الطيران وقوفا إضاءة على نص شلال عنوز -هل جربت امتطاء الريح -


سعد محمد مهدي غلام
2022 / 9 / 13 - 16:01     

قالَ لي: …….
……..وهو يلبسُ الأفُق 
………….هل جرّبتَ أمتِطاء ألريح؟
..قلتُ: 
…..وهل وقفَت لِيَ الريحُ يوماً؟
…وأنا الذي يهرولُ 
..في ألأتجاه المُعاكس
..يقومُ ويجثو…….
..أتعبَ المسافات
…فأتعبتهُ المُنى البلهاء
..وعاثَ في لُبِّ صبرهِ
…رِعافٌ من قَلَق
…فأمتَطَتهُ الرّيحُ
…لامَناصَ الاّ ….
…….ألأذعان ياصاحِبي
…فأنا مِن أُمَّةٍ 
………لاتَمتطي الرّيح 
…..ولا تَسُدُّ النَّوافِذَ وألأَبوابَ
…أُمَّةٌ أَرَضاتٌ 
……..تَعتاشُ على بعضِ دماها
..تَرقُصُ بألطُّوفان ….
..وتَحتَفِلُ بالطُّغاة
..قالَ لي: …….
……..وهو يلبسُ الأفُق 
………….هل جرّبتَ أمتِطاء ألريح؟
..قلتُ: 
…..وهل وقفَت لِيَ الريحُ يوماً؟
…وأنا الذي يهرولُ 
..في ألأتجاه المُعاكس
..يقومُ ويجثو…….
..أتعبَ المسافات
…فأتعبتهُ المُنى البلهاء
..وعاثَ في لُبِّ صبرهِ
…رِعافٌ من قَلَق
…فأمتَطَتهُ الرّيحُ
في قصيدته هل جربت امتطاء الريح: النزف السائل من الانزياح التبكيتي أتراه يخاطب نفسه؟ أم يجيب على أحد؟ إنها محنة الاختبار التي يمر بها الشاعر والصوفي في الحياة. وهو يواجه الواقع وخصوصًا عندما يكون بخصوصيات ك "شلال عنوز "له وظيفة وأسرة وكيان اجتماعي ومكانة اعتبارية بين أهله من العامين ومن الخاصين في مدينة ذات خصوصية سبق وأن تعرضنا لها بالتفصيل ... وفي بلاد أصابتها الصيحة وتبلقعت فصار عاليها سافلها. إنه بشر من الناس له العيال والمسلك. ولكنه من الشعراء الذين طرقوا درب قصيدة النثر. أرى البعض يحدث نفسه لماذا هذا التمييز بين هذا الجنس وسواه؟ ليس أنا من فعل بل هو ما يملي للعلم ،إننا لا نتوافق مع "سوزان برنارد ""ومانسيل جونز "في كثير من اأامور ولا مع" عز الدين المناصرة "و" عبد القادر الجنابي "ولا مع العديد ولكن قريبين من فهم" أنسي الحاج" و"أدونيس" ... أرشيف هذ الجنس وتاريخية التي نجد إنها في "مخاطبات ومواقف" "النفري" وشطحات "البسطامي" وبعض ما أفصح عنه "ذنون المصري "و"المرسي ابوالعباس".... إنَّ مطلع دعاء الصباح الذي أتيت عليه ولمن يرغب أن يبحث عنه ،أنه نص راق من قصيدة النثر ،هذا الجنس وثيقة تغيير الجذور. كم من المزروعات لاترها إلابعد حين؟ سيقول: لي الحين الأشهر والأيام والسنين وليس القرون والعقود. لسنا وحدنا هناك من أشار إلى "كرستوفرمارلو " السابق البعيد عن بودلير ورامبو ، وهناك ما أشار إلى "بترارك ، هناك من قال: إن كتابات فيها ملامح "بروس" في "روبنسن كروزو" يعني في "حي بن يقظان". إن كان "ابن سينا "عبر ما ورد في الإشارات وإنه مستقى من إصول" يونانية" لايعنينا أو "ابن طفيل" وإن أخذ عن "ابن سينا "أو "دانتي "المستعير من" المعري" و"ابن طفيل"... كما إن شعراء أخذوا من أهل المقامات. عمومًا نجد ملامح قصيدة الشعر في أدب وادي الرافدين ودلتا النيل والكتب الدينية السماوية وغيرالسماوية ونحن هنا لسنا في تأصيل ولا تدوين آرشفي نحن نبغي القول إن ما دبجه "شلال "استلهام من كل الأمس وهو اندلاق شلالي بوحي يتغذى من جرف عدول انزياحي متعال متسلح بالاستعارة الحادة والحذقة يندفع كسيل حط من منحدر صخري ناتئ في أرخبيل بحر مائج حط بحمولاته بعد المنزلق في مسلكه الحاد دافعًا الحجر والشجر ومتجاوزًا الحفر ...
هموم "سيزيفوس" المحكوم بالقدر "لكنها هنا معها ملامح "سيف ديموقريطس "ومع التدحرج في الثنايا يقف "بروكروس " عند منعطفات المطاوي ... وهو ينتظر الجواب يلقي التهمة على الريح وما شأنها وهذا ديدنها منذ خلق الإنسان. هو القدر ،المصير ،الاختيار ،الاختبار، ،الامتحان قد يكون جبريًا ولكنه يستبطن حرية الإرادة . تُقدّر بالقدر والمقدّر والمكتوب أو تكون ممن يقول: بإرادة الرب أو يبعد الله والقدر وينصب فخّه للحظ والبخت. وقد يعود للصواب ليكن ما يكون وأنت كائن عليه هو الصواب لأنه محض اختيار بين جنة ونار ليس الموضوع "الزكرت"و"الشمرت" بل الباطل والصواب ، الأبيض والأسود النور والظلام الخير والشر ...
هي المتقابلات الندية القدرية الحتمية... أنت مع الخاسرين في الحساب ولكن الأمور لا تقاس برحلك كم حمّلت فيه؟ بل بقلبك كم صمد؟. ونفسك ماذا عافت من المقدور؟ أتنتظر أن تمتطي الريح بلا ثمن؟. لانراك من أهل الغفلة لابد لك من سلطان ؛وليكن بساط الريح أو"مصباح علاء الدين". إن كنت ، لست، من أهل الخرافة ولا من المتعاطين" الخشخاش". ولا تنطلي عليك أقوال" أميدوقليس "التي ترددها الريح وما تحمل فما أدراك أين تحط؟. إن تمتطيها ليس أن تملك الزمام لست أنت "سليمان "ولا معك "بن برخيا" ولا لك سخر الجان ولا تكلم الطير، والهدهد أضاع الطريق ،أتراه يعود؟ إن عاد سيكون هرمًا أكله النصب والنصيب. لن تقف الريح لأحد وستظل تجول تقوم وتجثوا لن تضجر المسافة ولن تعان التعب. أمانيك هواء في شباك فقد فات الأوان . نفد الصبر وأتى عليك الوهن وأخذ منك الضّنى فأنت في شطح عن أرض القيامة ؛"بلاد لوط ؛《 سدوم،و عمورة،و أدومة،و صبييم》 والتي قد خسفها الله بأهلها《 المؤتفكات》 بسبب سوء خلقهم وإتيانهم الموبقات تلكم اليوم هنا معالمها. أرض الغضب عارضها ينذر بالعاصف المرعد لا نخيف من يقرأ هذا ما نرى!!. هو حالنا ومالنا ولا حول لنا؛ إلا أن نعض بالنواجذ على ما غفل عنه في إرثنا. ليس قول مستضعفين ولكن أين أهل البروج والأواوين؟ إين المعظم؟ والمظفر؟ أين ذي الأكتاف وآكل المرار؟ أين؟ ؟
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان ،وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ ...
