أعياني أني أرث شوقك في دواخلي


عذري مازغ
2022 / 9 / 23 - 19:41     

"أوحلخ أشسموتولخ امالك ذيكي!"
(ouhalkh achsmoutolkh amalg digui)
"أعياني أني أرث شوقك في دواخلي " من الرومانسيات الأمازيغية من الشعر المأثور.
تستلبني المعطيات الجديدة وتؤثث معارفي في نسيج مختلف ومع ذلك لا زلت أرث ذلك الحلم، أرسمه وأعلقه في حائطي، لازلت أحمل في كينونتي هويتي!
طريقة العيش، "أبريذ نباظاظ" (طريق الحب)، نفس الحكايات الجميلة، نفس البساطة، ونفس الوضوح، نفس المرح البدوي المبهج في تجلياته، هناك أشياء من عمق البدوية لا يمكن قتلها باسم المدنية: الأخلاق الريفية الجميلة، غياب الجريمة، الكرم البدوي، التعامل بمنطق الحاجة وليس بالإسراف مع الطبيعة، وهذه هي الأمور التي تصنف حاليا بشكل ما في سياق احترام البيئة: أمور موروثة فينا فطريا تقدمها المدنية على أنها عملية تحسيس ووعي علمي بنطاق البيئة. حتى عملية التدجين في البادية كانت عملية توافق بين حاجة السكان للحم والبيض والصوف وغيره وحاجتهم للحفاظ على الأنواع : عملية متوازنة بين الحاجة في ذاتها والحفاظ على استمرارها بشكل متوازن: نسرق البيض من دجاجه لكن في نفس الوقت نترك عددا مهما للتفريخ وفي سياق الكم والكيف نوازن نحن البشر بين الإنتاج والاستمرار، بين الحاجة وبين الضرورة وهذه العملية هي ما يسمى الآن بالمنتوج الإيكولوجي.
ظهور الرأسمالية بما أنها صناعة للتسويق أخل بهذا القانون البيئي: تقدم الصناعات يعني وضع خلل في سياق الإنتاج الطبيعي، ليس خلل بل تجاوز سياق عملية الإنتاج من خلال المعرفة العلمية وهذه الاخيرة ساهمت في الأمر بشكل مريب، فهم قوانين الإنتاج ساهم في تسريع الزمن الإيكولوجي للمنتوجات الحيوية مثل اللحوم والبيض وكذلك المنتوجات الفلاحية: الآن يمكن زرع أي شيء في أي مكان وأي زمان: العلم يخلق ظروف الحياة لكثير من المنتوجات في أي مكان وأي زمان بتوفير الظروف الملائمة صناعيا: يمكننا الآن أكل الفاكهة الموسمية في غير موسمها، يمكننا تدجين السمك والحيوانات الاخرى التي لا يمكن بيئيا ان توجد في بيئتنا بتوفير بيئة صناعية لها. أصبح الآن إنعاش الرأسمالية من خلال العلم والمعرفة مثل إنعاش الباكتيريا: نخلق لها ظروف معينة لتنتج لنا مادة معينة وحين تتسبب هذه الباكتيريا في ظهور امور غير مألوفة نلجأ لتخفيضها وقتلها.
نساهم في تنمية البشر من خلال هذه الكثافة في إنتاج الغذاء والادوية وغيرها من أشكال الرفاه، وحين تفيض الكرة الارضية بالبشر نلجأ إلى تخفيضه بالحروب وأمراض الأوبئة الإصطناعية والجرائم الأخرى، النتيجة هي هي: كلما فاض شيء عن حده وجب وضع حد لتطوره. هذه هي القاعدة الكونية والأسلحة النووية وضعت لهذا السبب ولا غرابة في ان الغرب يلوح بها وروسيا تلوح بالرد بها .
واقعيا هذه الحرب ليست في محلها لا جغرافيا ولا تاريخيا: يجب ان تكون في المناطق الأكثر كثافة من السكان، لكن الباكتيريا الرأسمالية تحب الجهة الأضعف والجهة التي لم تنهب فيها بعد معادن تغذيتها.
مثلا إسرائيل كانت باكتيريا الشرق الأوسط لنهب البترول، كان خلق إسرائيل في الشرق الأوسط هو مانع استثمار الثراء البيترولي في خلق التنمية لشعوب الشرق الأوسط، دليلي هو ان الجزء الاكبر من الثروة في الشرق الأوسط وظفت في شراء الأسلحة: نهب الثروة الزائدة في الاقتتال المحلي بالشرق الأوسط. يمكنني أيضا إضافة توظيف إيران في هذا الأمر: خلق نقيض للرفاهية العربية من خلال ثروة البيترول بإجاد نقيض مدمر. نقيض يحول جزء كبير من الرفاه العربي إلى اقتناء أسلحة مدمرة.
