درس الاستعارة في المجاز والفهم والتأويل لمعالجة نصوص شلال عنوز


سعد محمد مهدي غلام
2022 / 9 / 9 - 00:34     

الفلسفة علم القوانين العامة للوجود والتفكيراإانساني وعملية المعرفة كما تعرفها الموسوعة. النقد فن دراسة الاساليب وتميزها. كان عظماء الفلاسفة يتوجون نظمهم الكونية بالكلام في الشعر. "أفلاطون" الفيلسوف والناقد مؤلفاته التي تلخص أفكاره ونظرياته وصلت إلينا موثّقة بالكتابة. إنَّ البحث العام للفكر في محاكاة الطبيعة والكون في ما يجترحه الإنسان ومن البداية قُرنَ فعل الشعر بفعل الرسم ،فما يقومان به الشعر والرسم؛ هو محاكاة الأشياء والأحداث . في كتاب الجمهورية يقول، "أفلاطون" ، إنهما(الشعر والرسم) يقلدان العالم. ماإنْ تتعمق في دراستك لمحاوراته تكتشف الذي يعنينا من هذا القول المؤسس من "علم الجمال" و"فيدروس " وسيعود الأكتشاف إلى إنَّ استكماله كدرس معرفي، يستلزم الإدراك لمجمل العطاء الفكري لما سبق .
الحضارتان ال"عراقية" وال"فرعونية" وخطوط التواصل مع جزر "بحر إيجة" و"إتيكا" وعموم بلاد اليونان والإغريق تلك الحقيقة تقود الباحث في الدرس الجمالي إلى تصور عميق للصلة والتواصل التاريخي لتطور مفاهيم المعرفة والعلوم ومنها علم الجمال. ما جاء عن طرق" أفلاطون" لم ياتِ من فراغ فقد سبقه من" اليونان" و"الإغريق" عشرات العظماء وكلما تعمق البحث توجه كلما تأكدت تلكم الحقيقة . لقد تطورت المعرفة والعلوم بشكل مطرد بعد "أفلاطون "وحتى يتم فهم القواعد والأسس التي بلغتها فإننا لن نتمكن من بلوغ ذلك إلا إنْ درسنا وفهمنا أنَّ التلميذ الذي فاق أستاذه وتفوق عليه وفتح طرقًا واسعة ومتشعبة جديدة في جميع المناحي وهو "آرسطوطاليس " العبقري الفذ الذي واكب نمو فكر أساتذته وأحتكم للمحيط العام والموروث والتركيبة النفسية والاجتماعية وما أضافته تطورات الصلة مع الشرق وخصوصًا على يد "الأسكندر المقدوني" . "آرسطو" يعد المؤسس الأول للمعارف والعلوم التي لازالت حتى اليوم رغم تطوراتها الهائلة تعتمد على بعض ما وضعه من قواعد لها." آرسطو" عرف النفس وعلمها وضع مقدمات فاتحة دراسة المجتمع ووضع بدايات علوم التصنيف وقنون طروحات" أفلاطون" الجمالية وعقلن مفاهيم الاخلاق ودرس الطبيعة والسياسة والشعر والرسم والرقص وفتح باب البحث في الماوراء وأعطى دروسًا في فلسفة الإعتراض والنقد وكانت قناعاته مستنبطة من الواقع ووفق بدايات تطور المنطق وطرق الاستدلال الإولى وهو ما قام بتطويرها وحقق تقدمًاهائًلا لمفهومات أستاذه المثالية ...
يقول "د. عز الدين اسماعيل "في مناهج النقد "إنَّ ما يقوم على المصادرات والقضايا المركبة هوما يدعى بالاستدلال. ودراسة الظواهر في تعييناتها واستقصاءها للخروج بمقولات تصل لمستوى المعيار القياسي أو القانون ويمتحن بالتطبيق وهو ما متعارف عليه بالاستقراء، بمعنى ؛هناك تركيب وتحليل وهناك من يجمعهما باختلاف البداية". تلك هي وسائل النقد، ولا بديل عن تلكم الطرق التي كان الفضل الأول في إرساء قواعدها الأولية" لآرسطو" .
التدخل" الروماني" في تطوّر المناهج العامة والتوسّع والتعمق فيها خدمه التوسع الإمبراطوري ومتابعة تطوير الأصول الإغريقية وتخصيبها بما تضيفه ثقافات وحضارات وقعت تحت هيمنة" الرومان" وبالخصوص سوريا الكبيرة ومصر . عندما جاء العرب وظهرت الحضارة العربية الإسلامية حدثت الاختراقات الكبرى في العلوم والفنون والفلسفة والمنطق والنقد ...لقد أوجدت الحضارة العربية - الإسلامية خطوط انفتاح بحثي جديدة أعطت العقل البشري فتوحات غير مسبوقة وعلى جميع الصعد العلمية ذلك منح الفهم الواسع ومكن البشرية من تحقيق انتقالات نوعية في المفاهيم والمقاييس .