الكل يمر على كرسي حلاقة الأزمان،
" كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ
يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمولُ"
يوارى ويمسي كسواه للديدان وأرومة الخضراء. دع الريح تمر لا يصيبنك الضنك كان وسيبقى أناس مهنتهم استغفال أنفسهم. ولكثر ما تماري تصدق نفسها من أتباع "غوبلز"كيف ترانا لا نصدقهم أن تقول: إنها تركب الريح تمر علينا لأننا اليوم نراها هنا وغدًا هناك. ولكن إلى متى؟ ومن بقي عبر الزمن؟ الكل لا يأخذ معه إلا خرقة تبلى ويطمر بالتراب أصله يعود إليه بلا نياشين ولا علامات ،لا دوال إلا ما ترك خلفه من أعمال …
…لامَناصَ الاّ ….
…….ألأذعان ياصاحِبي
…فأنا مِن أُمَّةٍ 
………لاتَمتطي الرّيح 
…..ولا تَسُدُّ النَّوافِذَ وألأَبوابَ
…أُمَّةٌ أَرَضاتٌ 
……..تَعتاشُ على بعضِ دماها
..تَرقُصُ بألطُّوفان ….
..وتَحتَفِلُ بالطُّغاة
نحن ندرس وظيفة النصوص كنتيجة ماتوصل إليه الشاعر: نعني أبعادها الشعرية لغة / الرمز / العاطفة. نحفر في الجوف لنصل الدوال ومنها نعلن المداليل. وإذ طرقنا مجال اللسانيات والمقاربة بين المداليل فلم نغفل منحنيات النحو منها نستخرج الأبعاد لما يقود إليه الفعل والمفعول. ونتوقف حيال البلاغة لنعرف ماترمي إليه بالمجاز والتشبيه والتمثيل والاستعارة:بمعنى كلية الصورة: التي يتمخض عنها الصف والجدار، ومن مجموع الصور: نطلع بالصورة العامة والصورة اشتغال عال بالمجاز...
المجاز من جاز الشيء، يجوز، جوزًا، وجوازًا، يقال: جاز المكان، إذا سار فيه، وأجازه: قطَعه، يقال: جاز البحر: إذا سلَكه وتعدَّاه ، و المجاز، لفظ نُقل من معناه المطروق لمعنى جديد . و صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى مرجوح بوجود قرينة .....وهو من البيان في البلاغة لإيضاح المعاني ... شغف العرب بالمجاز وداوموا على الاشتغال به بتوسع اللفاظهم و كلامهم ولما كان الشعر ديوان العرب وجدنا المجاز شائعًا في أشعارهم يقول" ابن فارس": "جوز، الجيم والواو والزاء أصلانِ: أحدهما: قطعُ الشيء، والآخر: وسط الشيء؛ فأما الوسط، فجَوْز كل شيء وسَطه... ،والأصل الآخر: جُزت الموضع، سِرْت فيه، وأجزته: خلَّفته وقطعتُه، وأجزته أنفذته "، وقد فتح له باب الدلالة لتتعدد المعاني . المجاز أولًا /لغوي ؛ مفرد -مرسل أو بالاستعارة ومركب - مرسل أو بالاستعارة
وثانيًا/ عقلي ؛إسناد الفعل أو ما في معناه / اسم فاعل / اسم مفعول /مصدر ، والإسناد ؛ إلى الزمان، إلى المكان، إلى السبب، إلى المصدر، ما بني للفاعل إلى المفعول، ما بني للمفعول إلى الفاعل،وجوهر المجاز الاستعارة و لغة من قولهم: استعار المال ؛طلبه عارية،والاستعارة كل مجاز يبنى على التشبيه
 من علاقات المجاز :1- علاقة السببية  2- المسببية  3- المشابهة  4- المضادة  5- الكلِّية 6- الجزئية 7- تسمية الشيء باعتبار ما كان عليه 8- اعتبار ما سيكون 9- التعلُّق بين المصدر واسم المفعول واسم الفاعل، ينتقل العقلُ من اللفظ المعروف بالقرينة إلى المعنى المراد،في المجاز انتقالين: وَضْعي، و عَقْلي.
لا لغة شعرية بلا مجاز ولا مجاز دون استعارة ولا استعارة دون خيال ..
 يرى أناس من الحنابلة وأخرون من المالكية عدم وقوع المجاز في القرآن ، وأنكر وقوع المجاز في اللغة "ابن تيمية" ووافقه "ابن القيم"وهي عندهم حقيقية لا تجوز المجاز.. يقول "ابن فارس":"جاء هذان البابان - الحقيقة والمجاز - في نظوم كتاب الله جل ثناؤه لتكون حجة الله عليهم آكد "، وينقل عن " ابن السبكي": "وليس مراد مَن أنكر المجاز في اللغة أن العرب لم تنطِق بمثل قولك للشجاع: إنه أسد؛ فإن ذلك مكابَرَة وعناد"...نحن نجد المجاز تصوريا من أفعال الذهن ،ويرتبط بالخيال فكان "كانط" يرى "أن الخيال أجل قوى الإنسان"
يقول" كوليردج":" الصور فيها براهين عبقرية أَصيلة، وما ذلك إِلا لأنها خاضعة في صياغتها لسيطرة العاطفة".‏إن الخيال لا يتوقف على عتبات التشابهِ الحسيّ وإنما يذهب إلى الإسفار عن بديع الفنون ورائع الخلق الذهني في الفلسفة والقيم البشرية والعلوم المختلفة والمتلقي موكل بأن يستشف مقاصد الصور والاستعارات... وعند البرنسي الشعر رسم ونحت ملون بالكلمات، أما عند السريالي فالصورة هي حجر الأساس الجوهري الشعر.
