محاولة لفهم تجليات صباح العراق في نص شلال عنوز - عندما يشربني الصباح-


سعد محمد مهدي غلام
2022 / 9 / 11 - 15:28     

دما يشربني الصباح. .
أُ مَسِّدُ جَناحَهُ الفضيّ بِأَيقونَةِ الفلاح
وأَزِقُّ فيهِ سُلافَةَ بَوحي الصُّوفيّ
لِيُمطِرَ تراتيلَ سماويّةً تَزخَرُ بالأمنياتِ
المُخضَرّة بالعُشق
الذي لايرحَل….أبُثُّهُ مَواويل التَّهّجُد
وأَنفُثُ فيهِ سِفرَ الاستغفار…
فَاَتوَحَّدُ مع النَّجوى هارباً من ذنوبٍ
لاتَموتُ الاّ بسَيفِ الفَضيلةِ
أُغازلُهُ بِدَفَقٍ من نقاء فَيَنِثُّ على جَمرِ مواجعي …
هُمومي زَخّاتٍ من نَشوَةٍ أَزَلِيَّةٍ يَنامُ فيها النَّدى
أَنا والصباحُ توأَمان مُنذُ الأزَل
هوَ يُغَنّي بالأشراق
وأَنا أُهديهِ عذبَ لحني وعَزفَ قيثارتي
نحنُ الأثنان عاشقان
لمعشوقٍ أَزلي
نراه جمع التقسيم والمقابلة ففي الاول
قال "نُصيب بن الأسود:، (ليس نصيب الأسود المرواني): 
ظلِلتُ بذي دَوْرانَ أنشدُ بَكرَتي 
وما لي عليها من قلوصٍ ولا بَكرِ
وما أنشدُ الرُّعيانَ إلا تعلةً 
بواضحةِ الأنيابِ طيبةِ النشرِ
فقال ليَ الرعيانُ لم تلتبسْ بنا 
فقلت: بَلى قد كنتُ منها على ذُكْرِ
وقد ذ ُكِرَتْ لي بالكثبيِ مؤالفاً 
قِلاصَ سُليم أو قلاصَ بني وَبرِ
فقال فريقُ القومِ لما نشدْتهُمْ 
نعم، وفريق لا يْمنُ اللهِ ما ندري
وقول عنترة:
إنْ يُلحَقُوا أكْرُرْ وإنْ يُسْتلحَمُوا
أشددْ وإنْ يلفوا بضنكٍ أنزِل
وقال ،"عمر بن ابي ربيعة":
أَمِن آلِ نُعمٍ أَنتَ غادٍ فَمُبكِرُ
غَداةَ غَدٍ أَم رائِحٌ فَمُهَجِّرُ
لِحاجَةِ نَفسٍ لَم تَقُل في جَوابِها
فَتُبلِغَ عُذراً وَالمَقالَةُ تُعذِرُ
تَهيمُ إِلى نُعمٍ فَلا الشَملُ جامِعٌ
وَلا الحَبلُ مَوصولٌ وَلا القَلبُ مُقصِرُ
وَلا قُربُ نُعمٍ إِن دَنَت
وَلا نَأيُها يُسلي وَلا أَنتَ تَصبِرُ
وَأُخرى أَتَت مِن دونِ نُعمٍ وَمِثلُها
نَهى ذا النُهى لَو تَرعَوي أَو تُفَكِّرُ
وقال" بشار بن برد":
وَكَذَّبتُ طَرفي عَنكِ وَالطَرفُ صادِقٌ
وَأَسمَعتُ أُذني فيكِ مَا لَيسَ تَسمَعُ
لَقيتُ أُموراً فيكَ لَم أَلقَ مِثلَها
وَأَعظَمُ مِنها فيكِ ما أَتَوَقَّعُ
فَلا كِبرَتي تَبكي وَلا لَكِ رَحمَةٌ
وَلا عَنكِ إِقصارٌ وَلا فيكِ مَطمَعُ
في المقابلة:
قال "الطرماح بن حكيم الطائي::
أَسَرْنَاهُمْ، وأَنْعَمْنا عَلَيْهِمْ
وأَسْقَيْنَا دِمَاءَهُمُ التُّرَابَا
فما صبروا لبأسٍ عندَ حربٍ
ولا أدَّوا لحسنِ يدٍ ثوابا
في التتمييم (التكميل) كما جاء في كتاب "البلاغة العربية أسسهاوعلومهاوفنونها""لعبدالرحمن بن حسن حَنَبَّةَ الميداني"
المثال الأول:
قول الله عزَّ وجلَّ ل"موسى عليه السلام" كما جاء في سورة (النمل/ 27 مصحف/ 48 نزول):
{وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آيَاتٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ}.