اللغة واللسان كانا من الفتوحات التي حتى اليوم تُعتمد من أرقى معاهد البحث ولقد عالجت فرضيات العلماء العرب المسلمين المعضلات بالبحث والتحوير والتقدم ...أقام رجال العلم صروحًا سامقة وأسسوا المناهج اللغوية والتي تم ربطها بالمنطق و الفلسفة وهكذا في حقول العلم المختلفة . كانت فتوحات منتجة كمقدمات ومبحوثات وقواعد عامة للبشرية للخروج بمخرجات تلقّفها الغرب في عصور نهضته وبقيت في دوائر الكنسية تنمو وتتطور عبر "أفلوطين" و"أوغسطين منطلقها"مدرسة الاسكندرية" وال"سكولاستيكية و"توما الأكويني "و"بيكون" وال"رسننس الأيطالي" لم تكن خافية الجذور العربية والإسلامية لتلك النهضة عبر "الأندلس" و"صقلية "...إلخ، كماأنَّ الكم الهائل من الكتب والمؤلفات التي ترجمت بعد نقلها من الأندلس وبقيت أصقاع العالم العربي الإسلامي .ما إنْ أطل القرن السابع عشر حتى أخذنا نسمع عن توغل في عمق المعرفة فال"ميتافيزيقيا" ذاتها فرضت على الباحثين إلى تنقيب وتمحيص كنوز الخيرات والمعارف والعلوم والتي كانت قد أبرزت بعد التحقيق واخضعت للتشريح وتعاقبت القرون عليها وساور البعض الشكوك في متونها . بعد سيل الإختراعات والإكتشافات ليس بغريب أن يتوصل الباحث إلى ما هو أبرز دوافع الحروب الصليبية، والاستعمار "العسكرية " وما هي غايات حملات الإستشراق والتبشير ، إنُها كانت هي تلكم الكنوز المادية والروحية، ومنها تطور العلوم والفنون والتي سبق وأنْ وضعت على مناظد التشكيك من دوار الغرب .
لقد تظافرت الجهود مع كل ما يجري واستثمار كل ما تحصل الغرب عليه فكان الأدب ومنه الشعر ينمو ويتطور في الأغراض وسبل التناول والفهم وانبثاق قواعد إدراك نظرية الأدب وترسيخ قواعد الأدبية وانفتاح الدرس اللساني اللغوي . في القرن التاسع عشر والقرن الذي تلاه وجدنا المدارس والمناهج في الشعر والنقد ونظرياتهما وأسسهما العلمية ما بعد كتاب ال"بويطيقا"، وكان القرن العشرين المحطةالكبرى للانفراجة الأعظم في معالجة كل معطيات التطور البشري وفي كل شيءوما تمخض عن البحوث والدراسات الشاملة والمتقابلة كان جسيمًا وفاعًلا ومنتجا .شهدنا أسماء وعلامات بارزة أسست أو أقامت القواعد لما نعمل به لآن.
نؤكد ،إنَّ مكتسبات الجهد البشري لم تكن بمعزل عما سبقها وهي ذاتها مَعينًا لما يليها بغض النظر عن المكان... هذا المدخل لابد منه لإدراك ما سنواصل الولوج فيه. إنَّ حركة الشعر عالميًا تقدمت إلى ما عرف بقصيدة النثر كما سمّوها انعكاسًا لما في النفوس من احساس ومشاعر وتطورات تصورية ذهنية لم تعد بوتقة محدودية القوالب الشعرية بقادرة على استيعابها. قصيدة النثر(ف/ب) هي الجنس المغاير للمعهود ليس لها غرضيات منفردة ولا تلتزم المقاييس الموحدة. إنها نسيج ذاتها يقتفيها الشاعر وينتج لنا نصوصًا فيها الكم الهائل من المعطيات ،موسقتها في داخلها ،وتعتمد أرقى ما بلغه علم اللغة العام واأ"انثروبولوجيا "وال" أثنولوجيا "وال"سايكولوجيا" وال"سوسيولوجيا" ، إنها كيان "أبستمولوجي" لا من ضفاف له يضم كل المحيط ،ويعبر الأفق ويخترق السراب ويعطي كينونات عوالم الغيب.
الاعتماد على أنَّ الشاعر راءٍ يحمل الكم الهائل من المعارف. لغة التقدم في قصيدة النثر وهو المبحث أولعدة مباحث قائمة بذاتها.
لا يعنينا الآن إلا أنْ نقول، قد أجمع النقاد وأهل المعرفة في الفنون والعلوم ذات الصلة بالموضوع على أنَّ الاستعارة والصورة ،والأدق هو الاستقرار على أنَّ الأولى داخلة في الثانية وعليه فإنَّ الشعر هنا التصوير المنفرد أو المركب أوالكثيف لصورة معبرة عن الواقع وما في النفس عبر ما حصل ويحصل وسيحصل منتجة بإنزياح عدولي فائق . سبق لنا أنْ عالجنا ووضعنا نصوص الشاعر العراقي الفذ "شلال عنوز" على منضدة الفحص والدرس. وكنا قد أخذنا مما جاد به قبل عام 2003 ووعدنا أن نعود لقراءة ما بعد هذا التاريخ. فهو ليس الموقف أو المحطة أو الحاجز الحدودي ولا الانقلاب ولا الزلزال أوالإعصار ما تعرض له محيط ونفس هذا الشاعر: إنّه ما لا يوصف من تبدلات وتحولات انقلابية جذرية وقيام "زومبي "مخلق بنبش التاريخ. الكبت والحقد والكره والأطماع التي جاء بها المحتل لا شبيه لها، وقد فعلت فاعليتها "ديوشرماه" بكل الأساليب التي دربت عليها .