الاستعارات كانت رديف الصور الشعرية دائمًا عند الناقد العربي أو الغربي ، ومن يقرأ الناقد "‏أ.أ.ريتشاردز" يجده ما إن يدرس الاستعارة في الشعر فان يذهب مباشرة للتحدث عن الصورة الشعرية موحيًا للقارىء ان لا فرق بين الاستعارة والصورة ...وكان قد سبقه " الجاحظ في "الحيوان" عندما قال: " الشعر ضرب من النسج ، وجنس من التصوير".يقول "محمد عناني" في" النقد التحليلي" نقًلا عن "ديفيد هليوم" "لا يمكن نقل المعاني التصويرية إِلا في وعاء الاستعارة الجيدة" وكماعرفنا تلازم والاستعارة مع الصورة وفي الشعر نقل عاطفة الشاعر بتحويل الألفاظ المطروقة إلى مجسد تصويري استعاري معبرًا عن مقاصده وأفكاره بوعي أو لا وعي عبر المضمر النسقي الحالي أو أنساق البنية ... في المشغل الذهني للتصور المنقول عبر لغة المجاز بكل أنواعه وطرائقه وهذا هو الذي يشكل عضوية النص و ووحدته الموضوعية ،يقول" محمد زكي العشماوي" في "قضايا النقد الأدبي بين القديم والحديث "‏: “أنَّ ما يسمّيه النقد الحديث بالوحدة الفنيّة، ليس في ‏الحقيقةِإِلا وحدة الشعور، والعاطفة، والصّورة الشّعريّة بكلّ أشكالها المجازيّة، وبمعناها الجزئيّ، والكلّيّ ."
يقدم مبحث حدود الاستعارة في الدرس القديم باعتبارها توظيفًا للفظ بنقله من موضع معناه إلى موضع جديد بمعنى مغاير للمشابهة بين المعنى الأصلي والمعنى المستحدث مع وجود القرينة على حاجة الانصراف عن الأول الثاني...بمعنى لا استعارة في الكتاب التقليدي إلا بتوفر إمكانية مقابلتها بالواقع الحقيقي ،ولذلك هي إعادة نعت لحادث سابق ومن ثم فلا قبلية الذهن التصوري بل للمرجعية الموضوعية التي هي الأصل المنقول عنه التشبيه الاستعاري ودونه لا حدوث الاستعارة، ومن ثم فالخلق التعبيري والصورة لايعدو كونه إعادة تصور وليس بناء خلق جديد وذلك لا يخرج عن الفهم الآرسطي بحال فهو تلاعب لفظي لموضوع المحاكاة وأصلها التشبيهي لا أكثر..
يقول في "منهاج البلغاء وسراج الأدباء" حازم القرطاجني : " ينبغي أن يمثل حسن المحاكاة في القول بأحسن ما يمكن أن يوجد من ضروب تصاوير الأشياء وتماثيلها، ونظير ذلك من المحاكاة في حسن الاقتران أن يقرن بالشيء الحقيقي في الكلام، ما يجعل مثالا له مما هو شبيه به على جهة من المجاز تمثيلية أو استعارية
كقول" أبو تمام":
دِمَنٌ طالما التقتْ أدْمعُ ال
مُزنِ عليها وأدْمُع العشاقِ
حسن اقتران أدمع العشاق وهي حقيقة، بأدمع المزن وهي غير حقيقية.. {يكمل العبارة بفهم آرسطو للمحاكاة بلا لبس ولا تحوير} يجري في حسن موقعه من السمع والنفس مجرى موقع حسن اقتران الدوح الذي له حقيقة بمثاله في الغدير، ولا حقيقة له في العين"ربما صاحب "نظرية النظم" قدم رؤيا انضج للصورة في" الدلائل و البيان" وهو شيخ البلاغيين" عبد القاهر الجرجاني" يقول : «إن مما يقتضي كون الشيء على الذكر وثبوت صورته في النفس أن يكثر دورانه على العيون،..."ويقول : " أن العيون هي التي تحفظ صور الأشياء على النفوس"هذا هو الدافع للقول أن صورة الشعر رسم بالكلمات الرسم صورة بالألوان وهو عماد ما يصطلح عليه بالتراسل فلا العلامة بمعزل عن الصوت ولا اللفظ بمقطوع عن الموضوع فالصورة إذًا ظل الموضوعات المادية وعلامة الوقوع على محادثات وإشارة رامزة تنير مصابيح الفهم بعيد تجلي الأشياء وصورها كمعان مدركة ...
الرؤية العيانية التي كانت منجم الاشتغال الاستعاري والصوري عند الكثير من أهل البلاغة لاينفي وجود عدد آخر من الذين اثبتوا في تعاطيهم الفلسفي مع البلاغة في الاستعارة والصورة وعموم المجاز وجودة الرؤية الخيالية والتي منجمها الذهن الذي كانوا يسموه القلب، وبنظرتهم تلك عالجوا نصوصًا وقصائدًا كان غيرهم يعد الصور فيها من الاستعارات الباطلة لعدم توافقها مع وقائع الأشياء المنظورة عيانًا ...قدم ذلك إعادة الاعتبار للصور الخيالية الوهمية وعدت من الاستعارات المبنية على الرؤية القلبية كما يسميها "ابن سينا" و"الخوازمي" و"الغزالي"... التصور القديم الذي كان امتدادًا للفهم الآرسطوي استمر في تفسيرات تشكل الصورة ليس عند العرب وحسب بل في الغرب كذلك وربما فلسفيًا لازال كما هنا هناك ...
الصورة ما هي إلا تعبير رمزي وإيحاء بما لا يمكن التعبير عنه ،ومن هنا يمكن القول إن الصور ليست عرضية ؛ وإنما هي مرتبطة ارتباطا عضويًا بالرؤية. نعم إن الصور عندما نصبها في القالب العضوي قد تبدو وكأن في إمكانها أن تنفرد بذاتها، ولكن هذا ليس بصحيح ؛ وإنما الصحيح هو أن القالب اللغوي ليس له معنى إلا من خلال تلك العملية الفلسفية الأصلية أعني الرؤية... تشتغل الإزاحة شعريًا خارج مألوف العدول اللغوي لتخترق جدران الأبنية النحوية والصرفية ليست التراكيب وحسب بل الكلمة المعجمية ذاتها واشتغالاتها وأبنتها الموظفة في ذلك الأشتغال ..ففي الصرف ينجز أكبر خروج الإزاحات بعدا وخروقات العدولات عن القواعد النحوية المقيدة... الصرف أبرز علوم لغة العرب ،فهو المنوط به ضبط صيغ المفردات تصغيرًا ونسبةً وجموعًا قياسية وسماعية وشاذة ودراسة ما ينال الكلم من تغيرات إعتلالية أو إدغامية أو إبدالية كيف لا والصرف علم كيفية صياغة الأبنية في العربية ودراسة أوضاعها والتي ليست إعرابًا أو بناءً بمعنى دراسة. هيئة الكلمات لغرض دلالي عبر أساسه الصرفي لتحقيق بناء جمل وشبه جمل وتركيب تؤدية المقاصد...
