الولايات المتحدة والكيل بمكيالين


خليل اندراوس
2022 / 10 / 22 - 11:39     


أحداث الحرب على النازية في أوكرانيا، تدفعنا الى طرح أفكار متنوعة تهدف الى بناء مستقبل خال من الحروب المحلية الامبريالية، ومستقبل يصبح فيه صوت الشعوب مسموعا ومناهضا لهيمنة رأس المال العالمي وخاصة الأمريكي. فنحن حتى الآن نعيش في عالم هيمنة رأس المال وشركات صناعة السلاح ومجتمعات فيها القدر القليل أو المنعدم لاستقلالية العقل والمعرفة الموضوعية للواقع السياسي الاجتماعي وخاصة في دول رأس المال العالمي والأمريكي خاصة. وهنا أذكر ما كتبه الكسيس دي توكفيل في كتابه عن "الديمقراطية الامريكية" في عام 1840، حيث كتب يقول "لا أعرف دولة يوجد بها هذا القدر القليل أو المنعدم لاستقلالية العقل والمناقشة كما في الولايات المتحدة". وفي عام 1850 كتب المؤلف هنري ديفيد ثورو ما يلي: "لا توجد حاجة الى قانون للسيطرة على حرية الصحافة. انها تقوم بذلك بذاتها وأكثر من الواجب" والمجتمع الأمريكي والاسرائيلي الصهيوني أكبر مثل على ذلك، ففي الولايات المتحدة وكذلك في اسرائيل هناك انعدام لاستقلالية الرأي والتحرر من مفاهيم الهيمنة والسيطرة العالمية في الولايات المتحدة، وهنا في اسرائيل التحرر من المفاهيم الصهيونية العنصرية المتغطرسة ومفاهيم شعب الله المختار، وأرض الميعاد.

ولذلك يجري على مستوى عالمي تجريم كل من يكافح ضد الهيمنة الامريكية، وهنا في إسرائيل كل من يكافح ضد الصهيونية وطروحاتها وسياساتها العنصرية الشوفينية. ولذلك نشاهد الآن في العالم الغربي الأغلبية الساحقة لشعوب حلف الناتو والمجتمع الأمريكي تدعم سياسات دولها الداعمة للنازية الجديدة في أوكرانيا وهنا في إسرائيل الغالبية الساحقة من الشعب الإسرائيلي تدعم سياسات الاحتلال والاستيطان والحصار على غزة والحروب المتكررة على غزة وسياسات قتل الأطفال في غزة والضفة.

وبعد كل هذه الممارسات نجد من يمثل الصهيونية في أوروبا ويصف إسرائيل بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، في حين تمارس إسرائيل سياسات الحروب العدوانية الاستباقية المتكررة، ومع ذلك يقبل غالبية الشعب الإسرائيلي بأن هذه الحروب هي دفاع عن النفس. فحروب إسرائيل عام 1956 ضد مصر هي حروب عدوانية استباقية وكذلك حربها عام 1967 كانت حرب عدوانية استباقية ضد شعوب الأردن وفلسطين ومصر وسوريا في حين اعتبرها غالبية المجتمع الإسرائيلي بأنها حرب دفاع عن النفس، والآن غالبية الشعب الإسرائيلي تقبل وتدعم الاحتلال الكولونيالي العنصري الشوفيني الصهيوني للضفة الغربية وتقبل وتدعم سياسات حصار غزة، وحتى تدعم الحروب الاجرامية ضد سكان غزة وقتل الأبرياء من أطفال ونساء وشيوخ، ليس في غزة لا بل وأيضا في الضفة. وهنا أذكر بانه في شباط عام 1981 كشفت مجلة "ميدل ايست" من جديد عن نشاطات سرية لوكالة المخابرات المركزية في لبنان. وتحدثت المجلة بالتفصيل عن عملية "ساندويتش" التي يجب على إسرائيل وفقها جر القوات السورية الى عمليات قتالية في جنوب لبنان ومن ثم انزال الضربة بالاتجاه الشمالي لمساندة تشكيلات اليمين المسيحي التي تقوم بتحطيم مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في منطقة بيروت (في حين استمرار قضية اللاجئين هي رفض إسرائيل تنفيذ التزامها بعودة اللاجئين مع ان الاعتراف بإسرائيل وقبولها كعضوة في الأمم المتحدة كان مشروط بقبولها بعودة اللاجئين، وتخلت عن هذا الالتزام بدعم امريكي وغربي وصمت عالمي).