ما قام به المحتل لم يقم به في أربعين احتلال سابق ويزيد. إنهم يحرثون وويعيدون كتابة التاريخ بتثقيف مكثف للنفوس والشجر والحجر والحيوان .العيون والقلوب والعقول ترى وتراقب ومنها "شلال عنوز" ترى في قصائده المابعدية، النفس والمنهج المغاير. بصماته متوفرة ولكن في قصيدة النثر من نص لآخر نجده يخالف نفسه من قصيدة بل في النص الواحد مصداقًا لما قالته، "سوزان برنارد- وما تنبأ به "مانسيل جونس" والعشرات من النقاد العرب والأجانب الذين اجمعوا على أن قصيدة النثر متخمة نصيًا بالمتناقضات والتباينات والحركية الدالية الزئبقية ،ولا تشترط وحدة الثيمة ولا وحدتها الموضوعية هي ذاته في سواها من الشعر ،كما في التفعيل والعمود مثًلا، وإنَّ النص الشعري النثري مدعم بعدد كبير من الاستعارات ال"ميثولوجية" والفلكلورية الحياتية بل حتى جواز إدخال موضوعات ومفردات من المعجم الشعبي وليس ما يزعمه البعض من فرض نماذج قياسية لبعض التجارب الشعرية العالمية والتي يعترضون عدم سياقية الناص حاليًا وعدم وجود هوامش وإحالات ...إلخ ...
الرجل كان يكتب العمود والتفعيل لذا بقيت بصمات من ذلك في بعض نتاجاته ،كما التغيرالجديد استلزم العودة المتكررة للنظم والمنصة والمنبر ولكن في قصائد 2004-2005ثم في 2014 – 2015 نجد مجاهدة للعودة إلى المرتسم ال"كيرفي" لنهجه. تناولنا بيئته وجذوره والرجل من الثمانينات له قصائد النثر. يعني أنّه من الجيل الثالث من شعراء قصيدة النثر، جايل من جايل جيل الرواد فملامح ذلك في قصائدة جلية. حتمًا مراياه ستنقل كلية "عاطفة" التعبير عما يجيش في نفسه بوعي أو لا وعي ،وهنا ليس الانعكاس المباشر لأن مرايا الشاعر وبالذات شاعر قصيدة النثر غير ما مرايا سواه.
تعالج الصورة داخل مصنع التصوير حيث الهدم والإنشاء والإفصاح عن القبيح والجميل وكم نحن في ظروفنا بمسيس الحاجة لذلك هنا في بلاد مشتعلة حرائقها ...و نرى عيانًا من أشعل الفتيل وراح يراقب عن كثب وما إنْ تخمد النار حتى يلقي بالمزيد من الخشب والزيت .ما يحدث يتفوق على فعل بريطانيا في الهند وعلى ما قام به "كورتيز". إنَّ الأمريكي في السلطة الظاهرة والحكومة التحت أرضية من الكائنات الهجينة والشعب مغلوب على أمره قد روض لأنْ يرعى في خمائلها ولا المزيد؟؟!!...
يقرأ الصحف في الطريق للعمل و يتثقف عبر النت . الرئيس الأمريكي لا يعرف أن أسبانيا مملكة وهي من أبرز حلفائه فماذا تنتظر من الأمي ابن الشارع من العوام هناك وهم الأغلبية التي تشكل ما يسمى الرأي العام هناك ؟ .في أمريكا أكبر عدد( من بين الدول المتقدمة) ممن لا يعرفون القراءة والكتابة. البنية "الأوليغارشية" لا شبيه لها في الكون من بداية التاريخ حتى اليوم ، فحصر كل شيء بيد فئة محددة تملك المال والإعلام والسلطة وتعتمد على رؤية العالم عبر مراكز بحث فيها الكثير من لم يفطم وعلى ما يزعم من حفر في تاريخ الشعوب تبنى صناعة السياسة للدولة الأولى في العالم ولبحث يقدمه لمصلحة شركة أومؤسسة. أما البريطاني فلديه أرشيف بلداننا وله رجاله فيها وبقايا دولته العميقة والتي لم نتحرر منها. احتلال العراق كشف العديد من الرجال ممن ثبت أنَّ لهم نواياهم الخاصة ولا يعرفون عن المجتمع العراقي أي معلومة ولا يهمهم العراق وشعبه ، وكل قناعاتهم نفعية .مع كل الفشل الذي حدث والخسائر الجسيمة على يد المقاومة العراقية لم يرعوي الأمريكي وبقي يسير خلف فلسفته و"برغماتيته" وأطماع شركاته ونوايا كيانات لا يهمها غير مصالحها الضيقة . يعتمد الامريكي التجريب حتى إذا ظهرت بوادر نجاح اعتمد خطواته السابقة وبنى عليها خططه ومشاريعه وخلال ذلك ليموت من الناس من يموت. إنهم حتى على شعبهم يجربون ويختبرون الأسلحة والأدوية فما ينتظر ان يفعلوا في شعوب دول أخرى. لا مطابقة ولا مماثلة وعلى الناقد أنْ يتعرف ليس على معنى المعنى وهو يتهجس الدوال لبلوغ المداليل، بل عليه أنْ يعرض ما يخرج له إلى أدوات منهج ومدرسة في النقود المعتمدة فالبيئة التي كتب الناص بها نصه بنموذج مخالف للمعهود وسنبين بعض القراءات عن العدوانية والموت المجاني الذي لم يكن من المعروف وجوده في مجتمعاتنا. شهدت ذلك سورية ،ولكن نحن لنا قصب السبق. بفضل" المحتل البريطاني "يذبح بقرة في "معبد هندوسي" ويلقي بالكلب النافق في جامع إسلامي وبيد هندوسي وتتدخل لحل الإشكال لتفرض قوانينها .