يقول،" أبو الفتح عثمان بن جني "في" المصنف في الشرح كتاب التصريف للمازنى " : " ألا ترى أنك إذا قلت: قام بكرُ ، ورأيت بكراً، ومررت ببكرٍ، فإنك إنما خالفت بين حركات حروف الإعراب لاختلاف العامل، ولم تعرض لباقي الكلمة، وإذا كان ذلك كذلك، فقد كان من الواجب على من أراد معرفة النحو أن يبدأ بمعرفة التصريف...،"
إشكالية درس أسباب ذيوع نمط شعري يشكل ظاهرة في الشعر العربي قديمه وحديثه تتأتى من أنَّ شروط النظم متواصلة متواشجة لا انقطاع حال الشيوع لأي منهما فهما يسيران جنب إلى جنب ورغم الاحتكاكات والمهارشة بين الفريقين كمسلمة التقاطع الجديد والقديم ولكن سرعان ما تعود الحياة إلى مجاريها بينهما وكأن اتفاقا مبرما بينهما... لم يحدث بينهما إحلال لفريق على حساب الأخر وأنَّ حدث في مراحل تاريخية بعينها ،الأمر مبعثه الظرف وليس نمط النظام النظمي بين النظامين الشعريين العمود والمحدث ...التباين في بعض القصائد الشعرية فيما مضى في عملية الصنع وآلية الخلق لاختلاف المخاييل وأسلوب التشكيل والتعبير عن المعاني ولكن لم يكن ذلك قاعدة عامة ولا نظام جرح اسس قوانين النظم الجرجانية... وجدنا الجديد دائما يتقدم ازاحيًا وعدوليًا ،ولكن لا كسر لصندوق المعتاد التقليدي إطاريا ...
العدولات الحادة الخارجة عن المألوف عبر الانحياز للتجديد غير المطروق لم تكسر القواعد المرجعية في المنجز الشعري العربي الحديث ،صورهم مجازية ومجازهم استعاري استعاراتهم تشبيهية المشابهة المحاكاتية وليس المتناصية ،فأين كسر صندوق بنية الاستعارة وقوانينها وإجرئها وحدودها وأطرافها وتعريفاتها ...وفق فهم اللسانيات المعرفية { نفضل تسميتها الإدراكية } لم نقع على دراسة بلاغية بيانية محدثة أو قديمة في الدوائر الأكاديمية والأكثر حضورا خرجت عن صندوق المشابهة في تناول الاستعارة... لا أحد بحث في البعد الذهني التصوري لها والذي كان سيترتب عليه إعادة النظر بكل الدرس البلاغي العربي لإعادة تقعيده على قواعد قوانين الحداثة للبلاغة الجديدة ولو كان قد حدث ذلك لتغيرت نظرة الشعراء والنقاد للقصيدة والنص الشعر ولعموم فهم الشعرية ولشهدنا درس جديدًا في تقيم المجاز والاستعارة يتماهى مع المفاهيم الذهنية التصورية لهما{من الغريب والعجيب .إنَّ المناهج الدراسية في المؤسسات التعليمية حاشدة بواسع الدراسات الحديثة واأاساتيذ ملتزمون بتدريسها ولكنهم أنفسهم وتلامذتهم في الحياة العملية والتطبيق النقدي نجدهم بعيدون عما درسوه ودرسوه}...
إن شعراء الحداثة لا يمكن القول، أنَّهم كسروا صناديق التقليد فليس كسر البحر الشعري فالركون للتفعيلة ليس بكاف للقول بالحداثة الكلية ،فهل مرد ذلك تأرجح القصيدة بين الحرية الكاملة التي تبحث عن بلوغ الجمال دون أنْ تحسب حسابُا لشروط القواعد الموضوعة والمتبعة وما بين التقيد بالمتبع والمألوف والتقليدي وحتى لو سنحت اللغة للناظم بالخروج الشامل فإنه يعتبر ذلك من العدول الشاذ غير المسموح الوقوع فيه، لقد راوح الشعراء والنقاد في محلهم ولم يبارحوا الصندوق رغم كل تلك الأصوات العالية عن تمرد وثورة وتجديد فالقصيدة العربية لم تغادر بلاغتها القديمة ولا أدخلت المحدث من منجزات اللغة الجديدة الإدراكية والاستعارة والصورة وعموم البلاغة والبيان ... لا أحد من الرواد ولا من الأجيال اللاحقة أنجز نصًا بعيدًا عن التقليد مهما حمله من جمالية الصورة وكثافة الاستعارات ومع كل الجهد النقدي لتقويل النصوص لم يفلح أحد في أنْ يقدم لنا درسًا في قصيدة من كل الأجيال الماضية تحمل بنية الفهم الإدراكي البلاغة والبيان ولم تقدم لنا صورة أو استعارة خالصة في جماليتها دون خيوط مسك بنظرية الصنع القديم والفهم التقليدي للصورة والاستعارة وعموم المجاز{ب.السياب، ن. الملائكة ،م. البريكان ، ع.البياتي، س، يوسف ،س. مهدي، أدونيس ، ش.بغدادي ،أ. الحاج، ش. بزيغ،ع.حجازي،م. مطر،م. بنيس، ح. نجمي،ق.حداد،س. الرحبي ...}حتى الاستثناءات الإبداعية لم تكن تطرق نياسم مسيرة متواصلة متصلة بل تعتورها التشوهات الخلقية والانحرافات عن مجاريها بل النكوص أحيانا...
لا تختلف القصيدة المبهمة الغارقة بالإغماض عن القصيدة الجلية السافرة الوضوح في تقنية مرجعية الصنع الشعري فيهما ومهما كان النص خال من الإحالات أو غارقًا بالتناصات لم يخرج النص العربي عن المراوحة في المضمار المألوف ومع كل إنجازات الخروج والتطور في الصنع الصوري ومن كل التوظيفات الاستعارية لم يخرج النص عن فلك بحدين الحداثة والتقليد لغة وبناء و وتصورًا وصنعة بغض النظر عن كم المستخدم من المعاني الجديدة ...هذا المنحى المشكل في تقرير حالة فهم الصنعة البلاغية وآلياتها وأدواتها للتحقق من ممكن هجر التقليدي والقديم والولوج لعلوم بلاغة جديدة يترتب عليها فهم جديد الاستعارة والمجاز وعملية إشتغال الكلمات في اللغة وتحولها في مشغل الشعرية إلى لغة شعر مخلوق جديد وهذا يحتم دراسة وفهم اللغة بذاتها وليس لذاتها وهنا نحن ملزمون بالمرور العجول على فهم مقدمات ذلك لتكون لدينا قاعدة فهم ما تعنيه الشعرية الجديدة {في الغرب تكون فهم متقدم للأدبية/الشاعرية والشعرية وناضجة لديهم النظرية الأدبية عموما }...