ويتيح تحقيق هذه الخطة وفق حسابات وكالة المخابرات المركزية، وضع لبنان كليا في ايدي اليمينين، الكتائب عملاء إسرائيل والولايات المتحدة ويكون حلا للمشكلة الفلسطينية عن طريق تصفية منظمة التحرير الفلسطينية، وفي تلك الفترة ارتكبت جريمة مجزرة صبرا وشاتيلا وهذه الجريمة لم تكن وبرأيي لن تكون أخر جريمة ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني والانفلات العدواني الأخير للجيش الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية في الضفة والحروب العدوانية المتكررة على غزة وحصار غزة لأكبر مثل على ذلك.

وبالنسبة للأحداث في لبنان في تلك الفترة بموجب ما نشرته مجلة "ميدل ايست" عام 1981 نوت وكالة المخابرات الامريكية ان يتيح كل ذلك ارغام الأردن على الانضمام الى صفقة كامب ديفيد والاشتراك في مفاوضات ما يدعى بالحكم الذاتي الفلسطيني الذي يرفضه الشع العربي الفلسطيني. وفي صيف عام 1982 اتخذت الاحداث في الشرق الأوسط نطاقات جديدة خطرة. إذ قامت الطغمة العسكرية الإسرائيلية لا بل القاعدة الامامية للامبريالية العالمية- إسرائيل، بتعاون تام مع البيت الأبيض لا بل الأسود بعدوان جديد واسع على لبنان واحتلت قسما كبيرا من أراضيه، ممارسة بشكل مستمر إبادة صريحة إزاء الفلسطينيين واللبنانيين.

ودمر الجيش الإسرائيلي عمليا أجزاء من بلدات لبنانية كانت مزدهرة في وقت ما، من أمثال النبطية وصيدا وصور وأحرق مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الموجودة في لبنان مستخدما ضد السكان المدنيين اكثر أنواع الأسلحة وحشية، كالقنابل الكاسيتية والعنقودية والفوسفورية بالإضافة الى النابالم.

أما الأحياء السكنية في بيروت الغربية التي حاصرها المعتدون الاسرائيليون والمدعومون من الولايات المتحدة سياسيا وعسكريا واقتصاديا وداخل الهيئات الدولية وخاصة الأمم المتحدة حيث كانت الولايات المتحدة تستخدم حق النقض الفيتو عشرات المرات للدفاع عن مواقف إسرائيل العدوانية، وكانت أخر معقل للقوات الوطنية اللبنانية وقوات المقاومة الفلسطينية فقد أصبحت أنقاضا في أنقاض.

وفي ذلك الوقت أشارت صحف العالم بحق الى ان الأساليب التي يستعملها الصهاينة "لحل" المشكلة الفلسطينية لا يمكن مقارنتها من حيث وحشيتها الفظيعة ووقاحتها الا بالطريقة النازية "لحل المسألة اليهودية نهائيا" في سنوات الحرب العالمية الثانية. وهنا أذكر بأني شاركت في الفترة الأخيرة في مؤتمر عالمي في المانيا وكان لي نقاش ولقاءات مع عدد من مندوبي المؤتمر وعندما كنت أطرح أمامهم سياسات الحركة الصهيونية العنصرية حكومات إسرائيل المتتالية قبل النكبة عام 48 وبعد النكبة وحتى الآن أغلبهم قالوا لي بأننا نحن نعرف ما يحدث ولكن لا نستطيع أن نتكلم بسبب الهولوكوست فكنت أجيبهم بأن ما يجري على مدى أكثر من قرن ضد الشعب الفلسطيني هي ممارسة وحشية غير إنسانية من احتلال واستيطان وحصار وحروب عدوانية متكررة لا يمكن مقارنتها من حيث وحشيتها العنصرية الشوفينية ووقاحتها السياسية الديماغوغية التي تصف هذه الممارسات كدفاع عن النفس الا بالطريقة النازية "لحل المسألة اليهودية نهائيا" في سنوات الحرب العالمية الثانية. فكيف أستطيع كفلسطيني أن أتفهم صمتكم كأفراد وكدولة. طبعا تواجد خلال هذا المؤتمر عشرات لا بل مئات من داعمي حق الشعب الفلسطيني بالحرية والاستقلال وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