"أمريكا" تستخدم "الفوسفور الأبيض" و"اليورانيوم المنضب" ومواد لم تجرب إلا علينا ، فما نحن إلا حقل تجارب . أساليب التفتيت والقتل وفنون التمثيل بالناس للمحتلين باع طويل في اعتمادها عبر أتباعهم . ماذا سيقول الشاعر في هكذا مخبر على امتداد الوطن الذي بحجم العراق؟. لابد للناقد من معين ثري وواسع وعميق "أبستمي" من العمومي والشامل مع فهم الواقع و معرفة الشاعر و"عاطفته" وكيفية تفكيره وتعبيره والمفردات التي بها يستعين. قصائد تتماشى مع الموجود في الساحة وأخرى عليها بصمات نحن هذه التي تعنينا ...
ندرك ما جرى والموجود في النصوص عبر بث مفردات وثيمات وتمثلات وتصورات وربما وجدناها لم تستكمل التصير صوريًا وربما الصور فاقدة لأجزاء الوضوح بل ربما تكون عرضة للأشباح والظلال و حتمًا ليس لغاية الإغماض ولا لوجود نية التضليل ... نعي لماذا؟ وكيف؟ وما الأسباب... نعلم كجهينة اليقين. لخص الرجل ليس مخاضات متعسرة وما تزال وأنما دوامات من" الكوس" ومن اثارها.
من يدعي إنّ له قدرة التوقع يكذب. فقط الشاعر بحدسه يرى ويلمح، وينقل، لنا الصور الشاحبة والشوهاء ولكن ذاك ما يراه. وعلينا التعرف على سبل حل الطلاسم وفك الرتاجات والاسرار. ما يدعى بالنقد الحديث نقد النماذج العليا وهو مرتبط بالفهم الأسطوري وما أنتجته دروس أواخر القرن التاسع عشر ، ولابد للفهم من سبر غور المعاني والمفردات والإبحار في الصور واستيعاب العدولات ولن يتم لنا ذلك دون حفر وتفكيك وتأويل الكلمة والمدماك والنص والسياق... كلمة التأويل وردت في القرآن الكريم (16) مرة وهي ما نستعين به لفهم الفهم فكما يقول “الزركشي”: “التأويل كشف ما انغلق من المعنى” عندما تنصرف النية إلى ما هو أعمق من التفسير ،كما يقول “السيوطي”:”التفسير يتعلق بالرواية، والتأويل يتعلق بالدراية”.بالانفتاح على فتوحات “ابن رشد” الذي أسهم في موضوع التأويل وأهدافه ومنهجه، ففي كتابه “فصل المقال“؛ جاء شبيه بما عنونه "الغزالي " وهو “قانون التأويل”، قائلا بإن ثمة قوانين للعقل والمنطق في استقبال المعرفة،وقعد الشروط الانسب للعملية التأويلية، فالتأويل عند" ابن رشد" ليس إلهامًا سماويًا، ولكنه منهج عقلي واستدلال منطقي، ووقوف فاحص متمعن بالتجارب الصادقة وإدراك حي لتجلياتها.أما "الراغب الأصفهاني" فقد قسم التأويل إلى قسمين: منقاد، و مستكره، المنقاد هو الذي لا ينافي منطق اللغة ولا يبتعد عن دلالتها، أما المستكره فهو تقويل تعسفي(لدواع عقائدية)من المفسر أو المؤول للنص ولوي عنق مخرجات المعاني لتوافق هواه وتنسجم مع نواياه، لتعزيز أطروحات مذاهب واتجاهات عقيدة بعينها.
