الفقر نتيجة موضوعية لحكم الطغمة الامبريالية


خليل اندراوس
2022 / 10 / 28 - 15:09     


تسعى الامبريالية العالمية وخاصة الولايات المتحدة إلى توجيه دول العالم الفقيرة في طريق يعزز في النهاية سيطرتها على هذه الدول، وتعمل على استغلال ونهب الشعوب، من خلال استحواذ الاحتكارات العابرة للقارات على جزء كبير من الدخل الوطني لهذه الدول، وإعاقة توسيع وتطوير السوق الداخلية، وإعاقة التقدم الاقتصادي لهذه الدول.

فإحدى أكثر الجرائم التي ارتكبتها وترتكبها الامبريالية العالمية، والتي تثير الألم والسخط والاحتجاج على مستوى عالمي هي معاناة مئات الملايين من البشر في شتى الدول والقارات من الفقر والبؤس والبطالة.
فالامبريالية العالمية جعلت من هذا العصر الذي كشف إمكانيات لم يسبق لها مثيل لتقدم الإنسانية عصر يعاني فيها ملايين الناس من حياة بائسة ملؤها الفزع والذعر والجوع والفقر والعنف، كما ان الامبريالية العالمية تحاول إخفاء هذه الحقيقة من الجوع والفقر التي يعاني منها مئات ملايين الناس، وهم أي القوى الامبريالية لا تدخر وسعًا لتمويه الحقيقة لهذه الكارثة الإنسانية الرهيبة، ولكن لا يمكن إخفاء الحقيقة والتي تقول إن بين الامبريالية والفقر والجوع علاقة مباشرة وثيقة.
فالجوع والفقر في دول رأس المال نتيجة موضوعية لحكم الطغمة الامبريالية، ونتيجة لمفعول قانون التراكم الرأسمالي.
وبالرغم من الانجازات العلمية والتكنولوجية وتطور وسائل الاتصال والحوسبة، فان الجوهر الاجتماعي الاقتصادي للنظام الرأسمالي، وسيطرة الملكية الخاصة على وسائل وقوى الإنتاج، يقف حجر عثرة في سبيل استعمال هذه المنجزات لصالح جماهير الكادحين الواسعة، ولصالح الدول الفقيرة في جميع قارات العالم.
وتساعد الامبريالية العالمية على إبقاء حالة التأخر الاقتصادي بحفاظها على العلاقات الاجتماعية، الإقطاعية وما قبل الإقطاعية والحفاظ على أنظمة الاستبداد في شتى أنحاء العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط مما يشكل ضغطًا شديدًا وعائقًا لتطور القوى المنتجة في هذه الدول.
لا شك بأن مسألة الفقر والجوع، وسوء التغذية تشغل بال الكثير من علماء الاقتصاد والسياسة ولكن علماء الطبقة البرجوازية ككل، ما عدا النادر منهم يقفون متشائمين من هذه القضية، ولكن من يعطي الجواب الصحيح والواقعي على مسالة بناء مستقبل لا ترهقه مخاوف نقص الأغذية هم فقط أولئك العلماء الذين يعتمدون في بحوثهم على التعاليم الماركسية اللينينية من خلال طرحهم لسبل وطرق تبديل التركيب الاجتماعي الاقتصادي لبلدان الرأسمال تبديلا جذريًا وتحرير الشعوب من التبعية الامبريالية. لذلك من المهم جدًا تبيان التعامل والترابط بين مشكلة الفقر في عالمنا المعاصر وسياسة الامبريالية.
تعتبر الأغذية احد المصادر الأساسية لحياة الناس ولذا فهي تلعب دورًا هامًا في تطور المجتمع وتتحدد درجة اكتفاء الناس بالأغذية بمستوى تطور القوى المنتجة والعلاقات الإنتاجية والنظام الاجتماعي الاقتصادي لهذه الدولة أو تلك..
النظام الرأسمالي قام بتنمية القوى المنتجة بشكل لا يقاس بالمقارنة مع التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية التي سبقته وأوجدت قاعدة صناعية هائلة وزراعة ذات مردود عال في الدول الرأسمالية الرئيسية، غير انه في ظل الرأسمالية يؤدي مفعول قانون القيمة الزائدة إلى ان تحصل الطبقة العاملة، المنتجة لجميع القيم، بما في ذلك المنتجات الغذائية، على جزء ضئيل من هذه القيم فقط. إذ يصبح الجزء الآخر الأكبر في حوزة الرأسماليين، وتؤدي تناقضات المجتمع الرأسمالي إلى ان تتراكم، في جانب ثروات هائلة وفائض من المنتجات التي لا تستطيع الطبقة العاملة مع ذلك الحصول عليها، في حين تقف إلى الجانب الآخر "جماهير هائلة من المجتمع قد حولت إلى بروليتاريا، إلى عمال مأجورين فأصبحت غير قادرة على ان تستحوذ على هذا الفائض من المنتجات" (ماركس العمل المأجور ورأس المال – ماركس انجلز المختارات).
