بوتين: أي نظام عالمي؟


نضال نعيسة
2022 / 11 / 1 - 11:30     

لطالما أعرب كبار المسؤولين الروس، وفي مقدمتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وفي تبريرهم للحرب العدوانية المدمرة والعدوان على أوكرانيا، عن رغبتهم، وأن غايتهم هي إصلاح النظام العالمي القائم مختل الموازين، وإيجاد نظام عالمي بديل لنظام القطبية الواحدة، ومشاركة الغرب "الإمبريالي"، بزعامة الولايات المتحدة، قيادة وإدارة العالم، وعدم ترك أمريكا تستفرد بالقرار الدولي وإدارة المنظومة الكونية، فمن حق روسيا أن تقود العالم، تماماً، كما تفعل الولايات المتحدة اليوم.
قد يكون هذا الكلام مقبولاً، وربما مطلوباً دولياً، لكن السؤال هل روسيا مؤهلة للعب هذا الدور، وما هي مؤهلات الدولة، ونظام الحكم الروسي حتى يقود العالم إلى بر الأمان ومجتمعات الازدهار والاستقرار؟ وهل أنموذج الحكم الفردي الاستبدادي الروسي صالح لتطبيقه في غير مكان وزمان؟ وهل روسيا دولة ناجحة ومزدهرة ومتقدمة تكنولوجيا ولديها تجربة تنموية وصناعية وإنتاجية وبشرية وإبداعية تسمح لها وتؤهلها بإدارة الكون؟ مطلوب الإجابة على كل هذه الأسئلة من قبل القادة الروس قبل التفكير في حلمهم المريب بقيادة العالم والمشاركة بنظام عالمي تعددي؟
لقد ورثت روسيا البوتينية، واحدة من أسوأ وأحط وأشرس وأقذر الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية والقمعية والبوليسية المعروفة عبر التاريخ، ونعني بها الاتحاد السوفييتي، أو إمبراطورية الشر الحمراء كما وصفها بريزنسكي، حيث قـُتل عشرات الملايين من الروس بسجون الطغاة القياصرة البلاشفة، الذي كان يعتبر في حينه قوة عظمى تتناصف، إلى حد ما، القرار الدولي مع الولايات المتحدة، وتنافسها، و"تناكفها" في بعض الخواصر الهشة كشبه الجزيرة الكورية، وكوبا، وجنوب شرق آسيا، وبعض دول الشرق الأوسط، فيما كان يعرف بالحرب الباردة، التي انتهت بانهيار ديناصورات وطغاة الكريملين كالورق، أمام وسامة ممثل مغمور عجوز هوليوودي قادم من عوالم الجنس والسينما وعروض الأزياء..
اشتهرت الإمبراطورية السوفييتية البائدة، بالتخلف والتوحش والفسخ والتردي والفساد المستشري المالي والإداري والسلطوي والطغيان وإجرام الدولة المنظم، والرشوة وتغول المافيات وعبادة الأفراد وانعدام أي شكل من أشكال الديمقراطية والحريات واحترام حقوق الإنسان، والأهم من ذلك كله، هو دعم الطغاة والديكتاتوريين المستبدين والأنظمة الفاشية المهترئة المتهاوية والمتهالكة المكروهة من شعوبها عبر العالم والتحالف معها وعقد اتفاقيات "الصداقة والتعاون" معها، أي حمايتها ورعايتها وضمان استمرار الاستبداد والطغيان فيها، ومنع سقوطها، ليس ابتداء بالنظام العالمي الوراثي القبيح الاستبدادي في كوبا المهرج "كاسترو"، ولا انتهاء بنظام حكم منغستو هايلي ميريام بإثيوبيا، وصنوه الآخر نظام أسرة كيم الوراثي الاستبدادي العائلي في كوريا الشمالية التي حولت البلاد لمزرعة خاصة يتناوب على عرشها أحفاد كيم إيل سونغ.
وهل روسيا نفسها تقبل بمبادئ التعددية والتشاركية وديمقراطية وتعدد القرار داخل روسيا قبل المطالبة بها على المستوى العالمي؟ هل تحترم الحريات وحقوق الإنسان أم تريد تعميم أنموذج الطغيان وحكم العائلة وتأليه الزعيم الملهم والقائد التاريخي الضرورة واستشراء وتغول المافيات وانعدام القانون والدوس على دساتير البلاد؟ هل هذا موجود في التقاليد السياسية والحياة السلطوية في روسيا القيصرية الديكتاتورية الشيوعية ومن ثم البوتينية والتيانتهت إلى مجرد مزرعة يقودها عقيد متقاعد في الـKGB؟ وهل سجـّل أي نجاح وإنجاز داخلي يحتسب ويعتد به للقادة الروس، قبل المطالبة بنقل تجربتهم لفضاء خارجي؟ ربما كان التوصيف الوحيد والأمثل للوضع الجيو - سياسي لروسيا هو ما قاله أوباما بأن: "روسيا مجردة قوة إقليمية"، ولا يمكن أبداً اعتبارها كقوة عظمى.....
كل هذا يقودنا للأسئلة والاستنتاجات والخلاصة القاتلة ما الذي لدى روسيا كي تقود العالم وتشارك في صنع قراره وتحديد مصيره؟ هل همروجة تعديل الدستور وتفصيله، بربع ساعة في مجلس "الدوما"، على مقاس بوتين لتضمن له الحكم الاستبدادي مدى الحياة صالحة كوصفة للحكم في الغرب وللعالم الباحث والتواق للديمقراطية والتعددية والحريات؟ وهل مجرد امتلاك سلاح نووي، مع توفر النزعة الفاشية المريضة غير المنضبطة والتي لا تخضع لقانون ومعيار، والتلويح باستخدامه وقتل ملايين الأبرياء وإحداث الدمار الهائل، كما يفعل أي إرهابي طالباني، بجبال تورا بورا يؤهل هذه الدولة أو تلك لقيادة البشرية؟ وهل تصدير ملايين الراقصات والفتيات والنساء والغواني وبنات الهوى الباحثات عن لقمة خبز هنا وهناك، في أكبر دولة نفطية بالعالم، ومحرومات من التمتع بثروة وخيرات بلدهن، يسمح لروسيا بأن تطرح نفسها كقائدة للعالم وهي التي تفشل في صون أعراض وكرامة نسائها؟ وهل مجرد وجود مخزون هائل من النفط، تفشل روسيا في استثماره تنموياً بما يعود بالرفاه على الشعب الروسي يؤهل سيجعل من روسيا البوتينة دولة عظمى قادرة على إسعاد وتقديم الرفاه ورغد العيش للناس والنهوض بالبشرية جمعاء؟ إذن، ففي هذه الحالة، وإن كانت هذه معايير بوتين وحججه، فإن دولة نووية كالباكستان، أو دولة نفطية كالسعودية أو فنزويلا النفطية المفلسة والمنهارة، أو إيران "شبه النووية" لملالي القرون الوسطى الظلامية المتحجرة الجائعة التي تطار النساء والفتيات الصغيرات في الشوارع من أجل قطعة قماش يعتقدون أنها مقدسة، سيحق لكل واحدة من هؤلاء، وغيرها، عندها، من الزاخرات بالمستبدين والطغاة وحكم اللصوص والمافيات على شاكلة بوتين، المطالبة بقيادة العالم والتربع على عرش القطبية، وصلى الله وبارك، على أية حال.