إنّ عملية التأويل هي من أفعال القراءة المنتجة وبذات الوقت من أوليات معرفة القراءة المنتجة ولذلك هي النظير الخلاق لفعل التدوين(الكتابة) . الجدل الناشب بين الحالة والمعنى يشكّل اساس بنية الخطاب، وينشب متساوقا له كواقعة القراءة بين الوقوع على المعنى، وإدراك ذلك المعنى والتي تسمى فهما. إنّ الفهم في القراءة له ما للحالة في الخطاب الملفوظ أو المكتنه في الكتابة .إنّ التفسير خلال القراءة مكانته كما" الاستقلال النّصي واللفظي للمعنى الموضوعي للخطاب؛ لذلك تتطابق البنية الجدلية للقراءة مع البنية الجدلية للخطاب"نظرية التأويل - الخطاب وفائض المعنى " "بول ريكور"وفي كتابه "عن التأويل: مقالات عن فرويد" يقول ريكور: "إنَّ اللغة هي مُلتقى جميع المداخل الفلسفية" ...
درس اللغة في فقه فهم المعنى وفهم فهم معنى المعنى يتحتم اللجوء للتأويل "الهرمنيوطيقي" والذي يرى "بول ريكور" إنه امتداد للفينومينولوجيا..إنَّ استيعاب فهمي للمعنى يستدعي إدراكًا "فينومينولوجيا النص" المقروء وطرقًا حتميًا لأبواب التأويل كسيرورة فعالية لاستكمال فعل القراءة المنتجة وتحقيق فهم الفهم .موضوع التأويل ينصب لإدراك خطوط رسم الاستعارات وقدرات نقل الغاية النصية عبر التعبيرات الخالقة للبنية النصية.في كتابة الرائع والذائع"" "الاستعارة الحية""ريكور"يسلط الضوء علىموضوع التأويل ... فيقول" "إنَّ تدمير المعنى الحرفي في الاستعارة يتيح لمعنًى جديدٍ أنْ يظهر، وبالطريقة نفسها تتبدل الإشارة في الجملة الحرفية وتحل محلها إشارةٌ ثانية هي تلك التي تحملها الاستعارة، وقد يبدو أنَّ الوظيفة الإبداعية والشعرية للاستعارة تقتصر على تحطيم وظيفتها الإشارية، غير أنَّ هذا في الظاهر فقط".نبهنا "ريكور" بحذق فأشار إلى أنَّ الاستعارة تخلق إشارة جديدة تتيح وصف العالم (أو أعادة وصفه )أو جزءًا منه امتنع عن الوصف المباشر و لم يطاوع المحاكاة.
عند البحث في الشعر نجد أنَّ الدرس لن يكون مجديًا دون استيعاب شامل للغة المعاد صنعها شعريا . يقول "ريكور": "إنَّ اللغة الشعرية تدفع عالمًا جديدًا إلى الظهور، ذلك هو عالم العمل الشعري، هذا العالم الشعري يندمج بالعالم الحياتي وينصهر بعالم الفعل اليومي ويمثل بالنسبة لي عالمًا ممكنًا، عالمًا بوسعي أنْ أعيش فيه وأعمل وأعاني، وباختصار، يتيح لنا الإبداع الشعري للاستعارة أنْ نقول شيئًا ما جديدًا عن عالم خبرتنا المُعاشة".التأويل" الهرمنيوطيقي" هو علمٌ وفن في آن واحد، ورغم مباشيرية العبارة، ومع سذاجتها الصادمة فإنَّ الوقوف عليها فهميا، يقودنا إلى إدراك سيولتها وحرباويتها وذلك من بواعث الجدل الشرس منذ عقود في" الهرمنيوطيقا" وأرتباطها ب"الفينومينولوجيا" ذلك المدروس "هوسرليا" من حده الأخير والمبحوث من" شلايرماخريا" من حده الأعقد الأول... البحث الظاهراتي و والتأويلي وجد صداه ضمن ما يسمى نظرية القراءة والتلقي، وهي اليوم مجال الدرس في فهم ،وقراءة النصوص، وتأويلها...
النص عالم واسع متجدد جدلي المقاصد محمل بكتل كثيفة من الدلالات المتغيرة والمتحولة تبعًا لآفاق القراء وشروط التلقي ...فعاليةالنص تتجلى بالتكثيف الدلالي المحفز للمتلقي لتشغيل ملكاته الذهنية والتصورية الحسية والحدسية واستدعاء مدخراته المعرفية من مكتنزه الذاكراتي لشخذ همة العقل لتسبير المعتم من فجوات النص وإعادة تأويلها وتفريز المعاني الظاهرة عن المسكوت عنها عن المضمرة...
تأويل النص لا يقيد دلالاته ولا يحجمها ولا يوقعها بالثباتية فكل إعادة قراءة هي إعادة تأويل وكل إعادة تأويل هي تحديث المعاني ،والكشف من أبعاد المقاصد المستحدثة قرائيًا عبر تشكيل الدلالات الجديدة... ذلك هو تقنية فهم الفهم " وأنَّ لغة الكاتب هي رصيد بقدر أقل من كونها حد أقصى .." "رولان بارت" الكتابة في درجة الصفر .."معنى التأويل والفهم هو أنني أفهم وأعبر دلالة النص حسب أقوالي وتعبيراتي الخاصة"" غادامير"فلسفة التأويل ،الأصول،المبادئ ،الاهداف" ...
