الماركسية اللينينية والثورة الكوبيرنيكية في الفلسفة


مالك ابوعليا
2022 / 10 / 3 - 02:40     

كاتب المقالة: الماركسي البلغاري تودور ديميتروف بافلوف

ترجمة مالك أبوعليا

غالباً ما كانت الثورة الكوبيرنيكية موضوعاً للنقاش في تاريخ الفلسفة وفي العلوم الخاصة، فقد عاش كانط، على سبيل المثال، مع فكرة أنه كان من الضروري، اجتراح ثورة كوبيرنيكية في مجال التفكير الفلسفي، وقد قام بها لاحقاً. ما هو جوهر ثورة كانط "الكوبيرنيكية"؟
انطلقَ كانط، في كتابه (نقد العقل المحض)، من أن "الشيء بذاته" هو ما يؤثر على أعضاء حواسنا ويُسبب الاحساس، في حين أن "الوعي بشكلٍ عام" يصوغ البيانات الحسية الى أشياء وظواهر واقعية تبعاً لـ"أشكال ادراكها الحسّي" و"مقولات الفهم".
كان على هذه النظرة لطابع الأحاسيس والنشاط البنّاء لـ"العقل المحض" أن تقود كانط، وقد قادته بالفعل الى انكار الوجود والأهمية السببية لـ"الشيء بذاته"، أي العالم المادي الخارجي.
كانت النتيجة غير مُتوقعة: لم يكن العالم المادي الموضوعي هو الذي ينعكس بطريقة أو بأُخرى في "الوعي بشكلٍ عام"، بل "الوعي بشكلٍ عام" هو الذي يخلق المكان والزمان والسبب والنتيجة والكم والنوع والعلاقات الأُخرى الموضوعية في الواقع الطبيعي والاجتماعي. بعبارةٍ أُخرى، ليس العقل (الوعي) هو الذي يتطابق مع الأشياء الواقعية وخصائصها وأشكالها وعلاقاتها، بل العكس تماماً: الأشياء الواقعية موضوعياً في الطبيعة والمُجتمع تُبنى وتتشكل بـ"العقل الانساني المحض" بمساعدة الأشكال الرئيسية للادراك الحسي ومقولات الفهم. وبالتالي، فليس الوعي هو الذي "يتمحور" حول الواقع الموضوعي، بل الواقع الموضوعي هو الذي "يتمحور" حول "الوعي بشكلٍ عام".
وهكذا، بدا كانط ليس مثل كوبيرنيكوس، بل مثل بطليموس، الذي كان يعتقد أن الشمس تدور حول الأرض. جعلت ثورة كانط "الكوبيرنيكية" مفهومه، أساساً للنظريات الفلسفية والمنطقية الثنائية المثالية الذاتية والمثالية الموضوعية واللاأدرية والتي كانت في مُجملها موجهة ضد المادية الفلسفية والابستمولوجيا المادية والمنطق والدياليكتيك.
كان يجب على المادية ما قبل الماركسية، والتي هي في الأساس ميكانيكية وميتافيزيقية وتأملية، أن تتخذ خطوةً الى الأمام في تطوير فكرة أن الوعي "يتمحور" حول الوجود وليس الوجود حول الوعي. ومع ذلك، نحن نعلم، أنه بالنسبة للمادية ما قبل الماركسية، بما في ذلك مادية فويرباخ، الوعي أو "الرأي" هو العامل المُحدد للتطور التاريخي عندما يتعلق الأمر بالتاريخ والعلوم الاجتماعية. كانت المادية ما قبل الماركسية، في هذا الصدد، مثالية وميتافيزيقية في عالم التاريخ (والعلوم الاجتماعية بشكلٍ عام). وبالتالي، لم تكن قادرةً أيضاً على القيام بثورة كوبيرنيكية في الفلسفة والعلوم الاجتماعية. ظلت هذه المهمة قائمة ليحلها في وقتٍ لاحق الماديين الدياليكتيكيين الحقيقيين، وقد حلّها ماركس وانجلز ولينين بالفعل.

