حدود أكتوبر - اسماعيل محمود ( حزب العمال الشيوعى المصرى -(1974 )


سعيد العليمى
2022 / 10 / 4 - 22:08     

مدخل
ننشر هنا بعض الكتابات التى تتعلق بممهدات وأعقاب حرب أكتوبر – تشرين 1973 وقد سبق إصدارها فى بيروت تحت عنوان : حدود أكتوبر-- بإسم قلم هو محمود إسماعيل . لقد إتخذ حزب العمال الشيوعى المصرى موقفا متميزا من هذه الحرب حيث إعتبرها إمتدادا لسياسات النظام الساداتى ولم تكن أكثر من مغامرة محسوبة استهدفت تحريك التسوية السلمية يترتب عليها مقايضة الأرض المصرية المحتلة بالاستقلال السياسى والاقتصادى وبقبول الاستيطان الصهيونى فى ارض فلسطين . لقد صدر هذا الموقف الثورى المبدئى عقب ثلاثة أيام من شن الحرب . وكانت قيادة الحزب آنذاك قد تعرضت قبلها بشهور قليلة لضربة بوليسية فادحة أتاحت فرصة العمل لشباب مازال فى العشرينيات من العمر وكان مايزال وقتها يكتسب خبراته الثورية . وقد إستطاعت هذه القيادة الشابة أن تتخذ مواقف سياسية صائبة وحافظت على كيان الحزب فى ظروف بوليسية غاية فى الصعوبة الأمر الذى كان يدعونا وقتها للإمتنان . وقد واجهت هذه القيادة الشابة فلول الحركة الشيوعية اليمينية التى إعتبرت الحرب " حربا عادلة وطنية شنتها سلطة وطنية " مكتفية بذلك دون أن تتجاوز فى فهمها هذا الحد مما جعل مواقفها تذيلا للسلطة البورجوازية البيرقراطية القائمة آنذاك . وكذلك النزعة الإنهزامية العدمية اليسارية التى اعتبرت أن هزيمة هذه السلطة فى هذه الحرب سوف تضعنا أمام عدو إمبريالى مكشوف مما يسهل نضال الجماهير الشعبية ضده .
كيفما كان الأمر فالفكرة الشائعة عن حرب أكتوبر – تشرين هى نفس الفكرة التى روجتها البورجوازية ومازالت رغم مرور مايزيد عن أربع عقود على خوضها ورغم حقيقة أننا مازلنا نحصد ثمار هزيمة يونيو – حزيران عام 1967 حتى الآن بعد أن فقدنا إستقلالنا الإقتصادى والسياسى والعسكرى .. الخ وهو مايظهر جليا فى علاقتنا بالإمبريالية الأمريكية والغربية وكذلك فى علاقتنا بالكيان الصهيونى وبالرجعية العربية .
وبعد هناك مناضلون شباب لم يطلعوا إطلاقا على مواقف حزب العمال من القضية الوطنية عامة , وحرب أكتوبر خاصة معتقدين أن الماركسيين المصريين جميعا قد إتخذوا نفس الموقف اليمينى الذى إتخذه يمين الحركة الشيوعية آنذاك ولعل هذه الكتابات تبدد هذا التصور .
وتضم هذه الكتابات مايلى : 1 طريقة البورجوازية فى حل تناقضاتها مع الإمبريالية 2 – هزيمة يونيو 1967. 3 – حول مد فترة إطلاق النار 4 – لننهض بثبات بمهامنا من أجل حرب تحرير شعبية 5 – اللحظة الراهنة ومهامنا .
مقدمة
فى مواجهة فيض الزيف الاعلامى البرجوازى المستند على الدعاية الامبريالية فى إخفاء حقيقة التنازلات المصيرية الضارة بمصالح شعوبنا فى المنطقة .. وفى مواجهة الجوقات المتهافتة من تحريفيين وذيليين ينجرفون كالعادة خلف مؤخرة البرجوازيات والرجعية العربية ...
نصدر هذا الكراس المتضمن على تجميع مجموعة من الكتابات السابق نشرها بشكل متفرق وعلى مستويات مختلفة من سعة وضيق التوزيع – حول تكتيكات البرجوازية المصرية تجاة تكتيكات الامبريالية بالمنطقة والتى تتركز حول تكتيك الاشتباك المسلح ضمن استراتيجية التسوية الاستسلامية لصالح الامبريالية واسرائيل والرجعية .
ان تجميع هذه الكتابات الهادف لتركيز تأثيرها فى مواجهة فيض الزيف الاستسلامى ومحاولة نشره على أوسع نطاق ممكن ، يستند بعناد على التأثير العميق لتناول الحقائق التى تؤكدها الحياة يوميا فى مختلف مظاهرها الفكرية والسياسية والاقتصادية والثقافية ... مدركين بثقة بالغلة أن المرء يحتاج الى الاف الاطنان من الورق والعديد من القلاع الصحفية والحشود الضخمة من قوات القمع لكى يمرر زيفاً : أن الشمس تشرق من الغرب ... وأنه من ناحية اخرى تكفى ثقتناً التى تحملها لها الطليعة ... وتؤكدها لهذه الجماهير يوميا حقائق الحياة ، وشظف وعسف شروطها الحياتية التى لاتعمل الاطنان والقلاع والحشود على تقديم متطلباتها الضرورية ، والتى تعجز مهما استشرت عن انكار هذه المتطلبات .... انكار حياة الملايين من أبناء شعوبنا العربية .
-1-
طريقة سلطة البرجوازية فى حل تناقضاتها مع الامبريالية
( لم تتكون سلطة البرجوازية البيروقراطية ، وفقاً للتطور التلقائى للرأسمالية المصرية فى عملية تاريخية اجتماعية يقتضيها تغلغل الرأسمالية وانتشارها ، كالرأسمالية الصناعية أو المصرفية على سبيل المثال ، ولكن هذا الشكل الجديد للرأسمالية نشأ بواسطة استخدام السلطة لاعادة صياغة رأس المال القائم بالفعل وادخال تغييرات على الهيكل الاقتصادى الرأسمالى التقليدى ولتحقيق التراكم البيروقراطى .
... وهذا الشكل من أشكال الرأسمالية استطاع فى فترة تاريخية فى مصر أن يلعب دوراً تقدمياً فى مواجهة الامبريالية والمراكز الاحتكارية المرتبطة بالامبريالية فى رأس المال المصرى ، وان يسهم فى البناء الاقتصادى المستقل ، وكان هذا الدور التقدمى الوجه الرئيسى لفترة تاريخية محددة . ولكن هذا الشكل البيروقراطى يتضمن بالضرورة جانباً طفيلياً فى صميم تكوينة ، جانب المضاربة واستخدام ملكية الدولة للمصالح الجزئية للأفراد والمجموعات والشلل ، مما يفتح الباب للتسلل الاستعمارى ، وهذا الجانب الطفيلى يزداد بروزاً كلما قطع نمو الرأسمالية أشواطاً بعد إرساء أسس البناء الرأسمالى ومواجهة الازمة الاقتصادية للرأسمالية التى لا فكاك منها ، ويتجه جزء من هذه البيروقراطية متحولا الى قطاع رأسمالى خاص أو الى الالتحام بالقطاع الخاص متطلعاً الى الغرب ، وحتى داخل الاتجاه السائد الذى يضع مصالح مجموع الطبقة ومتطلبات نموها فى المحل الاول ، يستفحل اتجاه يعمد الى حل مشكلات التسويق والازمة ومواجهة الجماهير الشعبية بالدخول فى علاقات مشاركة مع الامبريالية العالمية داخل نطاق رأسمالية الدولة نفسها .
ان البرجوازية البيروقراطية تبنى اقتصاداً رأسماليا فى عصر إضمحلال الرأسمالية العالمية وبالاضافة الى تناقضاتها القاتلة الناشئة عن طبيعتها الاستغلالية والطفيلية ، وعن أزمة نموها .
لذلك نرى ان احتمالات الردة الوطنية وظهور قنوات مختلفة للإتصال بهذه الكتلة أو تلك من الكتل الامبريالية المتناقضة تتزايد ، وفى نهاية منعرجات السياسة التهادنية التى لا تستبعد حدوث مساومات عالية الصوت ، ومناوشات نظامية مسلحة مع اسرائيل وبيانات شديدة اللهجة موجهة ضد الاستعمار الاميركى . يلوح الارتباط بالاستعمار العالمى نتيجة حتمية للنمو التلقائى للرأسمالية المصرية ، وهو ارتباط يختلف عن العمالة القديمة .
ومن هنا يصبح التناقض بين الجماهير الشعبية والبيروقراطية الحاكمة على المدى الاستراتيجى وثيق الاتصال بالتناقض بين الجماهير والامبريالية العالمية . ولا يمكن القول بأننا ازاء نوعين مختلفين من التناقضات .
ان الحركة الوطنية لا تستطيع لكى تتجاوز المأزق الذى تضعها فيه القيادة البرجوازية الا أن تضع على عاتقها منذ البداية مهمات معادية للرأسمالية ولا يتحقق الانتصار لهذه الحركة فى بلادنا وفقاً لاوضاعنا الخاصة إلا بالتطويح النهائى بالنظام الاقتصادى للرأسمالية .
ويؤدى ذلك بنا الى القول بأن طبيعة التحالف الاستراتيجى فى بلادنا يختلف عن نموذج البلاد التى تمر بمرحلة الثورة البرجوازية).*
-----------------
*مقتطف من وثيقة حول سلطة البيروقراطية البورجوازية -- بقلم شيوعى مصرى 1970.


-2-
هزيمة يونية عام 1967
( لم تكن الهزيمة بالنسبة للطبقة ، التى حاولنا ان نقدم الخطوط العريضة لملامحها ، حدثا مستغرباً . ان مصالحها المتناقضة مع الاستعمار ، والتى تدفعها فى نفس الوقت الى قطع الطريق امام القوى الشعبية والثورية ، تضعها دائما ًفى مأزق . وأن التغير فى الوضع العالمى ببروز اتجاهات المراجعة فى القيادة السوفياتية تسلب منها ورقة ضخمة من اوراق المناورة واللعب على الحبال . وهكذا وضعت الهزيمة هذه الطبقة عند منعطف جديد .
انها لا تستطيع مواصلة السير بنفس الطريقة القديمة ، وقد جاءت الهزيمة وهذه الطبقة على وشك تحقيق اهدافها الاساسية من الناحية الاقتصادية . فقد كانت بصدد استكمال فترة الانتقال ، فترة خلق الحد الادنى من هيكل رأسمالى حديث ، ورسوخ اقدامها وتبلورها كطبقة . وهى الآن قد انجزت مهمة ارساء هذا الهيكل وبدأت امامها مشكلات جديدة ، مشكلات رأسمالية نامية .
ان عناصر الازمة التى كانت مستترة فى فترة البحث عن رؤوس اموال للتنمية ، والوثوب الملائم الى مواقع كان يحتلها رأس المال الاجنبى او كبار الملاك أو الرأسمالية التقليدية ، بدأت فى البروز كمشكلات التسويق واختلال التوازن . وهى بعد ان احكمت قبضتها على السلطة السياسية منفردة ، وعلى الاقتصاد ، لابد ان تسعى جاهدة للبحث عن حرية للحركة فى السوق الاستعمارية وعن المشاركة بها . فهى ليست على استعداد فى حل تناقضاتها مع الاستعمار الى اعطاء القوى الشعبية اى دور فى المعركة . لان معنى ذلك التنازل عن احتكارها للسلطة وانخفاض ارباحها .
فهى بدلا من ذلك تبحث فى شبكة العلاقات المحيطة بها عن تسويات وانصاف حلول مع القوى المعادية . فهى قد تهادنت مع الرجعية واطلقت يد فيصل فى اليمن والخليج العربى وتحمى ظهر حسين ، وتعد العدة للإعتراف الفعلى باسرائيل وبحدودها الامنة مقابل الانسحاب ، كما بدأت فى توجيه الضربات للثورة الفلسطينية التى تشكل بكل نواقصها منطقاً جديداً فى مواجهة الاستعمار والصهيونية ، منطق الحرب الشعبية .
انها تعتبر الاستعمار الاميركى ليس العدو الاول فى المنطقة ، بل تعتبر كل وزره قاصراً على مساندة اسرائيل . وهى تصور تهادنها معه على انه نوع من استخدام التناقض بينهما ، انها تتعهد للاستعمار الاميركى بالمحافظة على مصالحه فى العالم العربى مقابل ان يضغط على اسرئيل للانسحاب ، واصبحت المعركة تعنى الجيش النظامى فحسب ، استيراد اسلحة والتدريب عليها لاعطاء مركز اقوى فى مفاوضات الحل السلمى .