يقول ،حبيب مونسي" في " نظريات القراءة في النقد المعاصر ":"تسير عملية القراءة في اتجاهين متبادلة من الخارج /النص إلى القاريء /الداخل ومن القاريء/الداخل إلى النص/ الخارج، فبقدر مايقدم النص ل للقاريء،يضفي القاريء على النص أبعاده جديدة ، قد لا يكون لها وجود في النص " ...
ويقول" نادر كاظم" في " المقامات والتلقي ،بحث في أنماط التلقي لمقامات الهمداني في النقد الحديث" المقاربة النص قرائيًا "أصبح للقاريء مكانة إبداعية وتقدم بخطوات كبيرة عن دوره القديم حيث القراءة "...حولته من خاضع للنص إلى سيد عليه ،أن يفسره أو يعيد كتابته،أو يؤوله كما يشاء ، فهي (نظرية التلقي )لا تهتم بالقاريء العادي البسيط أو القاريء السلبي ولكنها تنظر إلى القاريء الذكي ، القاريء المنتج لكي يقوم بهذا الجهد الشاق ..."" ويقدم " نصر حامد أبو زيد "رؤية أوسع وأعمق لموضوعة النص وإدراك المعنى ، فيقول في "إشكالية القراءة والتاويل": " النص عبارة عن وسيط لغوي ينقل فكر المؤلف إلى القاريء ،وبالتالي فهو يشير - في جانبه اللغوي- إلى اللغة بكاملها ويشير في -جانبه النفسي- إلى الفكر الذاتي لمبدعه"
إنَّ آليات التأويل هي أدوات فتح وتحريك سحرية لمقاربة ماهية المعاني في النص وبعد عمليات نحت وحفر تستخدم في إنجاز فعل تشريح النص وتفكيك بنيته وتكسير أوصر تماسك أنساقه التي تحول دون منح قدرة استيعاب مضامينه ومن ثمة العمل على إعادة لحمة أوصاله ببناء وحداته بسدة مااستجد من مفهوميات و مقاربات معانيه مقاصد مؤلفه وتركيب وحداتة الصغرى ليعود نصًا معقولا...نجاعة التأويل أثبتتها نظريات التلقي " الإيزرية" و"الياوسية" وأضحت عملية تقاطع الآفاق وامتحانها الزمنية في التطبيق التأويلي وسيلة مجربة لبلوغ ملامسة جوهر المقاصد ..." فالفهم الهرمينو طيقي هو نتاج حوار أصيل بين الماضي والحاضر، وهذا يتم في اللحظة التي يحدث عندها(انصهار الآفاق) بين الماضي والحاضر ، كونه يتمثل فعلا لفهم الذات وفهم واقعنا التاريخي المتواصل مع الماضي في الوقت نفسه" كما يقول ،"نصر حامد أبو زيد" في كتابه المشار إليه سابقًا..
المعنى وفق "إيزر" هو تفاعل جدلي بين النص والقاريء وعلى الأخير سد الفراغات/الثقوب التي ستعترصه على امتداد النص ... الوعي السيميائي والدلالي المقترن بالتأويل ذي المرجعيات الواسعة بما يغطي أبعاد النص لغويًا ونفسيًا وثقافيًا يفتح أبواب النص المغلقة و تتوضح الرؤية أمام القاريء العمدة وتسهل عليه تقنيات الانتقال إلى مستوى أفق النص من أفق توقعه ذلك إيذانًا بالعبور إلى مرحلة تفعيل على المدارك والتصورات الذهنية الفهمية على مستوى المدلولات مجتازً عقبات المظاهر التخطيطية ذلك هو ما يشتغل على سد الفجوات/الثقوب/الفراغات المستشرية في النص كل "مواقع اللاتحديد/اللايقين" ويكون المتلقي/القاريء قد ولوج عملية التواصل بين وبينه وبين النص وتعزز تلك المرحلة القرائية حالة الألفة والتعاطف ذلك يحقق التفاعل المنتج أثناء العملية القرائية . تحقق القصدية كتابة أو لفظًا يستكمل عبر التلقي استماعًا أو قراءة ، والقصدية في المستوى الحالي هي فعالية تمثل الأسلوب الوجودي لكلا طرفي عملية التفاعل الرسالي /النصي ؛ مكتوب/ قراءة ومنطوق لفظيًا / استماعًا...وهذا يشمل كل الأعمال الأدبية والفنية حصرًا حيث أن كل الأعمال والحوادث الواقعية والطبيعية وتفسيراتها ونظرياتها لا تحتمل وجود القصدية الوجودية ...