***

قام مؤسسو الماركسية، بالضبط في المكان الذي تعثرت فيه المادية ما قبل الماركسية، بتقديم تفسير علمي للتاريخ، بثورةٍ كوبيرنيكية حقيقية عندما أظهروا من خلال تعاليمهم المادية التاريخية بأكملها أن الوجود الاجتماعي يُحدد الوعي الاجتماعي، أن الوجود الاجتماعي أساسي وأن الوعي ثانوي، أن العلاقة بينهما دياليكتيكية، وأنه لا يُمكن تفسيرهما كعلاقة بين التأمل السلبي والنشاط الصوفي.
طَرَحَ الماركسيون الكلاسيكيون نقداً ناجخاً ومُدمراً لما يُسمى بنظريات عوامل التطور الاجتماعي، لكنهم احتفظوا مع ذلك بالعناصر القيّمة فيها، أي "أخذوا منها الخُلاصة الجيدة" ان استخدمنا تعبير هيغل، لإثراء مفهومهم العام عن أسبقية وأساسية الدور المُحدد للوجود الاجتماعي والطبيعي الواقعي الموضوعي.
هذه هي الافتراضات الأساسية للنظرية الماركسية اللينينية حول التاريخ الانساني والتطور الاجتماعي بشكلٍ عام، والتي يُمكن العثور عليها في أي نص أولي حول المسائل الاجتماعية والسياسية، والتالي المقبولة بشكلٍ عام بين الماركسيين اللينينيين.
في هذه الحالة، ليس من الضروري إثبات الطبيعة الكوبيرنيكية الحقيقية للثورة التي قام بها الماركسيون الكلاسيكيون، والتي تُعرَض بشكلٍ رائع في مقدمة ماركس لنقد الاقتصاد السياسي وفي جميع أعماله الفلسفية والتاريخية والاجتماعية والعلمية السياسية هو وفريدريك انجلز.
من الأهميةِ بمكان، توجيه الانتباه الى جانب آخر للمسألة، أي الطابع الدياليكتيكي العميق للثورة الكوبيرنيكية وأهميتها التي قام بها ماركس وانجلز ولينين بعدهما. من أجل التعبير بشكلٍ أكثر دقة عن معنى هذا التصريح، دعونا نستذكر فقرة في رسالة من انجلز الى بلوخ: "ان الوضع الاقتصادي هو الأساس، لكن العناصر المُختلفة للبُنية الفوقية-الأشكال السياسية للصراع الطبقي ونتائجه، ومثالها: الدساتير المُطبقة من قِبَل الطبقة الظافرة بعد معركةٍ ناجحة، الخ، والأشكال القانونية، وحتى انعكاسات جميع هذه الصراعات الفعلية في أدمغة المُشاركين، والنظريات السياسية والحقوقية والفلسفية، والآراء الدينية وتطورها اللاحق الى أنظمة عقائدية، تُمارس كذلك تأثيرها في مجرى الصراعات التاريخية وفي كثيرٍ من الأحوال تُحدد شكلها بصورةٍ مُتفوقة"(1).
في وقتٍ أسبق من هذا الى حدٍ ما، أوضحَ انجلز أن ماركس نفسه قد وجّه الانتباه في البداية الى الدور الأساس الاقتصادي المُحدد. كان هذا ضرورياً من أجل النضال ضد المثالية التاريخية، بما في ذلك المفاهيم المثالية التي يتبناها الماديون ما قبل الماركسيون (بما في ذلك مادية فويرباخ) فيما يتعلق بالتاريخ والتطور الاجتماعي. كان من الصحيح تماماً من الناحية الاستراتيجية والتكتيكية في ذلك الوقت، التأكيد على دور القاعدة الاقتصادية المُحدد على وجه التحديد، من خلال وضع هذا الافتراض في مواجهة من النظرية المثالية القائلة بأن الوعي البشري أو "الآراء" تلعب الدور الحاسم.
هذه النظرة التي يتبناها ماركس فيما يتعلق بجوهر وأهمية القاعدة الاقتصادية هي وجهة نظر أساسية وجوهرية في نظرية لينين حول نُظُم وأشكال تطور المُجتمع التاريخية. في الوقت نفسه، فإن الجهود المبذولة لإختزال النظرية الماركسية للمُجتمع بهذه الصيغة فقط تجعل من المُمكن لأعداء الماركسية أن ينتقدوها من خلال مُعارضتها بالتنوع والديناميكية الهائلة للتطور الاجتماعي والتاريخ البشري بشكلٍ عام.
وبالضبط، من أجل خطف هذه الفُرصة التي يتحينها أعداء المادية التاريخية، أكّد انجلز، في رسالته الى بلوخ، أن جوانب مُختلفة من البناء الفوقي تُهيمن، في كثير من الحالات، في تحديد شكل الصراع التاريخي. علاوةً على ذلك، فهو يُدرج من بين هذه الجوانب حتى الآراء الدينية وتطورها اللاحق الى أنظمة عقائدية.
هذه الرسالة من انجلز الى بلوخ تحتل أهمية استثنائية للنظرية والمنهجية، على الرغم من أن أهميتها لم تَحظَ بدرجة من الفهم الذي تستحقه، سواءاً في سياق دراسات مُعينة في مجال النظرية والمنهجية أو في سياق النضال الطبقي نفسه.
فيما يتعلق بالمسألة المعنية هُنا، حول طبيعة وأهمية الثورة الكوبيرنيكية التي أحدثها ماركس وانجلز ولينين في مجال تاريخ المُجتمع البشري، من المُهم بشكلٍ خاص التأكيد على أن هذا التصريح الذي أدلى به انجلز ذو أهمية أساسية. بمعنى أن العلاقات بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي تُفهم على أنها علاقة ديناميكية ودياليكتيكية عميقة، وليس كما تُفهم في بعض الأحيان بطريقة مُبسطة وغير دياليكتيكية.
هذا مُهم بشكلٍ خاص على مُستوى العلاقة بين شكل ومُحتوى الأشياء والعمليات الواقعية موضوعياً، تلك الواقعة في مجال البناء الفوقي والبناء التحتي. ان تحدّدَ الشكل فقط وبشكلٍ حصري من خلال مُحتوى الشيء أو العملية المعنية، فسيكون في هذه الحالة جُزءاً فقط من الشيء وليس شكله، أي أنه سيتوافق مع جُزء من المُحتوى نفسه.
على الرغم من أن ذلك الشكل يتحدّد قبل كُل شيء وبشكل رئيسي من قِبَل المُحتوى، الا أن الشكل لا يكون شكلاً الا عندما يتأثر بتحدده لكلّاً من ظواهر البناء الفوقي الأُخرى من جهة والبيئة الاجتماعية والطبيعية من جهة أُخرى. وفقط لأنها تُمارس تأثيراً حاسماً على الشكل، فإن هذا الشكل لديه الفُرصة ليس فقط للتعبير عن جانب مُعيّن من مُحتواه، والذي يتجلّى في البيئة المعنية الملموسة، وفي وجود ظواهر اجتماعية من البناء الفوقي، بل أيضاً لديه الفُرصة ليؤثّر في مُحتواه، بحيث يكتسب، في ظل ظروف تاريخية مُعينة، أهميةً حاسمةً للتطور اللاحق للشيء أو للعملية المعنية.
ان للأساس الاقتصادي أهميةً حاسمةً ويُمارس التأثير الحاسم على تطور المُجتمع في ظروف تاريخية مُعينة. قد يُمارس الشكل، في بعض الحالات، تأثيراً حاسماً على تطور بعض ظواهر البناء الفوقي للمُجتمع، ولكن ليس له أبداً تأثيراً حاسماً على التطور اللاحق للمُجتمع ككل في ظل الظروف التاريخية نفسها، وبالتالي، تُثبت العلاقة بين الشكل والمُحتوى في كلا الحالتين، على أنها دياليكتيكية بعُمق، وليست بسيطة وخطية كما تفترض تخطيطات المادية التاريخية التبسيطية.
يُمكن أن يظهر هذا الموقف الدياليكتيكي من خلال التطور الفعلي للسوسيولوجيا وعلم الجمال واللغويات والنظرية التربوية وما شابه. ولكن يُمكنه أن يكون موضوع دراسات خاصة أيضاً. من المُستحسن أن نقول بضع كلمات فيما يخص الثورة الدياليكتيكية الكوبيرنيكية التي تحققت في مجال مقولات مثل الزمان والمكان، الوعي والعقل بشكلٍ عام، والعلاقة بين الآلة أو بالأحرى الآلة السيبرنيتيكية المؤتمتة والانسان وادارة المُجتمع(وهذه الأخيرة لن نُترجمها-المُترجم).