إنّ عبارة: {تَخْرُجْ بَيْضَآءَ} قَدْ تُوِهمُ أَنَّ بَيَاضَهَا رُبَّمَا كَانَ عَنْ بَرَصٍ، فجاءَت عبارة: {مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} تَكْمِيلاً احْتراسِيّاً لدَفْعِ هذا الإِيهام.
المثال الثاني:
قول،" طرفة بن الْعَبْد :من قصيدة يمدح بها "قتادة بن مسلمة الحنفي"، على ما كان منه تجاه قومه، -إذْ بذل لهم في سنةٍ أصابتهم :
"فَسَقى دِيَارَكَ - غَيْرَ مُفْسِدِها -
صَوْبُ الرَّبِيعِ وَدِيمَةٌ تَهْمِي"
الصّوب: المطر بقدر ما ينفع ولا يؤذي.
الدّيمة: المطر يدوم زمانهُ في سكون.
تَهْمِي: تسيل.
قوله: "غَيْرَ مُفْسِدِها" تكميل احتراسي، لأنّ سُقْيا الدّيار بمطر كثير قَدْ يفسدها، فدَفع هذا الإِيهام بالاحتراس الذي جاء به.
انظر إلى جملة غير مفسدها حرصا على الدار عند استسقائه لهامن افسادها وتعفيتها 
ولنتمعن في قول الله من سورة التكوير
فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآَهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (25)...
إشتغل في التفسير كبار العلماء والفقهاء أيامها واليوم يخرج البعض علينا بالغريب وغير المسبوق والجديد... (الاختلاف في معنى القرء أمر معجمي لم يفسد من ود التفسير قضية أما اليوم إعادة قراءة " ... وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ ... النساء/34" مثلا أو " ... الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ۗ ... التوبة/97"أو معنى كلمة العرب " ...إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ... الزخرف/ 3، ..."إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .." يوسف/ 2.
هي من شائك الأمور التي خالف بها أبناء الآن كل تفسيرات الفقهاء وعلماء اللغة بل حتى الصحابة والتابعين.. لله في خلقه شؤون) ...
إنْ كنا لا نتمثل هاتيك الأفكار لأننا نجد فيها تقعرا "ربما كان جمود العمود موجدًا أو موحيا " مقحم على التفسير من البعض ؛يخرج النصوص عن السياق والدالة فيضيع المدلول حيث شاء فهنا ما يقول: إنَّ التمثيل الضوئي يبدأ مع الفجر فتتنفس النباتات ولو علمنا، إن 30بالمئة من الغطاء الأخضر يأتي منه الأوكسجين وأنَّ الباقي يأتي من النباتات والأحياء البحرية. لما كان "علي (ع)" أمير المؤمنين دخل السوق في مرة وقد أدبر الليل وأنبلج الفجر فردد قوله: عز وجل إذا الليل عسعس والصبح تنفس وتوارد من الأثر عن "علي (ع)" و"ابن عباس (رض)" نفس المعنى.
