في ذكرى ثورة أكتوبر: نشاط الجماهير الثوري والخلاق أهم وسائل بناء الاشتراكية


خليل اندراوس
2022 / 11 / 11 - 13:29     

بعد فشل الثورة الروسية الاولى رأى لينين الاهمية في تلخيص نتائجها ونشر دروسها بين الطبقة العاملة وجماهير الشعب، وكواجب من اهم واجبات الحزب البلشفي في تلك الفترة، وتربية العمال بروح التقاليد الثورية الكفاحية. ورأى لينين اهمية تعزيز تحالف الطبقة العاملة والفلاحين وبيّن بمنتهى العمق عظمة مكتسبات البروليتاريا الروسية، كتب لينين: "... ان البروليتاريا الروسية قد اكتسبت لنفسها وللشعب الروسي خلال نضالها البطولي في غضون ثلاث سنوات (1905 – 1807) ما انفقت الشعوب الاخرى لاكتسابه عشرات السنين"، واظهر لينين في كتاباته في تلك الفترة طابع الثورة الروسية الاولى وما لها من اهمية كبرى في اتساع نضال الشعوب الآسيوية في سبيل التحرر الوطني وفي نهوض الحركة الثورية في اوروبا.

"كان لينين لا يعرف الهوادة في النضال من اجل الحزب، من اجل نقاوته الفكرية ومن اجل سياسة ماركسية حقا، وقد كان لا يطيق الصبر على التشوش الفكري، وعلى التملص من النضال المباشر والسافر، اعتقادا منه ان ذلك يعود بأكبر الضرر على الحزب الذي كان لا يعلى على مصالحه مصلحة. ان الخدمات السابقة مهما بلغت لا يمكن لها ان تدفع الانتقاد اللينيني الصارم عمن يجيد عن الماركسية وعن حزب العمال الثوري". (عن كتاب فلاديمير إيليتش لينين – نقل كتاب "لينين، ترجمة حياته موجزة" عن الطبعة الروسية المعدة من قبل معهد الماركسية اللينينية لدى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي - موسكو سنة 1960). وفي تلك الفترة بعد فشل ثورة 1905 استطاع الحزب الشيوعي بقيادة لينين التخلص من اناس يحبون الكلمات "الثورية" المنمقة، ولكنهم لا يحسنون القيام بالعمل الثوري اليومي العادي ولا يريدون القيام به، وكم من هؤلاء في عالمنا المعاصر والذي تسيطر عليه طبقة رأس المال العالمي والصهيوني.

قبل ثورة اكتوبر انتشرت النظرات التحريفية في قضايا الفلسفة، وهذا الامر كان خطرا كبيرا يهدد الحزب والطبقة العاملة، وكان هدف هذا الانتشار لهذه النظرات يقضي الى التسليم بالنظام الرجعي القائم في روسيا القيصرية، والى التخلي عن النضال الثوري. وكان لا بد من الوقوف بحزم في وجه المحرفين. وقام لينين بهذه المهمة العسيرة، وقد كان يوجه على الدوام انتباها كبيرا لنشر الفلسفة الماركسية وتطويرها، وفي سنوات الرجعية خاصة بعد فشل ثورة 1905، عندما اصبح الدفاع عن الفلسفة الماركسية امرا لا مندوحة عنه، كتب لينين مؤلفه "المادية ومذهب النقد التجريبي" وقد شهر في هذا المؤلف بأعداء الماركسية وبين الصلة الوثقى القائمة بين الفلسفة والسياسة.

وقد لعب كتاب "المادية ومذهب النقد التجريبي" دورا هاما في الدفاع عن الاسس النظرية للحزب الماركسي وفي تطوير هذه الاسس، وفي تسليح ملاكات الحزب نظريا. وهذا الكتاب يجب ان يكون في يد كل شيوعي سلاح فكري قاطع في نضال الحزب ضد العلم البرجوازي الرجعي المعاصر وخاصة ضد اليمين العالمي، والصهيونية والرجعية العربية وكل افرازاتها، خاصة انظمة التطبيع والخيانة مع اسرائيل وكل من يلبس "عباءة" او "ثوب الدين" وتحت شعارات كاذبة "وطنية" او "دينية" ويعمل من اجل خدمة هذا الثالوث الدنس، ويمارس الآن سياسات تطبيع الخيانة مع اسرائيل خدمة.

