حوارات سوريالية 2 (تتمة)


عذري مازغ
2022 / 9 / 9 - 19:34     

كنت اول من طرح على صديقي في حوار اكادير هذا الأمر، ويبدو أن الإشكالية استفزته لمدة طويلة بشكل يعيدها الآن علي كما لو كانت من تساءلاته الميتافيزيقية.
اليوم نلتقي بخنيفرة وانا خارج من حانة
ــ في الأمر حكمة! لذلك انضممت إلى "إخوان الصفاء" كما تعلم، رد صديقي وهو يتهكم علي، سألته:
ــ إخوان الصفاء؟ هل تمزح؟
ــ لا! لا امزح، هم هؤلاء الذين تسمونهم انتم ب"الخوانجية"
ــ عيبكم انكم تخلطون الأمور! إخوان الصفاء لا علاقة لهم بكم لا من قريب ولا من بعيد! يبدو أن كلمة الصفاء أعجبتكم!
ــ لماذا؟ أليسوا إسلاميين؟
ــ عند جماعتك نعم، لكن إخوان الصفاء أبعد منكم بعد السماء عن الأرض
ــ كيف؟
ــ هم أناركيو العصر الوسيط الإسلامي، لا علاقة لهم بالدعوات الإسلامية التي تتخبطون انتم فيها.
ــ تعتقد انهم ملاحدة؟
ــ لماذا هذه الثنائية كلما حاولنا الدخول في موضوعات الوجود؟ هل تعتقد ان وجودنا مرتبط دائما بالإيمان أو عدمه؟
ــ اعتقد ذلك!
ــ تعتقد ماذا؟ إنه سؤال مفخخ!
ــ كيف؟
ــ الوجود مرتبط بالنقيضين معا، الإيمان وعدم الإيمان، الوجود مرتبط بي وبك وبكل هذه الكائنات الموجود، مسألة الإيمان من عدمه هي مسألة موقف مني ومنك كذات مفكرة، أي انها ممارسة ذهنية مني ومنك ومن كل الذين يفكرون، أي ان الوجود سابق على تفكيرنا، هو حضورنا الذاتي في الزمان والمكان .
ــ كنت اعتقد انك ماركسي، لكنك الآن تتكلم كديكارت
ــ لا علاقة لي بديكارت، الكوجيتو الديكارتي هي مسألة رياضية، معادلة حسابية نفخ فيها العقل الفرنسي البليد ووظفتها البونبارتية في القرن 19 ! إنها نظرية تؤرخ للغزو: الوجود عند فرنسا هي أن تغزوا الآخرين الموجودين أصلا، إنهم بالفعل يفكرون، لكن يفكرون في كيف يستغلون الآخرين وهذا أساس وجودهم، والمسألة عند ديكارت هي أنه لخصها في الكوجيتو. "هو يفكر إذا هو موجود" والحال أنها فكرة ذاتية، وجوده يسبق تفكيره، وبقاؤه يفترض أن يفكر في ديمومة وجوده، إنها فكرة تؤسس لبقاء وجوده وليس لأن تفكيره هو أساس وجوده بل لأن وقع تفكيره على الآخرين هو أساس وجوده، عموما لا أحب استغبائي بهذا التحنيط الديكارتي من وضع معادلة كأنها قانون كوني.
ــ بدأت تتفلسف! ضحكنا قليلا ثم لا حظت انه بدأ يسكر، ينظر إلي ويقول لي:
ــ "أنت ولد لحرام" ثم يقهقه ضحكا: لم أتصورك هكذا، لكن يعجبني نقاشك حقا.
مرت لحظة ثم استسمحته أن أذهب إلى الحمام، عندما وقفت شعرت بدوار عميق، سقطت على الأرض، شعرت بالقيء، كان صديقي يحاول ان يوقفني لكنه كان هو الآخر سكران، أمره النادل أن يجلس، ثم اوصلني إلى باب الحمام، في الحمام تقيأت كل القذارة التي شربتها، وقعت عيني على ورقة نقدية من فئة 200 درهم في قاع قاع المرحاض، اخذتها بما فيها من قذارتها بعد ان اتممت قيئي، سألت الناس عمن سقطت له الورقة النقدية ولم يجبني أحد، كانوا كلهم شرفاء، طلبت مسحوق الصابون من النادل لأغسلها، غسلتها وغسلت يدي ثم قلت لصديقي هيا نخرج من هذه القذارة .
اقترح علي صديقي ان نذهب لتناول غذاء وشحن الجسم بالطاقة المتجددة:
ــ "زدنا فيه!" جملة مغربية تعني المبالغة في الشيء، هنا يقصد شربنا بشكل مبالغ، وجدت انها فكرة جيدة ووافقته على طول.. بعد الأكل أخذنا بنا واسترجعنا بعضا من قوة التعقل:
ــ أريد أن أسألك سؤالا شخصيا وتجيبني بصدق: أنت سابقا لا تشرب وكنت جديا لماذا تشرب الآن؟
ــ أصبت بتخمة الجدية، نشرب لأجل ممارسة الحماقة (الخروج عن الجدية)، الشراب ليس صحي كما يقولون، لكنه يساعد مع ذلك في نزع التصلب عنك
ــ التصلب في ماذا؟
ــ في الجدية نفسها
ــ دائما تهرب من الأجوبة الحقيقية!