"ابن الأثير" عدها استعارة أما "الزمخشري" فقال: "بل هي المجاز .نسوق لأمثال لنصل إلى ما قاله الشاعر ،عندما "يشربني الصباح" وفي بقية القصيدة ما وجدناه من تقسيم ومقابلة وتتتميم مع المجاز والاستعارات الجمع ما كان لولا الإنزياحات التي أتاحها علم اللغة العام وطريق التعبير وهي قصيدة النثر وهنا هوأقرب لتقليلية شعراء السبعينات و في قصائد الثمانينات والومض ومن أتبعه العديد من "فاضل العزاوي" إلى "سامي مهدي" وبينهم الكثير من الكبار. بلاغة التصوير في ما يتيحه درب التحررمن الأنطقه تمليها طرائق القديم ليس مرهونة بالوزن والقافية، بل بالصياغة والسوق. التركيب والرصف والبوح وتنامي ما نطلق عليه "بولفنة" المعطى النصي هما لم يسع الشاعر أن يفصح عما يجول بخواطرنا ولذلك عوامل الزمن والظرف والواقع والمرحلة وسترى كيف أنَّ استخدامات "السياب" وبعض الشعراء للأسطورة كان من القسري والتقليدي و الشكلي.
أحيانًا لم يضف لشاعريتهم بل في أحايين أضعف القصد. لما استعانوا بمفردات شعبية ومن المتداول وضمن واقعهم أجادوا في توظيف "بويب" و"جيكور" و"بيت الأقنان" و"الشناشيل" والذروة في استدعاءات نشيج المطر وأنْ كانت على منول غربي في ضرباتها المموسقة "إيليوتيا" أو الإيقاع الدلالي بمقاربات مع قصيدة"مازال المطر يهطل" ل "أديث ستويل"... ولكن وجد السياب فيها حرية ما كانت له. بعد تداول "الغصن الذهبي" الذي ترجم قسمين منه منها "أدونيس" و"جبرا إبراهيم جبرا" ولم يتح التوسع في فهم ترجمات الآساطير إلا بعد زمن وجدناه يوظف الأسطورة من ال"ميثولوجيا "ببراعة وأنْ كنا نرى إنَّ "البياتي" كان أنضج في الفلاح ونحن هنا لا نقارن شاعريات أو شعرية فليس موضوعنا ذاك ،نعني حرفية الاستعارة والتضمين وتوظيف الرمز و"الميثولوجيا". نعني الثيمات وبيوت القصيد في الرمز الأسطور ي. في ماذا تمخض عن شربه من الصباح تلبس تداخلات الاستعارة والمجاز وأضمرت لوحة مكثفة حداثوية نشير هنا إلى أنَّ الحداثوية طرح في الربع الأول من القرن العشرين وما بعد الحداثة خلاصات أطلقها نقاد وفلاسفة في أوخر الستينات من القرن الماضي.
ما يتداوله البعض باعتبار ما يقومون به فتوح تنظيرية وهم من غير أهل الدربة والدراية والاختصاص يضر بالرواد والتاريخ. ما فاه به" عنوز "ليس التشيؤ ولاالتشظي إنّه الحلول ولم يخفي الشاعر ذلك فقد قال: إنّه يزق السلافة ببوح صوفي أتراه كان في مرحلة إيضاح في مدارات الصوفية؟ أم مساوقة لما أشاعه "البياتي" فذاع؟. انه في طور تنقيب وفق "أركولوجيات" "فوكو" وجيولوجيات "بارت"و كانت خطوات لتخليص الشعر من الاختناق. أتجه "أدونيس" إلى الاستعارات والاستعانات لسد خواء ما لم يشغله التفعيل.
شاعرنا يمطر من فرشاته ألوان الرسم لتخضر حضرة القصيدة ويكون للمقام مكانة فيدخل التقسيم والتتميم والمقابلة بطلاوة تهطل على بنية الحرف تزدردها الكلمة وتنسكب في الجملة صورة معلنة أو مضمرة لكن البوح من المسموع.