***

حدثت إحدى الثورات الكوبيرنيكية في عالم الفيزياء. ودون أن نتطرق الى مُعالجة شاملة لهذه الثورة، دعونا نؤكّد قبل كُل شيء أن ثورةً كوبيرنيكية حقيقية حدثت بالفعل في نظرية المكان.
اعتبر نيوتن المكان نوعاً من المجال أو الوعاء المُغلق الذي توجد فيه الكيانات والظواهر الطبيعية والاجتماعية وتتفاعل وتتحرك وتتغير، وما الى ذلك. هذه النظرة النيوتونية للمكان ككرة أو وعاء مُغلق قد أدت الى عددٍ من المُفارقات العصية على الحال، أحدها أن الكيانات داخل هذا الوعاء والتي تتحرك في اتجاهاتٍ مُختلفة وتتفاعل مع كياناتٍ أُخرى، هي كيانات مكانية Spatial، بينما المكان خارج هذا الوعاء والتي لا تقع هذه الكيانات فيه، يضم هذا الوعاء والذي لا يُمكن لتلك الكيانات أن توجد بدونه ككيانات مكانية مُتحركة وتتفاعل سببياً.

هذه المفارقة لا يُمكن تجاوزها بأية أدوات منطقية. كان من الضروري ببساطة إزالة المجال المكاني من العلم وترك الأشياء المادية فقط، والتي تتضمن سماتها الأساسية سمات وأشكال المكان والحركة والزمان. هذه المُهمة بالتحديد، أي مهمة فتح مجال نيوتن المُغلق وتحويله الى خاصية رئيسية أو سمة أو شكل للأشياء والعمليات الواقعية الموضوعية، قد شَغِلَت البرت اينشتاين، أحد أعمدة الفيزياء الحديثة.
يعرف كُل شخص، مُطلع على تاريخ العلم، النتائج الهائلة التي حققتها الفيزياء الحديثة بعد هذه الثورة التي أحدثها اينشتاين، الذي استخدم لتحقيق هذه الغاية البراهين الرياضية، وفي الوقت نفسه التجارب الفيزيائية، على سبيل المثال تجربة ميكلسون Michelson experiments.
لا تقتصر فضائل اينشتاين على هذا وحده، ولكن هنا لا نذكر مُنجزاته الأُخرى لكي نُلاحظ حقيقة لا يُدركها الناس ولا تحظى بتقديرٍ كافٍ اليوم من قِبَل بعض المؤرخين ومنظري العلوم الطبيعية والفلسفة. نُشير الى حقيقة أن ماركس وانجلز قد سَبَقا اينشتاين في قلبهما مكان نيوتن المُغلق، حيث قام هذا الأخير بقلب مكان نيوتن المُغلق على أساس الحُجج الرياضية والتجارب الفيزيائية. اعتبر ماركس وانجلز المكان والزمان والحركة كخصائص أساسية وأشكال للمادة، وأنها تتجلّى بشكلٍ مُختلف اعتماداً على الظروف لمُختلفة لوجودها وتطورها. ومع ذلك، لم يستخدم ماركس وانجلز الحٌجج الرياضية أو التجارب العلمية فيزيائيةً كانت أو غيرها، ولكن استخدما مناهج المنطق والابستمولوجيا والمادية الدياليكتيكية، والتي قادتهم الى نفس النتيجة التي توصل اليها البرت اينشتاين لاحقاً على أساس البراهين الرياضية والتجارب الفيزيائية.
أثبتت الثورة الكوبيرنيكية التي قام بها الماركسيون الكلاسيكيون واينشتاين أنها مُثمرة بشكلٍ إستثنائي في طرح وحل قائمة طويلة من المسائل في الفيزياء والبيولوجيا والعلوم الأُخرى (على سبيل المثال، مسألة التجزّئ اللانهائي للالكترون الى جُزيئات أصغر(أ)، ودور وأهمية البروتينات في الكائنات الحية، والتطور من اللاحي الى الحي، وما الى ذلك). كان الدحض العلمي الشامل لجميع النزعات الروحانية والمثالية (الذاتية والموضوعية) في المسائل المُتعلقة بجوهر ودور وأهمية حياة العقل والوعي بشكلٍ عام، هو نتيجة هذه الثورة.
ان الثورة التي أحدثها ماركس وانجلز على وجه التحديد في النظرات حول علاقة المادة بالمكان والحركة والزمان هي التي سمحت بل استلزمت تنفيذ ثورة كوبيرنيكية أُخرى فيما يتعلق بوعي الانسان. بعبارةٍ أُخرى، قاموا بإحداث ثورة كوبيرنيكية في مجال الابستمولوجيا نفسها والسيكولوجيا الاجتماعية والفردية وكل العلوم الاجتماعية التي تستند على مفهوم الوعي، وفي العلوم المُتعلقة بالنظرة الى العالم، اي في الفلسفة، بما في ذلك نظرية الانعكاس المادية الدياليكتيكية.
ولكن ماذا يعني كل هذا بمصطلحاتٍ أكثر دقة؟