لا يمكن الوصول مما سبق قوله الى ان البورجوازية البيروقراطية قد فقدت كل اساس للتناقضات مع الاستعمار الاميركى او الاستعمار العالمى ، فمصالحها ما زالت متناقضة مع الاستعمار . ولكن ما يبدو الان جديدا هو وزن هذا التناقض والطريقة التى تمارس بها البورجوازية المصرية حله. هل أصبح هذا التناقض هو العامل الحاسم فى توجيه سياستها وهل طريقة حله فى الوضع الحالى تدفع الثورة الى الامام او تضع امامها العراقيل ؟ والواقع لقد أصبح العمل من أجل عزل الخط السياسي والفكرى والتنظيمى لهذه الطبقة عن قيادة الجماهير شرطاً ضرورياً لمواصلة المعركة ضد الاستعمار واسرائيل) .*
-------------
* المصدر السابق .
-3-
حول مد فترة وقف اطلاق النار
تتجدد فترة اطلاق النار ، فى الوقت الذى ما تزال فيه البورجوازية البيروقراطية تدعى بأن قبول ( المبادرة ) الامريكية كان تكتيكا بارعا من الرئيس الراحل ، وأن الاستعداد يجرى على قدم وساق لتحرير الارض السليبة بالقوة العسكرية تحقيقاً لمبدأ ( ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ) . فما الذى يبرر تجديد وقف اطلاق النار؟ وفى الواقع فان هذا السؤال يفترض سؤالا يسبقه هو لماذا قبلت السلطة المصرية وقف اطلاق النار منذ ثلاثة شهور ؟. وان الاجابة على هذا السؤال لتشرح طبيعة مواقف هذه السلطة بوضوح تام .
تزعم البورجوازية البيروقراطية منذ النكسة ان امامها طريقين : الحل السلمى , والحل العسكرى , وهى تروج لفكرة ان محاولات الحل السلمى ينبغى ان تباشر بنشاط , وعلى أوسع نطاق برغم أن فرصته ضئيلة ان لم تكن مستحيلة الامر الذى يضع الحل العسكرى كطريق وحيد . ان هذه الفكرة تزيف الواقع وتزيف الحقيقة ، ذلك لان البورجوازية البيروقراطية قررت منذ البداية ان ( الحل السلمى ) هو طريقها الوحيد ، لان المواجهة المسلحة الحقيقية والجادة الجديرة بالظفر ضد الاستعمار تفترض اللجوء الى جماهير الشعب المصرى وتسليحها لتواجه اعداءها بينما ترفض هذه السلطة أى اسهام جماهيرى بل تعمل على قتل أى مبادرة جماهيرية ثورية ظنا منها بأن هذه الجماهير ( ان هى فشلت بالسلاح ) فسوف تعمل على تحرير نفسها من اعدائها فى الخارج وفى الداخل ، بينما الواقع ان جماهيرنا ترغب فى هذه الظروف وقبل كل شئ تحرير ارضها من الغزاة الصهاينة وحماية مكاسبها القومية وتوسيعها فى مواجهة الاستعمار الامريكى الذى يعمل بشراسة على استعادة مصر بالكامل الى الحظيرة الاستعمارية – ان البورجوازية البيروقراطية لا تجرؤ على دعوة الشعب المصرى للمشاركة فى الكفاح المسلح , ولكنها فى نفس الوقت لا تجرؤ على المواجهة المنفردة . فرغم المساعدة السوفيتية الضخمة فى العتاد الحربى وفى الخبرة العسكرية الفنية فانها تقدر القوة العسكرية الجبارة التى يمثلها الاستعمار الامريكى والتى لا تستطيع القوات النظامية المتخلفة فنياً وذات الكفاءة القتالية المنخفضة على الوقوف امامها . ان البورجوازية البيروقراطية لا ترغب فى دخول حرب مع الاستعمار الامريكى واداته اسرائيل ، وكم رفعت شعار ( عدم التناطح رأسا برأس مع الثور الامريكى الهائج ) . وهى تعلم جيداً انه اذا كان يجوز كتجارة كلامية الزعم بالعمل على تحرير فلسطين قبل النكسة فانه لا يجوز الان عن تحرير سيناء والقدس والجولان الا كتجارة كلامية أيضاً .........
إن ادراكها لواقع ميزان القوى العالمى ولقوة الاستعمار الامريكى يدفعها الى انتهاج سياسة متهادنة وليس الى دعوة الشعب للكفاح المسلح . فمنذ قبلت البورجوازية البيروقراطية وقف اطلاق النار غير المشروط فى 8 يونيه 67 وقد قررت الابتعاد عن الطريق غير المأمون ، فما بنته فى خمسة عشرة عاما تحطم فى ايام قليلة ، فقررت السير فى طريق المساومات والمفاوضات وبالتالى قبلت قرار مجلس الأمن الاستسلامى التصفوى وهادنت الرجعية العربية على طول الخط منذ مؤتمر الخرطوم وبذلت كل المساعى والمفاوضات والمساومات حيث ان الرئيس الراحل أقدم على تنازل خطير للغاية بتوجيه النداء الشهير الى نيكسون مطالباً بالسلام مع اسرائيل والاستعمار الامريكى ثم ما ترتب على ذلك النداء من ( المبادرة ) الأمريكية وقبولها .
وربما أمكن القول ان نجاحا نسبياً قد تحقق بفضل الأصدقاء السوفييت فى ايقاف غارات العمق . ولكن الموقف الدفاعى الذى بدأ من اللحظة الاولى فى 5 يونيو 1967 مستمر حتى الان ولا بديل له لانه طويل شديد الطول . فهل نطلب من السلطة التى تواجه استحالة التحرير بالقوة ان تقدم على هجوم انتحارى ؟ ان البيروقراطية تسم المطالب المخلصة بانتهاج طريق ثورى لتحرير اراضينا السليبة بالتهم الغليظة منها والطفولة التى تدفع الى الانتحاروالحرب الثورية والهجوم قبل الاستعداد الكامل ، وتدعى فى المقابل بأنها تبنى الجيش بأعصاب باردة وحين يكون الانتصار مضموناً مائتين فى المائة فسوف تكون ساعة الواجب الاعظم قد حانت . ولكن متى تحين تلك الساعة ؟ ان هذا سراً بيروقراطياً وبالاحرى ان ذلك ليس الا خداعا انطلاقاً من ابعاد الشعب عن ( المشكلة ) البورجوازية الخاصة لتحلها بوسائلها ( هى )
ان افتراض ساعة صفر كهذه لابد أن يقترن بجهود عظيمة تبذل فى كل لحظة فى هذا الاتجاة بالذات ، ولكن البورجوازية البيروقراطية لم تجرؤ منذ الهزيمة على استدراج العدو الى داخل البلاد وسارعت الى قبول وقف اطلاق النار غير المشروط ثم انها امتنعت بحجة قلة السلاح ، عن تدريب ابناء الشعب الذين لم يكفوا لحظة عن المطالبة بالمشاركة بل عمدت الى خداعهم بشتى الطرق والوعود حول التسليح والتدريب والجيش الشعبى ومهزلة لجان المواطنين من أجل المعركة ، ثم انها ركزت القسم الاساسى من دعايتها على السلام مع الاستعمار الامريكى وانتهجت اساليب اجرامية فى تزييف حقيقة الحلف الامريكى – الاسرائيلى والحقيقة الاستعمارية للولايات المتحدة بدلا من شن حرب فكرية تكشف واقع الاستعمار الامريكى وسياساته ومخططاته وتهاجم مؤسساته الثقافية والاعلامية التى تتخذها دوما ركائز عظيمة الاثر ، ثم قبلت قرار مجلس الامن وقبلت المبادرة الامريكية التى أتاحت الفرصة امام الرجعية الاردنية لشن حرب التصفية والإبادة ضد الثورة الفلسطينية , وتركت لاسرائيل حرية تدعيمها عند اللزوم والتفرغ للمقاومة وتحصين مواقعها المسلحة خصوصاً فى سيناء بالاضافة الى ما فى قبول المباردة من تقوية وتدعيم وتأييد للسياسة الامريكية المجرمة . ولكن ماذا كسبت مصر وكسب العالم العربى من هذه المبادرة المزعومة ؟ ليس ثمة غير الخسائر الفادحة . والبورجوازية البيروقراطية انما تبرهن بهذه الخطوة الجديدة ، خطوة مد وقف اطلاق النار ، اصرارها الجبان على السير فى طريق الركوع امام اسرائيل والاستعمار الامريكى ، اتساقا مع طبيعتها البرجوازية التى تتسم بالوقوف عند منتصف الطريق وعدم الاستعانة بالشعب او الثقة به او التعاون معه .
على اى اساس تفاوض البورجوازية البيروقراطية ؟ انها تفاوض على اساس من المصالح الضيقة والانانية للبورجوازية البيروقراطية فى مصر . ان هذه الاساليب والنتائج التى تترتب لتتناقض بالتمام مع المصالح الاساسية للشعب المصرى والشعب الفلسطينى والشعوب العربية الاخرى لا سيما الشعبين السورى والاردنى . ان البيروقراطية لا تساوم على أساس مصالحنا القومية مطوعة الأهداف القريبة للأهداف البعيدة ولكنها تساوم على أساس مصالحها ( هى ) . .. متخلية عن المصالح القومية الكبيرة مطوعة إياها لمصالحها الطبقية الانانية . ولكن الجهاز الديماغوجى للبيروقراطية وقع لدرجة تشبيه صلحها الشنيع هذا بصلح برست ليتوفسك محاولة تزيين نفسها امام ابناء الشعب الثوريين , ولكن الفرق الجوهرى بين الصلحين هو أن صلح برست كان من إملاء مصلحة الجمهورية السوفيتية الفتية التى كان من المؤكد أن يقضى عليها لولا هذا الصلح الذى اضطر اليه مقاتلون شديدو البأس بدأوا بعد الصلح بشهور قلائل كفاحهم البطولى الذى ضحوا فيه بسبعة ملايين انسان سوفييتى . كان صلح برست الذى وصفه لينين بـأنه صلح تعيس لصوصى بشع ، كان مع ذلك متجاوبا مع المصالح الاساسية للشعب السوفيتى اما صلح بيروقراطيتنا هذا فما ابعده عن مصالح شعوبنا الاساسية وما اشد تناقضها معه . ان المساومة ليست محرمة عند الثوريين ولكن المسألة هى التمييز بين مساومة الثوريين المبدئية وبين مساومة المتهادنين المستسلمين غير المبدئية والتى تكشف عن جبنهم وتخاذلهم وتراضيهم . ان اساس المساومة هو الذى يقرر ايضاً لصالح اى طرف يكون الصلح . ان ( الحل السلمى ) المزعوم هو بالتأكيد لمصلحة اسرائيل والاستعمار الامريكى وليس بحال من الاحوال لمصلحة الشعوب العربية .
ولنقف هنا عند مسألة الحل السلمى هذا ... اى حل سلمى !! فى الواقع تتناقض المصالح الامريكية مع مصالح شعوبنا تناقضاً أساسياً متزايد الحدة ولا علاج لهذا التناقض غير حرب تحرير شعبية طويلة الامد ليست بعيدة عن التصور, بل لقد اندلعت الالسنة الاولى للهيبها فى فلسطين ، فهل يمكن ان يحل مثل هذا التناقض حلاً سلمياً ؟ بالطبع مستحيل ذلك – ولكن البورجوازيات العربية تقطع الطريق امام الكفاح المسلح , وتعترض سبيله بكل الوسائل بينما تعجز هى بقواتها النظامية ان تقوم بالدور . من هنا فان شعور الجماهير العربية بهذه العقبة البورجوازية يتزايد ولابد من عزل هذه الأغلال الثقيلة ، ان البورجوازية المصرية تقتل اليوم ( المبادرة ) الوطنية الثورية للجماهير المصرية وتقطع عليها طريق النضال المسلح ضد الاحتلال الاسرائيلى وضد الاستعمار الامريكى ولهذا تجد الجماهير المصرية نفسها امام مهمة ملحة هى التخلص من قيادة سلطة البورجوازية البيروقراطية للجماهير فكرياً وسياسياً وتنظيمياً وتعبئة الجماهير الشعبية على اساس منطق اخر هو منطق الكفاح الشعبى المسلح النشيط والمنسجم ضد الاعداء .
