اعتبره المتابعون مهمة بعيدة صعبة المنال / لا بديل للحوار بين روسيا والتحالف الغربي في أوكرانيا


رشيد غويلب
2022 / 11 / 6 - 13:49     

منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط الفائت والعمليات العسكرية مستمرة، إلى جانب التعقيدات السياسية والاقتصادية التي سببها اندلاعها، او تلك التي مهدت لها او ارتبطت بها في سياق صراع الهيمنة الجاري بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، وحلفائها في الناتو، وروسيا والصين وحلفائهما.

ومع تصاعد الأصوات الرسمية والشعبية المطالبة بالحوار كخطوة أولى على طريق سلام مقبول يجنب العالم كارثة نووية، يشير العديد من المتابعين، وفي ضوء مسار العمليات الحربية، وإجراءات الضم التي أقدمت عليها روسيا، وفوبيا التسليح والعسكرة التي تتسابق دول الناتو الرئيسة على تصعيدها تحت ضغط امريكي يسعى لاستنزاف روسيا وتشديد الضغط على الصين، تبدو عملية انهاء الحرب غير قريبة.

خطوات التهدئة المطلوبة

واضح جدا ان مطالبة موسكو بسحب قواتها لن ينهي القتال. ومن يجعل ذلك شرطا للحوار لا يريد التفاوض. وروسيا النووية التي تحملت تكاليف الغزو الباهظة، لتحقيق نجاح في صراع يتعلق وفق رؤيتها بمصالح حيوية، لا بد لها ان تحصل على تنازلات. والرد الروسي على النجاحات العسكرية الأوكرانية يؤكد عقيدة رسمية روسية في ان هذه لا تنتهي باستسلام روسيا.

قال المستشار العسكري السابق للمستشارة الألمانية السابقة ميركل، إريك فاد، في منتصف نيسان، عليك التفكير في الحرب من النهايات. إذا كنا لا نريد حربا عالمية ثالثة، فيتعين علينا الخروج من منطق التصعيد العسكري وبدء المفاوضات.

وحذر فاد من وصف بوتين بأنه طاغية مريض لا يمكن الحديث معه.، فبقدر ما تنتهك هذه الحرب القانون الدولي، فهي جزء من سلسلة حروب مماثلة في التاريخ القريب في العراق، سوريا، ليبيا، أفغانستان، ولذا فأنها ليس بالأمر الجديد.

ويرى البروفيسور تشارلز كوبتشان من المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية، يجب على الغرب أن يبدأ في النظر إلى ما بعد الحرب للحفاظ على علاقة مع روسيا تترك الباب مفتوحًا أمام الحد الأدنى من التعاون. وفي عالم أكثر ترابطًا وعولمة، سيحتاج الغرب على الأقل إلى مستوى معين من التعاون العملي مع موسكو لمواجهة التحديات المشتركة، مثل الحد من التسلح، والتخفيف من حدة تغير المناخ، وإدارة الفضاء السيبراني، وتعزيز الصحة العالمية، وأزمة الغذاء العالمي.

ويمكن الاستفادة من العديد من المقترحات المطروحة، بدءًا من مقترح السلام الذي طرحته الحكومة الإيطالية السابقة في 21 أيار الفائت.

من الضروري إعادة الحياة للالتزام بالحياد المثبت في الدستور لأوكراني في سنوات (1991 – 2014)، لان أوكرانيا المحايدة كانت دائمًا في مصلحة جميع. ويجب أن يصبح الحياد الأوكراني جزءًا من اتفاقية أمنية أوروبية أوسع بين الغرب وروسيا.

ومن الضروري أيضا الكف عن شيطنة الأصوات الغربية الراغبة في التفاوض باعتبارهم “غير واقعيين” و”غير اخلاقيين” او “خاضعين للابتزاز”. وبدلا من سقف المطالب العالي باستعادة جميع الأراضي التي احتلتها روسيا منذ 2014، ومعاقبة القادة الروس، يجب أن تسعى أوكرانيا إلى أهداف تفتح الأفق للسلام ولا تؤدي إلى تصعيد روسي غير محسوب.

السلام كقوة سياسية منتجة

صحيح، أن الداعين إلى المفاوضات ليس لديهم (حتى الآن) تأثير على التطورات العسكرية والاقتصادية. لكن هذا لا يعني العجز التام. إن ميدانهم هو التأثير على الرأي في ساحات عملهم. إن طرح الحوار كبديل للحرب في الجدل السياسي الداخلي هو قوة سياسية منتجة يمكنها خلق ضغط مجتمعي من الأسفل، لان موازين القوى ليست ثابتة، ويمكن تغييرها، من بين وسائل عدة بالضغط الشعبي. ويمكن توظيف التعب من استمرار الحرب، والذي كان دائمًا حليفًا للأصوات الداعية للسلام. لم تنته حرب فيتنام بسبب الضعف العسكري الأمريكي، ولكن بسبب فقدان أمراء الحرب الامريكان للدعم السياسي المحلي، مع عدم تجاوز الفرق بين الحربين بالنسبة للشعب الفيتنامي، الذي تمسك بحريته. إلى جانب ذلك يجب طرح البدائل الممكنة للأمن المشترك، وعدم ترك الأمور للخيار العسكري.

إن أكثرية قوى السلام الواقعية في أوربا تطرح الخطوات التالية لخريطة طريق لتحقيق السلام:

في البدء لا بد من التوصل لوقف لأطلاق النار، عبر وسطاء كالأمم المتحدة، أو بلدان محايدة، او فريق مشترك من الطرفين. ويمكن ان يعد وقف إطلاق النار منطلقا لأنشاء منطقة منزوعة السلاح تتمركز فيها قوات الأمم المتحدة.

ضرورة توفير ضمانات أمنية لأوكرانيا، من قبل دول محايدة مثل الهند، جنوب إفريقيا، وتركيا، ويمكن ان يشترك حلفاء لطرفي الحرب في توفير هذه الضمانات.

الالتزام بعدم تحول أوكرانيا رأس جسر عسكري للولايات المتحدة الأمريكية والناتو على أبواب روسيا، وهو ما مثل السبب المعلن للحرب.

على الرغم من أن اجراءات الضم الروسية عقدت المشهد أكثر، يمكن بعد بضع سنوات، إجراء استفتاءات تحت إشراف دولي لحل القضايا الإقليمية. يمكن أن تكون تجربة ولاية سارلاند الألمانية، التي بقيت بعد الحرب العالمية الثانية، عشر سنوات خاضعة للإدارة الفرنسية مثالا يحتذى به. في عام 1955، قرر 67,7 في المائة من سكان سارلاند الانضمام إلى المانيا الغربية. وترك للأقلية الرافضة، خيار الانتقال إلى فرنسا، مع توفير برنامج اجتماعي.

ولبعث رسائل إيجابية يطلق برنامج دولي لإعادة الإعمار لجميع المناطق المتضررة من الحرب، بما في ذلك المناطق الواقعة تحت السيطرة الروسية. ومن الضروري ان يكون البرنامج خارج دائرة صراعات الهيمنة بين أطراف المعسكر الغربي، كما هو الحال الآن. رفع العقوبات المفروضة وفق برنامج مقبول وقابل للتطبيق. ولتطمين روسيا أكثر إطلاق مفاوضات حول الحد من الأسلحة الاستراتيجية. والبدء بمؤتمر للأمن الأوربي المشترك مع روسيا وليس ضدها، مع توفر إرادة سياسية واقعية لتقديم تنازلات متقابلة من الأطراف المشاركة.