***

كثيراً ما يُصادف المرء في كُلٍ من الأعمال العلمية والايديولوجية العامة التأكيد على أن الوعي الانساني يحتوي على صور ذاتية للأشياء الموضوعية، أي تصورات حسية، أفكار، مفاهيم، عواطف، الخ. لقد اعتدنا جميعاً على هذه الفكرة، التي بلا شك تحتوي على بذرة من الحقيقة، ولكنها بذرة يجب شرحها بشكلٍ صحيح واستخدامها بشكلٍ مُلائم. ولكن، ان كان على المرء أن يقبل وجهة النظر هذه، فسوف يواجه المرء حتماً مُفارقات لم يتم حلها، كما كان الحال يتعلق بمفهوم نيوتن عن المكان بإعتباره كرة أو وعاء مُغلق.
يُمكن فهم معنى هذا التأكيد بشكلٍ أفضل ان تذكرنا أن ماركس، في مواجهته لوجهة نظره مع الموقف الهيغيلي، قد عرّف المثالي Ideal على أنه المادة التي زُرِعَت في رأس الانسان وتحوّلت فيه. أو نفس الشيء ان قلنا، أن المثالي هو المادة المزروعة في رأس الانسان (ليس فيه وعي الانسان) والذي يتحول فيه. تحدّثَ ماركس حول رأس الانسان بالتحديد. كل وعي، هو خاصية، سمة، وظيفة لرأس الانسان الذي يُفكّر. انه، أي الوعي، ليس جوهراً أو روحاً مُستقلاً يدخل فيه أحاسيسنا ومفاهيمنا وأفكارنا وأحكامنا وعواطفنا وقراراتنا ويخرج منه. الوعي ليس فقط يحتوي على كل ذلك (مثلما كان المكان النيوتوني يحتوي على كيانات مادية مُتنوعة)، ولكنه يتألف منها.
انها تؤلّف الوعي في مجموعها-ليس كمجموع حسابي لها، بل كنوعية دياليكتيكية جديدة- وفي تطورها. ان الوعي، كخاصية جديدة أكثر تعقيداً وأرقى دياليكتيكياً، يكتسب بل ويدمج في محتواه عددً من خواص الأشياء الحقيقية-الطبيعية والاجتماعية-الموضوعية الحسية النوعية. بدون أن يتوقف الوعي عن أن يكون مثالي (بالمعنى الماركسي للمُصطلح) ونفسي وذاتي ويتألف من تصورات ومفاهيم وأفكار وأحكام وعواطف وقرارات وما الى ذلك، وفي نفس الوقت، بدون أن يتوقف عن كونه نوعية جديدة لا يُمكن اختزالها الى مُجرّد مجموع حسابي، فإنه، أي الوعي، وككلٍ نوعيٍ جديد، هو صورة ذاتية (أو انعكاس) لكيانات اجتماعية أو طبيعية حقيقية وموضوعية، والتي (أي الكيانات) هي ليست مُجرد مجموع حسابي لصفاتها الحقيقية وأشكالها.
تنعكس هذه الخصائص والصفات وأشكال الأشياء الكُلية في الأحاسيس والتصورات المُختلفة. ومع ذلك، يُمكن أن تنعكس النوعية غير الحسابية، بل الدياليكتيكية للأشياء الموضوعية الحقيقية، وهي تنعكس كشيء مثالي Ideal (ذهني، ذاتي) فقط في الدماغ البشري مأخوذاً (أي الدماغ) بكُليّته البيولوجية والاجتماعية والنفسية والمنطقية.
وفقط على أساس مثل هذه الوظائف المُتخصصة والمُتكاملة لدماغه يستطيع الانسان أن يمضي قُدُماً من خلال إدراك أعضاء المُجتمع الآخرين الى إدراك نفسه كعضو في المُجتمع، أي باعتباره كائناً اجتماعياً بطبيعته. سيكون عكس ذلك، هو حل مثالي صرف ولاأدري وصوفي لمسألة الوعي البشري-وللمسألة الأساسية في الفلسفة-والوعي الذاتي كصورة ذاتية للأشياء الموضوعية، وليس حلاً علمياً، ومن ثم ليس دياليكتيكياً.
ان تعريف ماركس للمثالي Ideal-وكل وعي ووعي ذاتي كمثالي، كمثل كل المعرفة والمعرفة الذاتية، قد اكتسبت عند لينين صيغةً أكثر كلاسيكيةً وايجازاً: "الفكرة هي الصورة الذاتية للأشياء الواقعية الموضوعية". لقد ناضَلَ لينين بشكلٍ صريح على حدٍ سواء ضد المُطابقة المُطلقة والميتافيزيقية بين المادة والوعي (التي كان بازاروف وأتباع المدرسة الكمونية Immanentists وجوهانسون رمكه Johannes Rehmke يقومون بها)، وضد التنازلات لصالح الذاتية واللاأدرية التي طرحها هيلمهولتز وبليخانوف، من أجل مُحاربة أي انحراف عن الخط المادي الدياليكتيكي الأساسي في نظرية المعرفة.
من المُهم بشكلٍ خاص أن نُكرر مرةً أُخرى أن ماركس تحدّثَ عن الوعي ليس على أنه شيء يتعلق بالأشياء المثالية Ideal، وبالقدر نفسه ليس على أنه هو مثالي بحد ذاته، ولكن تحدث عنه كشيء ينتمي الى رأس الانسان، أي الى الدماغ الانساني. عاد لينين مراراً في دفاتره الفلسفية الى مفهوم ماركس هذا وطَرَحَ صياغةً كلاسيكيةً له، والتي يُفكّر الانسان، وفقاً لها، بدماغه، وبالتالي الانسان الاجتماعي هو الذي يُفكر بدماغه، وليس الدماغ مأخوذاً بذاته ولذاته، وليس الوعي بذاته وبحد ذاته.
وفقاً لهذه الصيغة، يُثبت الوعي، وكل ما هو مثالي (الذهني والذاتي) أنه خاصية وسمة وشكل ونتاج للإنسان، الذي هو نفسه مجموع علاقاته الاجتماعية.
ان افترضنا أنه ليس الانسان الاجتماعي هو الذي يفكر بمساعدة دماغه، بل الوعي هو الذي يُفكّر وأنه هو بحد ذاته شيء نفسي أو مثالي Ideal صرف، فإننا نصل الى مفارقة: الأفكار موجودة في الأفكار، والأفكار تُدركها الأفكار، وهناك أفكار مُدرَكَة وغير مُدرَكَة، وبالتالي أفكار غير مُدركة في الأفكار غير المُدرَكة، وهلمَّ جرا. أظهَرَت أفكار ليبينيز الواحدية وفلسفة كانت وهيغل المثالية فشلها وعدم امكانية الدفاع عن هذه التأكيدات. لقد كانت في جوهرها، افتراضات مثالية دحضتها الخبرة الانسانية العلمية والممارسة الاجتماعية التاريخية.