ينبغى اذن ان نشق طريقنا فى مجرى نضال قاسى شاق طويل ، نابذين الى الابد الاوهام البورجوازية البيروقراطية ، ان البورجوازية أثبتت انه لا يعتمد عليها بالمرة وبالتالى يقتضى الواجب الثورى نبذ الاوهام التى تروج لها بادعائها الالتزام بالمبدأ الذى اعلنته على لسان الرئيس الراحل ( ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة ). هذا هو الاستنتاج المبدئى الذى ينبغى العمل على اساسه . ولكن هذا النضال المستقل يقتضى خلق جبهة متحدة ويقتضى خلق جيش شعبى قوى فى مجرى النضال وهذه أمور استراتيجية طويلة المدى لا تمتلك اى تأثير على مجرى الامور فى الوقت الحالى ، بل ان الاخطار لتحيط بالقوى الشعبية جميعاً نتيجة ( للحل السلمى ) المزعوم ... فما العمل ؟
يقتضى الواجب الثورى ان نعمل بنشاط على التشهير بالبورجوازية البيروقراطية ونشرح طبيعتها البورجوازية الانانية الاستسلامية للجماهير المصرية والعربية . يقتضى الواجب الثورى ان ترمى الجهود المثابرة النشيطة الى الضغط المتزايد على البورجوازية البيروقراطية لاجبارها على نبذ (ان جزئيا أو تدريجياً ) الطريق الذى تسير فيه بسحب قبول قرار مجلس الامن وسحب قبول المبادرة الامريكية وعزل القوى الرجعية والعميلة فى مصر, والرجوع عن وحدة الصف مع عملاء الاستعمار الامريكى فى المنطقة العربية , وتدريب الشعب على السلاح مع نبذ تهريج لجان المواطنين من اجل المعركة , والمطالبة بتسليح الشعب والعمل الجاد على الاستعداد لنضال مسلح لا محيد عنه , وتوفيرالجو الديمقراطى الملائم , ورفع الوصاية عن الصحف والاتحادات والروابط والنقابات والجمعيات وكفالة حريات التعبير والتظاهر والتنظيم ........ الخ ، يقتضى الواجب الثورى المطالبة بالمساعدة الجادة للمقاومة الفلسطينية والوقوف ضد محاولات القضاء عليها من جانب الرجعية الاردنية العملية .
وفى الوقت الذى نناضل فيه ضد الانتهازية اليمينية والرجعية وخط المراجعة ينبغى ان ننأى بأنفسنا عن الموقف ( اليسارى ) الطفولى . ان تعقيد الامور ونفاذ الصبر ازاء مواقف البورجوازية البيروقراطية والرغبة فى التخلص منها كعقبة تعترض طريق الكفاح المسلح ، كل ذلك يتسبب فى ظهور بعض الشعارات الخاطئة ذات الطبيعة ( اليسارية) الطفولية . ومن أسوأ هذه الشعارات ذلك الشعار الذى ينادى بالانهزامية القومية امام الاستعمار الامريكى واسرائيل بحجة ان العدو المكشوف خير ألف مرة من العدو المستتر الذى يجيد بخبث بالغ اخفاء طبيعته كعدو للشعب . ان هذا الشعار الخاطئ استورده حاملوه دون اعتبار للأوضاع التى طرحته . فالانهزامية القومية التى دعا اليها الشيوعيون الألمان واليابانيون فى بلادهم الفاشية هو الشعار الصحيح فى مواجهة الحروب العدوانية غير العادلة التى كانت البورجوازيتان الفاشستيتان تشنانها ضد شعوب الارض كلها ، ولقد كانت هزيمة المانيا واليابان مطلباً ثورياً عظيماً أساسياً للشيوعيين الالمان واليابانيين . لهذا كانت الاممية متناقضة مع الوطنية فى تلك الظروف التاريخية . أما فى ظروفنا نحن – ظروف التحرر الوطنى – فان الجمع بين الاممية والوطنية هو واجب ثورى وكما يقول ماوتسى تونج : ( فالوطنية اذن هى فى الواقع تطبيق عملى للاممية فى حرب التحرر الوطنى ) ( دور الحزب الشيوعى الصينى فى الحرب الوطنية عام 1938 ، المؤلفات المختارة ، المجلد الثانى ). من هنا ينبغى ان يتحدد بحسم موقفنا بتأييد اى خطوة تخطوها البورجوازية البيروقراطية ضد اسرائيل والاستعمار الاميركى ، ومن ثم بالعمل الشامل على تفادى كارثة التسوية السلمية التى تسعى سلطة البورجوازية الحاكمة الى الوصول اليها .
لا ينبغى ان نقع فى التبسيط ( اليسارى ) الطفولى الخاطئ للامور بالاعتقاد بان حلول الاستعمار الاميركى محل البورجوازية البيروقراطية المصرية سوف يدفع بالثورة المصرية الى الأمام ضد أ‘عداء مكشوفين وواضحين كالشمس ، بل ينبغى ان يرتكز موقفنا على الدراسة العلمية للوضع الراهن حتى لا نقع فى هذا الخطأ . فما هو جوهر الوضع الراهن ؟

يتحدد الوضع الراهن أساسا بان حرب 67 غير العادلة والعدوانية والاجرامية التى شنتها اسرائيل على البلدان العربية كانت امتداد للسياسة الامريكية الاستعمارية التى تهدف الى استعادة البلدان التى خرجت بها انظمتها الجديدة ، الى هذا الحد او ذاك ، من الحظيرة الاستعمارية الى نفس الحظيرة استعادة شاملة عن طريق الانقلابات والتدخلات فى شتى أنحاء ( العالم الثالث ). ان تجربة هذه السلسة الطويلة من السياسات الاميريكية برهنت على ان تحقيق الهدف الاميركى محقق ومؤكد ما لم تبادر القوى الثورية لالحاق الهزيمة بالمؤامرات الاستعمارية . لقد نجح الاستعمار الاميركى بفضل قوته الاستعمارية الضخمة ويفضل تحالفاته وركائزه وبفضل قلة التماسك والانسجام والجذرية فى سياسات البورجوازية المحلية وبفضل السياسة المتراجعة السوفييتية المتهادنة ، ونجح فى تحقيق اهدافه المضادة للثورة وهو يهدف الى ان يكون سقوط مصر النهائى فى يده تتويجاً للنجاحات الاستعمارية الاميركية الاستراتجية . لقد قررت ظروف خاصة بمصر منها قوة القيادة الناصرية والمساعدة السوفييتية الضخمة اقتصاديا وسياسيا وديبلوماسييا فشل محاولات الانقلاب وكان لابد من التدخل العسكرى غير المباشر مراعاة لاعتبارات دقيقة فى المنطقة العربية ، ومن هنا كان العدوان الاسرائيلى ضرورياً .
وما أبعدها عن الحقيقة تلك التفسيرات التى تقتصر على الاهداف التوسعية لتفسير العدوان . وتقول الدعاية الناصرية ان النجاح الاسرائيلى العسكرى لم يستتبع نجاحا سياسياً لتحقيق أهداف العدوان . وهذا القول ليس باطلا كله وليس صحيحاً تماماً فهو محق فى ان الاستعمار الاميركى لم ينجح بعد فى تصفية المكاسب القومية فى مصر وخلق نظام تابع له . ولكنه يخفى بمهارة طبيعة السياسات التى تتبناها البورجوازية البيروقراطية فى مواجهة الاطماع الاستعمارية .
ما تزال البورجوازية البيروقراطية ( واقفة) امام العاصفة الاستعمارية بفضل المساعدات السوفيتيية الضخمة . ولكنها بعيدة عما تدعية لنفسها من ثورية شديدة ، بل انها تبرهن فى كل لحظة على تراخيها وتهادنها واستسلاميتها وتخليها عن الثورة الفلسطينية وهذا مما سيعرضها للسقوط بسرعة . ويمكن القول بان صراع موت او حياة تشترك فيه اطراف معينة تدور رحاه الآن فى المنطقة العربية وسوف تقرر نتيجة هذا الصراع ميزان القوى فى المنطقة على المدى الطويل ، وصراع الموت او الحياة هذا ينزلق بالبورجوازية البيروقراطية المصرية فى طريق الهلاك بسبب سياساتها غير الحاازمة وغير الثورية .
ويبدو ان الاستعمار الاميركى قد قرر نهائياً ولا سيما فى الظروف الحالية ان يستبعد اية تسوية عاجلة وان يعتبر ان الشرط الطبيعى لاى تسوية هو تبديل الاوضاع فى مصر بالذات ( وأيضاً فى بقية البلدان العربية ذات الصلة الوثيقة بالمشكلة الحالية ). ان العراقيل التى وضعتها الولايات المتحدة امام مبادرتها هى لتدل على تبنى التاكتيكات المختلفة من أجل هدف واحد : السيطرة السياسية والاقتصادية . وان موت عبد الناصر فرصة ملائمة أمام الاستعمار لتشديد العمل على استعادة مصر الى الحظيرة الاستعمارية هذه المرة . وسقوطها فى ايدى امريكا سوف يكون كارثة ضخمة وخسارة فادحة وسوف تزداد قوة الاستعمار الامريكى فى المنطقة العربية بمثل هذا السقوط اضعافا مضاعفة . ولكن هل يمكن تفادى هذه الكارثة ؟ ان النضالات التى تقوم بها الجماهير المصرية والعربية بقيادة البروليتاريا هى وحدها التى تستطيع ان تجيب بالايجاب على هذا السؤال . بينما تجيب السياسات البورجوازية البيروقراطية بالسلب بالتأكيد لانها لا يمكنها القيام وحدها بدور التصدى والمواجهة للاستعمار ولا يمكنها أن تنسى طبيعتها البورجوازية وتفتح الطريق امام الشعب ، طريق النضال المسلح . ان المصير يتوقف على الشعب وحده ، وعليه ان يقوم بدوره دون انتظار الفرمان الرسمى بالسماح له ذلك . وتكذب سلطة البورجوازية البيروقراطية كعادتها عندما تحاول اقناع الجماهير المصرية بتأجيل عدد من تناقضاتها معها مراعاه لظروف الاحتلال الاسرائيلى الذى تدعمه أمريكا . ينبغى نبذ هذا الاستناج البورجوازى البيروقراطى فهو يتناقض مع استنتاجنا الثورى القائل بأن التأييد المشروط للجانب المعادى للاستعمار داخل السلطة انما يتأكد فقط بالنضال ضد الجانب الرجعى للثورة . فالاستنتاج الذى نستخلصه اذن هو انه ما من شئ يحول بيننا وبين شن النضالات الحازمة ضد البورجوازية البيروقراطية وان التحالف معها انما هو فى الظروف الحاضرة انزلاقا الى موقف ذيلى والمشى ورائها فى طريق التهادن مع الاستعمار الامريكى واسرائيل .
ان الاستعمار الامريكى يشدد هجمته فى الوقت الحاضر على بلادنا وان اطماعه باستعادة مصر وعدد آخر من البلدان العربية الى الحظيرة الاستعمارية الامريكية هذه المرة نجد تجسيدها فى السياسة الامريكية فى المنطقة التى وجدت فرصة نادرة فى الظروف الحالية لتركز كل جهودها للقيام بانقلاب امريكى فى مصر وهى تدرك أن مثل هذا الهدف يحتاج لوقت طويل وجهود كبيرة قررت نهائياً فيما يبدو من تحقيق هذا الهدف . وان واجبنا الثورى لقتضى منا ان نمنع هذه الكارثة ، واننا نعتقد ان سياسة البورجوازية البيروقراطية لا تمنع هذه الكارثة ، بل فقط تؤجلها لبعض الوقت تاركة لمقدراتها فرص الاستفحال ، ومن هنا فان العمل المستمر من أجل ابراز المطالب الوطنية والديمقراطية الثورية وحشد أوسع الجماهير وراءها مسلحة بالأشكال التنظيمية الملائمة للمرحلة هو الطريق الى تفادى هذه الكارثة .
- اكتوبر 1970-
-4-
لننهض بثبات بمهامنا من أجل حرب تحرير شعبية
لا يحكم خط البورجوازية الاستسلامى فى حل المسألة الوطنية رغبات واختيارات افراد السلطة الحاكمة ، بل ان السلطة تسير فى هذا الطريق استجابة لقوانين التطور الموضوعية التى تحكم حركة الرأسمالية المصرية فى مرحلة انحدارها فى عصر انهيار الراسمالية والامبريالية العالمية . ولقد خطت الطبقة الحاكمة خطوات واسعة على طريق الاستسلام الوطنى منذ الهزيمة فى عام 1967 وحتى الآن ( قبول وقف اطلاق النار بغير شروط – الموافقة على قرار مجلس الامن الاستسلامى – الوقوف صفا واحدا مع الرجعية العربية فى مؤتمر الخرطوم واطلاق يد الملك فيصل فى اليمن – قبول مبادرة روجرز – التواطوء على تصفية المقاومة الفلسطينية – وقف حرب الاستنزاف وتقديم المبادرة المصرية وهى نسخة مصرية من مبادرة (السلام) الاميركى – سحق الانتفاضة الديمقراطية الثورية فى السودان والتواطؤ على المذبحة التى استهدفت تصفية الحزب الشيوعى السودانى والحركة الديمقراطية الثورية فى السودان – تشديد القبضة البوليسية على حركة الجماهير الشعبية المصرية بجناحيها العمالى والطلابى التى شهدت نهوضاً ثورياً فى أعوام 68-70-72-73- سن القوانين المعادية للحريات مثل قانون الوحدة الوطنية – ( الوقفة الموضوعية ) مع الاتحاد السوفيتى وطرد الخبراء فى سياق مهادنة الامبريالية والخضوع لشروطها – توثيق العلاقات مع الرجعية العربية ومناهضة حركات الكفاح المسلح فى الخليج – جملة السياسات الاقتصادية التى تستهدف ربط الاقتصاد المصرى بالسوق الرأسمالية العالمية – الانتساب للسوق الاوروبية المشتركة – قوانين تشجيع رؤوس الاموال الاستعمارية – السياسية الاقتصادية الجديدة ).
