أنا القائد المقدس وانتم الرعية في العقدة الكردية ( الجزء الاول )


اريان علي احمد
2022 / 9 / 10 - 01:50     

التّقديس لغة: هو التّعظيم والتّوقير، والمعنى الاصطلاحيّ له هو: التّنزيه عن النّقائص الكونيّة مطلقا. ويستعمل عرفا: أنّه ماجاوز الحدّ المشروع. فالقدسيّة درجة أعلى من التّقدير والاحترام والهيبة، وقد ترقى إلى درجة الكمال وعدم جواز النّقد.تتعدّد أسباب ظاهرة التّقديس في المجتمعات، فتارّة تكون سياسيّة، وأخرى اجتماعيّة، وثالثة دينيّة، وقد يشترك سببان أو أكثر في مجتمع دون آخر. قداسة و"تأليه" الزعماء عادةٌ قديمة قِدم التاريخ البشري، وهي متجذّرة في الشرق عموماً لاعتبارات عديدة. واستُخدم التقديس عبر آلاف السنين كأسلوب لتحفيز الأتباع وكسب ولائهم ودفعهم للتضحية. وشكّلت "صناعة التقديس" أولوية مطلقة لدى العديد من الأنظمة الشمولية عبر التاريخ ويمكن أن نعزو السّبب في هذه الظّاهرة إلى جهل الذين يقعون تحت تأثير تقديس الأشخاص المنتحلين للعلم والدّين، وخلق هالة من المعصوميّة فوق رؤوسهم، تصل إلى حدّ الاستماتة في الدّفاع عنهم بما يفوق العقل والمنطق.و ينتج بسبب ذلك، جعل هذه الشخصيّة “المقدّس” المقياس للحبّ والكره فيكون كلّ فعل يصدر منها – بالنّسبة لهم- هو الصّواب، وإن كان ما يصدر منها ينافي المصلحة العامّة والعرف السّليم والدّين والأخلاق والمنطق، ويضعون من يخالفها في خانة الخطأ والانحراف. وشهدت منطقة الشرق الأوسط نماذج تقديسها الخاصة، والتي استوحت من النماذج الدولية، وطوّرتها وأضفت عليها لمساتها الخاصة. وأبرز هذه النماذج: حافظ الأسد (1930-2000)، وصدام حسين (1937-2006)، ومعمر القذافي (1942-2011).. إلخ. وكان نقد هؤلاء الزعماء أو التحدث عنهم بطريقة غير لائقة يعرّض الشخص لأقسى عقوبة في تلك الدول، إن لم يكن التعذيب والقتل في ظلمات السجون، عدا عن تحويل كلمات الزعيم إلى مصدرٍ للحكمة، وصوره رمزاً للولاء، وإجبار الناس على تعليقها في المؤسسات الحكومية والخاصة، ونشر صوره الضخمة وتماثيله في الشوارع، ومنحه الألقاب الكبيرة كـالقائد العظيم والخالد والملهم.. إلخ، ونسبة كل إنجاز إليه، باعتباره منحة ونعيماً من نِعم القائد . .أن ثقافة تقديس الرموز وتعظيمها تعتبر مصنعا للجهل والتخلف في المجتمعات الشرقية, تلك المجتمعات الموبوءة بالمؤسسات المروجة لفكر التقديس, في الوقت الذي كان لزاما عليها بناء الإنسان السليم الخالي من العلل والأمراض النفسية,كل مجتمع خصوصيته وثقافته التي يختص بها عن باقي المجتمعات, ولكل ثقافة منابعها وأسبابها المباشرة والغير مباشرة, وثقافة المجتمع هي التي تحدد وجهته ومصيره, لذلك يقع على عاتق المثقفين الملتزمين في المجتمعات المختلفة دور كبير في إرشاد المجتمع وتصحيح المفاهيم المغلوطة فالقدسية درجة أعلى من التقدير والاحترام, وقد ترتقى إلى درجة الألوهية والكمال وعدم جواز النقد.والمقدس منزه من الخطأ, ونقده يعتبر من المحرمات والكبائر, ومن أولى المؤسسات التي تساهم في تنشئة عقلية التقديس هي مؤسسة الأسرة, فالأب هو رب الأسرة وحاميها ومدبر شؤونها وهو معصوم من الخطأ ومخالفته جريمة كالإرهاب, ثم تأتي المؤسسة التعليمية التي يديرها المعلم وهو رب العلم وسيده ومخالفته جريمة كالزنا في الدين, ثم يتلقى الفرد تعليميه في المؤسسة الحزبية التي يقودها القائد الرمز, وهو رب السياسة, وعالم خفاياها, والاعتراض على قراراته جريمة كالخيانة للوطن.