يعرف كل ماركسي لينيني أن الفرق بين الوعي والوجود مُطلَق فقط طالما بقي المرء في إطار الابستمولوجيا. بمجرد أن ننظر الى الجانب الأنطولوجي، أي بمُجرّد اعتبار الوعي خاصية للمادة رفيعة التطور، أي الدماغ، يصير الاختلاف نسبياً. ومع ذلك، هذا لا يعني أن كل الحدود بين المادة والوعي تختفي.
اعتبر لينين أن التفكير هو خاصية لكل مادة ووعي باعتباره أعلى شكل من أشكال
الانعكاس بشكلٍ عام، وهو ما يُميّز الانسان، الذي يوظّف أدوات الانتاج وينتظم في المٌجتمع ويستخدم لغة التواصل في عملية العمل وكل التطور الاجتماعي.
وفقاً للينين، الانعكاس كخاصية لكل مادة، هو في الأساس يُشبه الاحساس Sensation، ولكنه لا يتطابق معه. على الرغم من أنني صغت هذه الفكرة في الطبعة الأولى من مؤلّف (نظرية الانعكاس)، الا أنها تنبثق منطقياً من افتراضات نظرية لينين الأساسية حول الانعكاس كخاصية عامة للمادة والدياليكتيك باعتباره، أي الدياليكتيك المنهجية الأكثر شموليةً لتفسير وتغيّر جميع الكيانات والعمليات المادية الطبيعية والاجتماعية. ان لم يلتزم المرء بصرامة بهذه التعاليم، فقد يقع المرء في فخ الإرواحية hylozoism والأُنسية panpsychism (أي الوعي يوجد في كل شيء حولنا)، وغيرها من الأخطاء الذاتية واللاأدرية.
ومن أجل حماية النظرية الابستمولوجية المادية من الارواحية والأُنسية، ومن أجل التأكيد على الطابع التاريخي والاجتماعي لدور وأهمية الوعي، اعتبر لينين القدرة على الانعكاس بأنها خاصية لكل مادة في عملية تطورها الدياليكتيكي. مكّنَ هذا لينين من انتقاد كل الماديين الميكانيكيين المُبتذلين الذين طابقوا بين المادة والوعي، وانتقاد أنواع مُختلفة من المثالية التي حوّلَت الوعي الى جوهر روحي مُستقل.
كما رأينا مُسبقاً، توصّلَ لينين، لدّن تتبعه المُستمر لهذا المفهوم، الى نتيجة مفادها أن (الانسان) بالذات هو الذي يُفكّر بمُساعدة دماغه، وليس الدماغ هو الذي يفعل ذلك، بشكلٍ مُستقلٍ عن الانسان. فيما يتعلّق بـ"الوعي بشكلٍ عام"، فهو على وجه التحديد وظيفة وخاصية وشكل ونِتاج للانسان الاجتماعي-التاريخي الفاعل، الذي يُفكّر بمساعدة دماغه.
يُطرَح في هذه الحالة سؤال مُهم للغاية: ألا تحدث تغيّرات خاصة في الوعي الانساني (بنفس الطريقة التي ينحني بها شعاع ضوء من نجم بسبب كُتلة جاذبية الشمس الهائلة) عندما يُفكّر الانسان بمساعدة دماغه ومؤدياً وظائف اجتماعية مُتنوعة، وواجداً نفسه في علاقات مُتنوعة مع الطبيعة وأفراد المُجتمع، ومُستخدماً في دفاعه عن نفسه وفي الانتاج ليس فقط المواد الطبيعية الجاهزة بل مواد وأداوات تتحسن باستمرار، حتى أنه اليوم قد صنَعَ الأجهزة الالكترونية ومولّدات الكوانتم والمحطات القَمَرية، وما الى ذلك؟
تكتسب مسألة الوحدة الدياليكتيكية بين النظرية والمُمارسة، عندما تُفهَم طبيعة الوعي الانساني على هذا النحو، نقول، تكتسب جوانب جديدة لا تؤخَذ فيها المُمارسة في المقام الأول كأساس للمعرفة وهدفها ومعيارها، بل وأيضاً باعتبارها "واقعاً مُباشراً" (لينين). ان مُعالجة العلاقة الدياليكتيكية بين النظرية والمُمارسة من هذه الناحية تفتح آفاقاً مُهمة للتطور الشامل والمُتسارع للوحدة الدياليكتيكية بين النظرية والمُمارسة نفسها، ولا سِيَما تطورها اللاحق بالروح الكوبيرنيكية فيما يتعلق بأحدث التكنولوجيات، أو بالأحرى، بالمعدات السيبرنيتيكية الالكترونية والمؤتمتة.
يكتسب علما النفس والاجتماع العلميين تطوراً شاملاً ومتسارعاً في حالة التكنولوجيا والانتاج المُعاصرين وفي ضوء الآفاق الواسعة التي تتضح بوضوح أكبر في تاريخ الانسان والبشرية.
ومع ذلك، لا يوجد دليل تجريبي، ولا يوجد سبب منطقي يدعونا لقبول فكرة التخاطر كوسيط بين العقول، دون وساطة مادية.
بقدر ما يكون الادراك مُستحيلاً من خلال التخاطر الذهني الصرف، فإن الفكرة القائلة بأنه يُمكن ادراك كُليّة الأشياء بعيداً عن ادراك أجزاءها وخصائصها هي أيضاً فكرة غير علمية، ولا تؤدي الى شيء سوى تشويه الحقائق عند اجراء "تجارب" روحية مُختلفة.
ليس كل شيء في الادراك هو حسي، تماماً كما لا يُعتبر كل ادراك للكل بأنه ادراك كُلّي. لكن بدون أيٍ منهما تكون المعرفة العلمية مُستحيلة، طالما أنها صورة ذاتية للعالم الواقعي الموضوعي مأخوذة في المكان ثُلاثي الأبعاد والرُباعي الأبعاد والمُتعدد الأبعاد المُرتبطة بتغيرات الأشياء النوعية وتفاعلها العام.