أزق سلافة لتمطر تراتيًلا: مقابلة بل الجناس المعنوي المضمر عند بعض أهل اللغة أيام زمان. هو غير ما أطلع عليه أهل الكتاتيب تجدونها في بطون القرطاس المحجوبة. فمنها الكثير لا يلائم السلاطين في غير موقف اللغة ولكنه يحجب كل ما يجود به الكاتب كما حصل مع "أخوان الصفا "والكثير من "المعتزلة". تلك طامة تعثر عليها في التراث من أيام الإسلام الأولى فنرى الشعراء الكبار حجر على شعرهم وسفه بل جحد ما فيه فقاد إلى منعه. وافتقرنا إلى تداوله فخسرنا المعين الثري كما حصل مع "أمية بن ابي الصلت" و"الأسود بن يعفر النهشلي" ومنهم عشرات بل لا أغالي إنْ قلت مئات. يبث المواويل وينفث ويتوحد يقابل بأنْ لا بديل عن البتر فلتكن صوارم الفضيلة أليست من البتر بمكان؟ ينال الرضا بعد حلوله الطاوي وليس التطوح الملاماتي ليس من أثر"لفريد الدين العطار" و"لجلال الدين الرومي" مولانا الاثير من أهل الطرابيش. ذلك التسامي من منافع عقار الصباح وتعاطيه برضا أو بغير ذلك يأتي أكله بزخ الجمر ؛حرقته وجواه الندى. أليس والصباح في التلاصق السيامي أنهما ليسا توأم وحسب بل شرب النور فطار طاو كالراهب فراشة في نوبة نكران للوجود الانطولوجي.
إشراقات "سهروردية" قد تكون بأذن المعشوق الواحد الأحد للنور أنْ يبزغ وينير ليتنفس المخنوق ويفر عنه الظلام والكابوس من العتمة المقيمة طوال المساء. ليدبر عس بعد عس كما يفسر بعض أهل اللغة العسعس ليقاربوا العسس الذين يتحسسون دربهم بيديهم ويلتمسون الصمت ليراقبوا ما يدور وذلك عملهم عليه يأخذون الأجور. الصبح ينفض أوضاره القاتمة فيتمطي وينشد القيام والشاعر ينشد ويعزف لليوم الجديد البهيج. كان له جمع ذاك من التقسيم والتتمييم والمقابلة والاستعارة والمجاز في لوحة وبراويزها لولا قصيدة النثر. وذلك ما يعجز عن إتيانه بقصيد النظم وحتى سرب التدوير الكامل الذي جاد به "حسب الشيخ جعفر" ولا التفعيل قد يكون "أمل دنقل" ومعين بسيسو"و"عبدالمعطي حجازي "وتجربتهم مغايرة منحتهم القفز عبر تدبر القناع والاسطورة والرمز. أما "إنسي الحاج" و"أدونيس" فهما من الصف الأول في الاستعارة والإغماض والتصوير. ما مارسه "بدرشاكرالسياب" من الاستعانة بالمتاح وثق صلته بالأسطورة وكان ل "ت.س إليوت "و"إديث سيتويل" القدح المعلى وتصدى للدرس "د.احسان عباس" و"د.عبد الرضا علي" و"عبد الجبار عباس" و"عبدالجبار البصري" و"د.عيسى بلاطة" والجميع متفق على تعقيد الفهم السيابي أنثروبولوجيا وحتى بعد ترجمات "جبرا إبراهيم جبرا "فأن "السياب" نجح في التوظيفات البيئية والمحيطية أكثر من ميثالوجيا التاريخ فتأويل الدلالة لم يوحي لا في" تموز" أو "سربروس "كلب النار .ربتما يوحي ما يمنحه الشهر من معنى "لتموز" أدق مما تعطيه الإشارة العميقة للتاريخ. التناول السطحي: كان مع عمق وثراء في ما استقاه من الشارع والجدات وحكايات الناس والمشاهدات وانطباعاته الواقعية في الأوان أو الماضي.
