الأديب حسب الله يحيى.. مواهب شتى


شكيب كاظم
2022 / 10 / 19 - 06:32     

تمتد علاقتي الثقافية، ومن ثم توجت بالصداقة مع القاص والروائي والناقد المسرحي، وكاتب المقال الثقافي وحتى السياسي؛ الأستاذ حسب الله يحيى، تعود علاقتي إلى بداية عقد السبعين من القرن العشرين، والتقينا، ولعلها مصادفة في أكثر من منبر صحفي، كان يعمل في جريدة (التآخي) هذا المنبر المجاهد، وأنا كنت أكتب في صفحتها الثقافية، ألذي كان يشرف عليها بداية، طيب الذكر الأستاذ أبو بشار؛ عبد الغني الملاح، الشخصية الوطنية الدمقراطية، كما نشرت لي مجلة (الثقافة) أولى، أو أول مقالاتي في عدد شهر حزيران/ يونيو لسنة ١٩٧٢؛ المجلة الشهرية الثقافية المستقلة التي أصدرها أستاذي الدكتور صلاح خالص، المختص بالأدب الأندلسي، والمتخرج في السوربون الفرنسي، لقد كنت أجد في هذه المجلة، فسحة حرية، في وقت بدأ التضييق على حرية الكتابة، كما كنت أجدها في صحيفة (التآخي)، ولاسيما أيام تولاها الفقيد دارا توفيق.
وتشاء المصادفات أن تنشر المجلة في العدد ذاته مقالاً نقدياً لحسب الله يحيى عن رواية (المسيح يصلب من جديد) للروائي اليوناني الشهير(نيكوس كازانتزاكي).
وطفقتُ أكتب في مجلة (الثقافة) والأستاذ حسب الله يحيى يرفدها برسائله الثقافية تحت عنوان (رسالة الموصل الثقافية) حتى إن المجلة هذه نشرت ثاني مجاميعه القصصية، وعنوانها (القيد حول عنق الزهرة) سنة ١٩٧٤.
ما يميز حسب الله يحيى، هذه الجرأة، إذ قرأت سنة ١٩٩٨قصة للقاص والروائي حنون مجيد، نشرتها مجلة (الأقلام)، وفيها ما فيها من مرموزات وإشارات وكنايات، وإذ سألني حنون مجيد، وقد أخبرته بقراءتي قصته هذه؛ سألني، هل فككت رموزها وتوصلت إلى معانيها؟ وإذ كان جوابي بالإيجاب، أخبرني أنه طاف بها على أكثر من منبر ثقافي فاعتذروا عن نشرها، لكنه ما أن عرضها أمام الأستاذ حسب الله يحيى، حتى وافق على نشرها، فنشرها.
فضلاً عن هذه الجرأة، فإنه يمتاز بمزية الصدق في الكتابة الصدق مع الذات، والصدق مع القارىء، فالكتابة في عرفه مسؤولية، ولقد جلبت له بعض قصصه، فضلاً عن نقده المسرحي، الكثير من الأذى ووجع الرأس، حتى وصل الأمر أن شكاه بعضهم لدى المحاكم، لأن الناس ترغب في المديح الكاذب، وهذا مما لا يأتلف مع الخلال الحميدة والصادقة لحسب الله يحيى، ولقد دون كثيرا من هذه الحالات في كتابه (في الخطاب المسرحي. رؤية نقدية في المسرح، والمسرح المقارن، ومسرح الأطفال) ألذي أصدرته دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد سنة �م، ويقف عند ما يسميه بـ(الإقطاعيات) ويعني بالإقطاعيات، قيام بعض المسرحيين بالإتكاء على التراث العربي، والقصص والأشعار، ويقدمها بصيغ وأطباق مختلفة في كل موسم مسرحي، مدعياً هذا المسرحي، إنها من تأليفه مرة، ومعداً لها ثانية، وكاتب السيناريو المسرحي ثالثة، وهذا فيه ما فيه من التدليس والتمويه، وإذ أشار الأستاذ حسب الله يحيى إلى هذه الفوضى، فإن إشاراته هذه دفعت بعضهم بالتنمر عليه، متهمين إياه بتهم شتى، لا بل إنه يذكر أن حتى الفنان الكبير الراحل قاسم محمد، على الرغم من علو مواهبه، قد مارس هذا اللون من ألوان التمويه، وأراه سطواً على جهد الآخرين.
هذه المعرقلات المحبطات تركت آثارها، ولاسيما بعد ٢٠٠٣، واختلاط الأمور، تركت آثارها المؤسفة في نفسه، فآثر الانسحاب من هذا المعترك والصمت.
في مجلة (الجديد) المجلة الجميلة الأنيقة التي يصدرها في لندن الشاعر السوري المهاجر(نوري الجراح) قرأت نصاً قصصياً رائعاً وفجائعياَ، أما كيف تجتمع الروعة مع الفجيعة؟ فلأن لغة القصة رائعة وباذخة، وتأتي الفجائعية من بحث صاحب النص ؛ بحثه في معهد الطب العدلي عن عزيزه، إنه نص موحٍ ورائع عن الأصابع، قد لا يتأتى نسجه ووشيه، إلا لمن أوتي حظا واسعاً في الكتابة والإبداع، نشرته مجلة (الجديد) في عددها الصادر في الأول من كانون الأول سنة ٢٠٢١م، عنوانه (أصابعي التي لم تعد أصابع ) يبدؤه متسائلاً عن مصدر الحساسية المفرطة التي تكمن في أصابعه، يخبئها في جيوبه فيحسها تختنق، وتبحث لنفسها عن متنفس، فيطلقها خشية لا شفقة، يفجعه ما الذي فعلته أصابعه، وهو يذهب إلى معهد الطب العدلي بحثاً عن العزيز، هذا المرفق ألذي لا طب فيه ولاعدل، مؤكداً خسرت ما أملك من أصابع، صرت أمتلك فراغاً، أحس بوجوده من غير أن تسعفني كل الأسئلة التي تدق في رأسي بحثا عن إجابات مفقودة.
حاشية
........................................................................................
الحديث ألذي قرأته في ندوة الإحتفاء بمنجز القاص والروائي والناقد المسرحي الأستاذ حسب الله يحيى، التي أقامها بيت المدى للثقافة والفنون بشارع المتنبي برصافة بغداد، ضحى يوم الجمعة ٢٨ من شهر محرم الحرام عام ١٤٤٤هج= ٢٦ من شهر آب/ أغسطس سنة ٢٠٢٢م،وأدارها الدكتور أحمد الظفيري وتحدث فيها تباعا: الدكتور عقيل مهدي يوسف، والدكتور حسين علي هارف، وعباس لطيف، وشكيب كاظم والدكتور زهير البياتي.