هذه فقط علامات بارزة على طريق الاستسلام الوطنى على سبيل المثال لا الحصر . ولكن النظام المصرى قد فاجأ فى 6 أكتوبر حتى أشد المتحمسين له بإستخدامه تكتيكا عسكرياً كان مستبعداً فى اطار التسوية السلمية . فما هو المغزى الحقيقى وراء حرب 6 أكتوبر ؟ هل يمكن أن يقفز النظام بكل هذه الخفة خارج علاقات القوى الطبقية القائمة ؟.
ان هذه الحرب لا يمكن ان تفهم الا كمسعى عسكرى ( من أجل التوصل الى التسوية السلمية ) مع قوى العدوان الامبريالى ... وفى نفس الوقت لا يمكننا الاعتماد على هذا التحديد العام اذا أردنا ادراك مغزى استخدام البرجوازية للأسلوب العسكرى فى هذا التوقيت وبهذا الحجم من أجل اتمام صفقتها .
واذا كان ( المسار العام ) للتناقضات يدفع بالبورجوازية المصرية فى اتجاه التبعية للامبريالية الامريكية ( المختلفة عن التبعية القديمة ) فإن إقدام النظام المصرى على هذه الخطوة المحددة – حرب السادس من أكتوبر – لا يعنى ان ينتج عن ذلك اعادة ترتيب كيفى للتناقض بين الامبريالية الاميركية والبرجوازية المصرية ، والتى تمسك الامبريالية بزمامه وتحركه تجاه مصلحتها بالأساس ( ينبغى الا يغيب عن بالنا أن ثمار هزيمة النظام سقطت ، وتسقط فى فم الامبريالية . إن ما يدفع البرجوازية المصرية فى اقدامها على حرب 6 أكتوبر ، هو تفاقم أزمتها ، واحتدام القضية الوطنية بصورة متعاظمة ، لدرجة تهدد استقرارها السياسى كطبقة حاكمة فى الوقت الذى تمارس فيه الامبريالية تشددها واذلالها للنظام مستهدفة انضاج شروط الاستسلام ، بالاضافة الى وقوف الاطماع الاسرائيلية الخاصة حائلاً أمام البرجوازية المصرية ، تمنعها من اتخاذ خطوة جديدة فى طريق تحريك الازمة ....
لقد أقدمت الطبقة الحاكمة على حرب 6 / أكتوبر لابإعتبارها حرب تحرير وطنية ضد الامبريالية العالمية ، وأنما كتحريك عسكرى للأزمة . انها تقدم على هذه المواجهة العسكرية واضعة فى حسابها بشكل اساسى نطاق هذه المواجهة والمدى الذى تستطيع الوصول اليه فى اطار علاقات القوى الراهنة . فمن ناحية توجد نقاط التقاء موضوعية بين النظام المصرى والامبريالية الامريكية ماثلة فى صميم تركيبه الطبقى – كنظام رأسمالى – وتعكسها سياسة الاستسلام الوطنى بكامل تفاصيلها ، ومن ناحية اخرى نجد النظام يعتمد على الدعم السوفييتى الهائل الذى مكنه ويمكنه من الشروط المادية والتكتيكية لبناء القوات المسلحة – رغم أن هذا الدعم أيا كان حجمه فانه لا يستطيع ان يغير من المسار العام للنظام المصرى فى اتجاه الامبريالية ، ولكنه لن يفعل سوى تحقيق ذلك بشروط أفضل ، رغم كل ( الأمنيات الطيبة ) التى يحملها الاتحاد السوفيتى للشعوب العربية ، ومن ناحية ثالثة تحاول البرجوازية تصريف طاقات ومبادرات الجماهير المعارضة لاتجاهها الاستسلامى فى قنوات العداء القومى لدولة اسرائيل باقدامها على هذه المواجهة العسكرية وتصويرها على انها المعركة الفاصلة .
لقد وجهت البرجوازية المصرية هذه الضربة العسكرية الى اسرائيل فى حدود المسافات الاخرى للخطوط المصرية – حتى الان – لتضرب بها الاطماع والتعنت العنصرى الذى يقف حائلا دون اتمام التسوية السلمية ، وفى نفس الوقت لقطع الطريق وتفويت الفرصة – كما تظن – على الحركة الوطنية الشعبية المتصاعدة .
ان هذه الخطوة التى أقدمت عليها البورجوازية – فى اطار المسار العام – والتى تعتقد اانها حلاً للخروج من مأزقها ... لا يمكن أبدا فى ظل علاقات القوى الراهنة وتحت قيادة البرجوازية ان تتجاوز حدود تدعيم مركزها .
والآن ما هو الموقف المبدئى الذى يمليه علينا اندلاع حرب هى ضمن استراتيجية التسوية السلمية فى الاطار البرجوازى ؟
أولاً : ان إدراكنا وفهمنا لمغزى الحرب وادراكنا وفهمنا لحقيقة وجود أسلوبين لحل المسألة الوطنية ... اسلوب الاستسلام الوطنى ، واسلوب حرب التحرير الشعبية ، يمنعنا من الانزلاق لمستنقع التأييد الذيلى للبرجوازية ، متواطئين مع مصالحها الطبقية الانانية ضيقة الافق وذلك على حساب المصالح المباشرة للطبقات الشعبية والامانى القومية للشعوب العربية وخصوصاً الشعب الفلسطينى ...ذلك التأييد الميكانيكى احادى الجانب ، لقتال القوات المسلحة المصرية بكل بطولات أفرادها وتضحيتهم من أجل الوطن ، يوقعنا فى التأييد الشائن لمجمل السياسات الاستسلامية والتى تتعامل مع الاشتباك العسكرى كأحد الخطى فى السعى المحموم فى طريق الاستسلام للأمبريالية .
إن التأييد الذيلى للبرجوازية الوطنية ( ابدا) يلحق الحركة الثورية بالبرجوازية لينتهى بها الى مواقع الانتهازية اليمينية وخيانة مصالح الطبقات الشعبية فى التحرر الوطنى والطبقى .
ثانياً : ان ادراكنا وفهمنا للهدف النهائى الذى تقود اليه البرجوازية العمليات العسكرية من زاوية مهادنتها للامبريالية واستسلامها لها من جهة ، وعلاقتها القمعية بحركة الجماهير الشعبية من جهة أخرى يحول دون الوقوع فى براثن الانهزامية القومية والتى ينتظر اصحابها الخلاص من البرجوازية المصرية على يد البرجوازية الاستعمارية تحت شعارات ( دع الامور تصنع ) و (النضال ضد عدو واضح خير من النضال ضد عدو مقنع ) . تلك الشعارات والمواقف الخاطئة العاجزة التى تسوق الى العزلة وغير الجديرة بان تكون شعارات ومواقف القوى الثورية التى تنطلق من التحليل الملموس للأوضاع الطبقية المحلية والعالمية ، ومن ادراكها لذاتها كطرف موضوعى فى الصراع .
ان الموقف المبدئى اذا هو الذى يدرك الخصوصية ويمسك فى يده التعقيد الكامل للمسألة ويحله فى نفس الوقت مدركا الاتجاه الصحيح للحركة فى أعقد اللحظات .
واذا كانت الطبقة البرجوازية الحاكمة تطبع المسألة الوطنية بطابعها وتعمل على ( خرطها) فى سياق سياستها ومصالحها الطبقية ، الأمر الذى يهدد المصالح الوطنية والديمقراطية للجماهير الشعبية . فان من واجبنا ان ننهض بمهامنا فى النضال الوطنى المنسجم الذى يستهدف التحرر الحقيقى للوطن ، أى النضال ضد التبعية للمصالح والسياسات الامبريالية والرجعية وضد العنصرية الصهيونية الاستعمارية ، وفى نفس الوقت ضد سياسات الاستسلام وقمع نضال الجماهير الشعبية التى ينتجها النظام .
مهامنا فى اللحظة الراهنة
ان مهامنا فى اللحظة الراهنة لا تنفصل عن برنامج نضالنا الوطنى الديمقراطى ولكن من واجبنا التركيز على المهام التالية :- أولاً :- اسقاط كافة مبادرات وقرارات ومشروعات الاستسلام أياً كانت اشكال بعثها ، وايا كان الطرف الذى يقدمها .
ثانيا:- تشكيل اللجان الشعبية المستقلة التى تنظم وتعبئ طاقات ومبادرات الجماهير لخوض معارك الكفاح الوطنى المتماسك على الصعيدين السياسى والعسكرى .
ثالثا:- تسليح جماهير الشعب للدفاع عن الوطن .
رابعاً:- تدعيم المقاومة الفلسطينية وحقها فى العمل عبر كافة الاراضى العربية وفتح مجالات العمل الشعبى بالكامل أمامها .
خامساً:- التحالف الوثيق مع الاتحاد السوفيتى ودول المعسكر الاشتراكى الصديقة الدائمة للشعوب المناضلة ضد الامبريالية . مع التأكيد على أنه لا يمكن للاتحاد السوفييتى ان يكون بديلاً عن نضال الجماهير الشعبية الواعية المنظمة المسلحة .
سادساً :- تأميم ومصادرة رؤوس الاموال الاستعمارية وضرب المصالح الاحتكارية الامبريالية ، وفصل اقتصادنا عن السوق الامبريالى العالمى .
سابعا:- رفض تحمل الطبقات الشعبية أعباء النضال الوطنى وحدها ، ومصادرة كافة البدلات والدخول الطفيلية للطبقات وخاصة الامتيازات لخدمة أهداف النضال الوطنى .
ثامناً :- وقف انتاج واستيراد الكماليات ، وتوجيه الانتاج الصناعى والزراعى لسد الحاجات الشعبية تحت اشراف اشكال الرقابة الشعبية .
تاسعاً :- العمل على اسقاط كافة القوانين المكبلة للحريات الديمقراطية ورفض اى تشريع جديد تحت ستار حالة الحرب ، والافراج عن كل الوطنيين المعتقلين بالسجون .
9 أكتوبر 1973

-5-
اللحظة الراهنة ومهامنا
مقدمة:
اثبت مسار تطور الاحداث الاخيرة ، ان حرب 6 أكتوبر لم تكن سوى تاكتيكا عسكرياً لانجاز التسوية السلمية فى سياق المسار العام لسياسة الاستسلام الوطنى ، كما كانت هذه الخطوة العسكرية المحدودة محاولة لتقديم ادنى ما يمكن من شروط الاستسلام على مائدة المفاوضات الامبريالية الاميركية واسرائيل .

فلم تكن هذه الحرب اذن قفزة خارج علاقات القوى الطبقية التى تحكم خط البرجوازية البيروقراطية فى حل المسألة والذى بدأت ملامحه فى التشكل منذ هزيمة 5 يونيو . ان الحرب امتداد للسياسة ، ولكن بأشكال أخرى عنيفة ، فبعد أيام قلائل من القتال وتحديدا فى 16 أكتوبر .. يقدم السادات مشروعه بوقف اطلاق النار ( وعقد مؤتمر سلام) يكون اساسه تطبيق قرار مجلس الامن رقم 242 وهكذا يعلن القائد الاعلى للقوات المسلحة الاستعداد ( للاستسلام والتفاوض ) بعد أيام قلائل من بدء معركة التحرير .
ولقد سارت الاحداث كما لا تشتهى البورجوازية البيروقراطية التى اسرفت فى تقدير ذلك المدى الذى يمكن ان ( تفرط) فيه الامبريالية ببعض ( الاهداف الخاصة ) لاداتها اسرائيل .كما انها قد هونت فى نفس الوقت من امكانيات العدو الاسرائيلى وثيق الصلة بالحرص الامبريالى الامريكى على احباط هذه الخطوة العسكرية ، والابقاء على هيبة عصاها الغليظة ... العسكرية الاسرائيلية ، وفى نفس الوقت استقبال البورجوازية على مائدة المفاوضات وهى تحت اقصى الشروط وليس ادناها .
لقد كانت البورجوازية البيروقراطية تأمل وقد قدمت الكثير من فروض الطاعة للأمبريالية الاميركية بانتهاج سياسة متهادنة مع مصالحها فى المنطقة ومن السوق المصرى نفسه وبانتهاج سياسة المصالحة وتدعيم الروابط مع النظم الرجعية العملية للامبريالية وبالتواطؤ على تصفية المقاومة الفلسطينية وتصفية الكفاح المسلح فى الخليج ، وسحق الانتفاضة الثورية فى السودان والعمل على تصفية الحركة الشيوعية هناك ايه مبادرة ثورية للجماهير الشعبية المصرية المطالبة بالديمقراطية والمعارضة جذريا لسياستها الاستسلامية وكذلك بانتهاجها خط المهادنة والمساومة بقبولها كافة أشكال الحل الاستسلامى الشائنة . كانت البورجوازية البيروقراطية تأمل أن تخفف الولايات المتحدة من حجم تأييدها لاسرائيل . وقد دأبت على تزييف الحلف الامريكى الاسرائيلى ، وتموية حقيقة الولايات المتحدة الاستعمارية ، فدعت مرة الى ( تحييدها ) ومرة أخرى ( عدم التناطح بالرأس مع الثور الامريكى الهائج ) وناشدت رئيسها بالتدخل لاحلال (سلام عادل) ودعمت السياسات الامبريالية الاجرامية بقبولها المبادرة الامريكية مرة أخرى ، ثم يعود رئيس البورجوازية البيروقراطية ليصف موقف أمريكا حتى الآن بانه موقف بناء ... ويصرح وزير الخارجية بالنيابة والموجود حتى الآن بواشنطن ( أن المفاوضات تتقدم ببط، ولكنها فعالة وبناءة وصريحة . ويؤكد ان علاقاتنا المصرية الامريكية تنمو بسرعة كبيرة لدرجة تزعج الآخرين) . ان البورجوازية البيروقراطية وهى تزرع الاوهام الناجمة عن طبيعتها المتهادنة والمساومة فى مواجهة الامبريالية ، تعمل على تضليل الجماهير الشعبية وخداعها باخراج الصراع مع الامبريالية من سياقه الاساسى لتطرحه كصراع عربى اسرائيلى فحسب ، ان الديماغوجية تعمل بنشاط محموم الآن من أجل اخفاء حقيقة الوضع الراهن ، فما هى طبيعة اللحظة الراهنة ؟.
