كلمة الحزب في اللقاء العالمي للأحزاب الشيوعية في كوبا

الحزب الشيوعي اللبناني
2022 / 11 / 16 - 21:50     


كلمة الحزب الشيوعي اللبناني في اللقاء العالمي للأحزاب الشيوعية والعمالية العالمي هافانا – كوبا 27-29 تشرين الأول 2022 التي ألقاها الرفيق فراس المصري، مسؤول منظمة الحزب في البرتغال، نيابةً عن المكتب السياسي للحزب
الرفيقات والرفاق،

في البداية، نشكر الرفاق في قيادة الحزب الشيوعي الكوبي على تنظيمه لهذا الاجتماع المهم للقاء العالمي للأحزاب الشيوعية والعمالية، في هذه الفترة الحساسة على المستوى الدولي، على الرغم من الصعوبات الاستثنائية التي تمر بها كوبا. فحضور اللقاء هو بحد ذاته فعل دعم وتضامن مع الثورة الكوبية والشعب الكوبي والحزب الشيوعي الكوبي بقيادة الرئيس ميغيل دياز كانيل، كيف لا فهي ثورة فيدال كاسترو وتشي غيفارا ايقونات النضال الثوري والأممي في العالم.

يرتدي هذا الاجتماع أهميته الفائقة في خضم الحرب الجارية في أوكرانيا وتحولت بسرعة الى حرب عالمية بأشكالها المختلفة، اسباب ذلك بالعمق ما هو الا الأزمة المتفاقمة للامبريالية التي وصلت الى مستويات قياسية وتعمل على الخروج منها عن طريق العدوان والعقوبات وشن الحروب ليس على الشعوب المضطهدة والدول لنهب ثرواتها ومصادرة قرارها المستقل، بل ايضاً ضد الدول الصاعدة وسائر اطر التعاون والتنسيق في ما بينها الساعية لبناء تطورها المستقل وفي مقدمها روسيا والصين، وهو ما كنا قد توقعناه وذكرناه في اجتماعنا الماضي.

يقف العالم اليوم على مفترق طرق مصيري، حيث يعيش مخاض الانتقال الأليم من مرحلة النظام الأحادي القطبية بزعامة الولايات المتحدة إلى عالم متعدد الأقطاب. وفي هذا الإطار، تشكّل الحرب في أوكرانيا بين روسيا وقوى حلف شمال الأطلسي - الناتو محطة من محطات هذه المواجهة التي تثبت بحد ذاتها ان الولايات المتحدة لم تعد المقرر الوحيد في العالم، وستسهم نتائجها بفتح افق امام كفاح لقيام نظام عالمي جديد اكثر عدلا وتوازنا بين القوى في العالم.

وعلى الرغم من مقاربتنا النقدية لطبيعة النظام الحاكم في روسيا، إلّا أنّنا نرى أن السياسات التوسعية للناتو في شرقي أوروبا وصولاً إلى فضاء الاتحاد السوفياتي السابق ومحاولة ضمّ أوكرانيا إليه بعد وصول قوى اليمين العنصري والفاشي إلى الحكم فيها، وما يشكّله ذلك من تهديد للأمن القومي الروسي، يشكّل اعتداءً مباشراً على أمن واستقرار روسيا. الناتو هو الذراع العسكري للإمبريالية التي تريد اليوم كسر روسيا، والتفرّغ لمواجهة الصين، وبالتالي وأد أي محاولة لنهوض مشروع عالميّ منافس لها، كي تؤبّد سيطرتها على العالم، ومهما كانت الأثمان. ولا شكّ أنّ محاولة كسر روسيا وهزيمتها اليوم ستعيد التاريخ عقود إلى الوراء، إن نجحت، وتعطي الأميركيين سطوة متجددة على خصومهم كما على حلفائهم الذين كانوا يحاولون رسم بعض الاستقلالية للخروج من عباءة العم سام. وبذلك تأخذ الحرب بعداً مصيرياً لتوازن القوى في العالم، ومن مصلحتنا ومصلحة شعوب العالم كافة ألّا يخرج الأميركيون بانتصارات سياسية أو عسكرية فيها على الإطلاق.

إنّ الاستراتيجية الأميركية الراهنة هي افتعال الحروب والصراعات المحلية والإقليمية لإغراق الخصوم بوحول الحرب وخسائرها السياسية والاقتصادية، لذلك صارت اليوم تخوض الحروب بالوكالة، فلا تتحمّل الخسائر المباشرة إن حصلت، وتحصد المكتسبات المتأتيّة من إضعاف وتشتّت الخصم والحليف معاً. ولا شكّ أن هذه الحرب، مع ما تحمله من خسائر بشرية ومادية كبيرة على شعبي الدولتين، تحمل معها أزمات خانقة وموجات من التضخّم وانقطاع المواد الحيوية على صعيد العالم كله، مع كل الانعكاسات السلبية المرتبطة بهذا الواقع. لكلّ تلك الأسباب، لا مناص اليوم من التأكيد على أهمية هزيمة حلف الناتو ووقف تمدّده وإنهاء حالة الحرب والوصول إلى حل سياسي متفق عليه بين الدولتين بعيداً عن تدخلات الخارج، حلّ يؤمّن حيادية أوكرانيا وابتعادها عن الناتو، وضمان أمن الدولتين والشعبين، وحقهم بتقرير مصيرهم الآمن والمستقرّ.