ــ هذا أيضا نوع من نزع التصلب..
فكر قليلا ثم أردف: أعجبني نقاشك في الفلسفة لكن، نقاشنا ميتافيزيقي لا علاقة له بأوضاعنا، نحن لم نلامس ولو قضية واحدة من مشاكلنا
ــ أتفق معك تماما! في بلادنا نمارس التفلسف كمظهر من مظاهر المثاقفة وليس نمارسها لحل مشاكلنا اليومية، هي ظاهرة كلبية في الملاقفة، ترميني بكلام فأتلقفه وارد عليه كعارف متميز والمعرفة عندنا هي رصد موسوعي لما قاله الآخرون في الفلسفة والعلوم.
ــ هذا أمر صحيح! أغلبنا حين يريد أن يقنعك عليه أن يرقع نسيجه الخطابي بأسماء معلومة واكثر من ذلك تفاصيل على حياتها وأرقام تاريخية لمؤتمرات وتجمعات وغير ذلك، مثلا عندما كنت في الجامعة، اليساري الحقيقي هو من يحفظ كرونولوجيا نضال الطلاب بالجامعة دون ان يعطي قراءة جديدة، بل استنتاجات عن تلك الكرونولوجيا، استنتاجات ترسم ذلك المسار الذي لا يحيز على الهدف العام حتى وإن ظهرت متغيرات..
ــ نقد جميل! لكن ماذا عنكم أنتم أصحاب نظرية البديل، إنه نفس المسار! تكريس 14 قرن من الخرافات والدول التي بنت خرافاتها على عدل لم يكن أصلا موجودا في مجتمعاتنا منذ فجر التاريخ، تاريخ الفتوحات هو تاريخ اضطهاد سكان البلدان المفتوحة، وهذا هو التاريخ القديم، حتى الإمبراطورية الرومانية والفارسية والبيزنطية، كانت فتوحاتها هي أخذ ثروات تلك البلدان التي فتحوها لإغناء جزء من الدولة ذات الفتوحات العظيمة، وهذا لا زال حتى الآن وإن بشكل تفاوتي تطوري، أقول جزء من الدولة الفاتحة، مثلا روما كانت توزع تلك الثروات على العصبة الحاكمة وليس في كل بلاد الروم وبسبب من النظام الإقطاعي، فالجزء الأكبر من النظام الإمبراطوري، داخل إيطاليا نفسها، كانوا عبيد النبلاء، وفي مرحلة متطورة وظف احد إمبراطورييهم قسما واسعا من المجتمع الروماني بالاستفادة من ثروة الفتوحات قصد التغلب على منافسيه، يعني لم تكن صدقة في صنع الرفاع لكل طبقات المجتمع الروماني بل لأجل إسناده في منافسته للآخرين في هرم السلطة
ــ اسمح لي صديقي! لم نخرج بعد من الإشكالية! خرجنا من الملاقفة كما تسميها انت في الفلسفة إلى الملاقفة في التاريخ، لنخرج من صراع الملاقفة الذي نحن مريضون به، في نفسي شيء آخر: "ريخ أذسمرخ احدادي" (جملة امازيغية تعني حدوة الفرس)، في البداية لم أفهم قصده وهو تفهم الأمر فحكى لي قصة مرحة: في مريرت يتسوق الناس إلى سوق أسبوعي، يأتون من كل المجال المحيط بالمدينة، وحصل ان زار احد من أقاربه أخته التي تسكن بالمدينة، وعند تناوله وجبة الفطور أخبرها إن أتى والده يسأل عنه عليها ان تخبره بأنه خرج لأجل حدوة الفرس، وحين قدم والدها وسأل عن حضور ابنه أخبرته بأنه خرج لأجل حدوة الفرس، لم يفهم القصد، لكن مع تفكير عميق أخذا بالاعتبار ان ليس لديهم فرس، بعد تخمين طويل فهم القصد، قال لابنته أن تخبره إذا عاد بأن يلتقيا عند العطار المعلوم في السوق الأسبوعي، كان الابن يقصد بذهابه لحدوة الفرس انه ذاهب إلى دار البغاء لغسل عظامه، كانت قصة ظريفة من صديقي الذي ترك عباءة الإمامة وكان يقصد أيضا انه بعد إطعام البطن عليه أيضا إطعام فرجه. (القصة لم تنتهي هنا ولنا تتمة في الموضوع). التشبيه رومنطيقي بين الحديدة وقدم الفرس وعملية التسمير، تشبيه جنساني.
ملاجظة: الملاقفة ظاهرة كلبية: ترمي إليه قطعة خبز فيلقها قبل ان تسقط في الأرض