تَجْنِيس الإِسْرَائِيلِيِّين غَيْر قَانُونِي


عبد الرحمان النوضة
2022 / 9 / 16 - 16:11     

العنوان الـقصير : تَجْنِيس الإِسْرَائِيلِيِّين غَيْر قَانُونِي.
العنوان الطويل: لماذا تَجْنِيس الإِسْرَائِيلِيِّين من أصل مغربي غير قانوني.

الــــــمُــــــقَــــــدِّمَــــــة :
إذا اِنْطَلَـقْنَا مِن الواقِع، ومِن مُمَارَسَة دولة المغرب، وَجَدْنَا أن إسرائيليّين يَدْخُلُون إلى المغرب بِالمِئَات، وَبِالآلَاف، في كل شهر. وَنِسْبَة هَامَّة من هؤلاء الإسرائيليِّين الذين يدخلون المغرب، يَدْخُلُونَهُ بِصِفِتِهِم «يَهُود مِن أصل مغربي». وَلَا تـقدر دولة المغرب على التَمْيِيز بِدِقَّة بين «إسرائيليّين مِن أصل مغربي»، و«إسرائيليّين مِن أصل غير مغربي». ولا تستطيع دولة المغرب تَحْدِيد كلّ الصِفَات التي يدخل بها هؤلاء الإسرائيليّين إلى المغرب الحَامِلِين لِجِنْسِيَّات مُتَـعَدِّدَة (هل بِصِـفَتِهِم إسرائيليّين، أم أَمْرِيكِيِّين، أم فرنسيّين، أم كَنَدِيِّين، أم ألمانيّين، أم رُوس، أم بُولُونِيِّين، الخ). ومن المُسْتَبْـعَد أن تـقدر دولة المغرب على تَحْدِيد نَوْعِيَّات كلّ الأنشطة، العَلَنِيَة والسِرِّيَة، (الاقتصادية، والمالية، والتجارية، والإعلامية، والمخابراتية، والثـقافية، والتَجَسُّـسِيَة، الخ)، التي يقـوم بها هؤلاء الإسرائيليّين داخل المغرب. وَتَـقُومُ وَسَائِل الإعلام المغربية العُمُومية، وخاصّة منها قنوات التلـفزات العمومية، بحملة دِعَائِيَة قَوِيَة، وَمُكَثَّـفَة، وَمُتَوَاصِلَة، منذ عِدَّة شُهُور، وقَبْل قَرَار «التَطْبِيع» بين دَوْلَتَيْ المغرب وإسرائيل (في ديسمبر 2020)، وخاصّة بعده، لِلتَّرْوِيج لِأُطْرُوحَات سياسية مَفَادُهَا ضِمْنِيًّا أن «الإسرائيليّين من أصل مغربي هم مغاربة». وَتَحُثُّ هذه الدِعَايَةُ الرَّسْمِيَة المواطنينَ المغاربةَ على مُعَامَلَة «اليهود مِن أصل مغربي» كَضُيُوف مُمْتَازِين، أو كَمُوَاطِنِين كَامِلِي المُوَاطَنَة، أو كَشُرَكَاء في المُوَاطَنَة، وفي الجِنْسِيَة المغربية. وَلَا يَقْتَصِرُ اِهْتِمَام الإسرائيليِّين في المغرب على السياحة العابرة، بَلْ يَمْتَدُّ اِهْتِمَامُهُم في المغرب إلى مُجْمَل المَيَادِين الاقتصادية، والبَنْـكِيَة، والمالية، والتجارية، والعَـقَارِيَة، والاعلامية، والثـقافية، والاجتماعية، والسياسية، والمُخَابَرَاتِيَة، الخ. وَتُعَامِلُ مُؤَسّـسَات الدولة المغربية «الإسرائيليّين مِن أصل مغربي»، ليس فـقط كَسُيَّاح أَجَانِب عَابِرِين (touristes de passage)، بَلْ تُعامِلُهم، وَبِتَعْلِيمَات عُلْيَا، إِمَّا وَاضِحَة، وَإِمَّا ضِمْنِيَة، كَمُواطِنِين مَغَارِبَة مِن درجة مُمْتَازَة. وَتُجَسِّدُ هذه المُعَامَلَات المَلْمُوسَة لِـ «الإسرائيليّين مِن أصل مغربي» مَنْحًا لِنَوع مِن «الجِنْسِيَة المغربية المُمْتَازَة». وفي الوقت الذي تَتَوَهَّمُ فيه مُؤَسَّـسَات دولة المغرب، أنها تَتَـعَامَلُ مع «إسرائيليّين مِن أصل مغربي» بِاعْتِبَارِهِم «مَغَارِبَة مُكْتَمِلِي الجِنْسِيَّة والمُوَاطَنَة المغربيتين»، فإنها تَتَـعَامَلُ في الواقع مع «إِسْرَائِيلِيِّين مُكْتَمِلِي الوَلَاء لِإِسْرَائِيل، وَلِلصَّهْيُونِيَة». وفي الوقت الذي تَظُنُّ فيه السُلْطَة السياسية بالمغرب، وَبِسَذَاجَة، أن أكبر اِهْتِمَام يُوجَدُ لَدَى «الإسرائيليّين مِن أصل مغربي»، هو زِيَارَة مَـقَابِر أَجدادهم، والتَضَرُّع إلى أَوْلِيَّائِهِم الصَّالِحِين، فإن هؤلاء الإسرائيليِّين يحملون في الوَاقِع مَشَارِيع سِرِّيَة، وَذَات أَبْعَاد اسْتْرَاتِيجِية، وَخَطِيرَة على المغرب، وحتّى على بُلْدَان شمال إفريقيا .
وخلال السنوات الأخيرة، نَشَرَت بعض دِعَايَات دولة المغرب، مثلًا عبر وسائل إِعْلَامِهَا التِلِفْزْيُونِيَة، بَرَامِجَ أو مَنْتُوجَات مُتَعَدِّدَة، تَتَحَدَّثُ عن مَفْهُوم جَدِيد، وَغَرِيب، تُسَمِّيه (بِالْلَّهْجَة العَامِّيَة) «تَامَغْرَابِيتْ». وَتُدْخِلُ دولة المغرب ضِمْنَ مَعَانِي «تَامَغْرَابِيتْ» حُبَّ «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، والتَسَامُح مع كِيَّان إِسْرَائِيل، وَنِسْيَان خَصَائِص الصَّهْيُونِيَة، في الوقت الذي تَسْتَمِرُّ فيه إسرائيل في سَحْقِ الفَلَسْطِينِيِّين. وهذه الْمُنَادَاة، هي دِعَايَة سيّاسية مُضَلِّلَة، وَتَهْدِف إلى تَـغْلِيط المَغَارِبَة، وَتَكْيِيـف نَمَط تَفْكِيرهم. وَفي هذه الدِعَايَات، تَسْتَعْمِلُ دولة المغرب مَفْهُوم مَجْمُوعَة «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، أو مَفْهُوم مَجْمُوعَة «اليَهُود المَغَارِبَة المُقِيمِين في الخَارِج»، أو مَفْهُوم مَجْمُوعَة «المَغَاربة المُقِيمِين في إِسْرَائِيل»، الخ. وَتَحُثُّ ضِمْنِيًّا دولة المغرب مُوَاطِنِيهَا على التَعَامُل مع أَفْرَاد هذه المَجموعات كَأَنَّهُم «مَغَارِبَة»، يَحْمِلُون بِشَكْل مُسْبَق، وَجَمَاعِي، وَدَفْعَةً وَاحِدَةً، «الجِنْسِيَّة المغربية»، وَيَكْتَسِبُون «المُوَاطَنَة المغربية»، وَيَسْتَحِقُّون كَامِلَ «حُقُوق المُوَاطَنَة المغربية». فَهَل قَرَار مَنْح «الجنسية المغربية» لهؤلاء «الإسرائيليّين من أصل مغربي» يَسْتَنِدُ على أُسُـسٍ قانونية، أم أنه مُجَرَّد تَهَوُّر سِيَّاسِي، وَشَطَط في استـعمال السُلْطَة السياسية ؟
المقال الحالي يُجِيبُ على هذا السُّؤَال، وَيُوَضِّحُ أن مَنْحَ الجِنْسِيَة المغربية لِـهؤلاء «الإسرائيليّين من أصل مغربي» يَتَنَافَى مع قَانون الجِنْسِيَة المغربية. (وهذا المقال الحالي، يـقتصر على نِقَاش الجَانِب الـقَانُونِي. بَيْنَمَا الجَوَانِب السياسية في مَجَال «تَجْنِيس الإِسْرَائِيلِيِّين»، تَنَاوَلَهَا الكاتب في مقال آخر، تحت عُنْوَان: «تَجْنِيس الإِسْرَائِيلِيِّين مِن أَصْل مَغْرِبِي جَرِيمَة». وهو مَعْرُوض على مدوّنة الكاتب).



يَرْجع قانون الجنسية المغربية إلى الظهير المغربي رقم 250-58-1، الصَّادِر بِتاريخ 21 صفر 1378، مُوَافِق 6 سبتمبر 1958، وَالمَنْشُور في الجريدة الرسمية العدد 2394، بتاريخ 19 شتـنبر 1958، والمُعَدَّل بالقانون رقم 06-62، الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 80-07-1، بتاريخ 3 ربيع الأول 1428 (مُوَافِق 23 مارس 2007)، والمنشور في الجريدة الرسمية عدد 5513، بتاريخ 13 ربيع الأول 1428 (مُوافق 2 أبريل 2007).
1) لَا يَجُوز تَجْنِيس «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، لأن هذا التَجْنِيس يَتَنَافَى، ليس فقط مع بَنْدٍ وَاحد من قانون الجنسية المغربية، ولكنه يَتَعَارَضُ مع مُجْمَل بُنُود قانون الجِنْسِيَة المغربية.
وَمِيزَة النظام السياسي الاستبدادي الـقائم في المغرب، هي أنه يَسْتَـغِلُّ الـقَوانِين التي وَضَعَهَا هو بِنَفْسِه، وَلِصَالِحِه الخَاصٍّ فـقط. وإذا أصبح قانون مُعَيَّن، في ظَرْفٍ مَا، في غَيْر صَالِحِه، فإنه يَتَجَاهَلُه، كما لَوْ أن هذا القانون غير مَوْجُود. وَلَا يُمكن مُعَالَجَة هذا المشكل في النظام السياسي الحالي، لأن الـفَصْلَ بين السُّلَط غير قَائم، ولأن دولة الحَقّ والـقانون غير موجودة. فَيُمْكِنُك أن تُحَلِّـل، وَأن تَصْرُخَ، وأن تَـفْضَح، لكن المَعْنِيِّين بالأمر لَا يُبَالُون بِهذه الفَضَائِح.
وفي «دولة الحَقِّ والـقَانُون»، لِكَيْ يَكُون إِجْرَاءٌ مُحَدَّدٌ بَاطِلًا من النَّاحِيَة الـقَانُونِيَة، يَكْفِي أن نُثْبِتَ أن هذا الإِجْرَاء يُخَالِفُ بَنْدًا وَاحِدًا فقط مِن القانون. أَمَّا تَجْنِيس «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، فإنه يُخَالِفُ مُعْظَمَ بُنُود قَانُون الجِنْسِيَة المغربية. وذلك مَا سَيُوَضِّحُه المقال الحَالِي، من خلال فحص 46 بَنْدًا التي يَتَكَوَّنُ منها هذا القانون، الواحدَ تِلْوَ الآخر.
2) لَا يَجُوز تَجْنِيس «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، لأن الجنسية المغربية (حسب الفصل 5 من قانون الجنسية) تَنْتَـقِلُ «عن طريق الوِلَادَة في المغرب»، وليس عن طريق الولادة في بلد أجنبي، مثل إسرائيل. وَقد حَدَّدَ قانون الجنسية المغربية (في الـفصل 5) معنى عبارة «في المغرب» بكونه: «التُرَاب المغربي، والمياه الإقليمية المغربية، والسفن والطائرات ذات الجنسية المغربي». وعليه، يُعَدُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين بَاطِلًا.
3) لَا يَجُوز تَجْنِيس «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، لأن الفصل 6 من قانون الجنسية «يَعْتَبِرُ مَغْرِبِيًّا الوَلَدَ المَوْلُود مِن أب مغربي، أو أُمّ مغربية»، وليس من أَب إِسرائيلي، أو أمّ إسرائيلية. فَلَا يَحِقُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين، وَلَو كانوا «من أصل مغربي».
