اذن يكمن أصل الأوضاع العالمية الحالية؟


عادل احمد
2022 / 11 / 13 - 22:36     

أين يكمن أصل الأوضاع العالمية الحالية!



عادل أحمد



تحاول أمريكا والدول الغربية ان تصوغ كل ما حصل من تضخم وارتفاع في الأسعار وافلاس الشركات والنقص في امدادات السلع وتسريح العمال عن العمل، نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية وبسبب عدوانية روسيا وفرض العقوبات عليها …تحاول ان تجد المخرج لهذا التضخم وتحد من ارتفاع الأسعار عن طريق رفع سعر الفائدة للبنوك المركزية في اوروبا والبنك الاحتياطي الفدرالي الأمريكي تدريجيا لوقف التضخم. ان تقديم هذه الصورة عن ما حصل في الاقتصاد الرأسمالي والحالة السياسية والاستقطابات الدولية، هي الصورة المغايرة وغير الصحيحة والكذبة الكبيرة في جوهر الحقائق فيما يحدث من تناقضات تنتاب النظام الرأسمالي العالمي.

ان التضخم وارتفاع الأسعار هو نتيجة الأزمة الاقتصادية للرأسمال العالمي، والتي ظهرت بوادره منذ عام 2008 من خلال أزمة القروض والديون المالية في البنوك الامريكية والتي اثرت على جميع الاقتصاد العالمي المتداخل في الشرق والغرب. ان انحدار مستوى معدل الربح في الاقتصاد العالمي نتيجة تراكم السلع في الأسواق وعدم القدرة الشرائية تسبب هي جوهر الازمة الاقتصادية الحالية وكل أزمة رأسمالية، وان محاولات جميع المؤتمرات والمناقشات الدولية من G7 و G20، منذ عام 2008 وحتى الان لم تستطع ان تجد حلا لهذه الازمة المزمنة والحتمية الحالية. وان وباء كورونا ( ولم يُستبعد ان يكون مصطنعاً) اثرت بشكلٍ تراجيدي على تعميق الازمة وتسرع في تفاقم الانهيارات الاقتصادية العالمية وعمليات الإنتاج. وبعد تخفيف القيود الصحية للوباء ظهرت الى العلن المشاكل والصراعات السياسية والاقتصادية بين الدول من اجل إيجاد بديل للحلول الاقتصادية والسياسية لإدامة النظام الرأسمالي العالمي.

ان الحرب الروسية – الأوكرانية هي واحدة من المحاولات او واحدة من الجبهات الساخنة لحل الازمة الاقتصادية العالمية. ان تقسيم العالم وتقسيم الأسواق من جديد والاستحواذ على الموارد الأولية والاساسية في تطور الصناعة هي احدى الأسباب في اندلاع الحرب بين روسيا والصين من جهة وامريكا والغرب من جهة أخرى وكذلك بعض الدول التي لم تحسم امورها بعد كالهند و البرازيل وتعدان مرشحتين اقتصاديين اوفر حظا في ان تصبحا اقطابا عالمية وكذلك تقترب جنوب افريقيا ان تكون من اكبر اقتصادات القارة الافريقية وهذا يفتح بابا لوصولها الى المواد الأولية في الصناعة من الدول قريبا منها.

ان تقسيم العالم من جديد وتقسيم الأسواق والاستقطابات العالمية، هي طريقة الوحيدة لنمو الاقتصاد من جديد من وجهة نظر الطبقة البرجوازية؛ وهذا ما حصل بالفعل في الحربين العالميتين وخلق دورة جديدة في نمو الرأسمال والصناعة وتراكم الرأسمال. وان بعد هذا الطوفان والصراعات والحروب، بإمكان تقسيم ألعالم ومناطق نفوذ من جديد فيما بينهم لكل دولة حسب قوتها الاقتصادية والعسكرية وحسب استحواذها على مصادر الطاقة الرخيصة والمواد الأساسية في الصناعات بأسعار زهيدة وقابليتها في المنافسة في الكمية والجودة السلع وبأسعار منخفضة. ان من يتقدم بان يحصل اكثر ما يمكن من هذه المصادر التي ذكرناها، بإمكانه ان يلعب دورا محوريا في المرحلة الجديدة القادمة …