دراسة مفهوم اللغة تعد من المهام البالغة التعقيد لعلاقة الفهم بعلمين لا انفصال بينهما وهما ؛ علم النفس اللغوي أو علم اللغة النفسي{عند اللسانيين}"psycholinguistics " وهو من الفروع الشائكة من علم النفس و علم وظائف الأعضاء أو الفسيولوجي "Physiology" وهو من فروع علم الأحياء المعقدة ، وعلى معطيات التقدم في ذلك الدرس اليوم إلى الرؤية الفلسفية ومنها سنفهم أسباب تبيان التعريف الفلسفي للغة ، ولكن لا اختلاف على أن اللغة منظومة رمزية وإشارية بدلالات محكمة تطورت خدمة لبسط جسور التفاهم والتواصل البشري. كانت واحدة من الإشكالات النظرية اللافتة والمثيرة للتباين والجدل بين المفكرين هي علاقة اللغة بالفكر بمعنى دور العقل في صياغة اللغة وعلى وجه العموم انشطر العلماء والمفكرين إلى؛1/ من يعتقد بانفصال اللغة عن الفكر و2/ ،من ينافح عن اتصال الفكر باللغة .. القسم الأول أصروا على أن لا علاقة بين الموضوعتين {الفكر واللغة} ونظروا لإثبات عدم جواز الربط في الدرس ويعتقدون بأسبقية الفكر ومنهم الحدسي "هنري برغسون"، والرياضي" ورينيه ديكارت" يقول،" برغسون" بالأسبقية الزمنة للفكر وتقدمه على اللغة العاجزة عن مواكبة استمراريته، ووجد في سعة التفكير و محدودية الألفاظ وعدم اتصالها ببعضها عكس الفكر المتصل والمتواصل ولذلك يجد اللغة قاصرة ومتأخرة عن الفكر فكم عجز الإنسان عن التعبير عما يخالجه من أفكار؟ هذا مايزعمه!! ...أوعز "ديكارت" مقصرية اللغة ومحدوديتها لماديتها في حين الفكر لامادي وهو جوهر الوجود السابق على المادة ... ونقول ،هل كان للفكر أن يستمر ويبقى عبر السنين لولا وعاء اللغة الحافظ وهل التعالي الفكري يعني وحدة الأفكار بين الناس ،فكيف وجد هذا العدد في المحدود من الأفكار لذات الموضوعات؟ ...أما القسم الثاني وهم من يعتقدون بالاتصال الحتمي الضروري بين اللغة والفكر فهم يؤكدون استحالة ظهور الفكر دون اللغة ويجدون أنّ الروابط العلائقية الجدلية بين الطرفين لازمة لوجودهما معا ،ومن أبرز من طرح وأمن بهذا التصور علماء اللسانيات الكبار انطلاقًا من" فرديناد دي سوسر" وأبرز الفلاسفة المؤمنين بذلك كان "جورج. ف.ف هيغل" ...أعتقد "دي سوسر" أنّ العلاقة بين اللغة والفكر وثيقة ومتداخلة ،شبهها بوجهي العملة النقدية حيث إتلاف وجه هو إتلاف الوجه الآخر، وعدت اللغة وعاء حمل الأفكار والتي لا توجد خارج اللغة بل محمولة على ظهر الكلمات وقاطنة في جوف دلالة الكلمة ضمن السياق وتداولها اللغوي يسفر عن معنى مقاصد الفكر ...فهل يمكن نقل الأفكار من عقولنا إلى الخارج دون كلمات تنتظم في منظومة اللغة ،ما يسقط من صورة العالم داخل عقولنا يكون محموًلا لغويًا ،فاللغة هي من تمنح الفكرة القدرة على الوجود والظهور الحي وكل الألفاظ ماهي إلا أغلفة لأفكار تحميها وتحصنها ويعطيها امكانيات الفهم والتواصل مع الذات والآخر وهذا ما دافع عنه هيغل الذي لا يرى إمكانية التفكير خارج اللغة ولا ينجز التفكير بعيدًا أو مفصوًلا {ديكارتيًا/ برغسونيًا} عن فعل الكلام وعمليات الإسنادية والتركيبية والاستعارية والتصورية للكلمات بالصيغة اللغوية فالإنسان يفكر داخل حاضنة من الكلمات تنتظم في مؤسسة اللغةو هو مايعطي أفكاره قدرة الوجود الخلاق .استكملت أفكار " هيغل" و"دي سوسر" وغيرهم بشكل كبير وبتعضيد معطيات علم اللغة النفسي وعلم الفسلجة وعلماء اللسانيات الإدراكية والهندسة الفكرية الدماغية فأصبح اليوم من الممكن القول نظرية ناضجة عن مفهوم اللغة تم مقاربته ومستمرة الدراسة لتطويره ... تتلخص أبرز القناعات اليوم على اعتبار العلاقة بين الفكر واللغة علاقة جدلية فلا وجود لأحدهما دون الآخر فإذا كانت اللغة واسطةالتعبير الأرقى عن دواخلنا وهي الوسيلة الأنجع لنقل أفكارنا{هناك الموسيقى والرسم والنحت والبانتوميم...إلخ} وتيسير التواصل وتجسير التفاهم...
العلاقة بين الفكر واللغة تبادلية الخلق ولذلك لا انفصال بينهما ...انطلاقًا من ما سبق قوله و عودًا على بدأ في موضوع الإزاحة :إنَّ من الحقول المهمة لإنجاز العدول الكامل قبل الولوج تحديات مايسبق اختراق نظرية النظم عبردراسة علم الكلمات والإشتقاق والتركيب نقول أنَّ أحد أبرز مقدمات الخروج من الصندوق هو فهم التصريف والانفتاح الواسع على ما نحدثه من إزاحات في المفردة الأسمية والفعلية ...
لو أجرينا استطلاعًا عابرًا للتحولات الصرفية للأفعال عبر دراسة هيئة الكلمات وأصلها المعجمي وتشكيلها الكتابي وصوتها اللفظي وتبين حروفها الأصلية والمزيدة والتعرف على إشتغالاتها الصرفية المميزة وزمن الحدوث والذي هو منتج دلالتها والكشف عن البعد الإيحائي للدلالة الأصل والدلالة بالتشكيل القائم ومقارنة التغيرات الحاصلة على الفعل الاستعمالي والوظيفي لكلا الهيئتين ... في الحديث عن التركيب والبنية فهو حديث عن النحو الذي عرفه "الشريف الجرجاني" في "التعريفات" هو "علم بقوانين يعرف بها أحوال التراكيب العربية من الإعراب والبناء وغيرها".
دراسة النحو عملية فهمية وتحليلية للجملة و مبانيها لغويًا للكشف عن مكوناتها وتبين عناصر التركيب والعلاقة بينها، والذي انتج المعنى والعمل على تشخيص نمط التركيب ونوع الجمل المشاغل فيها إن مكانة الجملة تركيبيًا يعادل مكانة المفردة صرفيا.