ان النطاق التكتيكى المحدد لهذه الحرب قد تحددت ملامحه كمحصلة للصراع بين مجموعة الاطراف المشتركة فيه . ذلك الصراع الذى يتجه فى الاساس نحو احكام السيطرة الامبريالية على الشعوب العربية .
لقد استند صعود البرجوازية البيروقراطية وتحقيقها درجة من الاستقلال النسبى لسوقها السياسى ، الذى حققته السلطة الجديدة والذى تمخض عنها انقلاب 1952 فى ظروف محددة من الصراع الطبقى على المستوى العالمى والمحلى ، فاستند صعودها على الدعم والتأييد السوفييتى الهائل الذى استخدمته السلطة كبديل عن الجماهير الشعبية التى اختصتها السلطة الجديدة بالتصفية والقمع وتوجيه الضربات ... لقد تمكنت البورجوازية البيروقراطية من الحركة المستقلة نسبياً عن فلك الامبريالية العالمية ، مما أدى الى دفعة جديدة للنمو البورجوازى وارتبط ذلك بالصراع مع الامبريالية العالمية والتى كانت احدى لحظاتها الاشتباك المسلح عام 1956 . وفى سياق هذا الصراع صفت البورجوازية دعائم الاستثمار الامبريالى المباشر فى البلاد ووسعت مجال الصراع ليشمل المنطقة العربية متضمنا الصراع مع اشد الانظمة العربية رجعية وأشدها ارتباطاً بالامبريالية وبذلك حققت استقلالا نسبياً لسوقها والذى لم يفلت من تقسيم العمل الدولى ذو الطابع الامبريالى . ولم تخلو هذه المرحلة من مراحل نمو البورجوازية المصرية من المهادنة والمساومة الماثلة فى صميم البنية الطبقية للنظام المصرى كنظام رأسمالى .
وسرعان ما تحول هذا الخط الصاعد الى خط هابط ، ويرجع ذلك من الزاوية الاساسية الى استفحال طبيعة البورجوازية البيروقراطية الطفيلية والذى ارتبط بانجازها الحد الأدنى من هيكل رأسمالى حديث ، وبروز مشكلات التصريف والتسويق ، بعد ان كانت مشكلاتها فى صعودها هى الحصول على الاموال اللازمة للتراكم وارتباط هذه المشكلات الجديدة بالنطاق المحدود الذى تنمو فيه البرجوازية البيروقراطية فى اطار تقسيم العمل الدولى ذو الطابع الامبريالى فى عصر انهيار الامبريالية ، ولقد شكل ذلك ، الميل الموضوعى للبورجوازية المصرية فى ارتباطها المتزايد بالامبرالية العالمية ، وخصوصا الامريكية والذى تفرضة ضرورات وقوانين نظامها الاقتصادى وطموحها فى القيام بدور الشريك الاصغر والتابع فى مقابل قيامها بقطع الطريق امام الكفاح المسلح للشعوب العربية والذى تشكل المقاومة الفلسطينية طلائعه الاولى ، هذا الكفاح الذى ينطوى على التهديد الحقيقى للامبريالية فى المنطقة ، ولقد ادى ذلك – مع تصفية الحياة السياسية فى بلادنا وقتل كل مبادرة ثورية للجماهير ونجاح البورجوازية البيروقراطية فى فرض هيمنتها وديكتاتوريتها وانفرادها بالسلطة - - الى الانهيار المخزى فى ساعات قليلة امام الهجمة الشرسة فى 5 يونيو والتى كانت اسرائيل اداتها المباشرة . وتمكنت الامبريالية بسبب الهزيمة العسكرية من تعميق ذلك الميل الموضوعى ، والانصياع المتزايد لشروط التبعية الاقتصادية الجديدة للامبريالية . هذه التبعية الجديدة تتحقق فى شروط جديدة أهمها من الناحية الاساسية ذلك النمو النسبى للبورجوازية المصرية والبروز النسبى المحدود للقطاعات الصناعية فى بنية الاقتصاد الرأسمالى المصرى ، بالاضافة الى ان ميدان السوق العالمى لم يعد مقتصرا على الامبريالية ، بحيث لم تعد تنفرد كل دولة امبريالية محددة بحق استغلال بلاد بعينها . لذلك تسعى البورجوازية البيروقراطية الى حصر النتائج السياسية لهزيمتها العسكرية فى حدها الادنى بينما تسعى الامبريالية الى الوصول بها الى حدها الاقصى . ولم تمضى السنوات الست التالية للهزيمة عبثاً ، ففى الوقت الذى كانت تنضج فيه شروط التبعية الاقتصادية الجديدة ( تحت خناق الاحتلال العسكرى لسيناء ) والتى تتمثل فى حملة السياسات الاقتصادية التى انتهجتها الطبقة الحاكمة لتوثيق علاقتها بالسوق الاوروبية وفتح الباب امام رؤوس الاموال الاستعمارية , وانشاء السوق الحرة الموازية للنقد وذلك فى نفس الوقت الذى تسمح فيه بالانتعاش للرأسمال الخاص ، الذى يشكل أحد دعائم ومنافذ الجانب الطفيلى للبورجوازية البيروقراطية .
فى هذا الاطار تتشكل الملامح الاساسية للتبعية الجديدة ،والتى تتحدد كذلك فى الدور الذى تؤديه البورجوازية البيروقراطية والمنسجم مع الإستراتيجية السياسية الانانية ضيقة الافق . ولقد تضمن ذلك فيما تضمن خنق اى تجاوز للمقاومة الفلسطينية – عن كونها ورقه ضغط فى اطار الحل الاستسلامى – والاستمرار فى بطشها وشراستها التقليدية ضد الحركة الشيوعية المصرية والعربية واحلال التنسيق المتزايد مع الانظمة العربية الرجعية محل الصراع الذى فجره تنسيق هذه الانظمة مع الامبريالية من أجل محاصرة النظام المصرى ابان صعود البورجوازية البيروقراطية ( التى كانت تحلم بالمنطقة العربية كمجال حيوى لها فى مجال الدعوة القومية لمناهضة الاستعمار ). وتحت شعار ( قومية المعركة) سعت البورجوازية المصرية الان صفا واحدا مع هذه الانظمة ( التى تجد فى المزايدة اطاراً لتضليل الجماهير وتفويت الفرصة عليها ) ذلك الاطار البورجوازى القومى المزعوم يتمخض اساسا عنه تلاحم هذه الانظمة فى مواجهة وتصفية قوى النفى الجذرى لها وللامبريالية معاً ، وذلك مع ادارة الظهر للاتحاد السوفيتى وتشويهه المتعمد فى نفس الوقت الذى تنحصر علاقاتها معه فى هامش ضيق لتدعيم مركزها وتحسين شروط استسلامها خصوصا بعد بروز التحريفية السوفيتة وانتهاجها خط الوفاق الطبقى ومهادنة الامبريالية ، الامر الذى أدى الى تضييق كبير فى هامش اللعب على المتناقضات بين المعسكرين . وتشكل شروط التسوية السلمية كما تتضمنها البنود الاساسية لقرار مجلس الامن احد اشكال التبعية السياسية غير المباشرة للامبريالية الامريكية . ان سياسة الاستسلام الوطنى ، لا تعنى التسوية السلمية فقط ، فهذه الاخيرة تمثل لحظة خاصة من لحظات هذه السياسة ، ن الاعتراف باسرائيل وبحدودها الآمنة وحريتها فى الملاحة ، والمنطقة المنزوعة السلاح الى آخر هذه التنازلات الخطيرة لا يمكن النظر اليها الا من خلال علاقتها بالتغييرات الهامة التى طرأت على سياسة واقتصاد البورجوازاية البيروقراطية .
ان الامبريالية لا تهدف الى مجرد احتلال ولكن الى خلق حالة من التهديد العسكرى الدائم يمكنها من السيطرة السياسية على المنطقة ووضع الاستغلال الامبريالى فى اكثف حالاته ويلتقى ذلك مع اهداف اسرائيل ، وجودها على مدى استراتيجى وتهيئة شروط افضل لتصفية القضية الفلسطينية . وفى نفس الوقت ستتكفل الانظمة المجاورة لها بالاجهاز على عناصر الرفض الثورى الفلسطينى المتمثل فى المقاومة الفلسطينية وخصوصاً اكثر فصائلها جذرية .
ومع ذلك فان التسوية النهائية لن تخلو من أشكال من الملاءمة والتوفيق من قبل الامبريالية الامريكية أى بين مصالحها فى المنطقة وبين بعض الاهداف الخاصة لاسرائيل ( لاسيما فيما يتعلق بالاراضى ) والامبريالية لن تقدم على هذه الملاءمة لوجه الله ، فالبورجوازية البيروقراطية تثبت حسن السيرة والسلوك ولكن ذلك لا يعنى تخلى الامبريالية عن أداتها التى ستظل عصاها الغليظة والجاهزة دوما للتأديب ، ان هذه الملاءمة ليست مجانية اذ ان نقاط الالتقاء بين البورجوازية المصرية والامبريالية الامريكية تزيد وتتسع . ويعد موقف البورجوازية البيروقراطية من الاتحاد السوفيتى احدى هذه النقاط الهامة .
ان هذا هو الاتجاه الاساسى لنتائج هزيمة 5 يونيو العسكرية والذى تمخض عن خضوع الانظمة العربية للنفوذ السياسي للامبريالية العالمية الامر الذى يتضمن ما هو اكثر من ادارة الظهر للاتحاد السوفيتى هذا الصديق المؤازر لهذه الانظمة والذى أمدها بالدعم الاقتصادى والسياسي والعسكرى ( الذى لن يغير من المجرى الاساسى لاتجاه تلك الانظمة نحو الحظيرة الامبريالية ) لا سيما وان البورجوازية البيروقراطية تنظر الى علاقاتها بالاتحاد السوفيتى باعتبارها تحالفا تكتيكا وهى مع ذلك ليست على استعداد لالغاء هذا التحالف التكتيكى فجأة ومرة واحدة ... انها ستمزق اجزاءه تدريجيا كلما قطعت شوطاً جديدا فى طريق الاستسلام الوطنى . وعلينا ان نميز بين قيام الاتحاد السوفيتى بواجبه الثورى من الدعم الاقتصادى والعسكرى لبلادنا – ذلك الدعم المؤيد من قبلنا – وبين السياق السياسي الذى يوضع فيه . لقد بالغت التحريفية السوفيتية فى الدور الذى يمكن أن تلعبه البورجوازية الوطنية واضفت عليها طابع ( الديمقراطية الثورية ) اعتماداً على جانب واحد من طبيعتها فقط .... وهذا الجانب هو الجانب المعادى للاستعمار واغفلت الجانب الاخر السياسي – وهو الجانب المعادى جذرياً للديمقراطية ، للجماهير الشعبية وطليعتها الطبقة العاملة . بل لقد وصل الامر الى حد اعتبار الصياغة الجديدة لرأس المال فى مصر تحت هيمنة قطاع رأسمالية الدولة على انه تحولات اجتماعية فى اطار التطور اللارأسمالى المؤدى الى الاشتراكية . ولم تكن تلك النظرية خارج الخط التحريفى الذى تنتهجه التحريفية السوفيتية ، بل هو منسجم مع وضعها سياسة التعايش السلمى والمباراة الاقتصادية فى مجال الصدارة بديلاً عن الكفاح المسلح الحازم والتعاون الوطيد مع قوى الثورة العالمية ، ولقد أدى سياق هذه السياسة الى مهادنة الامبريالية والالتقاء بها فى منتصف الطريق ولقد التقت هذه السياسة التحريفية مع الطبيعة المتهادنة والمساومة للبورجوازية البيروقراطية مما أدى الى الحاق أفدح الاضرار بنضال شعوبنا العربية ضد الامبريالية .