وايضا في تلك الفترة انتقل لينين من باريس الى مدينة كراكوف لكي يكون قريبا من روسيا التي اخذت تتصاعد فيها الحركة الثورية وعاش هناك لأكثر من سنتين حتى بداية الحرب العالمية الاولى، وكان يقضي الشتاء في كراكوف والصيف في قرية بورونين، كانت كراكوف قريبة من الحدود الروسية فقد كانت تصل اليها الجرائد من بطرسبورغ بعد ثلاثة ايام من صدورها، وكان تنظيم المراسلات والارتباط المباشر بالمنظمات الحزبية العاملة في روسيا امرا اسهل، وكان لينين يعيش هناك عيشة تواضع كشأنه دائما، وكان يعمل دون كلل واهبا كل وقته وكل قواه للعمل الحزبي، ولقضية الطبقة العاملة.

كان لينين يوجه صحيفة "البرافدا" بصورة يومية، وكانت مراسلاته مع هيئة التحرير لا تنقطع، وابتهج لنجاحات الجريدة واشار الى اخطائها وهفواتها وطلب اصلاح هذه الاخطاء والهفوات، وكان يطلب بإلحاح نشر الجريدة بين العمال في حين صدورها وزيادة عدد نسخها، ونصح بان يجري الاكتتاب في البرافدا مباشرة في المصانع والمعامل، وكتب يقول: "ان انتصار الحزبية هو انتصار "البرافدا" وبالعكس"، واشار لينين الى انه ينبغي لجريدة العمال ان تكون جريدة كفاح وينبغي لها ان تسير ابدا في الامام، ان تطرح القضايا بجرأة وان تهتك ستر الذين يسببون الضرر لطبقة العمال والذين يضرون بالثورة.

وبرأيي على كل الاحزاب الشيوعية لكي تسير الى الامام ان تمتلك صحف كفاح ونضال ابدا الى الامام وان تهتك ستر الامبريالية والصهيونية العالمية وانظمة الاستبداد العربي والعمل على نشر الفكر والفلسفة الماركسية اللينينية من اجل تنمية المفاهيم الثورية النضالية الوطنية المخلصة لأمميتها وقوميتها، فالأممي الحقيقي هو القومي الحقيقي والقومي الحقيقي هو الاممي الحقيقي وهذا ما تقوم به صحيفة "الاتحاد" هنا على مدى عشرات السنين، ويجب ان لا نتنازل عن هذا الدور الذي تقوم به صحيفة الاتحاد مهما كانت الظروف صعبة.

فالصحيفة الحزبية الشيوعية لها دور كبير في تطبيق الاتجاه الثوري بين الجماهير، ولها دور كبير في تربية الجماهير سياسيا وفكريا ونضاليا وصمودا وتفائلا بحتمية انتصار الشعوب المضطهدة وحتمية انتصار الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة باقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين رغما عن انف الثالوث الدنس، فحرية الشعوب بحق الشعوب.

وهنا لا بد وان نؤكد بان لينين والبلاشفة دافعوا قلبا وقالبا عن حقوق الشعوب المظلومة ومصالحها، وأكد لينين في احد مقالاته بان الاشتراكية لا يمكن ان تنجح في دولة اوروبية واحدة دون دعم حركات تحرر شعوب الشرق، وحول هذا الموضوع قال لينين بعد نجاح ثورة اكتوبر في تقرير اثناء المؤتمر الثاني للمنظمات الشيوعية لشعوب الشرق لعموم روسيا في 22 نوفمبر عام 1919 ما يلي: "... ان الثورة الاشتراكية لن تكون فقط واساسا نضالا للبروليتاريين الثوريين في كل بلد ضد برجوازيتهم – كلا فسوف يكون نضالا لكافة المستعمرات والبلدان التي تقهرها الامبريالية وكافة البلدان التابعة ضد الامبريالية الدولية".