وَلِأَنَّ الـفصل 8 يُضِيـف: «وَيَثْبُتُ النَّسَب، أو البُنُوَّة، طِبْقًا لأحكام قانون الأحوال الشخصية [المَغْرِبِيَة، وَلَيْسَ طِبْقًا لِلْأَحْوَال الشَّخْصِيَة لِبَلَد أَجْنَبِي مثل إسرائيل] لأحد الأبوين المُعْتَبَر مصدرا للحق في الجنسية».
4) لَا يَجُوز تَجْنِيس «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، لأن الـفصل 9 يُؤَكِّدُ أن «اِكْتِسَاب الجنسية المغربية… يكون أوّلًا عن طريـق الوِلَادَة في المغرب، وَالإِقَامَة فيه». وَمَعْنَى ذلك وَاضِح. وهو أن كلّ شخص وُلِدَ في المغرب، لكنه لم يُـقِـمْ فيه، فإنه يَـفْـقِدُ جِنْسِيَّتَه المغربية. وَعَلَيْه، فإن شُرُوط الجِنْسِيَة المغربية لَا تَتَوَفَّرُ في «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، سَوَاءً منهم الذين وُلِدُوا في المغرب ثمّ هَاجَرُوه، وَلَمْ يُـقِيمُوا فيه، خلال عَشَرَات السِنِين؛ أَمْ أَبْنَاؤُهُم الذين وُلِدُوا في إِسْرَائِيل، أو في خارج المغرب، وَلَم يُقِيمُوا بِشَكْل مُنْتَظِم، وَاعْتِيَّادِي، في المغرب.
وَيُؤَكِّـد الـفصل 9، إِذَا طَالَب شخص بالجنسية المغربية، وَإذا كان هذا الشخص «وَلَدٌ مَوْلُود في المغرب من أبوين أجنبيين، مولودين هما أيضا فيه»، يُشْتَرَطُ في مَنْحِه الجنسية المغربية «أن تكون له إقامة اعتيادية ومنتظمة بالمغرب، وأن يصرِّح داخل السنتين السابقتين لبلوغه سِنَّ الرُّشْد بِرَغْبَتِه في اكتساب هذه الجنسية، ما لم يعارض في ذلك وزير العدل، طبقا للفصلين 26 و27». وهذا الإِصْرَار في قانون الجنسية، يُؤَكِّد أَهَمِّيَة شُرُوط الوِلَادة في المغرب، والْإِقَامَة المُنْتَظِمَة بِالمَغرب، والرَّغْبَة المُبْكِرَة في اِكْتِسَاب الجِنْسِيَة المغربية. وهذه الشُّرُوط لا تتوفّر في «الإسرائيلِيِّين مِن أصل مغربي». حيث أنهم قَضَوْا أكثر من 60 سنة في إسرائيل (أو على الأقل خارج المغرب). وعليه، يُعَدُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين بَاطِلًا.
5) لَا يَجُوز تَجْنِيس «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، لأن الـفصل 11 يَشْتَرِطُ في الشخص «الأجنـبي الذي يطلب اكتساب الجنسية المغربية عن طريق التجنيس» أن تَـتَوَفَّرَ فيه «الشُّرُوط السِتَّة» التَالِيَة :
«أولا- الإقامة الاعتيادية، والمنتظمة، في المغرب، خلال السنوات الخمس السابقة على تقديم طلب التجنيس، مع الإقامة في المغرب إلى حين البَتِّ في الطلب ؛
«ثانيا-بلوغ سن الرُّشد القانوني حين تقديم الطلب ؛
«ثالثا- سلامة الجسم والعقل ؛
«رابعا- اَلْاِتَِّصاف بِسِيرَة حسنة، وسلوك محمود، وغير محكوم عليه بعقوبة من أجل ارتكاب : جِنَاية ؛ أو جُنْحَة مُشِينَة ؛ أو أفعال تُـكَوِّنُ جَريِمَةً إرهابية ؛ أو أفعال مخالفة لقوانين الإقامة المشروعة بالمملكة المغربية ؛ أو أفعال موجبة لسقوط الأهلية التجارية ؛
«خامسا- معرفة كافية باللغة العربية ؛
«سادسا- التوفُّر على وسائل كافية للعيش».
وَوعليه، يُعَدُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين بَاطِلًا. لأن هذه الشُّرُوط السَّابِقَة، لَا تَتَوَفَّرُ في «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، سَوَاءً كَأَفْرَاد، أَمْ كَمَجْمُوعَات :
- حيثُ أنّه لَا يَـتَوَفَّرُ فيهم شَرْط «الإقامة الاعتيادية، والمنتظمة، في المغرب»؛
- وَلَا يَتَوَفَّرُ فيهم شَرْط «معرفة كافية باللغة العربية»، حَيْثُ أنّ مُعْظَم هؤلاء الإسرائيليّين، لا يعرفون اللغة العربية بما فيه الكِفَايَة، أو لا يستعملونها، أو يحتقرونها، ويستعملون لُغَات أخرى أجنبية عن المغرب (مثل العِبْرِيَة الإِسْرَائِيلِيَة. أو الإنجليزية، أو الرُّوسِيَة، أو البُولُونِيَة، أو الـفَرَنْسِيَة، الخ؛
- وَلَا يَتَوَفَّرُ فيهم شَرْط «الاتصاف بسيرة حسنة، وسلوك محمود، وغير محكوم عليه بعقوبة من أجل ارتكاب : جِنَاية ؛ أو جُنْحَة مُشِينَة ؛ أو أفعال تكون جريمة إرهابية ؛ أو أفعال مخالفة لقوانين الإقامة المشروعة بالمملكة المغربية».
وإذا كان «الإسرائيليّون مِن أصل مغربي» سَيَحْصُلُون على «الجِنْسِيَة المَغْرِبِيَة»، وعلى كلّ مَا يَنْتُج عنها مِن حُقُوق المُوَاطَنَة، فَكَيْفَ سَيَتَصَرَّفُ هؤلاء «الإسرائيليّين من أصل مغربي» ؟ هل سَيُعْطُون الأَوْلَوِيَة لِوَلَائِهِم لِلْمَغْرِب، أم لِإْسْرَائِيل ؟ وَمَا هِيَ الضَمَانَات في كُلِّ حَالَة مِن بين الحَالَتَيْن ؟
وَفِيما يَخُصُّ شَرْط «الاتصاف بسيرة حسنة، وَسُلُوك مَحْمُود» (الوارد في الـفصل 11)، نُنَبِّه إلى أن هؤلاء «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، هَاجَرُوا بِمَحْضِ إِرَادَتِهِم إلى إسرائيل، وَتَبَنَّوْا المَشْرُوع الإِسْرَائِيلِي الصَّهْيُونِي، وَتَوَاطَؤُوا في تَنْـفِيذِه، وَسَاهَمُوا، بشكل مُباشر أو غير مُباشر، في غَزْوِ فَلَسْطِين، وَاِحْتِلَالِهَا، وَاسْتِـعْمَارِهَا، وَاسْتِيطَانِهَا، وَنَهْبِ أَرَاضِيهَا، وَتَـقْتِيل الـفَلَسْطِينِيِّين، وَتَهْجِيرِهِم، وَسِجْنِهِم في مناطق مُحَاصَرَة أو "كَانْتُونَات" مُغْلَقَة، وَسَاهَمُوا في عَزْلِ الفَلَسْطِينِيِّين، وَاضْطِهَادِهِم، وَتَعْذِيبِهِم، والاِسْتِيلَاء على مُمْتَلَكَات الـفَلَسْطِينِيِّين، وَتَهْدِيم بُيُوتِهم، وَنُكْرَان كل حُقُوقِهِم، وُمُمَارَسَة العُنْصُرِيَة، وَالمَيْز العُنْصُرِي ضِدَّ الفَلَسْطِينِيِّين، الخ. ولائحة جرائم الإسرائيليّين طويلة جدًّا. وهي كُلُّهَا مُوجِبَة لِعَدَم اِسْتِحْـقَاق الجِنْسِيَة المغربية.
وَمُنْذُ تَأْسِيس إسرائيل في سنة 1948 إلى اليَوْم في سنة 2022، لَمْ يَمْضِ أَيُّ يَوْمٌ إِلَّا وَقَتَلَ فيه الإِسْرَائيلِيُّون فَلَسْطِينِيِّين، أو جَرَحُوهُم، أو سَجَنُوهُم، أو اِضْطَهَدُوهُم، أو نَهَبُوا مُمْتَلَكَاتِهِم، وَاسْتَـعْمَرُوا وَطَنَهُم. وَتُعْتَبَر هذه الجَرَائِم، طِبْـقًا لِلْقَانُون المَغْرِبِي، وَطِبْقًا لِلـقانون الدولي [وَلَيْسَ طِبْـقًا لِلْمَوَاقِف السياسية المُتَـحَيِّـزَة لَدَى الدُّوَل الإمبريالية الغَرْبِيَة]، تُعْتَبَرُ جَرَائِم مُشِينَة، وَخُرُوقَات جَسِيمَة لِحُقُوق الإنسان، أو جَرَائم حَرْب، أو جَرَائِمَ ضِدَّ الإنسانية، الخ. وهي كُلُّهَا جَرَائِمٌ مُوجِبَة لِلتَّجْرِيد مِنَ الجِنْسِيَة المغربية. وعليه، يُعَدُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين بَاطِلًا.
وفي قُرَابَة سنة 1948، وقبل أن تَتَسَرَّبَ إلى داخل المغرب مُخْتَلَف التنظيمات السِرِّيَة الصَهْيُونِية والإِسْرَائِيلِيَّة (مثل الهَاغَانَا، والشِّينْ بِيتْ، والشَّبَاكْ، الخ)، كان المغاربة اليهود يُعَدُّون (حسب بعض التَقْدِيرَات) بِـقُرَابَة 230 ألف نَسَمَة. وَكَانُوا لَا يَعرفون، وَلَا يَعْتَنِـقُون، الأَيْدِيُولُوجِيَة الصَهْيُونِيَة. وبين سنوات 1948 و 1961، قَامَت التنظيمات الصهيونـية بِزَرْعِ الأَيْدِيُولُوجية الصهيونية في جماهير اليهود المغربية. وبعدما تَوَاطَأَ النظام السياسي للملك المُسْتَبِدّ الحسن الثاني مع إسرائيل، وخاصّة بَيْنَ سنوات 1960 و 1975، سَمَح الحسن الثاني لِلحركات الصهيونية بِتَهْجِير مُعْظَم اليَهُود المغاربة إلى إسرائيل، وذلك بِمُبَرِّرَات مُضَلِّلَة. وَالْأَقَـلِّيَة مِن المغاربة اليهود الذين رَفَضُوا آنَذَاك المشروع الصهيوني، أو عَارَضُوا الأَيْدِيُولَوجِيَة الصهيونية، أو شَكُّوا فيها، إمّا أنهم بَقَوْا في المغرب، وإمّا أنهم هَاجَرُوا تحت الضُغُوط الظَرْفِيَة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أو كندا، أو فرنسا، أو أمريكا الجنوبية، الخ. ولم يَبْـقَ في المغرب، في نهاية سنوات 1975، سِوَى بِضْعَة آلَاف من المغاربة اليهود (أَقَلُّ مِن 8000 شخص). وَيَجِبُ أن نَنْتَبِه إلى أنّ كُلَّ اليَهُود المَغَارِبَة الذين هَاجَرُوا طَوْعًا إلى إسرائيل، وَتَبَنَّوْا المَشْرُوع الصَهْيُونِي، أو سَاهَمُوا في تَنْفِيذِهِ، فَـقَـدُوا قَانُونِيًّا جِنْسِيَّتَهُم المغربية، وأصبحوا أَعْدَاءَ لِشَعْب فَلَسْطِين، وَلِشَعْب المغرب، وَلِكُلِّ شُعُوب العَالَم التَوَّاقَة إلى الحُرِّيَة والعَدَالَة. لِأَنّ الشَّخْص الذي يُصْبِحُ عَدُوًّا اِسْتْرَاتِيجِيًا لِشَعْب فَلَسْطِين، وَلِشَعْب المَغْرِب، وَلِشُّعُوب العَالَم التَوَّاقَة لِلْحُرِّيَة، يَغْدُو في نـفس الآن فَاقِدًا لِلْجِنْسِيَة المَغْرِبية. وعليه، يُعَدُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين بَاطِلًا.
