حول الانتخابات ونظرية المعرفة في المادية الجدلية


خليل اندراوس
2022 / 10 / 8 - 09:44     


المعرفة السياسية الموضوعية العلمية الجدلية الطريق الى الوحدة الوطنية النضالية

ليس من السهل أن يكون المرء أمميا في مرحلة تعصف فيها الحروب الامبريالية، وخاصة حروب الظل، الحروب السرية الامريكية سابقا والمتجددة الآن وخاصة في أوكرانيا وسوريا واليمن والعراق وأفغانستان، حتى بعد هروب الولايات المتحدة من هناك، وباكستان. وأيضا عندما تكون "مواطن" درجة ثانية في دولة تسيطر عليها الأيديولوجية الصهيونية العنصرية الشوفينية، والتي تقوم بدور القاعدة الأمامية للامبريالية العالمية في منطقة الشرق الأوسط، والتي قامت وتقوم بحروب عدوانية ضد شعوب المنطقة قبل نكبة 1948 وخلال النكبة، وبعد ذلك العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 والحرب الاستباقية العدوانية، عام 1967 واحتلال الجنوب اللبناني عام 1982، والمجازر المتكررة ضد الشعب الفلسطيني، وحصار غزة والحروب المتكررة على غزة وقتل مئات لا بل آلاف الأبرياء في غزة.
كل هذه الحقائق والأحداث التاريخية، عندما توضع موضوعيا، ويجري ضدها الكفاح والنضال من أجل تحرر شعوب الشرق وخاصة الشعب العربي الفلسطيني، تفرض على الأقلية القومية الفلسطينية داخل إسرائيل، وفي المناطق المحتلة والمحاصرة العمل على استعادة الوحدة الوطنية الثورية لأنها الطريق الوحيد للوصول الى تحقيق السلام العادل. فسلام الشعوب بحرية الشعوب.
يمكن ويجب مطالبة الحكومات الامبريالية بشكل عام وحكومات إسرائيل الصهيونية بشكل خاص الخلاص من الحروب والتمييز العنصري الشوفيني، وتحرير الشعوب من عبودية مئات مليارات الدولارات التي يتم صرفها وتبذيرها على شراء السلاح والتي تجنيها طبقة رأس المال العالمي والصهيوني الذين تزيد ثروتهم بفضل الحروب، ومثال على ذلك الحرب التي فرضها حلف الناتو على روسيا.
لا يمكن الخلاص من هذا الوضع إلا من خلال أوسع وحدة صف طبقية عمالية جماهيرية قومية وطنية، أممية، فالقومي الحقيقي هو الأممي الحقيقي والأممي الحقيقي هو القومي الحقيقي. ووحدة الصف هذه ممكنة لا بل ضرورة موضوعية يمكن تحقيقها من خلال إقامة تحالفات مع الأحزاب اليسارية بشكل عام والأحزاب الشيوعية بشكل خاص في شتى دول العالم الامبريالي، وخاصة هنا داخل إسرائيل التي تمارس سياسات التمييز العنصري الشوفيني ضد الشعب الفلسطيني.
وهذا ما كنت أتمناه، وأن يحدث هنا قبل الانتخابات الأخيرة، أي قيام كتلة وطنية سياسية اجتماعية قومية ثورية توحد كافة الأطر السياسية في المجتمع العربي الفلسطيني داخل إسرائيل على أسس وثوابت وطنية واضحة المعالم، وكذلك التحالف مع اليسار اليهودي الرافض للصهيونية والمناضل من أجل السلام العادل، وهذا الأمر كان يمكن ان يدفع الى مشاركة جماهيرية واسعة في الانتخابات القادمة، من الممكن أن تؤدي الى ايصال أكثر من 20 عضو برلمان يمثلون الأقلية القومية الفلسطينية داخل اسرائيل وقوى السلام المناهضة للصهيونية داخل المجتمع اليهودي، وهذا الأمر لو تحقق لكان من الممكن أن يغير موازين القوى السياسية ليس فقط في اسرائيل لا بل وفي منطقة الشرق الأوسط كلها.
