتاب حركة شعوب الشرق الوطنية التحررية- مجموعة مقالات وخطب ص- 173).