من سينجز المهمة الليبرالية ؟

معقل زهور عدي
2006 / 10 / 6 - 10:23     

في أن تحالفا بين الطبقات العاملة والوسطى هو المؤهل لتحقيق المهمة الليبرالية

لايكمن الخلاف بين التيار الليبرالي والتيار الوطني الديمقراطي ( وفق ما أعتقد ) في القناعة بوجود مهمة ليبرالية تأخر تنفيذها في المجتمعات العربية ، ولكن الخلاف يكمن في من هو الحامل الاجتماعي – السياسي لتلك المهمة وفي أي سياق يمكن انجازها؟ .
هذه النقطة بالذات يجري تغييبها عن قصد في البرامج الليبرالية ، حيث يتم الاعتماد فعليا وواقعيا على حامل خارجي هو السياسة الأمريكية بافتراض التقاطع معها في ( دمقرطة الشرق الأوسط ) والانطلاق من تلك العملية نحو تنفيذ المهمة الليبرالية .

وحين يجد التيار الليبرالي نفسه محرجا في تحديد الحامل الاجتماعي ينصرف نظره نحو البورجوازية الجديدة الرثة المتشاركة مع الاستبداد والداعمة له تارة ، ونحو بورجوازية وهمية يشكلها من استعادة ذكريات الخمسينات الفانية تارة أخرى ، وفي الحالتين لايبدو التيار الليبرالي مقنعا سوى لمن لايريد التفكير مليا في الموضوع .

أجل نحن بحاجة لتحقيق المهمة الليبرالية المتمثلة في تعميق وتثبيت مفاهيم حقوق الانسان في المجتمع والدولة ، وانجاز الحريات العامة ، ومفهوم المواطنة ، ودولة القانون والمؤسسات ، واعادة الاعتبار لمعيار الانسان في مواجهة طغيان المعايير الجمعية وسحقها لمعيار الانسان . ولكن ذلك لن يتحقق بصورة مستقلة وفق ما يتوهم الليبراليون ، كما يستخرج العلماء الأدوية في المخابر ، ولكنه سيتحقق بالترابط مع المسائل الأخرى الملحة كالمسألة الوطنية والمسألة الاجتماعية والمسألة القومية والمسألة الديمقراطية معا في سياق تاريخي واحد .

ينسى المثقفون المولعون باستحضار أرواح البورجوازية السورية في الأربعينات والخمسينات من القرن العشرين أن تلك البورجوازية قد استنفدت طاقتها في قيادة المجتمع ضمن شروط الصراع الاجتماعي الداخلي والصراع الذي كان يحدث على نطاق العالم ، وان نهاية الخمسينات شهدت صعود الفئات الاجتماعية الوسطى والعاملة مقابل وهن وتفكك القوى السياسية البورجوازية ، في تلك الحقبة كان ثمة مجتمع يبحث عن طبقة صاعدة تستطيع حمايته ودفعه نحو الأمام .
اليوم ليست البورجوازية السورية أفضل مما كانت عليه في الخمسينات بل في وضع أسوأ ، ويمكن تمييز فئتين فيها :
الفئة الأولى حديثة النعمة تمكنت من جمع ثروات اسطورية بواسطة الفساد واستخدام مواقعها داخل الدولة والحكم .
اما الفئة الثانية فتمثل البورجوازية التقليدية التي تحالفت وتشاركت في الفترة السابقة مع السلطة واستفادت من احتكار السوق والتسهيلات الاستثنائية المشروعة وغير المشروعة.