فيبلغ الفرد في المجتمع الشرقي مرحلة متقدمة من العمر دون شخصية مستقلة, وبدون أن يتحكم بقراراته المصيرية, وسلوكياته الفردية في المجتمع, ويتلوث عقله بشواذ الافكارونشاذها, ويصبح عرضة للبيع والشراء في مختلف البازارات السياسية والدينية والاجتماعية وارتهاناها.وباعتبار الكورد هم جزء من هذه المنظومة الشرقية, والمجتمع الكردي مثله مثل اي مجتمع شرقي, لأنه مجتمع مقطوع الأوصال بين ثقافة اربع دول موبوءة بالفساد السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي, فقد سار الكورد على خطا تلك المجتمعات, و توارثوا مفهومهم الفاسد في التقديس, وابدعوا في ذلك بدءا من ثقافة الولاء, وأنه لابد من وجود الرمز المقدس, الذي يقودنا الى مصيرنا المجهول, ويغتصب قرارنا وإرادتنا, حيث لا نقد لشخصه ولا مراجعة لقراراته وأوامره, واننا نفديه بحياتنا وحياة أبنائنا, فكانت قراراتنا اعتباطية وهزيلة وغير حكيمة, وتخلفنا عن باقي الشعوب بعشرات السنين إن لم يكن بالمئات.لذلك ما أن يبزغ نجم شخص ما في مجال السياسة, حتى يبادر مجموعة من المريدين الجهلة إلى وضع هالة من القدسية حوله, تصل إلى حد الاستماتة في الدفاع عنه بما يفوق العقل والمنطق, وتجعل من مخالفته في الرأي أو توجيه النقد له, هي حالة من الجهل بالسياسة او العداء للقضية وربما الخيانة للقضية الكوردية, , التي قد تدفع بمريديه إلى خوض حرب إعلامية وكلامية, وتصل في كثير من الأحيان الى العنف الجسدي, وربما يعود ذلك الى تعطش الكورد للحرية وحرمانهم من قيام دولتهم المستقلة اسوة ببقية شعوب المنطقة, لذلك فانهم يتمسكون باي بارز سياسي ويدعمونه أملا في الخلاص من الظلم وتحقيق حلمهم الكوردي.يجب أن نميز بين التقدير والاحترام الشخصي والتقديس للقادة السياسيين, وأن لا نتردد في توجيه النقد البناء لقراراتهم فتوجيه النقد البناء لقائد سياسي لا يعني عدم احترامه او الانتقاص من مكانته, فالنقد البناء هو عمل إيجابي لتطوير العمل السياسي المؤسساتي لدعم خطاب القادة السياسيين, ولفت انتباههم الى جوانب الضعف والخلل في قراراتهم السياسية ليتمكنوا من تلافيها وتصحيح اتجاه البوصلة.إن المجتمعات المتخلفة سياسيا هي التي انتجت الانظمة الديكتاتورية الفاسدة, من خلال تمجيد وتقديس الرموز السياسية او الدينية, تلك الانظمة التي تسلقت الحكم في المجتمعات الشرقية المتخلفة, واستغلت جهل المجتمع وسذاجته لبسط نفوذها على مختلف جوانب حياة الناس, السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية, وجردتهم من كل مقاييس العيش بكرامة.وإذا تصفحنا التاريخ القريب وليس البعيد, نلاحظ ان الغرب لاقى الويلات من جراء تقديس الاشخاص, ولم يبلغ ما بلغه حاليا الا بعد ان تخلص من ثقافة تمجيد الرموز وتقديسها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية, الى جانب عزل الدين عن السلطة السياسية.لذلك لا بد ان تدرك شعوب الشرق عموما والكورد خصوصا ان اول علامات النضج السياسي هوخلع ثوب القداسة واسقاط كافة شعارات تقديس الاشخاص, دون المساس باحترام وتقدير رموز الكورد والاقتداء بنضالهم, والإخلاص للقضية الكوردية, ويجب ان نعي أن التقديس يعتبر من الأمراض الاجتماعية والسياسية المزمنة في الشرق التي تحتاج علاجا واقعيا وجذريا وفهما صحيحا للسياسة الدولية, بعيدا عن التعصب الحزبي او القومي والاثني او حتى الديني, وعلينا عدم تغييب دور الفعل الجماعي المؤسساتي للمجتمع الذي يكون وراء نجاح اي رمز او قائد سياسي لبلوغ الأهداف المحقة والشرعية .