وبرأيي هناك دول امبريالية ورجعية عربية عملت منذ عام 1976 يوم الأرض، الذي عكس أوسع وحدة صف للشعب الفلسطيني في ذلك الوقت، على تخريب وتمزيق وحدة الصف هذه، لأن هذه الوحدة لا تخدم مصالح الثالوث الدنس العالمي- الامبريالية، والصهيونية، والرجعية العربية لا بل أنظمة الاستبداد في الخليج العربي لا بل الأمريكي.
المواقف السياسية لهذه الكتلة أو تلك، لهذا الحزب العربي أو ذاك والتي تطرح خطب ومقالات وتصاريح وممارسات المسالمة والقبول بقانون يهودية الدولة وتتعانق مع قادة اليمين الصهيوني، وترى باليساري الأممي، يهوديا كان أم عربيا خصمه أو عدوه أو ترفض للتحالف معه، إنما هي مواقف من يخون قضية شعبه الفلسطيني العادلة ويخون وطنه وانسانيته.
وأنا أتوجه الى كل صاحب ضمير أن يبتعد عن هذا المستنقع الدخيل على مجتمعنا. لأن النضال والكفاح الثوري القومي الأممي الطريق الوحيد من أجل الوصول الى ربيع المستقبل الأحمر، مملكة حرية الانسان والإنسانية.
علينا ان نمارس النضال السياسي الاجتماعي القومي الأممي باستقامة وإخلاص وتفان ومثابرة، والتواصل الدائم مع جماهير الشعب الواسعة وخاصة الطبقة العاملة. فقط من خلال ذلك نستطيع ان نقوم بدورنا الثوري التقدمي، والخلاص من هيمنة واستبداد الصهيونية والأنظمة الرجعية العربية وهيمنة الامبريالية- هذا الثالوث الدنس.
ولكي ننجح في ذلك علينا ان نتعمق أكثر فأكثر بدراسة المعرفة في المادية الجدلية الماركسية، فالمادية الجدلية والتي تستند الى الخبرة الغنية للغاية التي جمعتها البشرية والى اكبر إنجازات العلم والتطبيق الثوري، أن العالم قابل للمعرفة تماما وان عقل الانسان قادر ان يكوّن فكره صحيحة عن الواقع المادي لكل مجتمع وخاصة التشكيلة الاجتماعية الرأسمالية الامبريالية المعاصرة، والايديولوجيات الرجعية بما فيها "الدينية" التي تخدم طبقة رأس المال.
فالفلسفة الماركسية المادية الجدلية تؤكد على ان المعرفة هي الانعكاس الفعال الهادف للعالم الموضوعي وقوانينه في ذهن الانسان.
ومصدر المعرفة هو العالم الخارجي المادي الموضوعي المحيط بالإنسان، فهو يؤثر على الانسان ويثير لديه الأحاسيس والتصورات والمفاهيم المعنية. ومن المهم الإشارة الى ان الانسان لا يدرك أشياء وظواهر العالم فحسب، بل يؤثر عليها بصورة فعالة وجدلية.
إن الاعتراف بالعالم الموضوعي وأشيائه وظواهره باعتبارها المصدر الوحيد للمعرفة الإنسانية هو المسلمة الأساسية لنظرية المعرفة الماركسية المادية الجدلية.
أما المثاليون بكل مدارسهم وأفكارهم وفلسفتهم وحتى ايمانهم الديني فلا يعتبرون الواقع الموضوعي مصدرا لمعارفنا. فموضوع المعرفة في الفلسفة المثالية هو إما وعي، أحاسيس الانسان الفرد (الذات) واما وعي غيبي قائم خارج الانسان ("الفكرة المطلقة"). "الروح الشامل" الخ).