لقد انعكست هذه الأزمات بوضوح ساطع في منطقتنا، حيث تعاقبت الصيغ المختلفة لمشروع الشرق الأوسط الجديد الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية واعادة تقسيم المنطقة ودولها على اسس طائفية ومذهبية خدمة لمصالح الإمبريالية ولأمن الكيان الصهيوني، غير إنّ عصر شرطي العالم الذي يستطيع أن يفعل ما يشاء وأينما يشاء في التسعينيات ومطلع الألفية، قد انتهى. فتغيّر موازين القوى العسكرية والاقتصادية يدفعنا لتشديد النضال لإلحاق الهزيمة بنهج الهيمنة الإمبريالية، وتصعيد المواجهة. إنّ القضية الفلسطينية اليوم تشكّل محوراً أساسياً في الصراع ضد الصهيونية وضد الامبريالية في آن، حيث يخوض شعب فلسطين أهم المواجهات المشرّفة ضد الاحتلال، بالسلاح الفردي وبالمقاومة الشعبية، ويسقط منهم الشهيد تلو الآخر من أجل منع العدو من تنفيذ مخططاته بالسيطرة الكاملة على فلسطين وتهجير شعبها، ويرسمون بمقاومتهم أفق تحقيق الحلم المنشود بتحرير فلسطين، كلّ فلسطين، من الاحتلال المجرم، وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية على كامل التراب الوطني الفلسطيني وعودة اللاجئين إلى الأراضي التي هجروا منها.

في هذا الإطار، لا تستطيع الحركة الشيوعية واليسارية العالمية إلا ان تكون موحدةً في كفاحها المشترك على أساس التضامن الأممي وتطوير مفهومها له واستنباط اساليب جديدة في ممارستها العملية له من اجل تحقيق مصالح الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة وبناء الاشتراكية.

ومن الضروري ان تركز الحركة الشيوعية على تمايزها عن التيارات السياسية التي تصنّف نفسها "مناهضة للنيوليبرالية" وتسعى لبناء رأسماليات ملطّفة دون المسّ ببنية الرأسمالية نفسها، وكذلك ضرورة تمايزها ايضاً عن القوى القومية والوطنية التي تواجه الهيمنة الامبريالية وتتمسك ببقاء أنظمتها الرأسمالية التابعة في دولها. إننا نؤكد على تلازم ووحدة الموقف والنضال ضد الرأسمالية على اختلاف مظاهرها وأطوارها باعتبارها نظام استغلال الانسان للانسان.

من هنا نؤكد على النضال الوثيق والمتكامل في منطقتنا العربية ضد الامبريالية والصهيونية من جهة وضد النظم الرأسمالية المحلية التي تتخذ من الطائفية ستاراً لطمس حقيقة الصراع الطبقي في مجتمعاتنا وهو ما يتجسد اليوم في بلدنا لبنان، كما في العديد من دول المنطقة. وفي هذا الإطار، أبدى حزبنا إدانته لقمع النساء والشعب الإيراني وسقوط مئات القتلى وآلاف المعتقلين في صفوفهم، من أجل فرض ارتداء الحجاب على النساء، فيما أكدنا في مواقفنا على حماية الحريات الفردية، وحق الناس في الاختيار الطوعي لملبسهم واعتقاداتهم وحقهم في التعبير عن الرأي.

لقد صاغت البورجوازية اللبنانية نظاماً خاصاً لسيطرتها الطبقية والسياسية يقوم على تمزيق النسيج الاجتماعي وتأطير الفئات الكادحة لا كقوى اجتماعية واعية لمصالحها بل كطوائف ومذاهب تتواجه فيما بينها تحت حجة الدفاع عن مصالح الطائفة كلّما احتاجت البرجوازية الى ذلك. وهو ما يفسر تعاقب مراحل تأزم النظام السياسي في لبنان المولد للحروب والصدامات الطائفية المتعاقبة.

وبدل تغيير هذا النظام السياسي الطائفي بتبعيته لقوى الرأسمال المعولم ومحاسبة أحزاب السلطة المسؤولة عن أكبر عملية نهب في التاريخ، كما طالبت انتفاضة شعبنا في 17 تشرين في شعارها "الشعب يريد اسقاط النظام" وإقامة دولة علمانية ديمقراطية مقاومة، يجري تحميل الشعب اللبناني نتائج فشل سياسات المنظومة الحاكمة وسط مواجهة سياسية وشعبية لا تزال مستمرة ضدها.