وَكُلّ مَن «يُطَبِّـعُ» عَلَاقَاتِهِ مع إسرائيل، أو مع إِسْرَائِيلِيِّين، يُصْبِحُ هُوَ نَفْسُهُ مُجْرِمًا، لأنه يَتَوَاطَأُ مع هؤلاء الإسرائيليِّين في تَنْـفِيذ هذه الجَرَائِم الجَسِيمَة المذكورة سَابِـقًا، بَدَلًا مِنْ أَن يَنْتَـقِدَ الصَّهْيُونِيَة، وَأَنْ يُعَارِضَ مَشْرُوع إِسْرَائِيل، وَأن يُنَاهِضَ جَرَائِمَ الإسرائيليّين، وَأن يَتَضَامَنَ مع الضَحَايَا الـفَلَسْطِينِيِّين المَـقْهُورِين. وَعَلَيْه، فَإِن مَنْحَ الجِنْسِيَة المغربية لِإِسْرَائِيلِيِّين (وَلَوْ كانوا مِن أَصْل مَغْرِبِي)، هُو تَجْنِيسٌ لِمُجْرِمِين خَطِيرِين، وَتَجْنِيس لِأَعْدَاء كلّ البَشَرِيَة، وليس فـقط لِأَعْدَاء شعب فَلَسْطِين. والصَّهْيُونِيَة لَا تَـقِلُّ خُطُورَةً، وَلَا تَنْـقُصُ جَرِيمَةً، عن النَازِيَة (nazisme)، وعن الـفَاشِيَة (fashisme)، وَعَن الاِسْتِـعْمَار الْأَكْثَر وَحْشِيَّةً.
6) لَا يَجوز منح الجنسية المغربية بشكل جَمَاعِي إلى «إِسْرَائِيلِيِّين من أَصْل مغربي»، لأن قانون الجنسية المغربية، في الـفصل 13، لَا يَسْمَحُ بِالحُصُول على الجنسية المغربية إِلَّا إِذَا كان طَلَب هذه الجنسية بشكل فَرْدِي (وليس جَمَاعِي)؛ وَلَا يَكُون الحُصُول على الجِنْسِيَة المغربية إِلَّا من خِلَال البَثُّ في هذا الطَلَب الـفَرْدِي عَبْر «مَرْسُوم يُـقَرِّرُه مَجْلِس الوُزَرَاء». حَيْثُ يَقُول الـفصل 13: «تُمنح الجنسية بِمُقْتَـضَى ظَهِير ... فَتُمْنَحُ بِمُوجِب مَرْسُوم يُقَرِّرَه مجلس الوزراء. وَيُسَوَّغُ [بِمَعْنَى يَجُوزُ] أن تَتَضَمَّن وثيقة التجنيس، بطلب من الشخص المعني بالأمر، تغييرا لاسمه العائلي، واسمه الشخصي». وهذا الإجراء الـقانوني، الوارد في الـفصل 13، لَمْ يُحْتَرَم، وَلَم يُطَبَّقْ، وَلَمْ يَحْدُث. حيثُ أن هؤلاء الأشخاص «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، لم يَحْصُلُوا كَـأَفْرَاد مُحَدَّدِين على الجِنْسِيَة المغربية عَبْرَ صُدُور «ظَهِير»، وَلَا عَبْرَ «مَرْسُوم يُقَرِّرُه مَجْلِس الوُزَرَاء». وعليه، يُعَدُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين بَاطِلًا.
وفي تـقديري الشخصي، المَنْهَج الأَكْثَرُ اِنْسِجَامًا مع رُوح الـقانون، ومع مَبْدَأ الـفَصْل بَيْن السُّلَط الثلاثة (التشريعية، والتـنفيذية، والقَضَائِيَة)، هو أن يُقَرِّر في طلب الجِنْسِيَة المغربية، ليس السُّلْطَة التَنْـفِيذِيَة (وزير العدل، أو الحكومة، أو المجلس الوزاري)، وَإِنَّمَا السُّلْطَة الـقَضَائِية وَحْدَهَا، طِبْقًا لِلْقَانُون الـقائم، وذلك بهدف تَلَافِي إِخْضَاع قَضَايَا التَجْنِيس إلى سِيَّاسَة سِيَّاسَوِيَة، أو اِنتهازية.
وَتَعَامُل السلطة السياسية في المغرب مع «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، كَأَنَّهُم مُكْتَمِلِي «الجنسية المغربية»، وَكَأَنَّهُم مُكْتَمِلِي «المُوَاطَنَة المغربية»، هو تَعَامُل خَاطِئٌ سِيَّاسِيًّا، وَبَاطِلٌ قانونيًّا، وفيه ظُلْمٌ كَبِير لِشَعْب المغرب. لأن عبارة «إسرائيليّين من أصل مغربي» هي عِبَارَة غَامِضَة، وَمُبْهَمَة، وَغَيْر دَقِيقَة، وَغير قَانُونِيَة، وَلَا تُوجَدُ مُطْلَقًا في قانون الجنسية المغربية. وَلِأَنَّهُ لَا يُوجَدُ في قانون الجنسية المغربية مَا يَسْمَحُ بِـتَجْنِيسِ مَجْمُوعَة كَبِيرَة، أو مُتَعَدِّدَة، أو مُبْهَمَة، وَبِشَكْل مُسْبَق، وَدَفْعَةً وَاحِدَة، وَدُونَ أَيِّ فَحْصٍ قَضَائِـي لِحَالَة كُلِّ شَخْصٍ مِنْ بَيْن هؤلاء الأشخاص المَعْنِيِّين، المُكَوِّنِين لِهذه المَجْمُوعَة المُسَمَّات بِـ «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، أو « مَجْمُوعَة اليَهُود مِن أَصْل مَغْرِبِي»، أو «مَجْمُوعَة المَغَاربة المُقِيمِين في إِسْرَائِيل»، أو «مَجْمُوعَة اليَهُود المَغَارِبَة المُقِيمِين في الخَارِج» [وَلَوْ كَانَ هذا الخَارِجُ هُوَ إِسْرَائِيل]، الخ. وعليه، يُعَدُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين بَاطِلًا.
7) وفي حَالَة حُدُوث خَطَأ في التَجْنِيس، وفي حَالَة إذا مَا أُتُّخِذَ قَرَار تَجْنِيس «إسرائيليّين من أصل مغربي» بطريـقة غير سَلِيمَة، فإن الـفصل 14 (مِنْ قانون الجِنْسِيَة المغربية) يَدْعُو صَرَاحَةً إلى إلغاء هذا القرار. حيث يقـول الـفصل 14 : «إذا تَبَيَّنَ، بعد إمضاء التجنيس، أن [الشَّخْص] المعني بالأمر لم يكن قد توفّرت لديه الشروط التي يتطلبها القانون ليمكن تجنيسه، فإنه يَجُوزُ إِلْغَاء وثيقة التجنيس في غضون سنة، تبتدئ من تاريخ نشرها، وذلك بِمُقَرَّر مُدَعَّم بأسباب، وبنفس الصيغة التي صدرت بها». وَيُضِيـف الـفصل 14 أنه يُمكن إِلْغَاء التَجْنِيس «إذا أدلى [الشَّخْص] الأجنبي عن قصد بتصريح مزيف، أو استظهر بورقة تتضمن ادعاء كاذبا، أو مخطئا، أو استعمل وسائل تدليسة للحصول على التجنيس».
8) لَا يَجُوز تَجْنِيس «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، بِحُجَّة «اِسْتِرْجَاعِهِم لِلْجِنْسِيَة المغربية الأَصْلِيَة» أو «الـقَدِيمَة» والتي تَعُود إلى سَنَوَات 1948، أو سنوات 1960، قَبْلَ الهِجْرَة إلى إسرائيل. لأن الـفصل 15 يقول: «يمكن تَخْوِيل [مِن فِعْل خَوَّلَ يُخَوِّلُ تَخْوِيلًا، بِمَعْنَى: مَنَحَ، أو أَعْطَى] استرجاع الجنسية المغربية بموجب مرسوم لكل شخص كان مُتَمَتِّـعًا بها كجنسية أصلية عندما يطلب ذلك». بِمَعْنَى أن هذا الـفصل 15 يَسْمَحُ لِلشخص الـفَرْد (وليس للمجموعة) المُطَالِب بِاسْتِرْجَاع الجِنْسِيَة المغربية، أن يَسْتَرْجِعَهَا، عَبْرَ «مَرْسُوم»، بِشَرْط أَنْ يَكُونَ هذا الشخص «مُـتَـمَـتِّـعًا بِالجِنْسِيَة المغربية كَجِنْسِيَة أَصْلِيَة» في الـفَتْرَة التي طَلَبَ فيها تَرْسِيم اِسْتِرْجَاع تلك الجنسية المغربية. فَلَم تَحْتَرِم السلطة السياسية في المغرب هذا الـفصل 15 من قانون الجنسية المغربية.
9) على عكس ما تـفعله السلطة السياسية في المغرب، والتي تَتَعَامَل مع «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، بشكل مُسْبَق، وَبِشَكْل جَمَاعِي، وَدَفْعَةً وَاحِدَةً، كَـ «مَغَارِبَة مُكْتَمِلِي الجِنْسِيَة المغربية»، وَ«مُكْتَمِلِي حُقُوق المُوَاطَنَة»، يقـول الـفصل 17 (في مَيْدَان «القُيُود في الأَهْلِيَة المَفْرُوضَة على المُتَجَنِّس») : «يَخْضَعُ [الشَّخْصُ] الأجنبي المُتَجَنِّس طِيلَة خَمْس سَنوات لِلْقُيُود في الْأَهْلِيَة الآتية : أولا - لَا يَجُوز أن تُسْـنَـدَ إليه وَظِيفة عمومية، أو نِيَـابَة اِنْتِخَابِيَة، يُشْتَرَطُ فِيمَن يقوم بهما التَمَتُّع بالجنسية المغربية؛ ثانيا - لا يجوز أن يكون نَاخِبًا إذا كانت الصِفَة المغربية شَرْطًا لِلتَسْجِيل في الْلَّوَائِح الْاِنْتِخَابِيَة». وَلَا يُعْفَى من هذه الـقُيُود إِلَّا «بِمُقْتَضَى ظَهِير»، فـقط في حالة «إذا خُوِّلَتْ الجنسيةُ بِمُقْتَضَى ظَهِير، أو بِمُوجِبِ مَرْسُوم، يَتَّخِذُهُ المَجْلِسُ الوِزَارِي». وَعَلَيْه، فَالتَـعَامُل الذي تُمَارِسُه السلطة السياسية في المغرب مع «الإسرائيليّين مِن أصل مغربي»، والذي تَمْنَحُ فيه «وَظَائِـفَ عُمُومِيَة»، أو «نِيَّابِيَة» [مِثْلَمَا هو الحَال في «المجلس الوطني لِلطَّائِـفَة اليَهُودِيَة»، و«الْلِّجَان الجِهَوِيَة» المُتَـفَرِّعَة عن ذلك «المجلس»]، إلى هؤلاء «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، هو تَعَامُل مُعَاكِسٌ لِقَانون الجنسية المغربي، وَبِالتَّالِي فَهُو خَاطئ سِيَّاسِيًّا، وَبَاطِل قَانُونِيًّا.
10) لَا يَجُوز تَجْنِيس «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، لأن الـفصل 19 يَقُول : «يَـفْـقِدُ الجنسية المغربية : أوّلًا- المغربي الرّاشِد الذي اكتسب عن طواعية في الخارج جنسيةً أجنبيةً». حيثُ أن «الإسرائيليّين من أصل مغربي» كُلُّهُم «اكتسبوا عن طواعية في الخارج جنسيةً أجنـبيةً»، وهي جِنْسِيَة إسرائيل، الكِيَّان العَدُوّ. وعليه، يُعَدُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين بَاطِلًا.