"د. نبيلة إبراهيم" أعطت خمسة أنواع من الأسطورة طقوسية ،تكوينية ،تعليلية،رمزية والبطل الاله. أما *د. أحمد زكي" (ورغم أن مصادرهم غير العربية تكاد تكون ذاتها )ولكنه أتفق معها في ثلاثة وأضاف رابع لم تأتي عليه وأبطل فعل أسطورتين من تقسيماتها. ربما الواعز هو الواقع التعليمي ومنهجية البحث أو الرغبة بالتميز وعموما نلمس في مطاوي البحثين تشابه الرؤية وتقع على وحدة المصادر مهما فعل كل منهم من مغايرات لفظية. يقول "فاروق خورشيد": عن الأسطورة "إنها توحي بالحلم حين يمتزج بالحقيقة وبالخيال "في حين يعتقدها "د. أحمد كمال" اللا منطق واللامعقول واللا زمكان ويراها وسطًا بين الحلم واليقظة. ما قدمه "السير فريزر" في "الغصن الذهبي" والترجمة منذ الأولى "أدونيس" و"لجبرا إبراهيم جبرا "كانت منجمًا من الحجر الحر الثمين للخيال الشعري، ولكن "إليوتيات" "السياب" و"سيتو يلياته" كانت نابية جلية ولا نرى في ذلك إلا مثلبة .لوأن الأمر في الموسقة لما قلنا هذا ولكن الإقتفاء لسبل التناول هو هدر لمكنات الموقف الأسطوري شعريا في المقدمات ومنه يمكن أنْ يستمد الشاعر وسائل تعبير عن التمرد والرفض، إنَّ أحسن التدبير وهضم المقاصد والثيمات للأسطورة. ما لا بد من قوله: إنَّ كل إنسان وليس الشاعر وحده له ورؤاه ورؤياه للمغزى القصدي وتبعا لثقافته وواقعه والظرف الزمكاني.
تتباين المعطيات فكيف الشاعر وهو يقف على فوهة بركان تعبيراته؟ حتى شعراء العمود "معروف الرصافي" و"أحمد شوقي" و"جميل صديقي الزهاوي" و"محمود سامي البارودي" والكثير عمدوا إلى الرموز والآساطير في التعبير. هنا علينا القول، إنَّ الشاعر المقيد مهما بلغ من براعة البوح لن يجمع ثيمات متنوعة متعددة من الآساطير والرموز والفلكلور والمعطيات التراثية إلا في قصيدة النثر(في/ب) حيث لا حدود ولا قيود والمدى مفتوح إلى ما وراء الأفق ويتجاوز السراب في متاهات لم تبلغها إلا ثيمات الملحمي "للإلياذة" و"الإنياذة" و"الأوديسا" وكتابات "إسخيلوس" و"يوربيدس" والعديد من كتاب الملاحم الإغريق. في العصر الماضي القريب روايات ل "مارسيل بروست" في "الزمن الضائع" وقبلها ملحمة الشعر"الفردوس المفقود" ل "ملتون "، وروايات "ديستيوفيسكي ". لم تلوح بجلاء تلك المعالم إلا بعد ظهور قصيدة النثر. هناك خطوات لكتاب إنكليز وفي الكوميديا الإلهية ل "دانتي"، ول "شكسبير" في مسرحياته وإن قيل فيها من الشعر الكثير ولكن سبقهم "ابن سينا "في" لا سال" و"السهروردي" في "هياكل النور" و"حكمة الإشراق "و"ابن طفيل "في "حي بن يقظان" بل نجد في حكايات "شهرزاد" ملامح التنوع المتداخل للترميز والأسطورة. أما في الشعر ظلت الدالة مقيدة في الدلالة مهما توسع الشاعر وسد الفراغات ونحس ب"اللصق" و"الكولجة" والتناص غير المنتج والتثاقف بطريق التقليد والإتباع وليس الخلق و الإبداع .ما تمكن أهل التفعيل من أعمال قيام جدليات من متناقضات إلا في تجارب محدودة ولم تستكمل العمق المبتغى وهو ما فعله "عبد الوهاب البياتي" و" وأحمد عبد المعطي حجازي "و"معين بسيسو". تجارب "سامي مهدي "و محاولات التجريبية القديمة ل "أودونيس" لم تكن كما أشتغلها "الماغوط "وأدونيس" بعد تطوره و"أنسي الحاج" و"الصايغ"...