يقول "رومان جاكبسون" في" قضايا الشعرية":" المقولات النحوية وكذلك الوظائف التركيبية هي التي تشكل هيكل اللغة،..."دراسة التراكيب الجملية يتوجب لا يكون مقتصرًا على شكلانية التركيب واشتغاله اللغوي بل يتوجب معاينته دلاليا لاستنباط المعاني ويجب أنْ يكون هذا هو المقصد المتوجب المار عبر الوصف الشكلي ،التركيب الجملي هو ما يمنح اللغة القدرة التعبيرية عن الأفكار هذا ينطبق على عموم الجمل ولكن حينما يكون ذلك ضمن البناء الشعري فأنَّ التراكيب الجملية ليست بنيات نحوي وحسب بل بنيات دلالية جديدة لا علاقة قصدية لها مع الأصل المعتاد عبر تحميلها علامات إيحائية تقود لمعني مغايرة وهنا في الشعرية الجديدة يخضع الصنع التركيب للإشتغال بالمفردات خارج سياقها المعجمي عبر التغيرات نقل معانيها إلى غيرها بدلالة الإشتغال المجازي الاستعاري الجديد والذي لا ينبني على محض الرؤية ولا على شخصانية الأشياء بل بإدخال الكلمة لمشغل التصور الذهني وليس عبر المشابهة كما لا يتوجب الاحتكام لوجود قرينة تجيز فعل النقل المعنوي ،وكلما تفاقم الخرق في المصنوع التركيبي كلما اكتسبت مكوناتياته فعًلا إشاريًا إيحائيًا جديدًا حتى في حال تناصه الشكلاني فأنَّه بالبصمة الأسلوبية يحمل دلالات مغايرة ،هنا فعالية العدول الإزاحي الخلاق الذي يعطل شكلانيات الصنع التركيب ويخرج بالمجاز الاستعاري خارج التقليد ليس خلقًا دلاليَا جديدًا فحسب و لا خلقًا جماليًا جديدًا بحق، البنية الدلالية لها فعل تخريم البنيات النحوية ويكون ذلك في الشعر حصرا .المصنوع التركيب المستحدث يعمل خارج قوانين النظم التقليدي التي يحكمها النحو والفاعل المشغل فيه هو المكون الدلالي صانع المعنى بغض النظر عن عطب الربط التركيبي للجمل التقليدية ،والدلالة في الكلمة ضمن سياق تركيبها الجملي والجملة في بنيتها ومكوناته المفرداتية الجديدة لن تنجزان معناهما الدلالي لمجرد الفعل الإيحائي فور التلقي...
الفجوة الدلالة بين الفهم في التلقي المباشر للنص حال التصادم مع أفق النص ينجز العملية الفهمية .مباشرة أو بمتابعة الإحالات السياقية في النص التقليدي و التقريري أما عملية إدراك المداليل عبر استيعاب الدلالات المنتظرة إلى مابعد حال التلقي الأول والتصادم المباشر مع أفق النص ،وإن ذلك معطى تنجزة الشعرية ويتكفل النص الشعري/القصيدة في تحقيقه كما أنَّ ذلك التأخير في فهم الدلالة التي لا تعطي نفسها في التلقي المباشر سيلقي روح الصنع الجمال للنص الشعري/القصيدة ...
يقول "عبد القاهر الجرجاني"في "دلائل الإعجاز ": " فلست بواجد شيئا يرجع صوابه إنْ كان صوابًا وخطؤه إنْ كان خطأ إلى النظم،ويدخل تحت هذا الاسم إلا وهو معنى من معاني النحو، قد أصيب به موضعه في حقه، أوعومل بخلاف هذه المعاملة فأزيل عن موضعه، واستعمل في غير ما ينبغي له، فلا ترى كلامًا قد وصف بصحة نظم أو فساده أو، وصف بميزة وفضل فيه، إلا ووجدته يدخل في أصل من أصوله ويتصل بباب من أبوابه"،ما يشير إلى أنّ الأقدمين من البلاغيين والنقاد عدو أساس النظم أحكام النحو وهم يعنون بالأحكام ليس مجرد البنية الشكلية لنحو الجملة بل إلى مقاصدها وما تؤديه من معان سامية وجميلة ودالة عبر الانتقاء الكلمي وجودة صنعة الربط التركيبي بالوقف على الأنسب في الإجراء التأليفي { النظم} وهذا يحتم أنْ لا يكون المقصود بأحكام النحو مجرد أصول القواعد وقوانينها وشروطها وفعالياتها وهذا بما يدعمه حجاج "الجرجاني"في "دلائل الإعجاز " حيث يقول: "لكان البدوي الذي لم يسمع بالنحو قط ولم يعرف المبتدأ والخبر وشيئا مما يذكرونه لا يتأتى له نظم كلام، وإنا لنراه يأتي بكلام بنظم لايحسنه المتقدم المتقدم في علم النحو"
"غريماس" قدم تصورًا معقوًلا ضمن فهم الشعرية الجديدة حينما أكد على أنَّ الفعل الشعر دائم الخلق المتمرد الذاهب نحو تعطيل قوانين اللغة التلقيدية في النحو وشكلانية البنية هذا العدول الإزاحي في الشعر ليس تحطيم قواعد بناء اللغة العامة وإنّما إثراء اللغة بتثوير الشكلانيات القاعدية وذلك بفضل الأسلوب للشاعر والذي يتيح له في الرؤية الجديدة العدول الفائق في التراكيب والتصريف والتشكيل والإزاحة المنتجة للمفردات الممتحنة إزاحة معنى بمكنة المجاز المفتوح ...اللغة الشعرية في هكذا شعرية تفخخ العناصر المكوناتية للتعبير وتحمل تلكم العناصر بطاقات دلالية غير مسبوقة ،ففي الشعر الشعر تشكيل وصياغة وبناء الدلالة أقنوم لتمرير المقاصد للمتلقي عبر جذب وإغواء لتناول" تفاح اللغة" وليس عبر التمرير التقريري والحجاجي ، تلك التفاحة المثيرة والمشحونة جماليا والتي تضمر طاقة تمنحها لمن يقطفها تمكنه من الإسفار عن الأسرار وانفتاح أبواب المعرفة الموصدة أمامه مع تحقيق اللذة فالدال يكون استعارة عن المدلول وليس نافذة عليه كشف الدلالة الرمزية يتم بواسطة تتبع الحدس والذوق والمعرفة العالية والقدرة على اقتفاء الإيحاء من العنوان حتى أخر حرف في النص الشعري ...حدثت تطورات على مفاهيم الأدب والأدبية وكان نصيب الشعرية كبيرا واعتبرت بصمات الأسلوبية المميزة في اللغة وتكييفها وسمات صنع الخصائص الجمالية المميزة وطبع النص بها والتي هي فاعل التقويم والتقييم ..،يقول في "الشعرية" "كمال أبو ديب" : -الشعرية تجسد في النص لشبكة من العلاقات تنمو بين مكونات أولية سمتهاالأساسية أنَّ كلا منها يمكن أنْ يقع في سياق آخر دون أنْ يكون شعريا. أما "رومان جاكبسون" في "قضايا الشعرية"يقول: "الشعرية تهتم بقضية البنية اللسانية، تمامًا مثل ما يهتم الرسم بالبنيات الرسمية،وبما إنَّ اللسانيات هي العلم الشامل للبنيات اللسانية ،فإنَّه يمكن اعتبار الشعرية جزء لا يتجزأ من اللسانيات " ...