وكذلك كان لينين قبل ثورة اكتوبر اول ماركسي كشف عنه العصر الجديد الذي دخله المجتمع البشري، فقد بين في مبحثه الكبير "الاستعمار اعلى مراحله الرأسمالية" ان الرأسمالية في بداية القرن العشرين قد دخلت مرحلة جديدة في تطورها، مرحلة الاستعمار وقال بان الامبريالية اعلى مراحل الرأسمالية.

وهنا لا بد ان نذكر بان الحزب البلشفي بعد الثورة البرجوازية في شباط عام 1917 كان في طليعة من طالب بحق تقرير المصير للقوميات المضطهدة غير الروسية وهذا الموقف عزز مكانة الحزب في المناطق القومية الخاضعة للامبراطورية الروسية.

بعد ثورة شباط عام 1917 اثبت لينين بصورة مقنعة ان الازمة الوطنية في البلاد قد نضجت وان الظروف المناسبة قد ظهرت لتحويل شعار الاعداد السياسي العام للانتفاضة المسلحة الى شعار الممارسة العملية، وذلك في رسالتيه التاريخيتين: "يجب على البلاشفة ان يأخذوا السلطة" و"الماركسية والانتفاضة"، كما حذر لينين في تلك الفترة من روح المخاطرة ومن الاعيب التآمر "للاستيلاء" على السلطة. وكتب لينين يقول: "وفي سبيل النجاح ينبغي للانتفاضة الا تعتمد على مؤامرة او على حزب، بل على الطبقة الطليعية، تلك هي النقطة الاولى. ينبغي للانتفاضة ان تعتمد على النهوض الثوري عند الشعب، تلك هي النقطة الثانية، ينبغي للانتفاضة ان تعتمد على انعطاف حاسم في تاريخ الثورة الصاعدة، حين يبلغ نشاط الصفوف المتقدمة من الشعب ذروته، حين تبلغ الترددات في صفوف الاعداء وفي صفوف اصدقاء الثورة الضعفاء الحائرين، غير الحازمين، اشدها. تلك هي النقطة الثالثة" (لينين المؤلفات الكاملة المجلد 34 – ص 242 – 243)، وعلى هذا الاساس رأى لينين بان الانتفاضة المسلحة – الثورة هي القادرة على احباط تآمر الامبرياليين الروس والاجانب على روسيا، وعلى درء اخماد الثورة بسفك الدماء كما اعدت البرجوازية الروسية بل والعالمية لذلك.

وفي هذه الظروف الموضوعية قامت ثورة اكتوبر الاشتراكية العظمى وكان لها الانتصار على جميع الجبهات وكانت لاستمالة الجيش الى الثورة، تجسيدا ناصعا لتحالف الطبقة العاملة مع فقراء الفلاحين.

بعد انتصار ثورة اكتوبر اعتبر لينين نشاط الجماهير الخلاق اهم وسائل بناء الاشتراكية، وبرأيي كان للفساد وللبيروقراطية في جميع مؤسسات الدولة وفي الحزب، وكذلك الخيانة الدور الكبير في القضاء على نشاط الجماهير الخلاق كأهم وسائل بناء المجتمع الاشتراكي، ولذلك فشلت تجربة بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي.

في نوفمبر عام 1917 وجه لينين نداء "الى السكان" دعاهم الى الالتفاف حول مجالس السوفييت وان يقدموا بجرأة على ادارة الدولة وكان، اذ يتكلم في مختلف الاجتماعات يدعو الجماهير دون كلل الى بناء الحياة الجديدة، والفشل في التفاف الجماهير حول مجالس السوفييت والمشاركة الفعالة والخلاقة في ادارة الدولة كان ايضا من اسباب فشل تجربة بناء الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي، والفشل في بناء الحياة الجديدة، كما كان يقول لينين.