لكن هذا الـفصل 19 أَضَافَ تَعْقِيدًا غَرِيبًا، أو شَرْطًا سِيَّاسِيًّا وَمُقَزِّزًا، في مَجَال فُقْدَان الجِنْسِيَة المغربية، جاء فيه : «يَـفْـقِدُ الجنسية المغربية : أوّلًا- المغربي الرّاشِد الذي اكتسب عن طواعية في الخارج جنسيةً أجنـبيةً، والمَأْذُونُ لَهُ بِمُوجِب مَرْسُوم في التَخَلِّي عن الجنسية المغربية». كَأَنّ هذه الجُملة في الـفصل 19 تَشْتَرِط في فُـقْـدَان الجِنْسِيَة، في حالة «اِكْتِسَاب طَوْعِي في الخارج لِجنسية أجنـبية»، أن تَسْمَحَ كِتَابِيًّا السُّلْطَةُ السياسيةُ (أو المَلِك) في المغرب لِلشَّخْص المعني بِـ «فُـقْـدَان» جِنْسِيَّتِه المغربية الأصلية. وَإِلَّا، بَـقِـيَ فُـقْـدَان الجنسية المغربية غير مُكْتَمِل. وَالسِرُّ المُفَسِّرُ لِإِضَافَة هذا الشَرْط السِيَاسِي الغَرِيب في القانون، هو أن الملك المُسْتَبِد الحسن الثاني كان مَهْوُوسًا بِحَاجَتِه إلى قَمْع كلّ مَغْرِبِـي يُعَارِضُ نِظَامَه السياسي الاستبدادي؛ وكان الحسن الثاني يَخَاف مِن أن يُهَاجِر بعض المُعارضين السياسيّين المغاربة إلى دُوَل غَرْبِيَّة، وأن يَحْصُلُوا على جِنْسِيَة أجنبية (غير مغربية)، وَأَنْ يَـفْلِتُوا هَكَذَا (باعتبارهم حَامِلِين لِجِنْسِيَة غير مَغْرِبِيَة) مِن خُضُوعِهِم لِلْـقَوَانِين الـقَمْعِية المغربية. لذلك أَصَرَّ الملك الحسن الثاني على أن يُضِيـف، في قَانُون الجِنْسِيَة المغربية، أنه لَا يَحِقُّ لأيّ مغربي [مُعَارِض سِيَّاسِي] أن يَفْـقِدَ جِنْسِيَتَهُ المغربية إِلَّا إِذَا وَافَقَ الملك الحسن الثاني كِتَابِيًّا على ذلك ! ثُمّ اِكْتَشَـف الحسن الثاني فيما بعد، أنه يُمْكِنُه اِسْتِغْلَال هذا الـفَصْل 19 في قانون الجِنْسِيَة المغربية لِكَيْ يَدَّعِـيَ أن «الإسرائيليين من أصل مغربي لا يفـقدون أَبَدًا الجنسية المغربية»؛ حيث لم يسبق أبدًا للملك الحسن الثاني أن وَافَقَ كِتَابِيًّا على فُقْدَان الجِنْسِيَة المغربية مِن طَرَف الأشخاص «الإسرائيليّين من أصل مغربي». لكن كَعَادَتِهِ، لَا يُبَالِي الملك الحسن الثاني بِـتَنَاقُضِهِ مع نـفسه؛ حيثُ أنه، حِينَمَا سَمَحَ (في سنة 1960) لِلتَنْظِيمَات السِرِّيَة الإِسْرَائِيلِيَة بِأَن تُهَجِّرَ مِن المغرب إلى إِسْرَائيل قُرَابَة 300 ألـف مَغْرِبِي يَهُودِي، فإنه صَادَقَ، مِن حَيْثُ لَا يَدْرِي، على تَحَوُّل هؤلاء الأشخاص مِن دَوْلَة المغرب إلى دَوْلَة إِسْرَائِيل، وَمِن جِنْسِيَة المغرب إلى جِنْسِيَة إِسْرَائِيل. وَجِنْسِيَة المغرب لَا تَتَجَانَسُ مع جِنْسِيَة إسرائيل. وَإِذَا لم يكن الحسن الثاني يَـفْهَمُ ذلك، فإن إِسْرَائيل تُدْرِكُهُ جَيِّدًا. وَفي اِنْتِظَار حَذْف هذا الشَّرْط النَشَاز (المذكور سَابِقًا) من قانون الجنسية المغربية، يُصْبِحُ وَاجِبًا علينا أن نَـعْتَبِرَ ذلك الشَرْطَ السياسي الذي وَضَعَهُ الملك الحسن الثاني مُلْـغًا، لأنه يَتَـنَـافَـى مع رُوح مُجْمَل قَانُون الجِنسية المغربية.
11) لَا يَجُوز تَجْنِيس «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، لأن الـفصل 19 يقول: «يَـفْـقِدُ الجنسيةَ المغربية : خامسا- المغربي الذي يُؤَدِّي مُهِمَّة، أو يَشْغَل وَظِيفَة، في مصلحة عمومية لدولة أجنبية، أو في جيش أجنبي، إذا كان شُغْلُ هذه المهمة، أو الوظيفة، يَتَعَارَض مع المصلحة الوطنية، ويحتـفظ بها أكثر من ستة أشهر، بعد ما تُنْذِرُهُ الحكومة المغربية للتنازل عنها». وَلِأَنَّ «الإسرائيليّين من أصل مغربي» «يُؤَدُّون مُهَامًّا» في إسرائيل؛ ولأنهم «يَشْغَلُون وَظَائِـفَ في مَصَالِحَ عُمُومِيَة في دولة» إسرائيل؛ وَلِأَنَّهُم يَشْتَغِلُون بشكل مباشر أو غير مُباشر مع «جَيْش إسرائيل» الأجنـبي؛ وَلِأَنَّ «هذه المَهَام والوظائـف تَتَعَارَضُ مع المصلحة الوطنية» للمغرب؛ ولأنهم اِسْتَمَرُّوا في تَنْـفِيذِ هذه المهام أو الوظائـف، لَيْسَ فقط خلال «أكثر من ستة أشهر»، وَإِنَّمَا خِلَال أكثر مِن 60 سنة. وعليه، يُعَدُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين بَاطِلًا. أمَّا عبارة «بَعْدَ مَا تُنْذِرُهُ الحكومة المغربية للتنازل عنها»، فهي تَعْبِير سِيَّاسِي زَائِـد، أو مُـفْرِط، [وليس تَعْبِيرًا قَانُونِيًّا]. لأن اَيّ شخص عاقل لَا يَحْتَاج إلى أن تَتَّصِلَ به «الحُكُومَة المغربية» بِشكل مُباشر، وأن تَـشْرَح له أن العَمَل في أيّة مُؤَسَّـسَة مِن بين مُؤَسَّـسَات الكِيَّان الإسرائيلي الصَّهْيُونِي، تَتَنَاقَضُ بِالضَّرُورَة مع «المَصَالِح الوَطَنِية» لِلمَغْرِب، وَتَضُرُّ بها. وَمَنْ يَقُول بِـعَكْس ذلك، يَتَوَهَّم أن العَمَل في إِحْدَى مُؤَسَّـسَات إسرائيل، يَخْدُمُ المَصَالِحَ الوَطَنِيَة لِلْمَغْرِب. الشيء الذي يَرْفُضُه شعب المغرب.
12) سَبَـقَ لِلملك المُسْتَبِدّ الحسن الثاني، أَنْ زَعَمَ مِرَارًا، أن «الجِنْسِيَة المغربية لا تُـفْتَـقَد أَبَدًا»! وَأصبح كثيرون من المغاربة (بِمَا فيهم بعض المُـثَـقَّـفِين، وبعض الصَّحافِيِّين، وبعض السياسيِّين، وحتّى بعض الأساتـذة الجَامِعِيِّين، الخ) يُرَدِّدُون كَالبَبَّـغَاوَات هذه الجُمْلَة المُـغَـفَّـلَة. وَغَدَى الكَثِيرُون مِن أنصار النظام السياسي الـقائم في المغرب يُكَرِّرُون أَنَّ «الإسرائيليّين مِن أصل مَغْرِبِي يُحَافِظُون على جِنْسِيَّتِهِم المغربية»، حَتَّى وَلَوْ غَزَوْا المغرب، أو سَيْطَرُوا عليه، أو اسْتَـعْمَرُوه، أو حَوَّلُوه إلى مُسْتَعْمَرَة مُلْحَـقَة بِإِسْرَائِيل ! دُونَ أَنْ يَـفْهَمُوا أن هذا الاِدِّعَاء غير قانوني. والتَصْرِيحُ بِـ «أَبَدِيَة الجِنْسِيَة المغربية لَدَى الإسرائيليّين مِن أصل مَغْرِبِي» يَـبْـقَى خاطئًا سِيَّاسِيًّا، وبَاطِلًا طِبْـقًا لِقَانون الجنسية المغربية. حَيْثُ لَا يُوجد إِطْلَاقًا مَا يُبَرِّرُهَا في قانون الجِنْسِيَة المغربية. وفي قـوانين مُعْظَم دُول العالم، تُوجد دائمًا حَالَات خاصّة، (مثل التَعَامُل، أو التَخَابُر، أو التَعَاوُن، مع دولة عَدُوَّة، أو اِرْتِكَاب جَرِيمَة جَسِيمَة)، يَسْمَحُ فيها الـقانون بِسَحْبِ الجِنْسية من الشخص المعني. وَمَعْنَى ذلك، أن جِنْسِيَة أيّ شخص، وَفي أيّ بَلد كان في العالم، لَا تَبْـقَى أَبَدِيَّة، بَلْ قَدْ تُسْحَبُ منه، أو تُلْغَى، إِذَا اِرْتَكَبَ الشخص المَعْنِي جَرَائِمَ تَتَنَافَى مع قَوَانِين جِنْسِيَّة بَلَدِهِ. وَمُنَاصَرَة إِسْرَائِيل أو الصَهْيُونِيَة، تَتَنَاقَضُ مع حَمْل الجِنْسِيَة المغربية. وعليه، يُعَدُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين بَاطِلًا.
وَيُوَضِّحُ الـفصل 11 ( مِن قانون الجنسية المغربية) «شُرُوطَ التَجْنِيس» التي يَلْزَمُ أن تَتَوَفَّرَ في كل «أجْنَبِي يَطْلُبُ اِكْتِسَاب الجنسية المغربية». وهذه الشُرُوط المَطْلُوبَة في الأجانـب، يُفْتَرَضُ فيها أنها مُتَوَفِّرَة أَصْلًا في المَغَارِبَة (المَوْلُودِين، والمُقِيمِين، في المغرب). وَيُوجِبُ الـقانون أن تَنْطَبِـقُ هذه الشروط الـقانونية على «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، الرَّاغِبِين في اِكْتِسَاب الجِنْسِيَة المغربية. وَمَن يَزْعُمُ عَكْسَ ذلك، فَإنه يُرِيد أن يَسْتَـثْـنِـيَ «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، وَرُبَّمَا حتّى الإِسْرَائِيلِيِّين الآخرين الذين ليسوا من أصل مغربي، مِن الخُضُوع لِلْقَانُون، بِاعْتِبَارِهِم كَائِنَات فَوْقَ البَشَر. وَهَكَذَا يُؤَكِّدُ الـفصل 11 على أن حَمْل الجِنْسِيَة المغربية مَشْرُوط بِسِتَّة شُرُوط. وَتَنْصِيصُ قَانُون الجِنْسِيَة المغربية على ضَرُورَة تَوَفُّرِ هذه الشُرُوط السِتَّة، يُثْبِتُ، وَيُؤَكِّد، أن الجِنْسِيَة المغربية لَيْسَت «دَائِمَة»، أو «أَبَدِيَة»، مِثْلَمَا زَعَمَ الملك المُسْتَبِدُّ الحسن الثاني؛ بل هي مشروطة بِاسْتِمْرَار بِـاِسْتِيـفَاء الشخص المعني جميع هذه الشُرُوط السِتَّة المُحدّدة. وَمَعْنَى ذلك أيضًا، هو أن كلّ شَخْص أَصْبَحَ فَاقِدًا لِـإِحْدَى هذه الشُرُوط السِتَّة، يَـغْدُو فَاقِـدًا لِجِنْسِيَتَهُ المغربية، وَلَوْ تَـعَلَّـقَ الأَمْر بِـ «إِسْرَائِيلِيِّين من أصل مغربي». ومن بين الشُّرُوط السِتَّة المذكورة في القانون، نَجِدُ ثَلَاثَة شُرُوط أَسَاسِيَة. وهي : شَرْط «الإقامة الاعتيادية، والمنتظمة، في المغرب»؛ وَشَرْط التَوَفُّر على «معرفة كافية باللغة العربية»؛ وَشَرْط «الْاِتِّصَاف بِسِيرَة حَسَنَة، وَسُلُوك مَحْمُود، وغير محكوم عليه بعقوبة من أجل ارتكاب : جِنَاية؛ أو جُنْحَة مُشِينَة؛ أو أفعال تكون جريمة إرهابية؛ أو أفعال مخالفة لقوانين الإقامة المشروعة بالمملكة المغربية». وَكُل هذه الشُرُوط الثَلَاثَة الأخيرة، لَا تَتَوَفَّرُ في «الإسرائيليّين من أصل مغربي». وعليه، يُعَدُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين بَاطِلًا. حَيْثُ أن هؤلاء «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، هَاجَرُوا إلى إسرائيل (أو هَجَّرَتْهُم تَنْظِيمَات إِسْرَائِيلِيَة)، وَقَضَوْا أكثر من 60 سنة في إسرائيل، وَتَبَنَّوْا المَشْرُوع الإِسْرَائِيلِي الصَّهْيُونِي، وَتَوَاطَؤُوا في تَنْـفِيذِه، وَسَاهَمُوا، بشكل مُباشر أو غير مُباشر، في اِحْتِلَال فَلَسْطِين، وَاسْتِـعْمَارِهَا، وَاسْتِيطَانِهَا، وَتَـقْتِيل الـفَلَسْطِينِيِّين. وهي كلها جَرَائم جَسِيمة، تَتَنَافَى مع الحِفَاظ على الجِنْسِيَّة المغربية. وعليه، يُعَدُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين بَاطِلًا.