"لذلك إذا كان الأسلوب الرأسمالي للإنتاج يعتبر، من جهة، ضرورة تاريخية لتحوُّل عملية العمل إلى عملية اجتماعية، فان الشكل الاجتماعي لعملية العمل هو، من جهة أخرى، أسلوب يستخدمه الرأسمال لاستغلال هذه العملية على نحو أكثر ربحًا بواسطة زيادة قوتها المنتجة" (كتاب ماركس رأس المال – الجزء الأول صفحة 484).
فزيادة القوة المنتجة في المجتمع الرأسمالي تتحول إلى عملية تزيد من ربح طبقة رأس المال على حساب الطبقة العاملة وجماهير الكادحين.
فلذلك نرى أغنى بلد رأسمالي في العالم وهو الولايات المتحدة يخفي وراء واجهة الازدهار والرخاء الجوع والفقر المدقع لملايين الناس. لذلك نشاهد في الولايات المتحدة ارتفاعًا في عدد العائلات التي تعيش على المنح الغذائية، وهذا الأمر يشهد على ان أبعاد الكارثة، أي كارثة الفقر لا تتقلص. ولكن أنصاف الحلول لا يمكن ان تبدل من جوهر المسألة. إذ حتى الأغذية الموزعة، فهي بسبب النظام المتعفن للجهاز البيروقراطي للمجتمع الرأسمالي لا تصل إلى أيدي من يجب ان يحصل عليها.
وبما ان النظام الرأسمالي في الولايات المتحدة يعتمد في أساسه لا على العناية برفاهية الإنسان، بل على تحقيق اكبر الأرباح لصالح طبقة رأس المال بأيدي الكادحين، ستبقى مشكلة الجوع دون حل ليس فقط في الولايات المتحدة لا بل في العالم اجمع.
إن الفقر والجوع والبطالة في الولايات المتحدة هو قرار اتهام ضد الرأسمالية كنظام، وذلك لان هذه البلاد أي الولايات المتحدة، تمتلك قدرة إنتاجية هائلة لا تستغل لصالح الأمة وإنما لصالح الاحتكارات التي تبتز بجشع أقصى الأرباح، فالولايات المتحدة تنفق سنويًا على الأغراض الحربية والحروب العدوانية في مختلف بقاع العالم وفي الشرق الأوسط خاصة، مبالغ تزيد بعشرات المرات على الاعتمادات السنوية لمكافحة الفقر في الولايات المتحدة.
وفي دول رأس المال عامة تلعب الشركات الاحتكارية من خلال خلق ماكينة متقنة تسمح بتهديد الطبقة العاملة والعاطلين عن العمل باستمرار خطر الجوع من خلال آلية تحديد الأسعار، مما ينعكس في السنوات الأخيرة في النمو المستمر لتكاليف المعيشة.
وقد استولت الاحتكارات في عهد الامبريالية على المواقع الرئيسية المسيطرة في زراعة البلدان المتطورة اقتصاديًا. وتسعى الاحتكارات والبرجوازية الكبيرة إلى ان ترسخ في تطور الزراعة ذلك الاتجاه الذي يؤمن لها الحصول على أقصى الأرباح عند ترويج المنتجات الزراعية، ويعجل في عملية تحول الإنتاج الزراعي إلى إنتاج صناعي واسع، ويقوي تركيز وتمركز رأس المال. ونتيجة لذلك يحدث إفقار واسع النطاق للفلاحين وتحتدم التناقضات الطبقية في الزراعة أيضًا.
وتتميز المرحلة الامبريالية بتنامي أزمة زراعية مزمنة، وتؤدي الطبيعة العفوية المتناقضة للاستثمار الرأسمالي للأرض إلى ان يبيع المزارعون منتجاتهم بأسعار زهيدة بينما يشتري السكان الكادحون وخاصة العاطلين عن العمل والفقراء بأسعار باهظة.