العجز التعبيري يقود لليأس وهو ما قاد الشعراء إلى الموت أنتحارًا للخلاص من العجز عن مجارات ما يحدث فوقائع "بيروت" وحال العرب و"الكيان الصهيوني" مع عوامل اإاحباط الفلسفي و"الألنشنية "مع غيرها في إنتحار "خليل خوري". مهما تعددت الأسباب تلك كانت منها. بلوغ قصيدة النثر النضج المقبول أعطى "العنوز" الفلاح في تحقيق إختراق جمع أكثر من معطى للغة وهذا يجيب عن؛ أنَّ اللغة ليست بالصماء ولا العمياء ولا ذات الكمه بل المستخدم خاب خلبه فلم يصيب. يشير "سغفريد ساسون" "من أنَّ اللغة الشعرية لا تعتمد على إنطلاقات مكشوفة من الكلام" "لوغوس" كتلك التي قامت بها "غيرترود شتاين" و"جيمس جويس "من أجل أن تنشر طبيعتها بوصفها قصة "ميثوس ". بقدر ما قد يكون عليه هذا الإبتكار من غنى، فأن تاريخ الأدب يثبت على نحو واف أنَّه من غير الممكن الاستغناء عنها، وبدلا من ذلك فأنَّه يقول، في الشعر الجيد، يوسع الكلمات الاعتيادية جدا، ويمنحها قدرات تجعلها تكتسب بشكل ما سحر ا موضوعيا خاصا بها، ونوعًا من الاستقلال المشع الدافئ للاستخدام الشائع .من أجل توضيح ما ذهب إليه، لقد شبه استخدام الشاعر للكلمات بمن يلقي محارات على ساحل يابس، عندوضعها بالماء تعود إلى الحياة بطراوة زهرية وبلون رقيق وهكذا يمكن أنْ يكون الأمر مع الكلمات. الكلمة المعجمية عنصر جاف و"ستاتيكي" في القاموس.
محض أصوات مطبوعة قادرة على أنْ تخدم أغراضنا اللغوية وتقلب سكونية المفردة إلى فعالية حركية ديناميكية عبر الترابط التحويلي والتركيبي . حين يتم نقل المفردة من المعجم إلى النص الحداثي وعن طريق تفعيل الرابط والسلطة مع العنصر الأخر في العبارة المدماكيةللنص الشعري فأنها تتعرض إلى تغييرات عميقة في الدلالة والتوقيع الشاعري و تصبح شيئا غنيا وغريبا وفريدا ومنتجا. إنَّ الماء( الشعر)أو أي مرادف أخر يؤدي الدلالة هو الوسط الحيوي الخلاق الذي يحول المفردة (المحارة) ل "عاطفة"كما :يقول "أرثر سكيمب". العاطفة وجود حي متحرك معبر يطوي ويكتنز كلية تعبيرية يتمخض عنها حس الشاعر المنتج ...
كثيرون هم الشعراء من المغدورين لعدم تسليط الضوء المستحق عليهم رغم إبداعهم العميق الفائق الرونق المتألق لعواطفهم المجسدة بعطاءهم النصي الثر...