جاهد "ريكور" للتعمق في الدرس والتوسع لتبليغنا مرامية،جادل الفكرة ليوصل لنا ماعمله لينتزع المعنى من خلال فهم عقل المؤلف... علينا إنعام النظر ب"غادامر" وإشاراته إلى قيام دايلكتيك بين" أفق القارئ" و"أفق النص"... قادت تلك المقدمة إلى تأويل هرمنيوطيقي يرتكن للقارئ وينيط به دورا تعاظمت مكانته ضمن :بروسيجر" القراءة المنتجة .مع كونه يشتغل ضمن هرمينوطيقا القارىء إلا إنَّ :ريكور" أبدى اعتراضاته الجدلية على اعتبار العملية التأويلية مصممةبذاتية خالصة ولذلك عمل بجد لإيجاد سراطًا يقنطر اعتمادية النص كبنية ذاتية والنص كبنية موضوعية والتأويل هو معالجة ما يريد النص قوله، عبر الاستعارات والممانعة التي تبديها كلية البنية والتي تتطلب تفكيك تماسكها والخلوص إلى مؤديات المقاصد الظاهرة والمغيبة بفعل الناص أو شكلانية النص أو غوص الأنساق داخل البنية النصية وترابطاتها بخطوط الاتصال الحالية في مستوى السياق المشكل من أنساق متداخلة شائكة متشابكة تربط البنية الداخلية للنص مع البنية الخارجية موضوعيا ...يقول، "الثعلبي":"التفسير بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازاً، والتأويل تفسير باطن اللفظ"....ربما أعطانا" ريكور" السانحةالنظرية التي ستعيننا وهي فتح أفق اعتمادية النص ومحاولة تليين صلابة الكتلة البنيوية وإبقاء تنافذية القراءة في الغائبات من غوائص المكتومات في باطن النص... وإذا كانت فعالية النشاط الأول علمية تعتمد الاستدلال والاستنباط وقراءة توقع الحس التجريبي وإتباع خطوط الحصر والإحصاء والتخزين للمخمن والمحتمل ضمن محامل المباحث القرينة بمعنى إتباع المسلك العلمي الموثوق في تقويم وتقييم مخرجات التأويل التي يرتكز عليه الفهم للمعنى المقتفى ، وبعين الوقت اعتماد الحس الحدسي باعتباره الوجه الآخر للتأويل "الهيرمينوطيقيا" وهو باعتباره فنًا من الفنون الذوقية الحدسية .
مسايرة ل"ريكور"لابد من الإبقاء الحتمي للتوازن الدقيق بين العلم والفن في الفعل الإجرائي للعملية التأويلية ..ونحن معه باعتبار هذه الموازنة المتزنة بين الطابع العلمي و الطوابع الفني هي من يعطي فعالية الحيوية المتجددة والدائمة للعملية المنتجة لمعنى المعنى وتحقيق فهم للفهم "هيرمينوطيقيا".. الوجهين الصلب والمرن يكفلان تمتع المخرجات القرائية بالمقبولية والشك بذات الوقت وهذا دافع لمواصلة القراءة الجديدة التي ستنتج والتأويل العلمي/ الفني الجديد خلوصات جديدة وتستمر الفعالية طالما كان لنا إعادة القراءة ...
مواصلة التجديد هو تصفية لآفاق المعاني وذلك تنقية لأفق الفهم والتصفية والتنقية هما التقنيةالقرائية المنتجة عبر استكناه سراطا أكثر جودة في الأصالة وأقرب للحقيقة وهو المستعان للابتكار الدائم لقوانين التأويل. ولما كان الشعر عماده في اللغةو العدول والصورة والاستعارة ( نرى أنها الجامع الموحد العام للصورة والعدول وتوظيفات الرمز) ...إلخ ولذلك نجد درس الاستعارة كمبحث لفهما هو المدخل الأوسع لولوج التأويل هذا ما يملي علينا معالجة الفهم للاستعارة عمليًا وفينًا... فهم الاستعارة  Metaphor  ودرسها وتعمق فيها هذا يعطينا تصويبا لما قلناه مع علاقتها اللازمة والتأويل..والذي يعطينا كقراء قبل أنْ نكون نقادا، مقدمة للفهم الاستعارة باعتبار أنَّه ما أنْ تزج في النص وما أنْ يقع النص المكتوب تحت أعيننا علينا أنْ ندرك موضوعية النص بعيدًا عن ذات الناص ...
بادئ ذِي بَدْء، علينا اسقاط الرابطة بين التشبيه والاستعارة ليس من حيث تباين الاشتغال ولا لاختلاف التوظيف الاستعمالي ،ذلك لا يعود لتجنب دافع الفوارق اللغوية ... نعم الاستعارة تعليق الجملة والعدولات فيها لتغدو غيرما معهودة لغويا للتعبير عما هو ليس المنتظر تقليديًا من قبل المتلقي والسبب ليس تعثرًا توصيليًا بل دواع معرفية. سنوجز لغويًا موضوع الاستعارة،فممكن تضمين الاستعارة معنى التشبيه مقاربة ولكن ليس للتشبيه قدرة أنْ يكون استعارة .عرفها "عبد القاهر الجرجاني" " اعلم أنَّ الاستعارة في الجملة أنْ يكون للفظ أصل في الوضع اللغوي معروفا، تدل الشواهد على أنه اختص به حيث وضع، ثم يستعمله الشاعر أو غير الشاعر في غير ذلك الأصل وينقله إليه نقلا غير لازم، فيكون هناك العارية"، وهو بذلك لم يخرج بهما عن مضان علم البلاغة وبالذات علم البيان منه الذي تدخل الاستعارة ضمن مشغله كما التشبيه.في البيان الاستعارة :تشغيل لفظ المشبه به للتعبير عن المشبه باعتبار ولوج المشبه بالمشبه به لرابطة المشابهة دليل يحول دون فعل المشبه به .