وقد وجه ماديو ما قبل الماركسية ضربة شديدة الى المثالية، واللاهوت الرجعي يهوديا كان أم مسيحيا أم إسلاميا حين اعتبروا المعرفة انعكاسا للأشياء الخارجية في ذهن الانسان. لكن أراءهم عن عملية المعرفة كانت بدورها محدودة. فهم بحكم ميتافيزيقيتهم، عجزوا عن تطبيق الجدلية المادية على عملية المعرفة، ونظروا الى الانعكاس باعتباره مجرد انطباع سلبي لشيء ما في ذهن الانسان، ولم يضع ماديو ما قبل الماركسية في اعتبارهم النشاط الحيوي، للذات العارفة، الإنسان. زد على ذلك انهم عجزوا عن تقييم دور الممارسة والنضال والكفاح في تظوير المعرفة. وهذا الأمر يشكل السبب الرئيسي لمحدودية الأطر والمؤسسات السياسية التي تعتمد الفلسفة الميتافيزيقية والمثالية الدينية، وخاصة الحركات الدينية الرجعية مسيحية كانت أم إسلامية أم يهودية.
واذا تغلب ماركس وانجلز على ضيق الفلسفات السابقة، يستطيع من يحمل ويمارس الفلسفة الماركسية المادية الجدلية ان يضع عملية المعرفة الاجتماعية والسياسية والثقافية والقومية والاممية والنضالية الثورية على أساس من الممارسة الصحيحة ومن نشاط الناس المادي الإنتاجي والنضالي السياسي لتطوير المعرفة من أجل خلق أجواء نضالية كفاحية والممارسة في الفلسفة الماركسية هي نقطة انطلاق، أساس عملية المعرفة ومعيار صحة المعارف على حد سواء. كتب لينين يقول: "ان وجهة نظر الحياة الممارسة ينبغي ان تكون هي الأولى والأساسية في نظرية المعرفة. وهي تؤدي حتما الى المادية.." (لينين المؤلفات الكاملة المجلد 18 ص 145). ففي النشاط العملي الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي والقومي والوطني والأممي، فكما قلت سابقا القومي الوطني الحقيقي هو الأممي الحقيقي. والأممي الحقيقي هو الوطني والقومي الحقيقي، ومن يتبنى هذا الفكر الثوري المادي الجدلي الماركسي يستطيع بكل اخلاص وتفان إقامة وحدة وطنية قومية مناضلة بشرط ان يكون هناك تعاون وتنسيق وممارسة تعكس وحدة صف وطنية قومية ثورية أممية تستطيع ان تلعب دورها السياسي الكبير داخل ملعب الحركة الصهيونية المدعو الكنيست، ومن خلال وحدة الصف الوطنية القومية الثورية هذه نستطيع تغيير العديد من موازين القوى داخل إسرائيل وفي المنطقة. وللأسف هذا لم يحصل للأسف بسبب سياسات منصور عباس الانبطاحية الانتهازية أمام قادة اسرائيل الصهاينة، وكذلك بسبب انفصال التجمع عن المشتركة، وهذه التطورات السلبية ستنعكس سلبا على القوائم العربية ومن الممكن أن تؤدي الى نسبة تصويت منخفضة مما سيخلق الضرر بكل الأطر السياسية الفاعلة في الوسط العربي. لذلك علينا كحزب ثوري وجبهة أن نضع كل طاقاتنا من أجل تعزيز موقفنا وخطنا بين الجماهير، هذا الطريق الذي أثبت مسؤوليته التاريخية في الحفاظ على مكانة جماهيرنا وشعبنا.
فبموجب المادية الجدلية الماركسية النشاط العملي للناس والإنتاج المادي بالذات تظهر الفعالية الهادفة للمعرفة الإنسانية، فالانسان لا يمارس تأثيرا فعالا على العالم المحيط به وحيدا، بل بالتعاون مع غيره من الناس، مع المجتمع ككل.