وبفضل ثورة اكتوبر تحول الشعب الروسي وكل شعوب الاتحاد السوفييتي سابقا من شعوب تعاني من الامية والفقر الى شعوب تمتلك مستويات عالية من الثقافة والفن والحضارة والعلم وبرأيي انه بالرغم من فشل تجربة بناء الاشتراكية الا ان الشعب الروسي حافظ على تماسكه وحبه واخلاصه لوطنه، وعلى مستوى عالي من التقدم والعلم وهذا ما يحمي روسيا من مؤامرات الامبريالية العالمية وربيبتها الصهيونية العالمية اللتان تسعيان الى تمزيق روسيا الى دويلات، ونقل الصراع الديني والاثني الى آسيا الوسطى بهدف اقامة حلف اورو – آسيا لحصار روسيا من الجنوب وتمزيقها من الداخل.

فبفضل ثورة اكتوبر ونجاحاتها التراكمية الكمية والكيفية التقدمية الثورية، تحافظ روسيا والشعب الروسي على دوره التاريخي النضالي من اجل السلام العالمي وحرية الشعوب، ودور روسيا في سوريا، ودعم إيران وفنزويلا وكوبا ودعم الشعب العربي الفلسطيني وقضيته العادلة لاكبر مثل على ذلك.

لذلك نقول بكل ثقة بان ثورة اكتوبر حدث عظيم في تاريخ البشرية، فهذه الثورة غيرت موازين القوى في العالم، وبدأت بتغيير العالم واعادة بناء الحياة الجديدة للانسان من منظور تاريخي مغاير لمنطق ورؤية الطبقة البرجوازية وسلطتها وثقافتها وفكرها وممارساتها، ومنذ انتصار ثورة اكتوبر الاشتراكية شهد العالم متغيرات كثيرة جراء الواقع الجديد الذي فرضته الثورة على صعيد روسيا والعالم، والاخفاقات اللاحقة التي تبعتها والتي ادت الى انهيار العالم الاشتراكي كانت بسبب فشل الممارسة وليس فشل الفلسفة والفكر والطريق، فمن ناحية تاريخية تجربة بناء الاشتراكية قد تفشل مرة ومرتين لا بل اكثر ولكن لا بد ان تنتصر، لأن التطور الجدلي الموضوعي للمجتمع الانساني لا بد وان يُحدث القفزة الثورة الاجتماعية أي الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية وبعد ذلك الشيوعية – مجتمع المستقبل، مجتمع حرية الانسان والانسانية، فمبدأ تعاقب التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية الذي طرحه كارل ماركس ما زال يحتفظ بصحته وموضوعيته، وحيويته وجدليته فمن غير الممكن تجاوز اية مرحلة من مراحل تطور المجتمع لذلك في المرحلة الراهنة يجب النضال والكفاح والعمل على تسريع استنفاذ التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الرأسمالية دورها التاريخي من خلال الاستفادة والاعتماد على المنطق الجدلي المادي التاريخي للفكر الماركسي، من هذا المنطلق يجب ان يدفع بالفكر والوعي الطبقي والوطني والانساني التطور والارتقاء على اساس الفلسفة الماركسية كمشروع وطريق نضالي ثوري مكافح ومناهض للامبريالية العالمية والايديولوجيات العنصرية الصهيونية ومناهض للطبقة البرجوازية الكومبرادورية – الوسيطة وخاصة في العالم العربي وعالميا. وأي تحليلات اخرى ليبرالية او نيوليبرالية، اشتراكية اصلاحية اوغرامشية لن تؤدي الا الى الفشل، فالماركسية فلسفة جدلية مادية تاريخية "غير تقليدية" تعكس هذا الواقع الرأسمالي وتدرس بشكل جدلي سبل وموضوعية تطوره، وموضوعية الانتقال الى مجتمع المستقبل المجتمع الشيوعي.

لقد اعتبر ماركس بأن القاعدة المادية المتقدمة هي الأساس في بناء الاشتراكية فنضج الشروط والظروف السياسية وهي من مركبات البناء الفوقي للمجتمع غير كافية لنجاح الثورة الاشتراكية فالضرورة الموضوعية لنجاح الثورة هي نضوج القاعدة المادية الاقتصادية المتقدمة لأي مجتمع لأن البنية الاقتصادية المادية المتقدمة هي القاعدة والاساس لانتصار الثورة الاشتراكية والنجاح في بلورة البناء الفوقي للمجتمع من الناحية السياسية والثقافية والاجتماعية والديمقراطية.