الآن لم يعد البيترول طاقة المستقبل بل معادن المستقبل والشمس والماء. والدور العربي البيترودولاري انتهى. والكثير من الدول العربية الواقعية انتبهت إلى الأمر وخلقت بديل بغض النظر عن نظام الحكم فيها.
حين تكلم ابن خلدون عن الترف، تكلم عن ظاهرة معينة: ظاهرة انحلال القيم التي عليها تأسست الدولة: في هذه الفترة تصبح الدولة غنية بما سلبته من شعوب أخرى، تصبح الدولة احتفالية، تشارك العامة في البهجة والحبور وتنسى منطلقات تأسيسها، تنسى أن جانبا مهما من إمبراطوريتها ليس على ما يرام وان المرح هو مرح الدولة بما هي طبقة معينة، بما هي تحالف أو تعصب قبلي معين بالمفهوم الخلدوني. تتأسس على انقاض هذا الترف دعوة مخالفة كانت متضررة (وهنا لا يهم هل تاسست بدعوة دينية او بدعوة عرقية أو هي كلها أوغيرها). إن الديموقراطية الغربية تأسس على هذا الأساس: الديموقراطية التي يؤسس لها على انها تراث يوناني: "حكم الشعب نفسه بنفسه" ليست إلا ظاهرة فكرية معاصرة، ما نعيشه في هذا السياق هو الديموقراطية الرومانية: توزيع مدخرات الإمبارطورية الكولونيالية على مجتمع المركز، بالتحديد على التحالف المهيمن ومعه التحالف المهمش مما يسمى باليسار لإسكاته أو الدفاع على الأقل على حقوق اطراف تلعب دورا مهما ممسرحا في ديموقراطيته : مثلا يغذي اليسار الكاتالوني أو غيره في أوربا كل النزعات القومية في العالم، في الحقيقة يبدوا الأمر مثاليا، في الواقع هي نزعة للاستحواذ اكثر على حقوق متميزة: إقليم الاندلس الذي فيه النزعة الاندلسية أقل، هو افقر الاقاليم الإسبانية برغم أنه يغذي فلاحيا كل إسبانيا، قس على ذلك اقاليم إسبانية أخرى غنية بشكل تفاوتي من خلال تنوع المنتوج لكنها اقل حدة في المطالبة بالاستقلال، مثلا إقليم الباسك الذي أغنته مناجم الحديد أصبح الآن إقليما غنيا بالموارد المالية بشكل ينتج اكثر في قطاع الخدمات والمال فقط. لم يعد فقليما منتجا إلا من حيث تدفق المال عنده وتحكمه في الإنتاج الوطني الإسباني ، بمعنى آخر: لا ينتج شيئا إلا من خلال توظيف ما ركمه من مال من خلال استثمار رأسماله في كل إسبانيا.
في السابق، كان التوازن البيئي يمضي بشكل طبيعي، حتى الأمراض البئية وإن لم تكن هناك دراسة تاريخية حقيقية حولها، هذه الامراض كانت تمس المناطق الكثيفة بالسكن: "الكثرة تولد الخنز" (مثل مغربي): الكثرة تولد الجريمة، تولد الحقد، تولد العنصرية، وبشكل عام تولد ما يخفف منها.
سأعود إلى موضوع "احمل لك في قلبي إرث أشواقك"
في طفولتي حتى المجاعة كان لها طعم لذيذ: "أوشيييد اغروم!" (اعطني خبزا)، طلب منغم بإيقاع البكاء الطفولي وبشد اسمال كساء الأمومة التي نسميها ملابس والتي تغطي تلك الأعضاء التي هي الأصل في وجودنا والتي تحولت بأسماء كثيرة، كهنوتية إلى عار وقبح : حتى حدود السبعينات في الأطلس المتوسط كان اللباس له عنوان نفعي: كسوة العري ويقصد به الدفء من البرودة ولعل الجلباب المغربي لخير دليل على ذلك: لباس لغطاء الجسم من البرد، وقد لا يكون تحته اي لباس آخر:لم تكن الاعضاء التناسلية محل اتهام بدليل أن الجواري والعبيد حسب الصور التي وصلتنا من القرن 19 لم يكونوا يلبسون أي شئ خصوصا في أسواق النخاسة. لم يكن الجنس قاعدة اخلاقية في المغرب إلا عند هبوب الموجات الوهابية: في ذقافتنا البيئية لم أسمع بأن زينة المراة : ملامحها وعينها ووجهها فرج تناسلي إلا مع هبوب الريع الثقاف الافغاني الوهابي، لم يكن إظهار ثدي المرأة عندنا عيب، بل كان يعني ان له وظيفة هي إرضاع الطفل وأذكر أن ثذي المرأة يتناسب مع وظيفتها الامومية: ينتفخ عند الرضاعة وينكمش حين تنتهي الرضاعة وهناك ثاقفات نسوية مهمة في الرضع وانتهائه. في ثقافتي لم يكن الثذي موضوع جنس بل وظيفة الأمومة برغم ما سيقال أنه مثير لمسه في عملية الجنس.