هذا على وجه التحديد (مثل حقيقة أن الماضي هو شرط الحاضر، والحاضر هو مُقدّمة للمُستقبل)، هو الذي يجعل من المُمكن للعلم أن يكتسب المعرفة ليس فقط حول الماضي والحاضر، بل حول المُستقبل أيضاً. يخضع الماضي والحاضر والمُستقبل، كُلٍ منهم على حِدة وبشكلٍ معزولٍ عن الآخر، للتحول الى نقاط أو أجزاء رياضية غير مُتحركة على الخط الزمني العالمي، ومن ناحيةٍ أُخرى، بمجرد أن يُصبح ارتباطها الدياليكتيكي مفهوماً، يبدأ المرء في فهم لماذا والى أي درجة يُصبح التنبؤ العلمي الحقيقي (والتي لدينا العديد من الأمثلة عليها) مُمكناً، ولماذا وبأي مقياس أيضاً تكون تنبؤات بعض "علماء المُستقبل" غير علمية.
يسمح هذا أيضاً بالفهم الصحيح والعلمي لبعض الظواهر في مجال الايحاء والتنويم المغناطيسي والأحلام، دون الحاجة الى اللجوء الى التصوف أو الفرويدية والروحانية. وهذا يجعل من المُمكن أن نفهم بشكلٍ صحيح، لماذا لا تكون طُرق التدريس والتنشئة، على سبيل المثال، ولا يُمكنها أن تكون منطقية بحتة. يستوعب الطفل، بعد ولادته، وخاصةً خلال أيامه وسنواته الأولى، اللغة ومجموعة من الوظائف الأُخرى المُميزة للانسان دون حتى الحاجة الى تدريسه قواعد النحو أو أي نوع من المنطق. فقط في سياق الحياة لاحقاً، يدرس الانسان اللغة والتفكير المنطقي. في وقتٍ لاحق، عندما يصير الانسان بالغاً ويريد أن يتعلم لغةً أجنبية، يُعمم تجربته في هذا الاتجاه بمساعدة معايير وقواعد اللغة، على الرغم من أنه يستوعب العديد من الكلمات من خلال الاتصال المُباشر مع الأشخاص الذين يتحدثون بهذه اللغة.
غالباً ما يتم الخلط بين جوانب هذه المسألة وينشأ سوء فهم. يُمكن للمرء أن يتخلص منها فقط عندما يفهم بشكلٍ صحيح المسار "الكوبيرنيكي" الجديد لتطور السيكولوجيا الحديثة. اذاً لن يكون علم النفس الارتباطي أو الجشتالي أو الفرويدي وعلم التخاطر مُرضياً. هناك آفاق واسعة جداً مفتوحة أما السيكولوجيا الحديثة، ولا سيما علم سيكولوجيا المٌستقبل، وعلم نفس المُجتمعات الشيوعية، سواءاً في البحث النظري أو جوانب العلوم التطبيقية العملية.
تمت مُلاحظة هذه الآفاق بشكلٍ أساسي منذ فترةٍ طويلة رجوعاً الى فترة الماركسية الكلاسيكية، ولا سيما من قِبَل لينين. يُمكنا نحن، مواصلي نهج ماركس وانجلز ولينين، بأن السيكولوجيا الحديثة تدين بمسارها "الكوبيرنيكي الحديث" لمؤسسي الماركسية، أو بالأحرى، للفلسفة الماركسية اللينينية والمنطق الماركسي، والابستمولوجيا والدياليكتيك، وللحل الماركسي اللينيني للمسألة الأساسية للفلسفة، بالاضافة للحل الماركسي اللينيني للمسائل الفلسفية في العلوم الخاصة الطبيعية والاجتماعية، بما في ذلك السيكولوجيا الاجتماعية والفردية.
من حيث الجوهر، لا يُمكن أن يوجد علم نفس اجتماعي بدون علم نفس الفرد، والعكس صحيح. لكن هذه مسألة أُخرى تنتظر مُعالجة ابداعية لاحقة من طرف المُنظرين الماركسيين السوفييت وغيرهم في مجال السيكولوجيا المُتخصصة. ومع ذلك، توجد أهمية خاصة في هذه الحالة لمسألة العلاقة بين الوعي والدماغ والذي يُفكّر الانسان بمساعدته، في حين أنه هو في نفس الوقت، "مجموع علاقاته الاجتماعية".
كان هذا الجانب من المسألة بشكلٍ خاص، أي مسألة العلاقة بين الفسيولوجيا والنفسية، والدماغ والوعي، وحياة المُجتمع بالانعكاسات العصبية والدماغية العُليا وغيرها من التمظهرات، هو الذي كان مجالاً لاهتمام الفسيولوجي وعالم النفس الكبير ايفان بافلوف. لقد أظهَرَ نظرياً وتجريبياً أن الانسان يُفكّر عن طريق دماغه وأن دماغ الانسان هو بالتحديد دماغ الانسان الحيّ. يتجلّى هذا في الارتباط العضوي بين النشاط العصبي الأعلى والجهاز اللغوي-المنطقي عند الانسان، وهو جهاز اجتماعي بطبيعته.
بعبارة أُخرى، لا تشتمل تعاليم ايفان بافلوف وغيره من العلماء السوفييت على تأكيدات نظرية لأُطروحة ماركس وانجلز ولينين الأساسية حول عدم وجود عقل كجوهر صوفي مُستقل، بل تأكيدات تجريبية كذلك. الوعي هو خاصة ووظيفة ونِتاج لانسان مُحدد يُفكّر بواسطة دماغه.
هذا انتصار عبقري للماركسية اللينينية في مجال علم النفس الاجتماعي والفردي، ولكن للأسف يوجد حتى يومنا هذا علماء نفس وفسيولوجيين حتى ماركسين يبتعدون بهذه الدرجة أو تلك عن أساسيات ومبادئ فسيولوجيا وسيكولوجيا بافلوف ويصلون حتماً الى مُفارقات غير قابلة للحل أو قبول المناهج السيكولوجية والفلسفية الرجعية.
تستحق الثورة الكوبيرنيكية التي قام بها السيكولوجي والفسيولوجي العظيم بافلوف أن تُصبح اليوم موضوعاً للأبحاث الخاصة والعامة ضمن اطار تاريخ العلوم. سيكون هذا أيضاً مُساهمة مُهمة في النضال ضد النظريات المثالية واللاأدرية في مجالات علم النفس والفلسفة والفسيولوجيا، وضد المُطابقة السلوكية الميتافيزيقية للعمليات الذهنية بعمليات الدماغ الفسيولوجية في السلوك الانساني.