واحدة من أهم عوامل صعوبة الوقوف على تعريف شامل جامع عابر هوتاريخية مصطلح الشعرية و السعة التي تشملها العملية الشعرية و أرتباطها مع تطور الإنسان من عصور موغلة في القدم والنمو لعناصره وتطوره تبعًا لتطورات اللغة وعلوم التوصيل والفهم والدلالة واللسانيات والأسلوب...في" شعرية القصيدة العربية المعاصرة" يؤكد " كنوني، محمد العياشي " ذلك بقوله :" ما هو غني بتاريخه الطويل حيث يكتسب هذاالمصطلح{الشعرية} في كل حقبة تاريخية مفهومًا جديدًا تبعًا للتدرج في الوعي الشعري، فهو غني أيضا بأنساقه الجمالية التي تتطور باستمرار على صعيد الممارسة الإبداعية من جهة، وبمفاهيمه الإجرائية الواصفة لكيفية تشكيل تلك الأنساق وتفاعلها لحظة الإنجاز النصي، وأثرها في المتلقي لحظة التأويل السياقي للنص على صعيد النظرية النقدية من جهة أخرى "...
يعرف، "جون كوهين" في "بنية اللغة الشعرية " الشعرية بإنَّها "علم الأسلوب الشعري" ،ونلفت أنَّ ذلك لا يقصد به تداخل تبادلي للمصطلحين في المعنى والوظيفة والفعالية والتشكيل فالأسلوبية أوسع وهي معنية بالتعرف وتعيين وتحديد الخصائص النوعية وقوانين عملها في عموم النص الأدبي وليس الشعري حصرا ،والشعرية هي ضمن نظرية الأدب وتتويج تصاعدي راق للشاعرية الأدبية وهي تعنى بتتبع قواعد وشروط خلق النص الأدبي الشعري كجزء من شاعرية الأدب المنجزة في الأدبية وهو درس المتعاليات غير المتعينة في جميع النصوص وهي التي يجسدها النص الزاخر بتناص حَلْب المكتز لتاريخي للأدب والشعر.. كما لا يمكن دراسة الشعر دون فهم الشعرية ولا نفقه الشعرية بلا تعمق ببحث عناصر الشاعرية/الأدبية فأنَّ دراسة الأدبية توجب الخوض في علم الأسلوب وحتى نستكمل درس الشعر أسلوبيًا يتحتم إدراك مكانة العدولات الإزاحية التي هي سمة الأسلوب المميز لفرد عن آخر وهي بصمة معيارية يوقع بها الشاعر نصه . يعتقد "كوهين" بأنَّ الإنزياح العامل الفاعل في رسم محددات البصمة الأسلوبية والإزياح من ثاني أثنين من أبرز حيثيات البنية حيث حينما يكون الأول هو المعيار . وقع "كوهين" في" {كما نوافق العديد من النقاد} بخطأ الإتكاء على البنية البلاغية في صياغته لنظرية الإنزياح فكان خرقه للمعتاد من الدرس البلاغي التقليدي محدودًا وقد ضيق مديات حراك الدرس الشعري ضمن فلك النظرية الشعرية ،و بقي في دائرة النحو وصنعة التركيب يدور حول التشبيهات الاستعارية ضمن بلاغة المجاز بدراسة الجملة الإسنادية وذلك شكل عجزًا في الوقوف إزاء النص السريالي وتحليله ومقاربة فهمه مثًلا { كذلك في شعر مابعد الحداثة }، وفشلت نظريته في الكشف عن واقعات الإغماض والإبهام وتلكأت في تقديم معاني شفرات الغموض الكثيف في الكثير من النصوص الشعرية ولم تقد م تفسيرات للظاهرة ولم تكشف تقانة صنعها وحيثيات ذلك أسلوبيًا ليس على مستوى الوحدة اللسانية وحسب بل على عموم النص الغارق في الإبهام ...
لقد أحسن " كوهين" صنعا في مقارباته لموضوعة المقارنة بين الشعر والنثر ودراسة الفوارق بينهما والتي خلص بها للقول، بأن الفرق لا يعود للوزن و الإيقاع وحسب ، الموضوع أعمق من ذلك لتعلقه باللغة ذاتها المختلفة بين الكتابة النثرية والصياغة الشعرية فالإزاحات الأسلوبية البلاغية في الصياغة أعمق وأوسع وهي ما تميز النص الشعري والذي لوجود هذه الظاهرة فيه فأنَّه يقدم درسًا دلاليًا مختلفًا عما يقدمه النص النثري ...الخرق الشعري الإزاحي للغة انتج واقعات أسلوبية تقدم روابط الدوال والمدلولات بكيفيات مغايرة للمعهود وفي الكتابة التقريرية النثرية ولذلك فأنَّ اللغة ذاتها اختلفت ،لغة الشعر لغة المجاز والتجاوز والعدول والإيحاء والتكثيف...هذا شكل المرجعية لما توصل إليه في بنية اللغة الشعرية " وهو إنَّ "الشعرية علم موضوعه الشعر " .كرس" كوهن" بحثه ودراسات للشعر طالما هو يعتقد أنََّه موضوع الشعرية ولكونه اعتبر أسلوب الإزاحة هو عمود الشعر لذلك وضع الإنزاح مقياسًا معياريًا لتمييز الشعر عن النثر فيقول :" يمكن أنْ نشخص ظاهرة الأسلوب بخط مستقيم يمثل طرفاه قطبين ،القطب النثري الخالي من الإنزياح والقطب الشعري الذي يصل فيه الإنزياح إلى أقصى درجة "...
"ريفاتير" يرى اقتصار تعيين الوقائع الأسلوبية بالمعيار اللساني الخالص لا يكفي لتفسير عموم الظاهرة الإنزياحة ويعتقد بأنَّ حال السياق الأسلوبي أقدر على تقديم فهما للإنزياح، ويقول ، وفق ما نقله " محمد العياشي كنوني"في كتابه المشار إليه سابقا:"أنَّ - تعريف الأسلوب الأدبي باعتباره إنزياحا بالقياس إلى المعيار اللساني يثير صعوبات تطبيقية عندما يتعلق الأمر بتحليل الأسلوب... لهذا {افترض}ضرورةاستبدال مفهوم المعيار العام بمفهوم السياق الأسلوبي "...