تؤدي المنافسة بين الفئتين السابقتين وخوف الثانية من ابتلاع الأولى لها لاندفاع الفئة الثانية نحو انتهاج سياسة معارضة خفية وغير مباشرة ذات أشكال متعددة .
ان أي من هاتين الفئتين لايمتلك روحا استقلالية ووطنية قادرة على قيادة المجتمع ، وخوض الصراع ضد مشروع الهيمنة الأمريكي ، وحل المسألة الوطنية ، وتأمين مصالح الطبقات العاملة والوسطى ، والأمر لايعود هنا لرغبة ذاتية ولكن لافتقاد الجذور الاجتماعية القوية القادرة على حماية مصالح تلك الفئات اذا قررت الدخول في معارك ضد أعداء خارجيين أو داخليين على درجة من القوة .
يعرف المطلعون على أوضاع الرأسمالية السورية الحالية مدى الخطورة التي تستشعرها من فتح الأسواق تلبية لمطالب اتفاقية الشراكة الأوربية ، ونصائح البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ، وانعدام قدرتها على المنافسة نتيجة البيئة الاستثنائية التي عاشتها في العقدين الأخيرين ، واتكالها الكبير على الشراكة مع بيروقراطية الدولة الفاسدة بمختلف أجهزتها ، وعلى الأرجح سيقضي فتح الأسواق على القسم الأكبر من تلك الرأسمالية بينما سيتحول القسم الآخر الى مجالات استثمارية وفق مايسمح به نظام العولمة ويحتاج اليه ، وذلك يعني التبعية الاقتصادية التي تؤسس للتبعية السياسية .
طبقة كهذه ليست مؤهلة للكفاح الاجتماعي وحمل راية الديمقراطية وحقوق الانسان ، والعمل لانجاز تحول مجتمعي حقيقي ضمن ظروف الصراع العالمي الراهن وانعكاساته الاقليمية والعربية والمحلية .
تداخل المهمات المرحلية وترابطها مع بعضها البعض يجعل من غير الممكن التقدم باحداها بصورة مستقلة ، فلايمكن وضع المسألة الوطنية جانبا حتى انتهاء انجاز المسألة الديمقراطية كما لايمكن وضع المسألة الديمقراطية جانبا حتى انتهاء انجاز المسألة الوطنية ، وكذا الحال بالنسبة للمسألة الاجتماعية والمسألة القومية .
من أجل ذلك فان الطبقة الاجتماعية غير المؤهلة للتقدم في المسألة الوطنية أو المسألة الاجتماعية لن تكون مؤهلة للتقدم في المسألة الديمقراطية والمهمة الليبرالية المتضمنة فيها.
الطبقة العاملة السورية وحلفاؤها ( الكتلة التاريخية ) هم بسبب ذلك المؤهلون لحمل الراية الديمقراطية وتحقيق المهمة الليبرالية بمفهومها السابق، وهم لن يفعلوا ذلك فقط من أجل القيمة الأخلاقية والجمالية لتلك المهمة ، ولكن من أجل دفع المهام الأخرى التي لايمكن التقدم بها سوى عبر انجاز تقدم في المهمة الديمقراطية والليبرالية.
استعادة الوعي الاجتماعي ، وتفعيل الصراع الاجتماعي بمفهومه السياسي السلمي الديمقراطي هو المقدمة لتعبئة القوى الاجتماعية التي ستكون حاملة للمهمة الليبرالية بقدر ماستكون حاملة للمهمة الديمقراطية والوطنية والقومية والاجتماعية .
من تفعيل النقابات وطرد العناصر الفاسدة منها ، الى المساهمة في ايجاد الأطر السياسية الضرورية ، الى العمل لنشوء وتكون وعي مطابق للمهام المطروحة، وعي تنجدل فيه عناصر مختلف المهام بطريقة واقعية ، كل ذلك لن يتم بدون الدخول في صراع فكري وسياسي ضد التيارات الأخرى سواء منها التي تحاول تضليل الناس ليعملوا في النهاية ضد مصالحهم وأهدافهم بالحاقهم بمشروع الهيمنة الأمريكي على المنطقة وما يحمله من شرور ومآس لاحصر لها ، او تلك التي تبقيهم في حالة عجز وخوف واستسلام من أجل ديمومة الاستبداد.