إن الممارسة ليست أساسا للمعرفة فحسب بل هي كذلك هدف للمعرفة. فالانسان لا ينكب على معرفة العالم المحيط به وكشف قوانين تطوره الا بغية استخدام نتائج المعرفة هذه في الممارسة. فالنظرية دون الممارسة عديمة المعنى، والممارسة دون النظرية عمياء. والنظرية الماركسية اللينينية بالغة الأهمية لتطور المجتمع. فهي باعتبارها انعكاسا سليما عميقا جدا للواقع وتعميما لممارسة نضال الطبقة العاملة وجماهير الشعب، الثوري تصلح كمرشد لنضال الطبقة العاملة وجماهير الشعب المضطهدة من أجل احداث التراكمات الإيجابية في المجتمع، تغييرات اجتماعية اقتصادية ثقافية سياسية، من أجل بناء مستقبل حرية الشعوب وتحررها من هيمنة طبقة رأس المال العالمي والصهيونية العالمية في إسرائيل والتحرر من هيمنة أنظمة الاستبداد الرجعية العربية، وهذا ما أطلق عليه اسم الثالوث الدنس في عصرنا الحاضر.
ومن يرتبط مع أحد أطراف هذا الثالوث الدنس وخاصة الأنظمة الرجعية العربية لا يمكن ان يكون تقدميا أو وطنيا حقيقيا بل يرفع شعاراته القومية أو الوطنية من أجل الديماغوغية بهدف التغطية عن وجهه الحقيقي البعيد كليا عن الصدق والإخلاص.
ولذلك نؤكد هنا بأن الأحزاب اليسارية وخاصة الأحزاب الشيوعية عامة وهنا في إسرائيل الحزب الشيوعي والجبهة وتحالفها مع العربية للتغيير تعمل من منطلق الوحدة بين النظرية والممارسة، وهذا هو المبدأ الأعلى للفلسفة الماركسية اللينينية، المبدأ الأعلى لنظرية المعرفة في المادية الجدلية. من أجل تأمين استخدام الأسلوب العلمي في إدارة النضال والكفاح في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والقومية والوطنية للشعوب المضطهدة عامة، والشعب الفلسطيني خاصة. ومن يريد أن يكون نضاله صادقا وناجحا عليه ان يعمل على التحالف مع الأحزاب اليسارية الثورية عامة وهنا في إسرائيل مع الحزب الشيوعي والجبهة.
وللأسف داخل بعض الأحزاب السياسية في المجتمع العربي، وأيضا المجتمع الإسرائيلي عامة هناك "أصنام الجهل" التي تحاول اسقاط التاريخ النضالي المقاوم والمكافح للحزب الشيوعي في إسرائيل.
وكما قال لينين "المثقفون هم أقدر الناس على الخيانة لأنهم أقدر الناس على تبريرها". وهذا ما يقوم به بعض القيادات السياسية "المثقفة" في مجتمعنا العربي لتبرير هروبهم من الوحدة الوطنية القومية التقدمية مع الحزب الشيوعي والجبهة وتحالفها العربية للتغيير.
يقول لينين: "من التأمل الحي الى التفكير المجرد ومنه الى الممارسة – هذا هو الطريق الجدلي لمعرفة الحقيقة، لمعرفة الواقع الموضوعي" (لينين- المؤلفات الكاملة المجلد 29 ص 152-153). ولو كانت قيادات الحركة الإسلامية الجنوبية والتجمع قامت بممارسة التأمل الحي والتفكير المجرد والممارسة لمعرفة الواقع الموضوعي للأقلية العربية الفلسطينية داخل إسرائيل، لكان يجب عليها احقاق الوحدة الوطنية المكافحة مع الحزب الشيوعي والجبهة والعربية للتغيير، وليس رفع الشعارات الديماغوغية "الوطنية" "القومية" الفارغة من أي مضمون حقيقي، لتبرير هروبها من الوحدة الكفاحية للشعب الفلسطيني داخل إسرائيل.
وهنا بودي أن أتوجه الى جماهير شعبنا الفلسطيني والى أنصار السلام في المجتمع الإسرائيلي، للمشاركة في هذه الانتخابات البرلمانية لكي لا نترك الساحة للحركات والأحزاب الصهيونية والدينية اليهودية، ولكي نضاعف تمثيل الجبهة والعربية للتغيير، وفي هذا الموقف أشعر ان الرفيق والدي بجانبي، لأنه دائما علمني ما يعنيه أن تكون رجلا صالحا، ومخلصا لمبادئك وطريقك الأحمر، فوالدي هو بطلي ونوري الهادي.