قد لانصرح ولكن نصب أعيننا على المعاني وما خلفها وما توحي لنستقر على فهم منتج للاستعارة والصورة ومصوبين أنظارنا بعناية ثاقبة للأزاحات المبسوطة في النص وكلية المجاز المشتغل متبعين منطق العلم، أوحدس ما بين السطور بحس ذوقي. نقول، لمن يتعاطى الشعر كتابة نعلم أنَّك تمارس نمط من جنس الشعر لكن ذلك لا يحول دون الخطاب ، كيف يصاغ؟ ولمن يوجه؟ وهل امتلك القدرة التواصلية التداولية ؟ ... الروح الأدبية التي نتحراها هي ما يطلق عليه" جاكوبسن ""الروح الشعرية"وهي منظومة متكاملة في الشكل والمضمون تؤدي وظيفة القول بالكلمة بتجميع الحروف في هذا الجنس: تنداح لتلتصق ببعضها. ونقول، للشاعر،وانت تمارس التدخل المتكلف للإيقاف والتمديد، ويجب أنْ تعرف أنّك هنا تخالف القاعدة العرفية وترتكب ما لا يصح في قصيدة النثر الموصوفة كأطر عامة وقواعد بنيوية تواضع الشعراء والنقاد الكبار عليه، ولكن نعرف أنّ معك كثرة يفعلونها في العراق...نحن لا نلاحق ولا نعقب أحيانًا على ذلك لأننا نعرف فنحن كذلك نمارس هذا الضرب من الهجين في بعض الإحيان... نراقب بعناية البعد اللغوي بشقيه العام والخاص والامتداد السيميائي، والدلالة الأمبريقية ولنقل، إننا نضع علامة استفهام إنْ لمسنا قلة الخبرة في النص من حيث التشكيل والنقاء التجنيس ، ونتحول إلى ننقب عن العمق ال"برغماتي" وال"براكسيسي "للنص(اللغة والكلام في الخطاب). من يدعي أنَّ النصوص مغلقة في قصيدة النثر يعوزه والتمحيص والإطلاع على منجرها النصي التاريخي... ولن وتوسع في شكلانيات النص وخارج على مضامينه لنمتحها تاويًلا وما دام النص على الطاولة عند كل إعادة قراءة تنتج محصلة ثيمية جديدة لو اعتمدنا "ليفنز "وشروطه النقدية التي تعني حالة من الاتصال العميق ومبادرة استجابة حيث يشير التحليل إلى ذلك ويقيّمه, نكون في معضلات إفصاحية لا يستجيب واقع الحال الإسفار عنه ، ولو طرقنا النقد الأمريكي الجديد نظرًا لولعه بالطرق والأساليب البلاغية رغبة بالإغماض فذلك "ألين تيت "يكتب عن النقد باعتباره فعالية وسطى موجودة بين قطبي الخيال والاستنتاجات الفلسفية ولهذا يعمل النقاد الجدد لاحتواء التوترات باستنباط بلاغة مابين الشكل والتناقض الظاهري بحيث تحدد القصيدة ضمن أطرها الشكلية، والشعر يتخذ حالة توثيقية ذاتية تؤكدها العقائد المختلفة للأساليب النقدية. المشاكل المفاهيمية مثل علاقة الشكل الشعري بالمعنى السائد، وقد تمت معالجتها بشكل جانبي كما لو أنها تأسيس للوجود المتكامل للشعر. إن التناقض الظاهري والحاد والذي رآه "تيت "شكل مأزقًا للنقاد، أعتبر بشكل عام من قبل النقاد الجدد موجودًا بالشكل الموضوعي لأنساق بناء القصيدة... أما استخلاصات "كرستوفر نورس "عما يفهم من تطلعات "دريدا " التقويضية" في وجوده في الولايات المتحدة بعد أنْ فشل في تثبيت قوائم تخريب البينيوية ببديل أتضح إنّه من استعارات لا تمت بالنقود بصلة فعرج على أمريكا عساه هناك يجد ضالته،فوجد امكانية تمرير ما يقوله ،ولكن ليس لإقامة منهجًا أومدرسة فليس النقد الأمريكي إلا من الفروع رغم أن قواعده كما يزعم متباينة عن أوروبا إلا إنَّ المتعمق يعرف أنَّ تلك أوهام يشيعها الأمريكي في كل شئ وكل مكان لأنّه: بلا تاريخ في الفكر والفلسفة دراسات ("إيهاب حسن " و"إدورد سعيد" الثقافية الطباقية الشاملة). الأمريكان عيال على ما انتجته أصولهم. من ذلك نقول: نحن غير بذي حاجة للألتزام القسري بضوابط معيارية ومفاهيمية لمدرسة أو منهج .
إن نأخذ عن مدرسة أو منهج بعض الطرائق يبقى نهجها هو الدرس العمومي ومسلكنا اقتفاء أثر الكبار من نقادنا ك"جابر عصفور "و"عز الدين المناصرة" و"طرادالكبيسي :و"محمدالجزائري " و"محسن الموسوي "و"عناد غزوان" و"محسن أطيمش" وسواهم من النقاد الجدد وهم كثر مع تطويع المنهج والقواعد لمفهوم للنقد الكلي الثقافي (ليس وفق فهم الغذامي). نتقيّد بمنهجية نحن قعدنا أصولها معتمدين الجميع وليس أحدهم. إنَّ من النقاد من لا نقبل مسلكه النقدي ونعده من أهل الضلال في التوجهات لدوع موضوعية أكثر منها أيديولوجية وإذما لمسنا فيما يتناوله أبعادًا عقدية أومحاولات مساس بالتراث دون تعمق وبقصدية مخاتلة أو مباشرة فنهجر ذلك الناقد ونشكك في نقوده . مساهمة " د. محمد شكري عياد" " في تيسير "البوطيقا" ومفهومها أودور "د. إحسان عباس " في تبسيط علمية الدرس النقدي وغيرهم الكثير كان ذلك مدعاة لنا لنقتفي ونتعقب خط سير التطورات النقدية العلمية في العالم . إنَّ مجرد الحدس من أنّ ثمة خلف أكمّة الناقد نوايا أذى فلسنا فقط لا نواليه بل نتولاه بكشف ما نراه( الهدم في النقد يتوجب البناء في نفس المبحث).عودًا على بدأ نحن معنيون بالفهم والتفهيم وليس إلقاء شبكات "بروكودية " وإشغال المتلقي بالإنزياحات والإنثيال والمناحي اللفظية والأبعاد الكلامية. أي تناولات لغوية بحته ليست مما نعتني بها فليس مطلق الدرس اللغوي بمعين في تشخيص أو كشف أو تنقيب عن المعنى لو استعنا به على بحث مدارك الفهم فليس به يتم الفهم ( مراجعة مقدمات المبحث) .
المهم الفهم والتفهيم وهنا الشاعر خرج بخلاصة ليس أنْ نتوافق أوًلا ولكن يعني إنّه توصل إليها في النص. إننا نعاني من عيوب متاصلة فينا وإنّه المُجبر لا المُخّير في أنْ يدع الريح تمتطيه بدل أنْ يمتطيها. معاينة الحكمة وإرساء سفينها يشترط أنْ لا يعارضها سياق النص و في الواقع نص القصيدة موضوع تم معالجته قيد المسموح.. والآن بعض من قصيدة "الأعشى":والتي ستعمق القراءة التأويلية التي قدمتها..
أَرِقتُ وَما هَذا السُهادُ المُؤَرِّقُ
وَما بِيَ مِن سُقمٍ وَما بِيَ مَعشَقُ
وَلَكِن أَراني لا أَزالُ بِحادِثٍ
أُغادى بِما لَم يُمسِ عِندي وَأُطرَقُ