وَعَلَى عَكْس زَعْم الملك الحسن الثاني الذي اِدَّعَى أن «الجِنْسِيَة المغربية لا تُـفْتَـقَد أَبَدًا»، يَقُول الـفصل 22 من قانون الجنسية المغربية: «كل شخص اِكْتَسَبَ الجنسية المغربية يمكن أن يُجَرَّدَ منها : أولا- إذا صَدَرَ عليه حُـكْمٌ من أجل : - اِعْتِدَاءٍ أو إهانة نحو الملك، أو أعضاء الأسرة المالكة؛ - أو عَمَلٍ يُعَدُّ جِنَايَةً أو جُنْحَةً تَمَسُّ بسلامة الدولة الداخلية أو الخارجية ؛ - أو فعلٍ يَـكون جَرِيمَةً إرهابية؛ - أو عَمَلٍ يُعَدُّ جِنَايَةً تَرَتَّبَتْ عنها عُقوبة تزيد على خمس سنوات سجنا. ثانيا- إذا تَهَرَّبَ من القيام بواجباته العسكرية؛ ثالثا - إذا قام لفائدة دولة أجنبية بأفعال تَـتَـنَافَـى مع صفته المغربية، أو تَمَسُّ بِمَصَالِح المغرب». فَلَا يَجوز مَنْح الجِنْسِية المغربية لِـ «إسرائيليّين مِن أصل مغربي»، لأنهم سَاهَمُوا، بشكل مباشر أو غير مباشر، في اِرْتِكَاب أَفْعَال «تُكَوِّن جَرِيمَةً إِرْهَابِيَة»؛ ولأنهم قَامُوا بِـ «أعمال تُعَدُّ جِنَايَات» جَسِيمَة؛ ولأنهم «قَامُوا لفائدة دولة أجنـبية [هي إسرائيل] بأفعال تتنافى مع صفتهم المغربية، أو تمسّ بمصالح المغرب». وَمَنْ يَقُول بِعَكْسِ ذلك، فإنه يَعْتَبِرُ، ضِمْنِيًّا، أن اِسْتِعْمَار فَلَسْطِين، واسْتِيطَانِهَا، وَاضْطِهَاد الـفَلسطينيّين، وَطَرْدِهِم من أَرْضِهِم، هي أعمال في مصلحة المغرب. الشيء الذي يَرْفُضُه شعب المغرب. وعليه، يُعَدُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين بَاطِلًا.
وَبِعِبَارَة أخرى، لَا يَجُوز تَجْنِيس «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، لأن الهجرة إلى إسرائيل، والتَوَاطُؤ في إِنْجَازِ مَشْرُوعها الصَّهْيُونِي، يُـعْتَبَرَان بمثابة تَنَاقُض مع حَمْل الجِنْسِيَة المغربية، وَيُعْتَبَرُ بِمَثَابَة تَخَلٍّ عن الجنسية المغربية، وينتج عنها فُـقْدَان الجنسية المغربية. ولأن هذه الهِجْرة إلى إسرائيل تُجَسِّد مُسَاهَمَات (مُبَاشِرَة، أو غير مباشرة) في تَنْـفِيذِ المَشْرُوع الصَّهْيُونِي، الذي يتجلّى في احتلال، واستيطان، واستعمار، وَطَن فَلَسْطِين (والأراضي المُجَاوِرَة لها)، وَتَهْجِير الفلسطينيّين، وَتَـقْتِيلهم، واضطهادهم، وَقَهْرِهِم، الخ.
وَرَغْمَ كلّ هذا الوُضُوح، يُوجَدُ أَشْخَاص في المغرب، لَا يُحَرِّكُهُم أَيّ ضَمِير، حينما يَرَوْا أن الإسرائيليِّين يَمْنَعُون الـفَلَسْطِينِيِّين من حَمْل أَيَّة جِنْسِيَة، بما فيها جِنْسِيَة فَلَسْطِين، ولا جِنسية إسرائيل؛ بينما تَمْنَح دولة المغرب، وَبِلَا مُـقَابِل، جِنْسِيَة المغرب إلى «الإسرائيليّين مِن أصل مغربي» ! وَلَا يُحَرِّكُهُم أَيّ ضَمِير، حينما يَرَوْا أن الإسرائيليِّين يَمْنَـعُون الـفَلَسْطِينِيِّين مِنْ «حَقِّ العَوْدَة» إلى وَطَنِهِم الأصلي فَلَسْطِين؛ بَيْنَمَا تَمْنَحُ دولة المغرب «حَـقَّ العَوْدَة» إلى المغرب، بِدُون مُـقَابِل، وَبِدُون مُـعَامَلَة بِالمِثْل، إلى «الإسرائيليّين مِن أصل مغربي» !
وَمِنْ مصلحة شعبـنا أن نُضِيف أإلى قانون الجنسية المغربية، بُـنُودًا تَكُونُ أَكْثَرَ وَضُوحًا، وَتَـسْمَحُ بِـ «سَحْب الجِنْسِيَة المغربية مِن كل مَغربي تَعَاوَن مع إحدى أجهزة أَيّ كِيَّان اِسْتِعْمَاري، أو عُنْصُرِي، أو إِمْبِرْيَالِي، أو صَهْيُونِي». لأن إسرائيل، والصَّهْيُونِيَة، مَبْنِيَّان على أساس مَشْرُوع عُدْوَانِي، وَعَنِيف، واِسْتِعْمَارِي، واسْتِيطَانِي، وَعُنْصُرِي، وَإِمْبِرْيَالِي، وَيَهْلِكُ مُجْمَل حُقُوق الشعب الـفَلَسْطِينِي، وكذلك حُقـوق الشعوب الأخرى الناطقة بالعربية، أو الشُعُوب التَوَّاقَة لِلْحُرِّيَة. فَمِنَ الخطأ السِيَّاسِي الـفادح مَنْح الجِنْسِيَة المغربية لِأَيّ شخص إِسْرَائِيلِي، أو مُنَاصٍر لِلصَّهْيُونِيَة (وَلَوْ كَان مِنْ «أَصْل مَغْرِبي»). ومن يقـول بعكس ذلك، يَفْضَحُ، مِن حَيْثُ لَا يَدْرِي، أنه لَا يَهْتَمُّ بِاحْتِمَال تَوَاجَد إِسْرَائِيلِيِّين في مُؤَسَّـسَات مغربية مثل الحُكُومَة، والبرلمان، والجماعات المَحَلِّيَة، وغيرها. وَلَا يَكْتَرِثُ لِإِمْكَانِيَة وُصُول إِسْرَائِيلِيِّين لِمَوَاقِع تَسْيِير المغرب، وَتَحْوِيلِه إلى شِبْهِ مُسْتَـعْمَرَة مُلْحَقَة بِإِسْرَائِيل.
وَادِّعَاءُ الحسن الثاني أن «الجِنْسِيَة المغربية لا تُـفْتَـقَد أبَدًا»، كان مُجَرَّد مُغَالَطَة، أَو خُدْعَة. وكان الحسن الثاني يَهْدِفُ، من خلال هذه الخُدْعَة، أَوَّلًا إلى تَبْرِير ثَـبَات الجِنْسِيَة المغربية لَدَى «الإسرائيليّين من أصل مغربي»؛ وَيَهْدِفُ ثَانِيًّا إلى اِسْتِعْمَال هذه «الجِنسية المغربية الأَبَدِيَة» المزعومة (لَدَى هؤلاء الإسرائيليِّين) لِتَبْرِير مَشْرُوعِيَة إِقَامَتِهِ لِعَلَاقَات «تَطْبِيع»، وَتَوَاطُؤْ، وَتَعَاوُن، وَتَحَالُف، بين دولة المغرب، ودولة إسرائيل.
وَأُذَكِّرُ مَنْ نَسِيَ، أن الملك الحسن الثاني، الذي كان يَزْعُمُ أن «الجِنْسِيَة المغربية لا تُـفْتَـقَد أَبَدًا»، تَنَاقَضَ مِرَارًا مع نَفْسِه. حَيْثُ اِعْتَـقَل مثلًا، في سنة 1974، المَغْرِبِي اليَهُودِي الثَوْرِي ابْرَاهَامْ السَّرْفَاتِي (مع مِئَات من رفاقه الثوريّين المغاربة، وأنا منهم)، وَحَكَمَ عليه بالسِّجْن المُؤَبَّد، وَسَجَنَه خلال قُرَابَة 18 سنة، ثم اِنْتَزَعَ مِنْه جِنْسِيَّتَه المغربية (التي «لا تُـفْتَـقَد أَبَدًا» !)، ثُمّ قال عنه أنه ابْرَازِيلِيّ الأصل، ثُمّ نَـفَاهُ في فرنسا، وذلك بسبب مناهضة ابراهيام السرفاتي للنظام السياسي الاستبدادي الـقائم في المغرب، وَكَذَلِكَ بِسَبَب مُنَاهَضَته لِلصَّهْيُونِيَة. وَتَعَرَّضَ مَغَارِبَة يَهُود آخرين، لِلْقَمْع، أو لِلْمُضَايَقَات، أو لِلتَّهْمِيش، بسبب نَـقْدِهِم، أو مُعَارَضَتِهِم للنظام السياسي الاستبدادي الـقائم في المغرب، أمثال سِيُّون أَسِيدُون، وَسِيمُون لِيـفِي، وَإِدْمُون عَمْرَان المَالِح، وَجَاكُوب كُوهِين، الخ. وفي نـفس الوقت، كان الملك الحسن الثاني يَمْنَحُ الْاِمْتِيَّازَات، وَالرِّيع الاقتصادي، إلى الْيَهُود المغاربة الذين كانوا يُبَجِّلُون نظامه السياسي الاستبدادي، وَلَوْ كَانُوا يَـمِـيـنِـيِّـيـن، أو رِجْعِيِّين، وَلَوْ كانوا مُنَاصِرِين مُتَحَمِّسِين لِلصَّهْيُونِيَة وَلِإِسْرَائِيل (أمثال: أندري أزولاي، مستشار الملك الحسن الثاني، ثمّ مُسْتَشَار الملك محمد السَّادس؛ وَسِيرْجْ بِيرْدِيغُو، وزير سابق للسياحة بالمغرب، وَمُفَوَّضْ سَابق في البـنك المركزي المغربي؛ وَدَافِيد عَمَّار، رَئِيس سَابِق لِـ «الطائـفة اليهودية بالمغرب»، الخ. ومعنى ما سبق ذِكْرُهُ، هو أن اِعْتِنَاء الملك الحسن الثاني بِبَعْض المَغَارِبَة اليَهُود، أو «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، المُتَمَيِّزِين بِمُنَاصَرَتِهم لِنِظَامه السياسي الاستبدادي، هو مُجَرَّد سُلُوك سِيَّاسِي اِنْتِهَازِي، وَلَا عَلَاقَة له نِهَائِيًّا، لَا بِقَانُون الجنسية المغربية، وَلَا بِحُقُوق الإنسان، وَلَا بِهَمِّ الدِّفَاع عَن أَقَلِّيَة يَهُودِيَة مُضْطَهَدَة. كما أن اليهود المغاربة الذِين يُنَاصِرُون الملك الحسن الثاني وَنِظَامَه السياسي الاستبدادي، لَا يَهُمُّهُم نِهَائِيًّا حُبُّ وَطَن المغرب، وَلَا شَعْبِه، وَيَهُمُّهُم فـقط الحُصُول على اِمْتِيَّازَات الرِّيع الاقتصادي. وهذه السُّلُوكِيَّات الانـتهازية تَبْـقَى مَـفْهُومَة، وَطَبِيعِيَّة، في إِطَار الصِّرَاع الطَبَـقِي.
