عن جنون نيتشه و عقل رجال الدين


مازن كم الماز
2022 / 9 / 20 - 04:32     

يطيب لرجال الدين أن يسخروا من جنون نيتشه ، هذا هو انتقام إلههم الشرير من الرجل العنيد الشجاع حتى الموت ، حتى الجنون … إن الجنون فضيحة عامة ، و الفضائح العلنية هي بالتحديد ما يهدد به رجال الدين الآخرين ، خاصة من أمثال نيتشه ، إنها سلاحهم الأمضى ضد كل هرطقة ، ضد كل محاولة للتملص من شباكهم … يسخر رجال الدين من جنون الرجل ، لأن رجال الدين لا يصابون بالجنون ، إنهم دومًا "عاقلون" ، يستخدمون الله كي يصلوا إلى هذا "التوازن" و يحافظوا عليه … يحميهم إيمانهم من الأسئلة المحيرة ، من الشك ، من التفكير ، يمنحهم رباطة جأش لا تبارى أمام ألغاز العالم المحيرة … لا يجن رجال الدين عادةً و إذا أصابهم الشك أو ابتلوا بشيء من الفكر كما حدث مع الغزالي ، فإنهم قادرون عمومًا على تجاوز تلك المحنة دون "فضائح كبرى" … يسخر رجال الدين من استغراق نيتشه في الوجود , في أسئلته الكبرى دون وجل ، حتى الهاوية ، حتى السقوط الحر في الهاوية ، دون أدنى تردد أو وجل … يتوقف رجال الدين قبل الهاوية بكثير ، يستطيعون طرد شياطينهم بترديد كليشهاتهم و بالتوقف عن التفكير ، قبل الهاوية بمسافة كبيرة ، إنهم لا يجرؤون على الاقتراب منها ، يتحاشونها ، يبتعدون عنها ، يتراجعون ، يلفون و يدورون ، ينظرون إلى الوراء ، دائمًا إلى الوراء ، حيث السلامة ، يمسكون بعضهم البعض و يقمعون بعضهم البعض و يقمعون الآخرين كيلا يتقدموا خطوة واحدة إلى الأمام ، يسجنون العقل و الخيال ، يقيدون الروح و الفكر بقوة ، كيلا يحلقوا بعيدًا وراء المستحيل ، حيث يصبح الإنسان بعقله و روحه و قلبه حرًا طليقًا إلا من ممكنات العقل و نوازع القلب بلا أية مسلمات مريحة ، بلا أية مواقف مسبقة ، و بهذا يتحاشون الفضيحة المرعبة المسماة جنونًا ، و يشبههم في ذلك كل المؤمنين سلفًا بحقائق مطلقة لا يأتيها الباطل من أمام و لا من خلف ، بنفيهم حرية العقل و بتعطيلهم الخيال و بسجنهم للفكر في سجون أفكارهم المطلقة يستطيع هؤلاء النوم في نهاية نهارهم بعد أن تاكدوا من أن عقولهم مغلقة بما يكفي أمام رياح الحقيقة و أن أسوار حقائقهم المطلقة أعلى من أن تتمكن عقولهم و أرواحهم من التحليق فوقها ، و بين الخشية من أن يسموا مرتدين إذا فكروا خارج ما تسمح به عقائدهم و من فضيحة الجنون الذي يأتي مع خطر إطلاق سراح العقل و الخيال ليلحقا عاليًا فوق كل الأسوار و أبعد من كل المحظورات ، يبقون بمأمن من هذيان الحقيقة … العقول المقيدة جيدًا هي محمية جيدًا من خطر الطيران بعيدًا عن القطيع ، بعيدًا عن الحدود المسموح بها ، خارج السماء التي يعتقد بها الجميع ، إلى حيث يتماهى المرء مع الكون و يتجاوز كل المحظورات إلى صفاء جديد لا يعرفه المساجين و لا الحراس