لقد وصل لبنان الى قعر الانهيار، في ارتفاع معدلات التضخم والبطالة والفقر والهجرة، وفي إنهيار القوة الشرائية للدخل ومرافق الخدمات العامة الأساسية وتفكّك منظومة شبكات الحماية الاجتماعية، وبخاصة الصحّية والتربوية منها. ومع نهب اموال صغار المودعين تفاقمت أزمة المعيشة مع ارتفاع اسعار الدواء وتحرير اسعار المحروقات والكهرباء حيث بلغت نسبة التضخم مؤخرا حدودا خيالية (1200%)، وفقدت الأجور ما يزيد عن ال 95% من قيمتها الشرائية.

ولأن ما يجري في لبنان مرتبط أشد الارتباط بما يجري في المنطقة بأسرها، يتم الان فتح مسارات تطبيع غير مباشر مع العدو الصهيوني وفرض شروطه وشروط صندوق النقد الدولي وتنفيذ بنود صفقة القرن المتعلقة بلبنان، وما الاتفاق الاخير بين لبنان والعدو الاسرائيلي عبر الوسيط الاميركي الا دليل ساطع على استشراس هذا النظام البرجوازي المذهبي بالدفاع عن نفسه من الانهيار الحتمي غير آبه بشروط هذا الاتفاق المخزي للبنان وشعبه المقاوم.

لقد كان حزبنا في قلب الانتفاضة الشعبية في 17 تشرين وفي موقع المعارضة ضد هذا النظام الخائن لشعبه ومنظومته السياسية الفاسدة وهو قد استكمل المواجهة بنجاح ضد المنظومة الحاكمة وقوانينها الانتخابية في استحقاق الانتخابات النيابية حيث ساهم الحزب في تشكيل لوائح انتخابية في معظم المناطق اللبنانية وكان له مرشحون حزبيون أو أصدقاء أو دعم لقوى حليفة وقد وصل له عدد من الحلفاء والأصدقاء إلى البرلمان في الانتخابات الأخيرة. كما كان حزبنا ولا يزال في المواجهة في الشارع والعمل النقابي والمناطقي والبلدي، من اجل بناء الدولة العلمانية الديمقراطية المقاومة، وبناء اقتصاد وطني منتج، وتعديل النظام الضريبي في اتجاه تصاعدي على الثروة والأرباح وحماية الأجر الاجتماعي واسترجاع الأموال المنهوبة ومحاسبة المسؤولين عن انفجار المرفأ.

هذا ويدعو الحزب إلى تكريس سياسة خارجيّة للبنان تصب في اتجاه نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب وإلى قيام دول علمانية ديمقراطية على طريق التكامل والتقدم والوحدة في منطقتنا العربية، بديلاً من أنظمة الاستبداد والتطبيع والتخلف والرجعية والتبعية التي قمعت شعوبها، والتي شكّل بعضها أدوات لمشاريع السيطرة الخارجية.

ويشدد الحزب على ضرورة تشكيل جبهة عريضة من جميع الوطنيين والأممين لمواجهة هذه الجريمة بحق شعبنا ومواجهة المشروع الامبريالي وادواته المحلية والاقليمية عبر كافة انواع النضال خاصة في ظل المخاض التغييري التي انتجته الحرب في اوكرانيا والتي تفرض على اليسار تصعيد نضالها المشترك ضد التحالف الامبريالي – الصهيوني – الرجعي كي تتمكن من تشكيل قطب ضمن أقطاب النظام العالمي الجديد.

كما يؤكد حزبنا موقفه الدائم في التضامن مع كوبا الثورة التي تتعرض للحصار الاميركي المجرم منذ 62 عاما ووقوفنا الى جانب الحزب الشيوعي الكوبي وصموده البطولي، ونحيي كوبا على إقرارها قانوناً تقدمياً جدياً للأحوال الشخصية بعد إقراره في الاستفتاء الشعبي. ونؤكد مجدداً على انخراطنا في النضال المقاوم مع الشعب الفلسطيني وقواه اليسارية والتقدمية من اجل اقامة دولته الوطنية المستقلة على كامل تراب فلسطين وعاصمتها القدس وحق العودة، وعلى التزامنا خيار المقاومة الشاملة بكلّ أشكالها وعلى رأسها المقاومة المسلّحة ضد العدو الصهيوني في فلسطين ولبنان وعلى امتداد منطقتنا العربية، ومن أجل تحرير أراضي لبنان المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، واستعادة رفات جثامين شهداء الحزب الشيوعي اللبناني التسعة الذين ما زالت تحتجزهم اسرائيل. ونوجّه التحية إلى نجاح أعمال المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني، ونتمنى لقيادته النجاح في خططها لبناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية. كذلك نؤكد تضامننا مع الشعب الصحراوي الشقيق في نضاله ضد الرجعية المغربية وحق شعبه في تقرير المصير، ونتمنى لرفاقنا في البرازيل تحقيق الانتصار الكبير والتاريخي بهزيمة اليمين وفوز الرئيس لولا دا سيلفا في الجولة الثانية من الانتخابات.



عاش التضامن الأممي، والمجد والخلود للشهداء الذين سقطوا من اجل الاشتراكية وانتصار الشيوعية.


فراس المصري، مسؤول منظمة البرتغال وقيادي في الحزب.