* تودور ديميتروف بافلوف
1890-1977. تخرّج من جامعة صوفيا متخصصاً في الفلسفة والتربية. أصبح عام 1919 عضواً في الحزب الشيوعي البلغاري، وكان رئيس تحرير صحيفة ملاديج الشيوعية أعوام 1922-23.لوحِقَ سنوات العشرينيات من قِبَل الحكومة الهنغارية الرجعية. وهاجر الى الاتحاد السوفييتي عام 1932 وصار دكتوراً في فلسفة المادية الدياليكتيكية في معهد البروفيسورية الحمراء في موسكو. عاد عام 1936 الى بلغاريا وكرّس نفسه للصحافة، وتم وضعه في معسكرات الاعتقال النازية بين الأعوام 1941-1943. انتُخِبَ أكاديمياً عام 1945. كان بافلوف استاذاً في جامعة صوفيا من عام 1946-1948، وعضواً في مجلس الشعب من عام 1946-1976.
عضو في الجنة المركزية للحزب الشيوعي البلغاري من عام 1957-1977، وعضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي من 1966-1976.
كان رئيساً لأكاديمية العلوم البلغارية في الفترة من 1947-1962، ومدير معهد الفلسفة التابع لأكاديمية العلوم البغلغارية 1949-1952 و1960-1977، والرئيس الفخري لاتحاد الكُتّاب البلغاريين. تقلّد وسام "بطل العمل الاشتراكي" مرتين عامي 1960 و1965، ووسام "بطل جمهورية بلغاريا الشعبية". حصل على جائزة ديميتروف عام 1950 وخمسة أوسمة ديميتروف 1956، 1959، 1960، 1965 ووسامين لينين 1964، 1970 وميدالية مارل ماركس الذهبية.
ومن كتاباته: (نظرية الانعكاس) 1945، و(نظرية الانعكاس-المسائل الأساسية في المادية الدياليكتيكية) 1947، (المسائل الأساسية في علم الجمال) 1949، (الفلسفة والفيزياء) 1950، ومؤلفات كثيرة جداً في الفلسفة والأدب والنقد الأدبي وعلم الجمال وعلاقة العلم بالفلسفة.