ان محاولة روسيا والصين عالميا هو توجيه قطار هذا المسار. روسيا في مواجهتها مع أمريكا وبريطانيا حول مستقبل أوروبا والصين في مواجهة أمريكا من اجل ازاحة مكانة أمريكا في الصدارة العالمية وان تحل محلها وان تصبح القوة الاقتصادية المهيمنة العملاقة المهيمنة على العالم وان تترك بصماتها الاقتصادية والسياسية على مسار تاريخ القرن الحالي. ان هذه المرحلة يعتبر من اخطر المراحل يمر بها المجتمع البشري. ان الإمكانيات العسكرية للدول الرأسمالية العالمية ضخمة جدا في تدمير الكوكب الأرض ومخيفة جدا. ان جميع المحاولات حتى الان تتجه بان لا توصل الصراعات الى حد استخدام الأسلحة النووية والتي يقولون بانه لا منتصر هناك في الحرب النووية ولكن خطر هذا المخاوف لا يزال قائما …هذه هي حقيقة واساس الصراعات الحالية بين الدول والحرب الروسية – الأوكرانية يمكن بحثها في هذا المجال. وان امتداد حلف الناتو شرقًا وخنق روسيا وكذلك المواجهة العسكرية الروسية للغرب في أوكرانيا، هي احدى المواجهات المهمة في مستقبل السيطرة والنفوذ على العالم.

بناء على ما قدمناه، نرى بأن التضخم وارتفاع الأسعار وافلاس الشركات وازدياد البطالة ،ليس بسبب حرب الروسية في أوكرانيا كما يدعي الغرب وامريكا وانما بالعكس الحرب جاءت نتيجة هذا التضخم والركود والأزمة الاقتصادية للنظام الرأسمالي العالمي من لحل وفصل المشاكل والتناقضات السياسية والاقتصادية. وان دفع الصين للإقدام على الحرب في تايوان يمكن بحثها في هذا المجال أيضا. ان الصين بعكس روسيا ليست من مصلحتها الخوض في الحروب مع الغرب وانما الامتداد الاقتصادي بطيئًا الى أوروبا وإفريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية وترسيخ وجودها وتجنب المواجهة العسكرية هي مهامها الرئيسية بان تصبح القوة المهيمنة العالمية الكبيرة بلا منافس.

اما من وجهة نظر الطبقة العاملة العالمية، فان كل المحاولات ألتي تبديها البرجوازية يكون بالضد من مصالحها وبالضد من معيشتها ومستقبلها. ان الركود الاقتصادي والكساد كما يسميه اقتصاديو الطبقة البرجوازية ، سوف يمر على اكتاف وسحق الطبقة العاملة والجماهير الكادحة وتدفع ثمنها بدمائها وتشدد مآسيها كما نشاهد في قتل عشرات الالاف في أوكرانيا وروسيا وتشريد الملايين … ونراه في الفقر والجوع في الدول الافريقية وامريكا الجنوبية وشرق اسيا ونراه في الحروب وعدم الاستقرار السياسي دول الشرق الأوسط، العراق وسورية واليمن وليبيا والانقلابات العسكرية في افريقيا والحصار الاقتصادي على بعض البلدان مثل ايران وفنزويلا وكوريا الشمالية وكوبا … وتحاول الطبقة العاملة ان تواجه الطبقة البرجوازية في ميادين كثيرة في العالم بطرق مختلفة. في الدول الأوروبية يقوم العمال بتظاهرات ضد ارتفاع الأسعار والتضخم وزيادة الأجور وكذلك بالضغط على حكوماتهم بعدم الدعم العسكري والاقتصادي لحرب الأوكرانية وألتي تؤثر مباشرة على مستوى معيشتهم، وفي ايران فتحت قضية قتل مهسا اميني الباب أمام الجماهير النزول الى الشارع من النساء والعمال والفقراء بالضد من الطغمة الحاكمة والتي تسبب في فقر الجماهير بشكل دراماتيكي … وفي العراق نرى الاحتجاجات الجماهيرية تارة قوية وتارة ضعيفة ولكن مستمرة بالضد من الأوضاع المزرية والمأساوية وخاصة بين الطبقة العاملة الناشئة والشبابية والعاطلة عن العمل…

الحل الواقعي يكمن في الحل العمالي. ان النظام الرأسمالي لا يمكن اصلاحه، وانما يجب عليه أن يرحل. وان رحيل هذا النظام يتوقف على استعدادات الطبقة العاملة للمواجهة الطبقية في كل ميدان من ميادين الحياة. وان الميدان الاقتصادي هو واحد من اهم ميادين الصراع ولكن المواجهة السياسية كصف مستقل وكطبقة مسلحة بحزبها الطبقي وافقها السياسي الماركسي هو الميدان الرئيسي والحاسم لإنهاء كل الازمات الاقتصادية والسياسية للنظام الرأسمالي وإقامة عامل اخر، عالم افضل بلا استغلال وعبودية طبقية.