هذه المقارنات التاريخية المشؤومة على ما يبدو لا تثير أي ارتباك، لدى حماة السياسة العنصرية الشوفينية المتغطرسة، حكام إسرائيل، في الولايات المتحدة الآن من خلال هجوم اعلامي ديماغوغي ضد روسيا التي أجبرت على دخول الحرب النازية في كييف، بأن الولايات المتحدة ودول حلف الناتو، مجرمي هذا العصر، بأنهم يدافعون عن الحرية والديمقراطية، متناسين أو مهمشين ما يجري من ممارسات إجرامية ترتكبها إسرائيل والصهيونية العالمية ضد الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده. حتى هنا داخل إسرائيل حيث تمارس حكومات إسرائيل المتتالية منذ قيامها التمييز العنصري الشوفيني القومي ضد الشعب الفلسطيني. وهنا بودي أن أذكر الدور التاريخي الكفاحي النضالي للحزب الشيوعي في الحفاظ على وجود وهوية الشعب الفلسطيني قبل وبعد عام النكبة.

يكفي أن نذكر شعراء المقاومة توفيق زياد، ومحمود درويش وسميح القاسم وقيادات حزبنا الشيوعي توفيق طوبي، واميل حبيبي واميل توما، وغيرهم وهنا أذكر فقط لمن لا يذكر ذلك بأننا دائما كنا نعرف أنفسنا كجزء لا يتجزأ من الشعب العربي الفلسطيني، وهذه التربية الشيوعية الأممية القومية، القومية الأممية دفعت طالب مثلي في الصف السادس ابتدائي، في بداية ستينات القرن الماضي حينما طلب مني أحد المعلمين أن أحلف كعضو في كشاف المدرسة، بأن أكون مخلص لدولة إسرائيل، أن أجيبه بأني مخلص لفلسطين فقام المعلم وصفعني بكف يده على وجهي، وطلب مني أن أقف كقصاص الى جانب جدار المدرسة، وبعد ذلك جاء هو ومدير المدرسة واستاذ كريم وعزيز أخر واعتذروا لي، وفهمت من هذا بأن ما جرى كان نوع من الخوف من وزارة التربية والحكومة أنذاك وقت الحكم العسكري وتثقيفنا هذا للأجيال سابقا والآن ومستقبلا حتما سيؤدي الى الانتصار العادل للقضية الفلسطينية فالشعب الفلسطيني شعب جبار لن ينكسر أمام "كاسح الأمواج" الإسرائيلي الصهيوني. بل سيبقى شامخا شموخ جبل الجرمق ومتجذرا في أرضه تجذر شجرة الزيتون.

وهنا أذكر بأن الصهيونية المتوحشة في حربها ضد الشعب اللبناني في ذلك الوقت أي خلال ثمانينيات القرن الماضي استعملت أكثر الأسلحة تفننا ضد الشعب الفلسطيني واللبناني، وهذه الأسلحة وسم عليها made in usa. وهو ما يتميز به مبدأ "مكافحة الإرهاب الدولي" الذي أعلنته واشنطن في ذلك الوقت والآن والذي ليس هو في واقع الأمر سوى مثال للعنف والإرهاب الشامل فالولايات المتحدة صانعة الإرهاب السياسي والاقتصادي والعسكري في عالمنا المعاصر. ودعم النازية الجديدة في كييف سياسيا واقتصاديا وعسكريا أكبر مثل على ذلك في وقتنا الحاضر.

والامبريالية العالمية وخاصة الولايات المتحدة وبريطانيا المخطوفتين من قبل الصهيونية العالمية والماسونية العالمية، تتحملان المسؤولية التاريخية عن استمرار النكبة الفلسطينية، جراء انحيازهم المطلق للاحتلال وسياسة ازدواجية المعايير في التعامل مع القضية الفلسطينية والشعوب المضطهدة.

مجتمع طبقة رأس المال يعمل بكل الوسائل لإضعاف إدراك ومعنويات جماهير الشعب الواسعة وخاصة الطبقة العاملة.

والامبريالية بحاجة الى الحروب بأي ثمن. ولإسرائيل دور استراتيجي وظيفي في خدمة فرض هيمنة القطب الواحد الأمريكي.

وهنا أذكر ما قاله سيمون بوليفار أحد أبطال تحرير أمريكا اللاتينية في منتصف القرن التاسع عشر: "يبدو ان الولايات المتحدة تسعى لتعذيب وتقييد القادة باسم الحرية". والآن الولايات المتحدة التي تدعي بأنها تدافع عن الحرية والديمقراطية في دعمها لأوكرانيا وحكمها النازي تسعى لتفكيك روسيا وتعذيب وتقييد الإنسانية جمعاء باسم الدفاع عن الحرية والديمقراطية.