1- مراسلات ماركس وانجلز، ترجمة فؤاد أيّوب، دار دمشق 1981، ص495
أ- إن أخذنا أي شيء مادي، مثل قطعة جبن، وواصلنا تقطيعها الى النصف مراراً وتكراراً، فهل سنصل الى لَبِنة أساسية من المادية لا يُمكن بعدها أن نُقسمها أكثر من ذلك؟ هذا السؤال كان يحتل مكاناً كبيراً في أذهان الفلاسفة على مدار آلاف السنين.
كان اسحاق نيوتن يعتقد، على سبيل المثال، أن المادة تتكون من جُسيمات صلبة ذات كُتلة لا يُمكن اختراقها ومُتحركة. ظهرت النظرية الذرية (الحديثة) في القرن التاسع عشر بفكرة أن كُل عنصر كيميائي يتكون من نوع فريد من الذرات وأن كُل شيء آخر يتكون من مجموعات من هذه الذرات. بحلول نهاية القرن تم اكتشاف جميع العناصر التي تنبثق بشكلٍ طبيعي، وعددها 92 عُنصراً. تحطّمَ هذا الوهم عام 1897 مع اكتشاف الالكترون أول جسيم ما دون ذري: أي تم تجزيء ما هو غير قابل للتجزؤ. تَبِعَ ذلك اكتشاف البروتون عام 1911 والنيوترون عام 1932، وهما الجُسيمان اللذات يُشكلان النواة الذرية. في العقود التي تلت ذلك صارت الجُسيمات ما دون الذرية في التكاثر مثل البكتيريا. واليوم نحن نعرف أكثر من 200 جُسيم تُكوّن الذرّة. تم انشاء مُعظمها من الطاقات الصادرة من تجارب تصادم مُسرعات الجُسيمات.
من أجل تنظيم الصورة العلمية للجُسيمات، تم وضع نموذج قياسي. وفقاً لهذا النموذج يوجد 12 جُسيم أساسي للمادة: ستة لبتونات leptons وأهمها الالكترون ونيوترونه، وستة كواركات (بما أن الكواركات تأتي بثلاثة ألوان فهناك 18 كواركاً). لم يتم اكتشاف أي كواركات فردية، ويُعتَقَد أنها توجد في مجموعات من كواركين أو ثلاثة. يُقال أيضاً أن هناك ما لا يقل عن 12 جُسيماً حاملاً للقوة (تم مُلاحظة 3 منها فقط بشكلٍ مُباشر) والتي تربط الكواركات واللبتونات معاً في أشكال أكثر تعقيداً. من المفترض على هذا، أن تكون اللبتونات والكواركات عبارة عن جُسيمات صغيرة بلا بُنية وصغيرة الى ما لا نهاية، وأنها لَبِنات أساسية للمادة. ولكن نظراً لأن النقاط اللامُتناهية في الصِغَر هي تجريدات، وأن الأشياء التي نراها من حولنا ليست تجريدات، فمن الواضح أن هذا النموذج القياسي غير كافٍ طبعاً. من الصعب أن نفهم كيف يُمكن أن يتكون البروتون ينصف قُطر 10أُس سالب13 سم من ثلاثة كواركات بأبعاد صفرية.
ومع ذلك الكواركات ليست كما تبدو بدون أي بُنية. تُشير الأدلة الحديثة من تجارب مُصادمة الجُسيمات الى أن الكواركات ذات بُنية داخلية وليست أولية بالمرة. ان عدم اكتشاف أي بُنية داخلية للالكترونات لا يُثبت أي شيء سوى أنها أصغر مما يُمكن قياسه حالياً، وليس أنها بدون بُنية.

مُلاحظة: لم نُترجم آخر 5 صفحات من هذه المقالة.

ترجمة لمقالة:
Todor Pavlov (1974) Marxism-Leninism and the Copernican Revolution in Philosophy, Soviet Studies in Philosophy, 13:1, 4-23