المُؤسسات المالية الدولية أداةُ استعمار جَديد


المناضل-ة
2022 / 11 / 15 - 10:17     


الافتتاحية

في 4 نُونبر 2022 أصدرت بعثة صندوق النقد الدولي بلاغها حول إتمام المهمة التشاورية بشأن المادة الرابعة لعام 2022 مع المغرب. هذه المادة مُتعلقة برقابة صارمة على سياسات الصرف، لكن المُشاورات تتضمن أيضا مجموع الوضع الاقتصادي والميزانية والإصلاحات الهيكلية ووضع القطاع المالي.

وعلى عادته، أشاد صندوق النقد الدولي بتنفيذ الدولة المغربية السياسات الليبرالية التي يؤطرها. ورحب بما تضمنه مشروع قانون المالية لعام 2023 من إجراءات لتحفيز الاستثمار الخاص، ومن إصلاحات تتعلق بأنظمة الحماية الاجتماعية والصحة والتعليم والضريبة على الدخل وإدخال السجل الاجتماعي الموحد الذي يمهد لإلغاء ما تبقى من صندوق دعم مواد الاستهلاك الأساسية (صندوق المقاصة)، وخصوصا غاز البوتان. ويدعو إلى تسريع تنفيذ الإصلاحات الهيكلية.

يعرف كادحو وكادحات المغرب طبيعة هذه الإصلاحات الهيكلية التي تحملوا أعباءها خصوصا منذ بداية سنوات 1980 من خلال برنامج التقويم الهيكلي الذي دام حتى بداية 1990، والذي بقي جوهره مستمرا لحدود الآن. يمكن تلخيص هذه الإصلاحات في فتح المجال للرأسمال الكبير المحلي والأجنبي، وتوفير جميع شروط الاستثمار الخاص من بنيات تحتية وتسهيل ضريبي ومرونة شغل وأجور منخفضة، وتقليص ميزانيات الخدمات العمومية (الصحة والتعليم وتوزيع الماء والكهرباء والنقل الحضري) وفتح هذه الخدمات للخواص، وتسهيل استحواذ المجموعات الرأسمالية الكبيرة على الأراضي والبحر والماء والمناجم وغيرها من ثروات البلد. واجهوها بانتفاضات شعبية كبيرة في 1981، و1984، و1990، ثم في 20 فبراير 2011، وبحركات شعبية محلية وجهوية واسعة طيلة سنوات 1990 و2000 (طاطا، افني، فاس…) وصولا إلى حَراكي الريف وجرادة. ووجهت هذه التعبئات بالقمع الشديد وبسنوات سجن طويلة في حق النشطاء والنشيطات.

ويستعد المغرب لاحتضان الاجتماعات السنوية للبنك العالمي وصندوق النقد الدولي في أكتوبر بمدينة مراكش 2023، وهم حريصون أن يظهر البلد المضيف مثالا نموذجيا لنجاح وصفاتهم النيوليبرالية، وألا يحدث ما يُعكر صورة الدعاية الخادعة وأكاذيب النجاح التي سينقلها الإعلام الذي سيغطي حفل كبار مدمري ثروات الشعوب ومخربي محيطنا البيئي.

يُرتقب أن يحضر المؤتمر حوالي 14 ألف شخص من 189 دولة عضو في هاتين المؤسستين الدوليتين، تعقد الاجتماعات السنوية في العادة لعامين متتاليين في مقر مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في واشنطن العاصمة، وكل سنة ثالثة في أحد البلدان الأعضاء. ويلتقي تحت مظلة الاجتماعات السنوية محافظو البنوك المركزية، ووزراء المالية والتنمية، والمسؤولون التنفيذيون من القطاع الخاص، وممثلو المجتمع المدني ووسائل الإعلام، والأكاديميون، لمناقشة قضايا النظام الرأسمالي المأزوم، بما في ذلك آفاق الاقتصاد العالمي المُضطرب، والاستقرار المالي العالمي المفقود، والنمو الاقتصادي المهدد بالركود، وكلام عن القضاء على الفقر الذي تتسع رقعته، وخلق فرص العمل في سياق بطالة في ازدياد، وتغير المناخ المُهدد للحياة على الارض، وغيرها من القضايا الراهنة. ينظم المؤتمر في القارة الإفريقية لأول مرة منذ 50 عاما.