وفى نفس الوقت لا يمكن اعتبار هذه السياسة التحريفية دليلا على تغيير الطبيعة الطبقية للنظام الاجتماعى فى الاتحاد السوفيتى الى طبيعة رأسمالية وامبريالية . ان هذه النظرة الضيقة الافق تلحق ايضا افدح الاضرار بقضية النضال ضد الامبريالية ونضال الطبقات الكادحة فى العالم من أجل الاشتراكية . ان هذه النظرة تقع فى مستنقع الانتهازية حينما ترى ما يحدث فى اللحظة الراهنة على أنه ( تقسيم نفوذ) بين الامبريالية وما تسمية ( بالامبريالية الاشتراكية ) فى الاتحاد السوفيتى .
أن هذه النظرة تخفى العامل الاساسى فى اسباب الانتكاسة الوطنية التى تحددت اطرها فى اللحظة الراهنة ، ان العامل الاساسى يرجع الى الطبيعة الطبقية للبورجوازية البيروقرطية وميلها الموضوعى فى مرحلة انحدارها فى اتجاه الامبريالية . فهذه السياسة التحريفية للاتحاد السوفيتى نفسها لم تستطع ان تغير من مجرى الكفاح البطولى للشعب الفيتنامى البطل والذى نرجعه الى الطبيعة الطبقية لهذا النضال بقيادة الطليعة الشيوعية والتى اجبرت الامبريالية الامريكية على الخضوع ، واستطاعت كذلك ان تضع الدعم السوفيتى فى سياق نضالها الثورى والجذرى .
ان هذه الاطراف التى تحدثنا عنها منطلقين من تحديد وزنها النسبى ضمن السياق العام والاساسى لمسار التناقضات لا تؤثر فى مجرى الصراع كل على حدة ولا من خلال تصورها الخاص أو امانيها الذاتية ، حيث ان مجرى الصراع تحكمه قوانين موضوعية ، ويتجه فى الاساس لتحقيق ارادة الامبريالية الامريكية التى تمسك بزمام التناقضات الان . وينحصر تأثير الاخرى فى تعديل الاشكال والملامح التى تأخذها التسوية السلمية والمدى الذى يمكن ان تصل اليه ارادة الطرف الامريكى السائد .
ان البورجوازية البيروقراطية التى ترغب فى تحسين شروط استسلامها لا يمكن ان تظل واقفة الى ما لا نهاية عند نقطة محددة لا تتنازل بعدها . فهذا الصراع الذى يجرى بينها وبين الامبريالية لا يمكن تصور انه يسير الى طريق مسدود او ان حله فى طريق جذرى بمعنى تصفية احد اطراف الصراع للطرف الاخر. لا ، ان الصراع يدور حول مدى وشكل واطار العلاقات التى ستربط الطبقة الحاكمة بالامبريالية الامريكية واسرائيل والانظمة الرجعية العميلة.
وفى اللحظة الراهنة من الصراع العسكرى المحدود والتكتيكى والذى قد يستمر فى اشكال أقل حدة فى نفس الوقت الذى يتزايد فيه نشاط المساومات السياسية المحمومة ، يتضح الاطار الذى يضع المنطقة ضمن النفوذ الامبريالى . والذى يعمل على ملاءمة الاطراف المختلفة الداخلة فى الصراع ضمن مجراه الاساسى . والذى يضع الاساس لتثبيت التحالفات العارضة وتقوية اساس التحالفات ذات المدى الاستراتيجى والابعد . ان مجرى الصراع فى هذه اللحظة الراهنة لا يراوح مكانه بل هو يتحرك باستمرار نحو نقطة أبعد فى اتجاه الزاوية الاساسية التى تحكم حركته ( الامبريالية الامريكية ) ، بالرغم من الترددات والتعرجات التى تنشأ من المسافات الموضوعية والذاتية الموجودة بين الاطراف الداخلة فى الصراع .
مهامنا فى اللحظة الراهنة
كانت البورجوازية البيروقراطية تستهدف من وراء حرب أكتوبر ايجاد شروط اكثر ملاءمة لاتمام ( التسوية السلمية ) بين دعاية وضجيج اعلامها حول ( الانتصار العظيم ) و (المعجزة ) و ( الوثبة الكبرى ) و(الانتصار الساحق) وتحت شعار ( الحديد والدم والنار) ولكن استخدام الحرب ( كمسعى عسكرى ) لتحقيق التسوية السلمية تناقض منذ اللحظة الاولى لنشوب القتال مع اهداف البورجوازية البيروقراطية . فقد اشتعلت المسألة الوطنية ووضعتها الحرب على النار ، وانطلقت الامانى القومية للجماهير فى التحرر وخوض القتال ضد الامبريالية واسرائيل حتى الانتصار ، هذه الامانى القومية التى شهدنا تحقيقها – وان جزئياً – فى بسالة وبطولة الآلآف من الجنود والضباط الصغار الذين ضحوا بدمائهم الغالية من أجل دحر الاحتلال الصهيونى المدعوم بالامبريالية الامريكية .
واذا كان ثمة انتصارات فهى تلك التى صنعها ابناء شعبنا فى الجيش . فهم الذين عبروا القناة ، وهم الذين حطموا خط بارليف ( الرهيب ) ( الذى صورته السلطة فى السابق على انه الجحيم بعينه ) . وهم الذين اثبتوا للجماهير الشعبية ان جيش اسرائيل ( الذى لا يقهر ) ( والذى ساهمت السلطة فى ترويج اسطورته ) من الممكن الحاق الهزيمة به .

لكن سرعان ما اصطدمت هذه الامانى القومية بعجز الطبقة الحاكمة عن تحقيقها بل وبعجزها عن تأمين تلك الخطوة العسكرية المحدودة ، ثم باسراعها إعلان مشروعها الاستسلامى ، وحيث تجرأ زعيمها لاول مرة أن يعلن وهو يرتدى بزته العسكرية ووسط ضجيج المعارك انه يقبل التفاوض المباشر من أجل البدء فى تنفيذ التسوية فوراً . موهما ابناء شعبنا انه يسير اليها من موقع ( المنتصر) وقد تلا ذلك سعى النظام المحموم ( فى سياق فشل هذه الخطة التكتيكة المحدودة نفسها من أجل ايقاف إطلاق النار . وأقر قرار مجلس الأمن 338 الذى دشن بداية المفاوضات المباشرة .
ان اللحظة الراهنة هى امتداد لسياسة البورجوازية البيروقراطية التى دأبت على تغييب الجماهير عن قضاياها المصيرية والتى لم تكف لحظة واحدة عن ممارسة ابشع صنوف الكذب والتضليل والقمع ابتداء من الدعوة الكاذبة بأعوام التحرير والردع والاستنزاف ...الخ الى المحاولات المنهجية التى دأبت عليها السلطة من اجل تهيئة الجماهير لقبول الحلول الاستسلامية والوصول بها الى ان ( مفتاح الحل ) مع امريكا التى يجب ( تحييدها ) و( عدم التناطح معها ) وفى النهاية حصر المسألة فى استرداد قطعة من الارض من اجل تحويل الانظار عما يجرى على صعيد السياسة والاقتصاد فى سياق التبعية للنفوذ الامبريالى الامريكى . وقد ترافقت حملات التضليل المحمومة التى تقوم بها البورجوازية البيروقراطية الحاكمة من أجل حماية وجودها مع انتاجها سياسة قمع وتصفية انتفاضات العمال الثورية ( فى حلوان 68-71 ) وكذلك انتفاضات الطلاب فى اعوام (68-72-73) فى ظروف النهوض التلقائى لجماهير شعبنا الكادح المطالبة بالحقوق الاقتصادية والديمقراطية والمعارضة لسياسة الاستسلام الوطنى . ومن سياق ذلك لا يمكن ان نفهم نداء البورجوازية البيروقراطية للجماهير ( التى دأبت على المطالبة بالسلاح والمشاركة الحقيقة فى المعركة ) بالانخراط فى صفوف المقاومة الشعبية ، الا كونه محاولة لاحتواء هذه الحركة الشعبية بالحاقها فى ذيل حركة الجيش ، لتكون تحت بصر البوليس ولتقوم بتصفيتها عند انقضاء الظروف الحالية . ان البورجوازية البيروقراطية لن تسلح الجماهير بمحض ارادتها لانها تخشى ان تحرقها فى النهاية . ان نداءها يستهدف اجهاض تلك المعارضة العفوية وقطع الطريق امامها والانقضاض عليها ، اذا ما تحولت الى حركة ثورية ، بالقمع والبطش والارهاب الاسود . وفى اللحظة الراهنة التى تستهدف البورجوازية البيروقراطية ضمن ما تستهدف تمرير الحل السلمى على الجماهير الشعبية بتصويره ، كما أشرنا ، على انه انتصار عظيم ، يقتضى واجبنا الثورى مواصلة الكفاح من أجل قطع الطريق على خط الردة الوطنية الذى تنتهجة البورجوازية البيروقراطية والذى لن يتوقف بمجرد اتمام التسوية السلمية التى ليست الا لحظة خاصة من لحظاته . ويواجهنا فى نفس الوقت واجب الحاق الهزيمة بكافة المواقف والشعارات الخاطئة والتى تنطوى على انحرافات خطيرة من شأنها مساعدة البورجوازية فى وضع البلاد فى اطار التبعية السياسية والاقتصادية للامبريالية انطلاقا من مصالحها الطبقية ضيقة الافق .
فالمراجعة المصرية ، والتى تجرى منذ فترة محاولات عقيمة لبعثها من جديد ، تروج باسم الماركسية ، للايديولوجية البورجوازية فى احدى صورها . فالانحراف اليمينى فى الحركة الشيوعية يتكرس من جديد فى اللحظة الراهنة بالحديث عن حرب اكتوبر باعتبارها ( حرب تحرير وطنية ) وعن البرجوازية الآن وفى مرحلة انحدارها باعتبارها ( سلطة وطنية ) وكأن صفة الوطنية هذه ، صفة خالدة وأبدية – وحتى اذا كان من الممكن الحديث عن ( البرجوازية الوطنية ) فى مرحلة من مراحل تطور البرجوازية المصرية – عندما كان هدفها الاساسى هو السيطرة على السوق الوطنية وتصفية الاستثمار الامبريالي المباشر للبلاد فان الموقف المبدئى يقتضى ان توضح ( وطنية ) بأى معنى ؟ وفى أى نطاق ؟ والى متى ؟. ان استمرار الصاق صفة ( الوطنية ) الخالدة بالطبقة الحاكمة ينطوى على تموية طبيعتها الطبقية ويستهدف طمس حقيقة الصراع الطبقى ، وفى النهاية تدعيم وتبرير سياساتها المتهادنة والمساومة مع الامبريالية حيث تتخلى فيها البرجوازية عن المصالح القومية للبلاد من أجل مصالحها الطبقية ضيقة الافق والتى تقتنع فى المرحلة الراهنة بمجرد كونها شريكا صغيراً تابعاً للضوارى الامبريالية .
إن التأييد الذيلى للبورجوازية والذى ينطلق من التحديد الخاطئ للتناقضات فى الصيغة القائلة ( عدم تغليب التناقض الثانوى على التناقض الرئيسى ) تكريس للانحراف اليمينى المصفى للحركة الثورية . فنضالنا فى المرحلة الراهنة ضد الامبريالية يقتضى فى نفس الوقت نضالا ضد البورجوازية التى يبرز فى هذه المرحلة جانب واحد من طبيعتها المزدوجة . جانب معاداة الجماهير الشعبية ، بينما يتراجع الجانب الاخر المعادى للامبريالية ، وحيث تميل وتقنع لنفسها بدور الشريك الصغير والتابع للامبريالية مدفوعة بمصالحها الطبقية ضيقة الافق بعد انتهائها عام 1965 من انشاء الحد الادنى من اقتصادها الرأسمالى فى عصر انحدار الامبريالية وبروز مشاكل التسويق والتوزيع التى تترافق مع استفحال طبيعتها الطفيلية . ان ازمة البورجوازية تستكمل ميلا موضوعيا فى اتجاه الامبريالية وفى سياق عدائها التقليدى للجماهير الشعبية ، مما يحتم عليها حل تناقضها مع الامبريالية لصالح الاخيرة من الزاوية الاساسية . لذلك فالنضال الوطنى المعادى للامبريالية ينتقل من المحور البرجوازى المعادى للاقطاع الى المحور الاشتراكى المعادى للرأسمالية .
اما أصحاب ( الجملة الثورية ) فهم ايضا يضعون السم فى العسل . ان شعاراتهم براقة ، ولكنها فارغة : فالعدو المكشوف ( يقصدون الامبريالية ) خير من العدو المستتر (يقصدون النظام البورجوازى البيروقراطى )........ ان شعار الانهزامية القومية الذى أدناه منذ سنوات ما يزال يجد من يعبر عنه ، فاصحاب الجملة الثورية يضعون البورجوازية البيروقراطية والامبريالية العالمية فى صف واحد ويعتبرون الصراع الراهن ( مجرد مسرحية ) منطلقين من اعتبار أن الطبقة الحاكمة قد انتقلت بالكامل الى جانب الامبريالية !