وبالنتيجة، فان هذا الفرق في الأسعار يذهب إلى جيوب الاحتكارات التجارية والغذائية.
ويتم تحقيق التقدم التكنيكي في الزراعة في ظروف الرأسمالية على حساب القضاء بلا رحمة على الإنتاج الصغير. فيتسبب في تزايد احتدام التناقضات التناحرية التي يتميز بها النظام الرأسمالي ككل.
ومن أهم أسباب النقص في الأغذية والفقر في البلدان الرأسمالية المتطورة هو اختلاس الموارد المادية والعملية الذي تسببه فوضى الإنتاج العام والتوزيع في ظل الرأسمالية، ويتجلى ذلك قبل كل شيء، في صرف أموال طائلة على الأغراض الحربية، والحروب العدوانية وعسكرة الاقتصاد، بدل ان توجه هذه الأموال نحو تحسين إمداد السكان بالأغذية والقضاء على الفقر.
والفقر والجوع في البلدان غير المتطورة اقتصاديًا، تلك الدول التي كانت تسمى في الماضي البلدان النامية، تتجلى في ارتفاع نسبة البطالة والجوع والفقر والنقص العام في المنتجات الغذائية الأمر الذي يؤدي إلى جوع وفقر ملايين الناس وسوء تغذيتهم.
ومن النتائج الخطيرة التي يؤدي إليها الفقر وسوء التغذية في البلدان المتخلفة اقتصاديًا هو تقلص الأعمار. وكذلك ينعكس الفقر والجوع وسوء التغذية على النشاط الإنتاجي للأفراد وعلى فعالية عملهم ويعمل تقلص أعمار الناس من جراء الفقر وسوء التغذية على تحديد قدرة الأيدي العاملة في البلدان المتخلفة اقتصاديًا.
من هنا فالنظام الرأسمالي العالمي في عالمنا المعاصر يتصف بوجود نسبة كبيرة من الفقراء الذين يعانون من سوء التغذية والأمراض والموت المبكر (وما نشر في الفترة الأخيرة عن نسبة الفقر في إسرائيل وخاصة بين الأقلية العربية الفلسطينية لأكبر دليل على ذلك)، يكفي ان نذكر بان نسبة وفيَات الأطفال حتى سن 5 سنوات هي في البلدان النامية أو غير المتطورة اقتصاديًا أعلى بـ 10-15 مرة مما هي عليه في البلدان المتطورة.
هناك أسباب عديدة اجتماعية اقتصادية سياسية لازمة الفقر وسوء التغذية التي تعاني منها الدول غير المتطورة اقتصاديًا، منها ان الثروات الطبيعية التي تكفي لسد احتياجات الناس من الأغذية تتوفر جنبًا إلى جنب مع اشد درجات تخلف القوى المنتجة، الشيء الذي يعتبر أساس الفقر والأزمة الغذائية.
وباعتقادنا فان الدول النامية لا يمكن ان تتوصل إلى حل لمشكلة الفقر والجوع وسوء التغذية دون تحقيق تحولات اجتماعية اقتصادية جذرية. وفي هذه الحالة فان التحرر سواء السياسي أو الاقتصادي من سيطرة الدول الامبريالية يحتل المرتبة الأولى في الأهمية وأكثر أشكال النضال فعالية ضد التسلط الاقتصادي للامبريالية – هو تأميم ممتلكات الاحتكارات الأجنبية، كما فعلت مثلا فنزويلا زمن تشافيز.
بالإضافة إلى ذلك يعتبر التصنيع الاتجاه الرئيسي لتذليل التخلف الاقتصادي وعلى هذا الأساس حل مشكلة الفقر والمشكلة الغذائية فقط عن طريق تحولات تقدمية تتجاوب مع مصالح شعوب البلدان النامية حيث يمكن القضاء على الاستغلال الامبريالي وخلق جميع الظروف للحل الجذري لمشكلة الفقر والمشكلة الغذائية في العالم، وذلك من خلال الإدارة البرنامجية للاقتصاد الوطني والاستخدام العقلاني للقوى المنتجة والموارد الطبيعية وعمل كل ما يلزم من اجل إنهاض وتطوير الزراعة والصناعة الغذائية وانتهاج سياسة التصنيع وتأميم الاحتكارات الرأسمالية العابرة للقارات، ورفع المستوى المادي والثقافي لحياة شعوب البلدان النامية.

المراجع:
- كتاب كارل ماركس – رأس المال.
- مشكلة التغذية وسياسة الامبريالية، للمؤلف ماركوف.