المؤسسات المالية الدولية تاريخ نهب الشعوب

تعرف الطبقة العاملة الواعية وشعوب العالم الماضي الشنيع والخراب الفظيع الذي سببته هاته المؤسسات لشعوب الأرض، وتعلم أنها نذير شؤم على شعب كل بلد أحكمت رقبته. منذ عُقود من نشأتها لم يستطع أي بلد في العالم أن يتعافى اقتصاده وأن يندفع للتطور باتباعه توصيات هذه المؤسسات بل إن القطيعة معها شرط ضروري للتطور الاقتصادي. تحرص هذه المؤسسات المالية الرأسمالية على أن تظل الشعوب التابعة منتج الثروات بوفرة وبأسعار منخفضة لتلبية حاجيات المراكز الإمبريالية بإدخالها في دوامة لا تنتهي من بحثها عن العملة الصعبة لتسديد الديون ببيع ثرواتها بأرخص الأثمان.

المؤسسات المالية وماضي التقويم الهيكلي

حينما تغرق الدول في المديونية وتعجز عن السداد يهب خبراء المؤسسات المالية لفرض املاءاتهم القاسية كشروط مقابل تقديم قروض جديدة حتى لا تفلس الدول. حصل ذلك خصوصا مع انفجار أزمة المديونية في ثمانينيات القرن الماضي، حيث سطع نجم بعثات خبراء هذه المؤسسات التي تجوب الكرة الأرضية تتأبط وصفاتها القاتلة للشعوب باسم “التثبيت الهيكلي” السيء الصيت. يقوم هذا المخطط على قاعدة تقشف الدولة في النفقات الاجتماعية وتكثيف التصدير وتوفير الأموال لسداد الديون. أدت عقود من تطبيق هذه البرامج القاسية إلى كوارث اجتماعية مخيفة وانتفاضات جوع في عدة بلدان، رغم التضحيات الجسام لم تفلت البلدان الدائنة من آلية الديون ولا زال اقتصادها مريضا وشعوبها تعاني أوضاع اجتماعية صعبة.

المؤسسات المالية تديم التبعية وتكرس التخلف

إن نهب الثروات وإدامة التبعية وتكريس التخلف ليست مجرد آلية تلقائية تكرر نفسها باستمرار بل هي في حاجة لأدوات ساهرة على تشحيمها وإصلاح أعطابها والتكيف مع التطورات وتدبير المنافسة بين الكواسر الإمبريالية، ذاك هو دور المؤسسات المالية الدولية وهي جهاز (بين عدة أجهزة) مهمته تأمين السيطرة الإمبريالية على شعوب العالم وتنظيم عملية النهب العالمي.

لا تحرر شعبي دون القطيعة مع المؤسسات المالية الدولية

يستقبل بعضُ القيادات النقابية بعثاث المؤسسات المالية الإمبريالية بلا حرج، وتراجع التشهير بأدوار وأهداف هذه المؤسسات في خطاب المعارضة الليبرالية. الحقيقة الجلية التي أكدها الماضي ويكرسها الحاضر هي أن النضال لأجل التحرر من التبعية المقيتة وإخضاع اقتصاد المغرب لمصالح الإمبريالية وكبار الرأسماليين المحليين ولأجل القضاء على التخلف الاقتصادي وكوارثه الاجتماعية، أمر مستحيل دون قطع دابر دوامة الديون بما هي آلية استعمارية ودون إنهاء عهد الحماية الجديدة تحت وصاية صندوق النقد الدولي وشقيقاته من المؤسسات المالية الإمبريالية.

المناضل-ة