واذا كان الانحراف اليمينى ينتهى بالحاق الحركة الثورية بذيل البورجوازية فان الانحراف اليسارى يسوقها الى العزلة ، وبالاحرى يسوقها الى المتحف ، انه ينتهى بالتصفية ايضا ، ولكن بالمقلوب . ان العمل الثورى سيحفر مجراه بعمق فى صراعه المستمر ضد هذه الاتجاهات التى تحرف مسار النضال الطبقى ، وتدعم بنفس الوقت الطبقة الحاكمة .
علينا مواصلة الكفاح من أجل الحاق الهزيمة بالخط السياسى والفكرى والتنظيمى للبورجوازية البيروقراطية ، والعمل على قيادة الجماهير الشعبية على اساس خط آخر ومنطلق آخر – هو خط ومنطلق الكفاح الشعبى المسلح ضد الامبريالية الامريكية واسرائيل – ان مركز الثقل الاساسى فى عملنا كله يتحدد فى قطع الطريق امام سياسات الاستسلام والردة الوطنية وما يرافقها من تشديد القبضة البوليسية للنظام على الحركة الثورية .ان البورجوازية البيروقراطية تقود البلاد الى كارثة وطنية حقيقية، والنضال المستقل يقتضى العمل من أجل خلق جبهة شعبية متحدة . ويقتضى خلق جيش شعبى قوى فى مجرى النضال ، وهذه امور استراتيجية طويلة المدى . وبدون انتهاج سياسة صحيحة لن نتمكن من انجاز هذه المهام الاستراتيجية .
ان ثقل الحركة الثورية ، الان ، لايمكنها من أحداث انعطاف جذرى فى المجرى الراهن للامور ، ولكن هذا لا يمنعنا بأى حال من النضال الان ، بل بتشديد النضال ضد خط الردة الوطنية الذى تقود البرجوازية البلاد اليها . بل ان اللحظة الراهنة تشكل احدى الفرص الثورية التى يجب ان نرفع خلالها الخط البروليتارى الثورى فى حل القضية الوطنية ، بالرغم من سحب الغبار والتضليل التى تضفيها تلك البورجوازية القومية .
ان المسار اللاحق للامور والاحداث سيكشف اكثر زيف دعاية البورجوازية وصحة دعايتنا وسيعمل على انفضاض الجماهير من حول البورجوازية ، والتفافها حول طليعتها الثورية وخطها الثورى فى حل القضية الوطنية . ان ادارة الصراع الطبقى الحازمة من أجل انتزاع الحقوق الديمقراطية والاقتصادية للجماهير الكادحة وربطه بالقضية الوطنية هو الطريق الوحيد الذى يحفر مجراه من أجل خلق الجبهة الشعبية المقاتلة فى اتجاه هدفنا الاستراتيجى الا وهو اقامة المجتمع الاشتراكى المستخلص والمتنزع من السيطرة الامبريالية .

ان خط الردة الوطنية الذى تنتهجة البورجوازية البيروقراطية من شأنه أن يفاقم حدة الصراع الطبقى نتيجة للاستغلال المزودج المكثف الذى سيقع على الكادحين من قبل الامبريالية والبورجوازية معا.
إن قيامنا بمهامنا من أجل تخليص الحركة الشعبية التلقائية من منطق وسياسات الردة الوطنية ، وقيادتها من أجل انتزاع الاشكال السياسية والنقابية المعبرة عن المصالح الطبقية لجماهير الكادحين ، يقتضى خلق أشكال الكفاح الجماهيرى بدءا من الاشكال البدائية الدنيا ، (حتى اكثر الاشكال البدائية الدنيا )، الى اكثر الاشكال تطورا ورقياً . ففى المجالات التى مازالت حركة الجماهير العفوية فيها خاضعة لنفوذ البورجوازية بهذه الدرجة او تلك ، ينبغى الاتقاطع الهيئات والتشكيلات التى قد تضطر السلطة فى اللحظة الراهنة الى اقامتها من اجل استيعاب التحرك التلقائى الجماهيرى . ان تشكيلات مثل الدفاع المدنى والاسعاف والتدريب على السلاح وحتى الندوات والمؤتمرات التى قد تلجأ التنظيمات السياسية للطبقة الحاكمة الى عقدها ، ينبغى العمل من خلالها لعزل هذه الطبقة عن قيادتها وربطها بدعايتنا من أجل الحل الثورى للقضية الوطنية والمنسجم مع مصالح الأغلبية الكادحة من أبناء شعبنا وليس مع المصالح الطبقية ضيقة الافق للبورجوازية البيروقراطية الحاكمة ، كما ينبغى العمل من أجل جعل هذه المكتسبات الجماهيرية أكثر تماسكا ، عكس ما تريدها السلطة ، بالمطالبة بالتدريب الحقيقى وليس الشكلى على السلاح ، وبالمطالبة ، أيضاً ، بالتسليح الفعلى للجماهير باسلحة مؤثرة وليس باسلحة ديكورية ، والتى قد تقتصر فى الغالب على مجرد ارتداء الافرول ( اللباس العسكرى ) . ينبغى المطالبة بالرقابة الشعبية التى قد تلجأ السلطة الى اقامتها لامتصاص الشعور والنقمة الوطنية ، اما فى تلك المجالات التى تحققت فيها درجات من الحركة السياسية الثورية والمتناقضة مع سياسات السلطة فينبغى الاتقتصر على تلك الاشكال التى قد تفرضها اللحظة الراهنة والتى يجب ان نعمل من خلالها مستغلين ثغرات الشرعية ، ولكن ينبغى بالفعل ان نخطو خطوة للامام فى سياق الحاق الهزيمة بخط السلطة البورجوازية البيروقراطية السياسى والفكرى والتنظيمى من خلال الاشكال الشعبية المستقلة ، عن هيئات وتشكلات السلطة وهى الاشكال التى تعد نفيا جذريا لها .

يناير 1974
-6-
حدود أكتوبر
ان ما تواجهه الحركة الثورية الآن هو ( أزمة) ولكن التشخيص الملموس هو الذى يحرم التسمية من أن تكون تعمية . لقد كنا نتوقع خلال عدة سنين ان اتمام التسوية الاستسلامية سوف يأخذ شكل الدخان وصوت البارود، ولكن من ذا الذى تصور ان تجرى الامور على النحو الذى جرت عليه .
ان حرب اكتوبر الرمضانية لم تكن مجرد ( دخان ومناوشات) بل كانت حربا تصادمت فيها الوف الدبابات والمدرعات والمدافع والصواريخ والطائرات وتحت اطنان الحديد هذه سقط الاف القتلى ، وتم عبوران كبيران الى الشرق والى الغرب من قناة السويس ، بينما جرت على الصعيد العالمى ( بروفات) – وان تكن أولية وغير جادة ، لاشعال حرب نووية . كانت اذن حرب حقيقية قدر ما كانت هذه الوقائع حقيقية .
ولقد كانت السياسات البورجوازية تمسك بخيوط قوات الجبهة ، ولكن حجم هذا الصدام العسكرى الضخم قد انعش المشاعر والامانى الوطنية لدى الجماهير الشعبية ، وقبل أن يحرك الصراع العسكرى ويبلور نهوضا شعبياً وطنياً يتجاوز الاطار البورجوازى انقض قرار وقف اطلاق النار على القوات المتحاربة ، ولم تتوقف منذ ذلك الوقت ( زمارات) وطبول ( الانتصار) التى حاصرت شعبنا من كل الجبهات .

ان هذه الطنطنة الديماغوجية ، ما كان لها ان تملك تأثيراً فعالاً على الجماهير بدون الحرب نفسها . ان الازمة التى يواجهها الثوريون لا تكمن فى ان البورجوازية تطلق على خطوات الاستسلام السياسيى اسم ( الانتصار) بل فى ان الجماهير الشعبية ترقب سير الامور فى هدوء كما لو كانت تتفرج على الاعيب سحرية لاحد الحواة ، لقد صفقت بالرغم من أن شعورها كان يجمع بين الرضا والريبة.
الحالة الجماهيرية
ان حالة الجماهير الشعبية المصرية خلال حرب اكتوبر والشهور القليلة التالية تجد تفسيرها فى ان مستوى وعى الجماهير لم يمكنها من إدراك المغزى الحقيقى للحرب فى مجرى سياسات النظام ، فالحركة الوطنية الشعبية الوليدة لم تكن قد أتمت حفر مجراها الخاص المستقل عن البورجوازية وفى مواجهتها ، ولم يكن قد تم تكون المقومات الكافية لوجودها السياسى والتنظيمى والفكرى المستقل كحركة شعبية عامة ، الامر الذى وفر امكانيات نجاح مناورة الحرب والاستسلام فى اكتوبر وما بعده ، واكسب ديماغوجية الانتصار تأييداً شعبيا بهذا القدر أو ذاك .
ان حالة الجماهير هذه تجد تفسيرها فى حرمانها سنوات طويلة من أى لون من الاستقلال التنظيمى السياسى أو الثقافى ، وفى نجاح البيروقراطية فى الهيمنة الاقتصادية والايديولوجية والسياسية والحاق الجماهير الشعبية بها ، وأساسا على أرض من تشكيل المجتمع اقتصاديا واجتماعيا على مقاسها وبطابعها وفقاً للظروف التاريخية لنشأتها وتحولها ، وترك للجماهير الشعبية الخيار بين تأييد سياسات البورجوازية ، تأييدا ديماغوجيا ، وبين السلبية التى تؤيد اية سياسات اخرى ايا كانت ، وبأى درجة ، وتكلفه اجهزة عاتية للقمع بتعقب وتأديب وتصحيح اى خروج عن ( الخط) حتى ولو كان ذلك الخروج بشكل همس خائف بين كاتب سياسى ( انتهازى) وزوجته فى الفراش ( كما أوضح مزهوا بمخابراته المرحوم عبد الناصر لكتاب الطليعة عند زيارته لمؤسسة الاهرام 1969 ) .
أزمة الهزيمة
ولقد كانت هزيمة 67 بالشكل المروع الذى جرت عليه ،فضيحة مجلجلة لسياسات البورجوازية ولعبت الهزيمة باستمرار الاحتلال دوراً فعالا لتطوير التمايز الطبقى داخل الأمة ، فهى من ناحية قد عجلت بخطوات البورجوازية للالتقاء بالمصالح الامبريالية على ارض التبعية الجديدة التى تمثلت فى التنازلات السياسية والاجراءات الشهيرة ، وهى من ناحية اخرى قد دفعت القطاعات الاوسع وعيا نسبيا من الجماهير الشعبية الى تمييز نفسها عن البورجوازية المسيطرة ، بخطوط ازدادت وضوحاً .
الاحتلال الصغير والاحتلال الكبير
وبينما استمرت الازمة الوطنية بلا حل ، كان ثمة اتجاهان يتراكم عملهما لحل الازمة ، فالبورجوازية تبلور – خلال انعطافاتها المتتالية – حلا مؤقتنا وهميا ، أو تسعى من أجل تضييق رقعة ( الارض ) الضائعة والطريق الوحيد لها هو توسيع ( رقعة) ضياع الاستقلال الوطنى اى الاستجابة بالتحديد للحل الامريكى . وكان الطريق الى هذا الحل يتكون هو نفسه كاجزاء من الحل : قبول كل القرارات والمبادرات الاميركية . وقف حرب الاستنزاف ، تصفية ( يسار) البيروقراطية التواطؤ على تصفية الثوار الفلسطينيين , إقامة سياسة صداقة مع النظم العميلة ، طرد المستشارين السوفييت ، تحولات الانفتاح الاقتصادى ...الخ . كانت الاوضاع قد هيأت اذن لنجاح ( تحريك الازمة) فى أكتوبر وتلك التهيئة كانت قد تمت فى حدود غير ضئيلة ، ففى الايام السابقة على 6 أكتوبر كانت الصحف اليومية تحمل انباء قيام احتكار امريكى لتنفيذ خط أنابيب البترول بين السويس والاسكندرية جنبا الى جنب مع الاستعداد لجولة دبلوماسية جديدة ، انها تجد مسوغاتها الأجدر فى مجرد ( تلكؤ) الامريكان فى الوقت الذى بدأ يدق فيه ناقوس احمر صغير فى قلب ( الجبهة الداخلية)، السادس من أكتوبر بدلا من كل ايام السنة والساعة الثانية بدلا من كل الساعات ، وابرز الارتباط بين هذه المواعيد المحددة بدقة ، وبين حركة الشمس والقمر وانعكاس الضوء ... الا اننا نعتقد – رغم فيض العلم العسكرى هذا – ان موعد ( الشرارة ) كان يرتبط اكثر باقتراب فتح ابواب الجامعات ...!!
الاتجاه الثورى
اما الاتجاه الثانى لحل الازمة فهو الذى يربض فى قلب الجماهير الشعبية ذلك الذى لم يبلور سوى ملامح أولية . لقد تطورت عملية نقد واسعة لسياسات الطبقة الحاكمة بعد هزيمة 67 شارك فيها الجميع ولكن من على ارض النظام ، ولم يكن من المستطاع ان يكون النقد قفزة فجائية خارج مسار علاقات القوى الطبقية والاوضاع السياسة فى البلاد.