وقد ذهب الحسن الثاني بعيدًا في تَـبَـعِـيَّـتِـهِ لِلْوِلَايَات المُتَّحِدَة الأمريكية، وَاِنْبِطَاحِه لِإِسرائيل، وَلِلْإِسْرَائِيلِيِّين، إلى درجة خِيَّانَة ضُيُوف اجتماع القِمَّة لِمُلُوك وَرُؤَسَاء جامعة الدول العربية، المُنْعَقِدَة في 13 شتـنبر 1965 في مدينة الدار البيضاء بالمغرب. حيث سمح الملك الحسن الثاني لِمُخَابَرات "المُوسَاد" وَ"الشِّينْ بِيتْ" الإسرائيليَّتَيْن، بِالتَجَسّـس على الاجتماعات السِرِّيَة لِلمُلُوك والرُّؤَسَاء العرب. وَأَجَازَ الحسن الثاني لِلْإِسْرَائِيلِيِّين تَسجيل المُشَاوَرَات السِرِّيَة لِلْمُلُوك والرُّؤَسَاء العَرَب حول حَرْب مُحْتَمَلَة ضِدَّ إسرائيل. وقد اِعْتَرَف فيما بعد، بعض الضُبَّاط الصَهَايِنَة، مثل مِيرْ أَمِيتْ (Meir Amit)، رئيس "المُوسَاد" الإسرائيلي آنذاك، أن هذا التَجَسُّـس، هو الذي مَكَّنَ إسرائيل، في سنة 1967، مِن خَوْض حَرْب اِسْتِبَاقِيَة وَسَاحِقَة ضِدَّ الدول العربية المُجاورة لإسرائيل. وَأَحْدَثَت هذه الحرب خَسَائِرَ اِسْتْرَاتِيجِيَّة هَائِلَة، وَقُرَابَة 45 ألـف قَتِيل وَجَريح. وَمَكَّنَ إسرائيل من احتلال مناطق تُرَابِيَة جديدة، وشاسعة، في سِينَاء المصرية، وهَضَبَة الجُلَان السُّورِيَة، والضِفَّة الغَرْبِية من فلسطين، وَقِطَاع غَزَّة، والـقُدْس الشَرْقِيَة.
13) لَا يَجُوز تَجْنِيس «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، لأن الـفصل 25 يَقُول: «إن الطَّلَبَات وَالتَصْرِيحَات المُقَدَّمَة لِاكْتِسَاب الجنسية المغربية، أو لِفُقْدَانِهَا، أو التنازل عنها، وَكَذَا اِسْتِرْجَاعِهَا، تُرْفَع إلى وَزِير العَدْل، مَصْحُوبَة بِالشَّهَادَات، والوَثَائِـق، وَالمُسْتَنَـدَات، ...». وَرَغم أنني لَا أَثِقُ في نَزَاهَة وَزِير العدل، ولا في الحُكُومَة، أُلَاحِظُ أَنَّ السُّلْطَة السياسية في المغرب، تَتَـعَامَل مع «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، بشكل مُسْبَق، وَبِشَكْل جَمَاعِي، وَدَفْعَةً وَاحِدَة، كَأَنَّهُم مَغَارِبَة مُكْتَمِلِي «الجِنْسِيَة» المغربية، وَمُكْتَمِلِي «المُوَاطَنَة» المغربية، وَلَوْ أَنَّهُم لَمْ يَتَـقَدَّمُوا كَأَفْرَاد بِـ «طَلَبَات وَتَصْرِيحَات لِاكْتِسَاب الجِنْسِيَة المغربية، … أو لِاسْتِرْجَاعِهَا… إلى وَزِير العدل… مَصْحُوبَة بالشَّهَادات والوَثَائِـق، والمُسْتَنَدَات...». وعليه، يُعَدُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين بَاطِلًا. وَيُوجَدُ في سُلُوك السلطة السياسية المغربية حَمَاسٌ مُـفْرِطٌ، وَشَطَط في اِسْتِعْمَال السُّلْطَة، يَنِمُّ عن فِعْلٍ سِيَّاسَوِي اِنْتِهَازِي، وَمُنَافٍ للقانون.
وَلَوْ كانـت تُوجَد بِالمَغرب دَوْلَة الحَـقِّ وَالـقَانُون، وَلَوْ كَان يُوجَد في المغرب فَصْلٌ فيما بين السُّلُطَات (التَشْرِيعِية، والتَنْـفِيذِية، والقَضَائِيَة)، لَكَان مِن حَقِّ النِيَّابَة العَامَّة أن تَـعْتَرِضَ على أَيٍّ تَجْنِيسٍ [=مَنْح الجِنْسِيَة] يَتِمُّ بِشَكْل غير قانوني. حيثُ يقـول الـفصل 28، «يجوز للنيابة العامة، أو لكل شَخْص يَهُمُّهُ الأمر [!]، أن يَطْعَنَ لَدَى المحكمة الابتدائية في صِحَّة تَصْريِـح [=تَجْنِيسٍ] سَبَقَ أن وَقَعَتْ الموافقة عليه بصورة صريحة أو ضمنية [!]، وفي حالة الطّعن، يجب تدخل النيابة العامة بالأمر». لكن في النظام السياسي الـقائم بالمغرب، يَسْتَحِيل أن يُوجَد نَقْد مُتَبَادَل، أو مُرَاقَبَة مُتَبَادَلة، أو مُحَاسَبَة مُتَبَادَلَة.
بِالْإِضَافَة إلى أنّ الـفصل 29، يَشْتَرِط في «التَجْنِيس» أن يُوجَد فيه شَرْطُ «الْإِشْهَار». حيثُ يقول: «تُـنْـشَرُ في الجريد الرّسمية الظَهَائِر وَالمَرَاسِيم المُتَّخَذَة بِشَأْن الجِنْسِيَة». بينما في حالة «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، فَإِنَّ السلطة السياسية تَتَعَامَل معهم، بشكل مُسْبَق، وَبِشَكْل جَمَاعِي، وَدَفْعَة وَاحِدَةً، كما لَوْ أَنَّهُم حَصَلُوا على الجِنْسِيَة المغربية بشكل قانوني، دُون أن يَسِبِقَ ذلك حُكْمٌ قَضَائِي، ثُمَّ إِشْهَارٍ في «الجريدة الرّسمية». وعليه، يُعَدُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين بَاطِلًا.
14) لَا يَجُوز تَجْنِيس «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، لأنه لم يَسْبِق لِهَؤُلَاء [كَأَفْرَاد، وَلَيْسَ كَمَجْمُوعَة] أن أَثْـبَـتُـوا أَحَـقِّـيَـتَـهُـم في اِكْتِسَاب الجِنْسِيَة المغرب أمام المَحَاكِم الابتدائية. حيث أن الـفصل 30 يقول: «يَقَعُ عِبْءُ الْإِثْبَات في قضايا الجنسية لدى المَحَاكم الابتـدائية [المغربية] على كلّ شَخْص يَدَّعِـي الجِنْسِيَة المغربية لِنَـفْسِهِ، أو لغيره، أو ينكرها كذلك بدعوى أصلية، أو عن طريق الدفع». لكن هذا الإجراء الـقانوني لم يَحْدُث. وعليه، يُعَدُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين بَاطِلًا.
15) لَا يَجُوز تَجْنِيس «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، لأن الـقانون يَشْتَرِطُ «إثبات الجنسية الأصلية». حيثُ يَقُول الـفصل 31 : «إذا اِدَّعَـى شَخْصٌ الجنسية المغربية كجنسية أَصْلِيَة، يُمكنه أن يُثْـبِـتَـهَا بِجَمِيع الوسائل، وَلَاسِيَّمَا عن طريقة الحَالَة الظَّاهِرَة. [وَ] تَنْجُمُ الحالة الظاهرة للمواطن المغربي عن مجموعة من الوَقَائِـع العَلَنِيَة، المَشْهُورَة، المُجَرَّدَة من كلّ اِلْتِبَاس، تُثْـبِـتُ أن الشخص المعني بالأمر، وَأَبَوَيْه، كانوا يتظاهرون بِالصِّـفَـة المغربية، وكان يُعْتَرَفُ لهم بهذه الصِفَة، لا من طرف السلطات العمومية فحسب، بل حتى من طرف الأفراد». وهذا الشَّرْط لَا يَتَوَفَّرُ في «الإسرائيليّين من أصل مغربي». وعليه، يُعَدُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين بَاطِلًا.
وفي مَجَال «الْإِثْـبَـات الـقَضَائِي» لِلْجِنْسِيَة، يَقـول الـفصل 35 : «إن إِثْبَات تَمَتُّـع شَخْص بالجنسية المغربية، أو عدم تمتعه بها، يمكن في أي حالة من الأحوال أن يَتِمَّ بِالْإِدْلَاءِ بِنَسْخَة من المُقَرَّر القَضَائِـي الذي بَتَّ في المسألة نهائيا، باعتبارها دَعْوَى أصلية». وهذا الـفصل يُثِيرُ إِحْدَى نُـقَط الضُّـعْف الموجودة في الـقانون المغربي الحالي لِلْجِنْسِيَة. حيثُ كان يَجِب على قانون الجنسية أن يَتْرُكَ الحَسْمَ في كُلِّ قَضَايَا مَنْح الجِنْسِيَة، أو سَحْبِهَا، إلى الـقَضَاء وَحْدَه، دُون السَّمَاح بِأَنْ تَتَدَخَّلَ فيه الحكومة، أو وزير العدل، أو وزير الخارجية، أو المجلس الوزاري بِرِئَاسَة المَلِك.
وفي مَجَال «الاِخْتِصَاص في المُنَازَعَات الـقَضَائِيَة بِشَأن الجِنْسِيَة»، يقـول الـفصل 36 : «تَخْـتَـصُّ المحاكم الابتـدائية (…) بالنظر في المنازعات حول الجنسية. يَبُتُّ المجلس الأعلى، والمحاكم الإدارية (…) كل في مجال اختصاصه، في دعاوى إلغاء المقررات الإدارية المتعلقة بالجنسية. وإذا ما اِقْتَضَى البَتُّ في نزاع قضائي تَأْوِيلَ مُقتضيات دُوَلِيَة، تتعلق بجنسية، يجب على النيابة العامة، بِنَاءً على طلب المحكمة المرفوعة إليها الدعوى، أن تطلب ذلك التأويل من وزير الشؤون الخارجية. وإن التأويل الذي يقول به الوزير المذكور يَتَـعَيَّنُ على المحاكم أن تَعْمَلَ به، وَيُِنْشَر في الجريدة الرسمية». وَفي رأيِـي، يجب أن يَحْسِمَ الـقَضَاء وَحْدَهُ في قَضَايَا الجِنْسِيَّة. وَلَا يُعْـقَلْ، وَلَا يُـقْبَل، إِخْضَاع تَطْبِيـق قانون الجِنْسِيَة لِتَأْوِيلَات وَزِير الخَارِجِيَة، وَلَا لِلْمُعَاهَدَات الدُوَلِيَة، وَلَا لِتَدَخُّلَات السُلْطَة التَنْـفِيذِيَة، وَلَا لِمَجْلِس الوُزَرَاء.
16) لَا يَجُوز تَجْنِيس «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، لأن الـفصل 38 يُوجِب بِأن تَكُون «الدَّعْوَى التي تَرْمِي إلى الاعتراف بالجنسية لشخص، أو إنكارها عليه، تُـقَامُ لدى المحكمة الابتدائية التي يقع في دائرة نفوذها مَحَلُّ سُكْنَاه. وإذا لم يكن له محل السكنى في المغرب، فَتُرْفَعُ الدعوى لدى المحكمة الابتدائية بالرباط». بَيْنَمَا هذا الإِجْرَاء القانوني لَم يُنَـفَّـذ في حالة «الإسرائيليّين من أصل مغربي». وعليه، يُعَدُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين بَاطِلًا.
17) لَا يَجُوز تَجْنِيس «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، لأن الـفصل 39 يُوجِبُ، في مَجَال التَجْنِيس، أن يَخْضَع لِلْإِجْرَاءَات التَالِيَة : «كل شخص يَدَّعِى تَمَتُّـعَه بالجنسية المغربية، أو يَـنْـفِـيـهَا عنه، له الحق في تقديم دَعْوَى. تُـقَام الدَّعْوَى في مواجهة النيابة العامة، التي لها وحدها الصِفَة في الَردِّ، وذلك بصرف النظر عَمَّا لِلْأَغْيَار من حقّ التدخل في هذه الدَّعوى. وللنيابة العامة وحدها الحق في أن تُـقيم على أيّ شخص كان، دَعْوَى تكون الغاية الرئيسية والمباشرة منها، إِثْبَات تَمَتُّـع المُدَّعَى عَليه بالجنسية المغربية، أو عدم تَمَـتُّـعِـهِ بها، كما أنها مُلْزَمَة بإقامة الدّعوى، فيما إذا طَلَبَتْ منها ذلك إحدى الإدارات العمومية». لكن هذه الإجراءات القانونية لم تُطَبَّق، ولم تُحتـرم، في حالة تَجْنِيس «الإسرائيليّين من أصل مغربي». وعليه، يُعَدُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين بَاطِلًا.