كان النقد الشعبى منطلقا من الشعب ، وكان الشعب لا يزال على الارض التى خططتها الطبقة الحاكمة . لقد انطلق النقد ، و الرفض فى كل مكان ابتداء من داخل منظمة الشباب ونقابات العمال حتى القهاوى ومجالس العائلة ، وانطلقت عدة مظاهرات عمالية وطلابية شعبية بصفة عامة فى مناسبات : تنحى المرحوم عبد الناصر ، ومحاكمات 68 ، ـ وموت عبد المنعم رياض ، ثم الاعتصامات العمالية الاقتصادية ... الخ مظاهرات انفجارية عفوية متقطعة كان اندلاعها يعكس سخط الجماهير الشعبية وبدء انفضاضها من حول مؤسسات النظام وسياساته وأيديولوجيته ، كما كان يكفى الامكانيات الثورية الهائلة الكامنة لدى الجماهير الشعبية باستقلال مصالحها وانعدام تنظيمها ، وبمعنى أدق استمرار وجودها من الناحية الاساسية على ارض البورجوازية تنظيميا وفكرياً .
ان التبلور النسبى لهذا الاتجاه الذى يملك الحل الحقيقى – تاريخيا كان عليه الانتظار حتى انتفاضتى 72و73 حيث برزت الملامح الاولية : البرنامج الديمقراطى الوطنى ( وفى القلب منه حرب التحرير الشعبية كطريق وحيد لإنجاز مهام التحرير الوطنى ). والبذور الاولى لاستقلال تنظيم الجماهير (اللجان الوطنية ، الأسر والجماعات الوطنية ، لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية ، التجمع الوطنى الديمقراطى ). واستقلال دعايتها المتمثلة أساسا فى صحف الحائط ثم التمرس بالنضال السياسى ضد سياسات النظام وأدواته القمعية وعملائه السياسيين الامر الذى عزز تمايز قطاع عريض من الديمقراطيين الوطنيين فى مواجهة النظام وهيئاته ، وأوجد تياراً وطنياً وديمقراطياً فعليا ملموساً فى مواجهة سياسات وأدوات البورجوازية ، وفى مجرى النضال برز عشرات من القادة الثوريين . لقد كانت انتفاضة 73 هى أول هجوم سياسى فعال على البورجوازية الحاكمة ، لقد انتفض ألوف من الطلاب الذين تظاهروا واعتصموا وبثوا تحريضهم ودعايتهم الى قطاعات ذات وزن من المهنيين والادباء وهيئات التدريس بالجامعات ومن العمال . وبينما كانت البورجوازية تواصل توثيق روابطها مع الامبريالية والرجعية ، بل والاستخذاء المهين تماما امام صلف الاسرائيليين ومناورات ( التلكؤ الامريكية) فانه كان من الطبيعى ان تتحول انتفاضة 73و 74 الى نهوض شعبى له وزن ( خطير ) حقا ، ولكن الالهام جاء فى الوقت غير متأخر ، فصدر القرار بحفظ القضايا الطلابية وعودة الصحفيين والكتاب المفصولين الى اعمالهم ثم العبور الى شرق القناة فى 6 أكتوبر .
ان الاوضاع لم تنقلب رأسا على عقب منذ ذلك الحين ، ولا الامور سارت وفقاً (لقوانين فوضى ) ما !!
بين المناورة والبطولة
ثمة مناورات سياسية اتبعها النظام فى اطار سياساته الاساسية ، وعلى قدها لا أكثر ولا أقل أثمرت تلك المناورات نتائج محدودة . لقد تضمنت معارك أكتوبر بطولات حقيقية للجنود وبعض الضباط – خصوصا الصغار منهم الذين لم ينم لهم سنم بعد على بطونهم – كما برزت هنا وهناك على أرض الجبهة الوان من ( الانتصارات)العسكرية فى بعض المواقع المحدودة ، فوجئ الناس بانه من الممكن احداث خسائر فى القوات الاسرائيلية وذلك كان يبرر فى النهاية الشعور بشئ من (( استرداد الكرامة )) فى معارك مع الاسرائيليين المتغطرسين الذين سمح لهم النظام خلال اكثر من ست سنوات بارتكاب جرائم لا انسانية ( حرق الاطفال والمدنيين فى بحر البقر وابو زعبل والسويس واسقاط الطائرة المدنية ....الخ ) تلك الجرائم التى قابلها النظام الحاكم بالعويل الواجب ، ثم تقديم مزيد من التنازلات ! والتى لم يكن من مبرر للاسرائيليين بارتكابها فى مجرى الصراع – حيث كان النظام يوضح دوما قبوله الاستسلام – الا من ناحية الامعان فى الاذلال المهين وتيئيس الشعوب العربية بشكل تام .
كانت ثمة مشاعر ملحوظة بالغبطة ازاء بعض المعارك البطولية للجنود المصريين ولكى يعمق النظام – بكل سرور – مشاعر الجماهير هذه اقام معرضاً للغبطة جمع فيه بعض الدبابات والعربات وحطام عدة طائرات وبراشوت ممزق فى نهايته دمية خشبية لم ينس تلطيخها ببعض البقع الحمراء !
اذن ، كان ثمة شعور ( باسترداد الكرامة ) (التى لم تكن فى الواقع سوى استسلام النظام واستخذاؤه) له ما يبره ولكن المسألة ليست مجرد كرامة ولا تتحكم بعض المشاعر الوجدانية فى كافة عوامل الصراع ..؟!
ان لهذا الشعور العام بعض التأثير ولكن الى أى مدى ؟!
وهل تستطيع الجماهير الشعبية ان تحتضن شعورها هذا أو يختبئ طويلاً متجاهلاً مسار الامور الفعلى الذى يلطخ كل ( كرامة) ؟
الواقع ان تأثير حرب اكتوب على حالة الجماهير لا ينحصر فى الشعور بشئ من استرداد الكرامة فحسب بل وفى الوهم الذى أقامته الحرب فى قدرة النظام على حل المشكلة (ووجوب التحلى بالصبر وترقب الحل المنتظر ...) !!
بين الخيال والواقع
ولكن حالة الترقب هى بطبيعتها حالة مؤقتة ، واذ يتم الفصل بين القوات على النحو الجارى فان المساحات التى انطلق منها شعار وديماغوجية الانتصار تتقلص الى اوضاع واقعية يجعل من الكلام عن الانتصار العسكرى نوعا من اللامعقول المكشوف ، كما ان هذا الفصل يحرم البورجوازية الى حد كبير من التلويح اليومى بحرب جديدة – الذى يستخدم فى الواقع للارهاب والاسكات ومحاصرة اى صوت معارض – كما يحرم الصحف من تلك المساحات الفعالة التى امتلأت باخبار رصاصات قليلة هنا وهناك ، ويفقد الاستسلام زينته وغطاءه .
واذا كانت الجماهير الشعبية بحاجة الى ان تصدم وتكشف بخبرتها الذاتية الاشكال المباشرة والملموسة للاستسلام الكامل ، فان البورجوازية لا تتباطأ اطلاقاً فى تقديم هذا العون . ان كل واحدة من الخطوات المكشوفة التى تخطوها البورجوازية على الملأ لا تقدم وحدها ذلك الاستسلام وان البورجوازية لديها جرثومة لعينة ، انها تمر من عناوين الصحف وتختفى فى اليوم التالى لتحل محلها خطوة اخرى، ولكنها تجتمع خفية هناك لكى تبرز على حين غرة مكتملة التكوين امام الجماهير ولا تصدق ، وان الفترة التى يستغرقها ذلك رهينة بالدعاية الثورية اساسا .
ان لبركات اكتوبر حدودا نهائية وان هذه الحدود النهائية مميزة ببعض المعالم الهامة ، بالدرجة التى وصلتها الجماهير فى انفصالها عن البورجوازية الحاكمة ، باستمرار ودأب الثوريين فى الدعاية والتحريض وتنظيم الجماهير ، لاحقة بالخطوات المتسارعة التى تخطوها البورجوازية فى علاقاتها الجديدة مع الامبريالية .
ان حرب اكتوبر لا تستطيع ان تلغى التناقضات انها تموهها لفترة ، ولكن طالما ان البورجوازية قد استخدمتها بشكل فعال فى بلورة التمايز الطبقى وان عن طريق طمسه فان هذه الحرب تسهم فى النهاية فى التمايز الطبقى حيث يتجسد التقاء البورجوازية بالمصالح الامبريالية فى مواجهة مصالح الجماهير ، فما استخدم للتعمية عن هذا التمايز هو فى الواقع جزء متجسد فى طريق التمايز . ان امواج اكتوبر التى رفعت البورجوازية امام عيون الجماهير هى نفسها التى تهبط على صخرة الملاذ الامبريالى ، متفتتة هذه المرة امام نفس العيون .

وبالطبع ليس ثمة ميكانيكية فى أى اوضاع سياسية ، ان دور الثوريين الحقيقيين هو دور اساسى فى رد السهم الى مصدره ، كل ما فى الأمر إبراز الامكانية الحقيقية لمواصلة الهجوم انطلاقاً من الوعى بحقيقة التحولات الجارية وافاقها . ان الجماهير الشعبية وقطاعاتها الاكثر وعيا لم تغمض الاعينا واحدة ، وهى على استعداد لفتحها اذا ما بذلت الجهود الكافية طالما ان الوقائع العنيدة تحاصر ابصار الاثنين .
ان حركة الجماهير الشعبية لا تتقدم دوما على نحو تدريجى ، سلمى متوازن ، اى (( ميكانيكى)) الا لدى المتمركسين المبتدأين وفى الحوادث التاريخية الساذجة ، اما فى الواقع فان التقدم لا يتم الابشكل ديالكتيكى ، اى انه يتضمن الانقطاع والتراجعات المؤقتة . ان الحركة الوطنية الشعبية الوليدة هى بعد اكتوبر استمرار حقيقى لما قبله ، لانتفاضة 73 ، ولكن الاستمرار هنا ليس مجرد تراكم يتم على نحو حسابى ، وحيد الجانب ، وفى الفراغ ، بل هو الاستمرار الذى واجهته حرب اكتوبر والمتأثر بها ، انه فى النهاية لن يكون الا الاستمرار المحتوى على كل عناصر اكتوبر ، الاستمرار الذى لا يمر من خلف ظهر اكتوبر بل الذى يتجاوزه تجاوزا حقيقيا.
ان الدعاية والتحريض يصبحان وهمين ، فارغين ، انتهازيين ، اذا ما قاما على تغيب كل ما حدث فى اكتوبر ، وهما يصبحان ثوريين فقط بالاصطدام بحرب اكتوبر وكل منطقها البورجوازى ، ان الحركة الجماهيرية لن تتجاوز اكتوبر بنسيانه ، بل بفهم طبيعته الكاملة فى ارتباطة التام بسياسات البورجوازية الحاكمة . وما هو مادة لديماغوجية الانتصار البورجوازاى والمكرس لخدمة اتمام الاستسلام يمكن أن يصبح بالعمل الثورى الدؤوب والصبور والواعى مادة معاكسة . ان الازمة التى يواجهها الثوريون فى اللحظة الراهنة تتحدد فى الاتى : ان حرب اكتوب لعبت دوراً ضخما فى سبيل اتمام التسوية الاستسلامية وان هذه الحرب نفسها استخدمت لاخضاع الحركة الجماهيرية الوليدة لسياسات الاستسلام اى ان نفس العامل الذى كان من الواجب ان يلعب دوراً فى تطوير هجوم سياسى شعبى ضد البورجوازية والامبريالية ، قد استخدم ليقوم بدور عكسى .
طبيعة المرحلة الراهنة
ولكن هذا الشكل بمجمله يتم على ارض تاريخية محددة : فالمرحلة الراهنة هى مرحلة هبوط البورجوازية الحاكمة وتفسخها ولجوئها الى الامبريالية كحصن نهائى وحيد لكافة رأسماليات البلدان التابعة فى مواجهة الثورة الاشتراكية وحركة التحرر المنسجمة . ان هذه الارض التاريخية تحدد من الناحية العامة ، لا تراجع الحركة الشعبية بل نهوضها واشتدادها . ان كافة محاولات البورجوازية لاطالة الامد ، لن تستطيع ابدا ان تعيدها الى مرحلة الشباب . وان نجاحاتها المؤقتة محكومة فى النهاية بداء الشيخوخة الذى لا فكاك لها منه . اذن فاننا لا نستطيع ان ننظر الى تأثير اكتوبر نظرة صحيحة ، الا بربطة بالمجرى التاريخى الذى تم داخلة .
حينئذ فان ( الازمة ) لا تصبح قدراً غريباً عنا ، ولكن تتحدد كوضع مفهوم يضع بنفسه حدوده ويبرز نفيه ( ولا يتم ذلك بمعزل عن الدور الواعى ، بل ان هذا الدور هو أحد شروط هذا النفى الجدلى )... ان ( الازمة ) تتضمن عناصر حلها .

فبراير 1974