بَلْ الغَرِيب هو أنّ السُّلْطَة السياسية في المغرب، تُبَالِغُ في العِنَايَة بِـمُجْمَل «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، وَتَمْنَحُهُم الجِنْسِيَة المغربية، بِشَكْل مُسْبَق، وبشكل جَمَاعِي، وَدَفْعَةْ وَاحِدَة، وَلَوْ أن عَدَدًا من هؤلاء الـ 700 ألف «إسرائيلي من أصل مغربي» لَمْ يَهْتَمُّوا بِالجِنْسِيَة المغربية، وَلَمْ يُطَالِبُوا بها، ولم يَـقُومُوا بِأَيِّ إِجْرَاء قَانُونِي لِلْحُصُول عليها. وهذا السُلُوكُ مُتَـنَاقِضٌ مع بُنُود قانون الجنسية السَّالِفَة الذِّكْر. وعليه، يُعَدُّ تَجْنِيس الإسرائيليّين بَاطِلًا.
وَ نَتَذَكَّر بهذا الصَّدَد تَـعَامُلًا مُنَاقِضًا، حَدَثَ مع جَزَائِرِيِّين كانوا يُـقِيمُون منذ عُـقُود في المغرب. حيثُ أنه، بَعْدَ إِصْدَار دولة المغرب، في 2 مارس 1973، لِظَهِير يتـعلق «بتأميم وَمُصَادَرَة الأراضي الزراعية والمباني العائدة لأفراد وكيانات اعتبارية أجنـبية»، قامت دولة المغرب (تحت حكم الحسن الثاني)، بِطَرْد مَا يَتَرَاوَح بين 10 ألاف و 14 ألـف جَزَائِرِي، دُون اِكْتِرَاثٍ كبير بِحُـقُوقِهِم، وَبِمُمْتَلَكَاتِهِم، وَلَا بِاكْتِسَاب بعضهم لِلْجِنْسِيَة المغربية. وَقَالَ بعض هؤلاء الجزائريّين المُهَجَّرِين أن دولة المغرب صَادَرَت أملاكهم في المغرب، وبِدون تَـعْوِيض (على عكس الأجانب الأورُبِيِّين الذين حَصَلُوا على تـعويضات). كَمَا يُعَاب على دولة الجزائر أنها قامت، في ديسمبر 1975، (تحت حكم الرئيس هُوَّارِي بُومَدْيَنْ)، بِـتَهْجِير مغاربة كانوا يُـقِيمُون منذ عُـقُود في الجزائر. وكان عددهم يُـقَارِبُ 45 ألف عائلة مغربية، أو زُهَاءَ 350 ألف شخص، وَدُون اِكْتِرَاثٍ كبير بِحُـقُوقِهِم، وَلَا بِاكْتِسَاب بعضهم لِلْجِنْسِيَة الجَزَائِرِيَّة، وَبِدُون تَعْوِيض... ثمّ قامت السلطات المغربية، في العام 1994، بحجة الهجوم الإرهابي الذي حَدَثَ في مدينة مراكش، بطرد آلاف الجزائريين البَاقِين في المغرب، بمن فيهم مقيمون يَحْمِلُون تَصَارِيحَ إِقَامَة. وهذه السُلُوكِيَّات المُؤْسِـفَة، تَتَنَاقَضُ مع نَوْعِيَة تَعَامُل دولة المغرب مع «الإسرائيليّين من أصل مغربي». (بَيْنَمَا دولة الجزائر، وعلى عكس دولة المغرب، تَرْفُضُ صَرَاحَةً "التَطْبِيع"، وَتُنَاهِضُ عَلَنِيَّةً الصَّهْيُونِيَة).
18) وفي حالة وُجُود تَنْظِيمَات جَمْعَوِيَة، أو مَدَنِيَة، أو سياسية، تُرِيد إِقَامَة دَعْوَى ضِدَّ تَجْنِيس «إسرائيليّين من أصل مغربي»، يَفْرِضُ عليها الـفصل 40 الإجراء التَالِي: «تتولى المحاكم الابتدائية النظر في دعوى الجنسية بموجب الإحالة، إما بطلب من النيابة العامة، وإما من أحد طرفي الدّعوى (…) يجب على الطَرَف الذي يُنَازِعُ في الجنسية، أن يُقِيم دَعْوَاه في آن واحد ،ضِدَّ الشخص المُنازع في جنسيته، وضد النيابة العامة». والمشكل في قضاء المغرب، هو أن نسبة هامّة من أشخاصه غير مُسْتَـقِلِّين تـُجَاه السُلْطَة السياسية.
19) وَإذَا اِسْتَـعْمَلْتُ في المقال الحالي بُـنُـودَ قانون الجِنسية المغربية لِـإِثْبَات بُطْلَان تَجْنِيس «إسرائيليّين من أصل مغربي»، فهذا لَا يعني أنني أُقَدِّسُ هذا الـقانون، أو أنني أُوَافِـقُ على كُلِّ مَضْمُونِه. بَلْ مِن حَـقِّي أن أَسْتَـعْمِل هذا الـقانون مَا دَامَ هو القانون القَائِمُ في البِلَاد، وفي نَفْسِ الوَقْتِ، مِنْ حَـقِّي أن أَنْـتَـقِـدَ بعض بُنُود هذا الـقانون، وَأَنْ أُطَالِبِ بِمُرَاجَعَتِه، وَتَـغْيِيرِهِ. حَيْثُ أنه، في الـفصل 1 من قانون الجِنسية المغربية، جَاءَت عبارات غَامِضَة، وَقَابِلَة لِتَأْوِيلَات مُتـناقضة، وَتَحْتَمِلُ حتى مُنَاوَرَات سِيَّاسَوِيَة. حيث يقـول الـفصل 1 : «تُحَدَّدُ المُقْتَـضَيَات المُتعلِّقة بالجنسية المغربية بموجب القانون، وعند الاقتضاء بِمُقْتَـضَـى المُعَاهَدَات، أو الْأَوْفَاق الدُوَلِيَة، التي تَـقَعُ المُصادقة عليها، وَيَتِمُّ نَشرها. إن مقتضيات المعاهدات، أو الأوفاق الدولية المصادق عليها، والموافق على نشرها، تُرَجَّحُ على أحكام القانون الداخلي». وهذا الإجراء (الذي قَدْ يُمْكِن قَبُولُه في بعض الـقضايا المُتَـعَلِّقَة بِحُـقُوق الإِنْسَان، وليس بِقَضَايَا الجِنْسِيَة المغربية) هُوَ خَاطِئ سِيَّاسِيًّا، وَبَاطِل قَانُونِيًّا، حَتَّى وَلَوْ كُتِبَ دَاخِل نَصٍّ قَانُونِي (مَنْشُور في الجريدة الرَّسْمِيَة). لأن تَطْبِيـقَه يُؤَدِّي إلى سُلُوكِيَّات مُتَنَافِيَة مع اِسْتِـقْلَال شعب المغرب، وَمَعَ سِيَّادَتِه. حيثُ أنه، إذا أَبْرَمَت مَثَلًا السلطة السياسية في المغرب مُعَاهَدَةً تَنُصُّ على أن مُوَاطِنِي فَرَنْسَا، أو الولايات المُتحدة الأمريكية، أو إسرائيل، يَحِقُّ لهم الحُصُول، بِشكل آلِي، وَجَمَاعِي، على جِنْسِيَّة المغرب، وعلى حُـقُوقِهَا، حَـتَّى لَوْ كَان هذا الإجْرَاء بِدُون مُعَامَلَة بِالْمِثْل، فإن شَعْب المغرب سَيَرْفُضُ مُطْلَـقًا «تَرْجِيحَ مُـقْتَضَيَات هذه المُـعَاهَدَة على أحكام قانون الجِنْسِيَة المغربية». لأن مثل هذا الإجراء خَاطِئ مَبْدَئِيًّا، وَمَرْفُوض سِيَّاسِيًّا، وَيُهَدِّدُ اِسْتِـقْلَال المَغْرِب وَسِيَّادَتَهُ. حيثُ أن الجِنْسِيَة تُكْتَسَبُ أَسَاسًا بشكل فَرْدِي (وَلَيْسَ جَمَاعِي)، وَبِالوِلَادَة في البلاد، وبِالإِقَامَة المُنْتَظِمَة فيه. دُونَ الكَلَام عَن ضَرُورَة المُسَاهَمَة في خِدْمَة مَصَالِحِ شَعْب هذه البِلَاد. وَلَا يُعْـقَل، وَلَا يُـقْبَل، أن يَخْضَع مَنْحُ الجِنْسِية، أو تَثْبِيتُهَا، أو سَحْبُهَا، لِتَدَخُّلَات الدُّوَل الأَجْنَبِيَة. وَإِلَّا أَصْبَحْنَا مُسْتَـعْمَرِين. وَيَنْدَرِجُ تَدْبِير «الجنسية» ضِمْنَ نِطَاق سِيَّادَة الشَّعْب، وَتَدْبِير مُمَثِّلِيه. ولا يجوز إِطلَاقًا لِلدُّوَل الأجنبية أن تَـتَدَخَّل في هذا المَجال، سَوَاءً عَبْرَ «مُعَاهَدَات، أو أَوْفَاق دُوَلِيَة»، حَتَّى وَلَوْ «صَادَقَت عليها الحُكُومَات» المَـعْنِيَة.
20) يُدَافع بعض الأَشْخَاص على حَقِّهِم في أَنْ يَحْمِلُوا، في نـفس الوقت، جِنْسِيَّات عِدَّة دُوَّل غَرْبِيَة مُخْتَلِـفَة. وَيَتَـعَامَلُ بعض هؤلاء الأَشْخَاص مع الجِنْسِيَّة كَأَنَّهَا مُجَرَّد رُخْصَة لِلسَّفَر، أو لِرُكُوب الطَّائِرَة، أو لِدُخُول بُلْدَان وَأَسْوَاق تِجَارِيَة أجنبية، أو وَثِيـقَة لِتَسْهِيل السِيَّاحَة، أو إِبَاحَة لِلْاِشْتِـغَال بِأُجْرَة مُرْتَـفِـعَة في البلدان الغَرْبِيَة، أو رُخْصَة لِلْاِسْتِـفَادَة مِن الاِمْتِيَّازَات المُتَوَفِّرَة في بعض الدُوَل الغَرْبِيَة المُتَقَدِّمَة، مثل العِلَاجَات الطِبِّيَة، أو التَسْهِيلَات البَنْكِيَة، أو وَسِيلَة لِتَهْرِيب جُزْء مِنْ ثَرَوَاتِهِم المَالِيَة وَتَأْمِينِهَا في دُول قـوية، وَمُسْتَـقِرَّة، الخ. وَنُلَاحِظُ أن هؤلاء الأشخاص يهتمّون بِالحُصُول على جِنْسِيَّات الدُوَل الـقَوِيَة، والمُتَـقَدِّمَة، بَيْنَمَا لَا يُبَالُون بالمُطَالَبَة بِجِنْسِيَّات بُلْدَان موجودة في إفريقـيا، أو آسيا، أو أمريكا الْـجَنُوبِيَة، تَتَمَيَّزُ بِمَحْدُودِيَة تَـقَدُّمِهَا، أو بِعَدَم اِسْتِـقْرَارِهَا، أو بِاحْتِيَاجِهَا لِلتَّضْحِيَة. لِذَا فَإِنَّ المُطَالَبَة بِحَقِّ حمل جِنْسِيَّات مُتَعَدِّدَة، لَا عَلَاقَة لها بِالدِّيموقراطية، وَلَا بِحُقُوق الإنسان، وإنما تَرْجِعُ هذه المُطَالَبَة (بِحَقِّ حَمْل جِنْسِيَّات مُتَـعَدِّدَة) إلى اِنْتِهَازِيَة بَعْض أَفْرَاد النُخَب المَيْسُورَة، التي تَبْحَثُ عن مَصَالِحَ، وَعَنْ اِمْتِيَّازَات شَخْصِيَة. وَتَتَنَافَى العَدَالَة المُجْتَمَعِيَة مع تَشْرِيع السَّمَاح بِتَعَدُّد الجِنْسِيَّات. حيثُ يَسْتَحِيل تَعْمِيمُ تَعَدُّد الجِنْسِيَّات على كُلِّ أَفْرَاد الشعب. فَيَسْتَحِيل تَحْـقِيـق المُسَاوَاة فيما بين المُوَاطِنِين في هذا المَجَال. وَتَبْـقَى الاِمْتِيَّازَات النَاتِجَة عن تَعَدُّد الجِنْسِيَّات مَحْصُورَة بالضَّرُورَة في بعض أفراد النُخَب المَيْسُورَة، أو الثَرِيَة. وَهَكَذَا يَزْدَاد الأغنياء ثَرَاءً وَرَفَاهًا، وَيَسْتَـفْحِلُ فَـقْرُ الـفُـقَـرَاء، أو تَهْمِيشُهُم. وَتَتَـفَاقَمُ الهُوَّةُ بين الـفُقَرَاء والأَغْنِيَّاء. وَيُـقَلِّـلُ عَادَةً الأشخاص المُطَالِبِين بِتَعَدُّد الجِنْسِيَّات مِن أَهَمِّيَة الوَاجِبَات السِيَّاسِيَة المُتَرَتِِّـبَة عَنْ حَمْل كُلِّ جِنْسِيَة. وَلَا يُبَالُون بِالتَنَاقَضَات النَّاتِجَة عَمَّا يُوجِبُه تَعَدُّد الجِنْسِيَّات مِن وَلَاءَات لِدُوَّل مُتَبَايِنَة، أو مُتَنَاقِضَة، أو مُتَصَارِعَة، أو مُتَعَادِيَّة. وَلَا يَهْتَمُّون سِوَى بِمَصَالِحِهِم الشَّخْصِيَة، أو الأَنَانِيَة. فَغَالِبًا مَا يَخْـفِي حَمْل شَخْص مُحَدَّد لِجِنْسِيَّات مُتـعدِّدَة سُلُوكًا اِنْتِهَازِيًّا، يَبْحَثُ من خِلَالِهِ عَن تَعَدُّد المَنَافِع، وَيَتَهَرَّبُ، في نـفس الوقت، من كَثْرَة الوَاجِبَات. بَيْنَمَا حَمْل كُلّ جِنْسِيَة مُحَدَّدَة يُوجِبُ الاِنْتِمَاء إلى بَلَد مُعَيَّن، وَإلى وَطَن مُحَدَّد، وشعب مَعْرُوف، ودولة مَعْلُومَة. وَتَنْتُجُ عن حَمْل أَيَّة جِنْسِيَة ضَرُورَة الوَفَاء، وَالإِخْلَاص، لِذَلِك البَلَد المُحَدَّد، أو الوَطَن، أو الشعب. وَلَا يُمْكِن لِـأَيِّ عَاقِل أن يَنْـفِيَ إِمْكَانِيَة أَنْ تُصْبِحَ الدُوَلُ المُخْتَلِفَة، التي نَحْمِلُ في نَفْس الآن جِنْسِيَّاتِهَا المُتَـعَدِّدَة، في حَالَة تَنَافُس، أو صِرَاع، أو صِدَام، أو عَدَاء. وفي هذه الحالة، يَغْدُوا حَامِلُو جِنْسِيَّات مُتَـعَدِّدَة «عُمَلَاء لِـقِوَى أَجْنَبِيَة مُعَادِيَة». وَسَيَكُونُ آنَذَاك قَدْ فَاتَ الأَوَان لِمُعَالَجَة مُشْكِل تَعَدُّد الجِنْسِيَّات. فَمِن مَصْلَحَة شُعُوبِنَا، في بُلْدَان العالم الثالث، أن نَمْنَع حَمْل مُوَاطِنِينَا لِجِنْسِيَّات مُتَعَدِّدَة. وَمَنْ يُـفَضِّلُ البُلْدَان الغَرْبِيَة على وَطَنِه في العالم الثالث، فَلْيَذْهَب نِهَائِيًّا إِلَيْهَا. وَمَنْ يُفَضِّلُ إِسْرَائِيل على المغرب، ليسَ مِنَّا.
21) وفي مقال منشور على موقع الموسوعة "فِيكِيبِيدْيَا" (Wikipedia) (وَرَابِطُهَا هو: https://ar.wikipedia.org/wiki/مغاربة-يهود)، كُتِبَتْ الجُمْلَة المُغْرِضَة التَالِيَة : «تماشيا مع قوانين الجنسية المغربية، صدر قرار للدولة المغربية سنة 1976 بعدم إسقاط الجنسية المغربية عن اليهود المغاربة الذين هاجروا في المراحل السابقة، وبذلك يمكنهم العودة إلى بلدهم متى شَاءُوا، باعتبارهم مواطنين مغاربة». وهذه الجُمْلَة هي مُغَالَطَة مَفْضُوحَة، وذلك لِعِدَّة اِعْتِبَارَات: أوّلًا، الإجراءات الإدارية الواردة في الجُمْلَة السَّابِـقَة تَتَنَافَى مع قانون الجنسية المغربية (مثلما أَوْضَحْتُ سَابِـقًا في هذا المقال)؛ ثَانِـيًّا، إذا اِفْتَرَضْنَا صِحَّة وُجود ذَاكَ الـقَرَار المَزْعُوم (في اِنْتِظَار التَأَكُد من ذلك)، المَنْسُوب إلى دولة المغرب في سنة 1976، فَإنه سَيَكُونُ مُجَرَّد قَرَار سياسي، وليس حُكْمًا قَضَائِيًّا شَرْعِيًّا. وَثَالِـثًا، وَعلى عَكْسِ مَا كُتِبَ في مَقَال "فِيكِيبِيدْيَا" (Wikipedia)، هذا الـقَرَار المَزْعُوم يَتَنَافَى مع كلّ بُـنُود قَانون الجِنْسِيَّة المغربية الصادر في سنة 1958. ورَابِـعًا، كل فصول قانون الجنسية المغربية التي تَتَنَاوَلُ مَنْح الجِنْسِيَة أو سَحْبِهَا (الفصول 6، و 7، و 12، و 26، و 27، الخ)، تَتَحَدَّثُ عن الجِنْسِيَة بِالنِّسْبَة لِشَخْص فَرْد مُحَدَّد؛ وَلَا يُوجد إِِطْلَاقًا في قانون الجنسية المغربية مَا يُبَرِّر مَنْحَ الجِنْسِيَة، أو تَثْبِيتَهَا، أو سَحْبَهَا، لِمَجْمُوعَة بَشَرِيَة مُتَعَدِّدَة (وَلَوْ تَعَلَّقَ الأمر بِـ «مَغَارِبَة يَهُود»، أو بِـ «إسرائيليّين من أصل مغربي»). وَخَامِسًا، لَا يُوجَدُ إِطْلَاقًا في قانون الجنسية المغربية مَا يُبَرِّر إِصْدَارَ قَرَار بِـ «عَدَم إسقاط الجنسية المغربية [في المُسْتَـقْبَل] عن [مَجْمُوعَة] اليهود المغاربة الذين هاجروا...». وَمَن يَزْعُمُ عَكْسَ ذَلك فهو مُضَلِّل، أَو مُخَادِع، أو كَذَّاب.
22) لَا أَتَوَقَّعُ من النظام السياسي الـقائم في المغرب أن يَتَرَاجَع عن «تَجْنِيس الإسرائيليِّين من أصل مغربي»، أو أن يَلْتَزِمَ بِتَنْـفِيذِ الـقَوَانِين الـقائمة في البلاد (بما فيها قانون الجنسية)، حَتَّى وَلَوْ كَانَ هو الذي وَضَعَهَا بِنَـفْسه.
23) يَحْتَاجُ قانون الجِنْسِيَة المغربية إلى مُرَاجَـعَة، وَإلى تَحْيِين، وإلى الكَثِير مِنَ التَـعْدِيلَات، وإلى إصلاح النـقائص الموجودة فيه. وبعض التَدَابِير المَنْصُوص عليها فيه (مثل تَدَخَّل وَزِير الخَارِجِيَة، وَوَزِير العدل، والمجلس الوزاري، الخ) تَحْتَاج لِلْإِلْـغَاء، لِكَيْ يُصْبِح الـقَضَاء وَحْدَهُ مُـكَـلَّـفًا بِحَسْم قَضَايَا الجِنْسِيَة عبر تَنْـفِيد قانون الجنسية المغربية.
24) الخُلَاصَة التي أَسْتَنْتِجُهَا من فَضِيحَة تَجْنِيس «الإسرائيليّين من أصل مغربي»، (وكذلك من العديد من الـفضائح الأُخرى، الاقتصادية والسياسية، التي تَـتَـرَاكَمُ في المغرب منذ عَشَرَات السِّنِين)، هي أن دولة المغرب أَصْبَحَت في حَالَة إِفْـلَاس سِيَّاسِي، وأن الدولة فـقدت استـقلالها، وأن الشعب فـقد سِيَّادَتَه، وَدَخَلَ في سَيْرُورَة وَاضِحَة من الاِنْحِطَاط المُجْتَمَـعِي. وَأقْصِد بِـمَـفْهُوم «الدَوْلَة المُفْلِسَة سِيَاسِيًّا»، الدولة التي تَتَمَيَّزُ بِالصِـفَات التَالِيَة :
- غِيَّاب، بَلْ اِسْتِحَالَة وُجُود، دَوْلَة الحَـقِّ والقَانُون؛
- نِسْبَة هَامَّة مِن الأشخاص المَسْئُولِين في الدولة (أَيْ الذين كُلِّـفُوا بِتَدْبِير الدَوْلَة والمُجْتَمع)، أَصْبَحُوا مُسْتَلَبِين (aliénés, alienated)، وَلَمْ يَـعُودُوا يَهْتَمُّون سِوَى بِخِدْمَة مَصَالِحِهِم الشَخْصِيَة الأنانية؛ وأصبحوا عاجِزين على تَلْبِيَة حَاجِيَّات الشعب، وَعلى تَخْلِيـق مَأْجُورِي الدولة، وعلى مُعَالَجَة مَشَاكِل المُجتمع؛
- تُوجَدُ نِسْبَة هَامَّة من المَسْئُولِين الكبار والمتوسِّطِين في حالة تَضَارُب المَصَالِح (conflits d’intérêts)؛
- مُعْظَمُ المَسْئُولِين (كبارًا وصغارًا) في أجهزة الدولة يَـفْـعَـلُون عَكْسَ مَا يجب فِـعْلُه؛
- تُصْبِحُ الدولة عَاجِزَة على الْاِلْتِزَام بِتَنْـفِيذِ الكَثِير من الـقَوَانِين التي وَضَعَتْهَا هي بِنَـفْسِهَا؛
- أَعْدَاد مُتَزَايِدَة من المَسْئُولِين في الدولة يَـغْتَنُون بشكل غير مَشْرُوع، وَيُـهَـرِّبُون جُزْءًا هَامًّا مِنْ ثَرَوَاتِهِم إلى الدول الغربية الإِمْبِرْيَالِيَة؛
- رغم وُجُود فَضَائِح فَسَاد كَثِيرَة وَجَلِيَّة، يَـغْدُو من المُسْتَحِيل مُحَاسَبَة، وَمُـعَاقَبَة، مُرْتَـكِبِي هذه الفَضَائِح.
وَفي الخِتَام، وَبَيْنَمَا أنا عَائِدٌ في الحَافِلَة إلى منزلي، حكى لي صديـق أنه، بعد جِدَال حَادٍّ له مع أحد جِيرَانِه، خَتَمَ هذا الجَار كَلَامَه قَائِلًا : «أُنْظُر، لَا تُحَاوِلْ إِقْنَاعِي، فَمَهْمَا قُلْتَ، سَأَبْـقَى مُنَاصِرًا لِلنِظَام السياسي الـقَائِم في المغرب، وَأَعْتَبِرُ الإِسْرَائِيلِيِّين أَصْدِقَاء، وَأَعْتَبِرُ الـفًلَسْطِينِيّين والجَزَائِيرِيِّين أَعْدَاء، وَيَجِبُ أَنْ نُـعْطِيَ كُلَّ شَيْئٍ لِـلْإِسْرَائِيلِيِّين، بِمَا فيه الجِنْسِيَة، وَالمُوَاطَنَة، وَتَسْهِيلَات الْاِسْتِثْمَار، وَلَوْ بِدُون مُـقَابِل، وَحَتَّى بِدُون مُعَامَلَة بِالمِثْلٍ، وَلَنْ أَسْتَمِعَ لِـأَيِّ شَخْص يُحَاوِلُ إِقْنَاعِي بِـعَـكْـسٍ ذلك». فَقُلْتُ مُبْتَسِمًا لذلك الصَدِيـق : «هذا بالضَّبْط هو مَرَض التَطَرُّف اليَمِينِي في البَلَادَة السياسية».

رحمان النوضة

(حُرِّرَ هذا النص في 12 شتـنبر 2022. وهو مُقْتَطَف من كتاب: رحمان النوضة، "نَـقْد الصَّهْيُونِيَة").
مقالات أخرى لرحمان النوضة ذات علاقة بموضوع "تجنيس الإسرائيليّين من أصل مغربي" :
- "تَجْنِيس الإسرائيليّين من أصل مغربي جريمة" (https://livreschauds.wordpress.com/2022/08/20/تجنيس-الإسرائيليّين-جريمة/).
- "إسرائيل تُدْخِل الطَّائِـفِيَة إلى المغرب"، https://livreschauds.wordpress.com/2022/09/15/إسرائيل-تُدْخِلُ-الطَائِفِيَة-لِلْمَغْرِب/ ».
- كتاب "نَـقْد الصَّهْيُونِيَة" (https://livreschauds.wordpress.com/2017/08/07/نَـقْد-الصَهْيُونِيَة/).