الاستعارة بذاتها ؛حقيقية وخيالية وبلفظها ؛أصلية وتبعيةوبطرفيها ؛تصريحية ومكنية وبلازمها ؛مجردة وموشحةومطلقة وبحكمها؛ حسنة قبيحة وباستعمالها ؛محسوس لمحسوس،ومعقول لمعقول، ومعقول لمحسوس .كما أنَّ الاستعارة تدعى تمثيلية وهي المُفرَدة/ لفظًا والمُركَّبة/ تركيبًا . والاستعارة ، مثل التشبيه والكناية والتشخيص، من أشكال المجاز في التعبير، والمجاز استعمال اللفظ في غير ما وضع له،قال "الغزالي": "واعلم أن كل مجاز فله حقيقة وليس من ضرورة كل حقيقة يكون لها مجاز " ..كان "آرسطو" أول من جاء على ذكر الاستعارة وعني بها وخصوصا في كتابيه "فن الشعر "و"البلاغة" ، اعتبر قدرات استعمالها دليًلا على عبقرية الشاعر،والقدرة على الربط بين الأشياء ومحاكاتها بعد الكشف عن أوجه الشبه - خصوصا تلك غير البادية للعيان - عدّ ذلك من أبرز ملكات الشاعر ...
الاستعارة "Metaphor" مشتقة من اليونانية والتي تعني نقل من مكان إلى آخر.فهي تحول للمعنى الحرفي للكلمة أو العبارة إلى المجاز ولا يمكن للكلام البشري أنْ لا تدخله الاستعارة وهنا نلفت أنَّ ذلك مقدمة ما سنخوض به لاحقة باعتبار الاستعارة ذهنية/ تصورية وليس لفظية/ لغوية فكما اسلفنا ترتبط أصًلا بالكلام قبل اللغة والتفريق بين الكلام واللغة "سوسريا "قائم وليس مناسبته الآن.. الناقد " أ.أ. ريتشاردز الذي عرف الاستعارة ب " نقلة وحمل للكلمة من استخدامها المطروق إلى استخدام جديد"، وقد ميز في العبارات الكلامية الاستعارية بين "الفحوى" و "الواسطة "، فعندما نقول نهر الشارع يكون النهر واسطة أو أداة نقل للمعنى المجازي والشارع هو الفجوى وهو المعنى المباشر /الحرفي .
أما الناقد "دونوه " فعدّ الاستعارة ضرب من التنبؤ، وقال إنها تعمل على تغيير العالم بتغيير تصوراتنا عنه، حيث تعطي لمستخدمها حرية مفتوحة ليتعاطى مع اللغة وتمنحه قدرات تمكين الخطاب المبثوث- عبر الاستعارة - طاقة عبور المعنى الضيق المحدود الحرفي للنص وتجاوز القدرة الإشارية للمعنى باستبطانها المعنى العابر المجازي.ما قدماه " لاكوف" و" جونسون" اللذان سلطا الضوء على الاستعارة في كتابهما المسمى "استعارات نحيا بها " وذلك يؤيد الرد على طروحات " جيرار جينيت" الذي قلل من مكانة الاستعارة واعتقد أنْ هناك مبالغة في تقويم قيمتها الفعلية حيث لا يجدها "ملكة المجاز "...
إنَّ الاستعارة فعل ينجزه الذهن أوًلا وهو منتج يحرر بقدر كبير العقل البشري من سطوة العالم و المحيط،ولكن ليس بالمطلق ،حيث يتعاطى الذهن في فعله الأدبي مع منظومة إشارة ويمارس عمله ملتزما بشروطها ومشارطاتها المقيدة ،ذلك النظام الرمزي الذي يسمى اللغة ، ولذلك فإنَّ بعض الأدباء يحاولون الابتعاد عن الاستعارة والتي اشتغالها خارج اللغة ضمن الذهن ما يعني ضمن الكلام ، وقد تنبه لهذا الناقد" دونوه" مؤكدًا أنَّ استعمال الاستعارة هو كسر للضوابط وابتعاد عن قوانين اللغة وشرود عن التعبير الإتباعي ، والعمل ضمن فضاء مجازي يرسم حدود الخطاب التداخل في وحداته البنيوية مستحًلا إزاحة المعاني المعجمية والتداولية التقليدية للكلمة وأبعادها التمثيلية الإفرادية أو التركيبة ... عدد غير محدد من منظري الذوق الجديدة كشفوا تصورية الاستعارة،و استحالة هجرها أو التنكر لها في غيرما حقل فكري فهي في البيان كجزء من البلاغة واللسانيات التقليدية أو المعرفية وفي الفلسفةوعلوم النفس بجميع فروعه وفي علم الاجتماع والأقتصاد والسياسة وفي علوم دراسات الفنون الجميلة ...ذلك ما أبانته دراسات "لا يكوف"، و "جونسن" في كتابهما الرائد الأنف الذكر...لقد قدرا مكانة الاستعارة في الحياة اليومية وفي التعاطي الفكري العام "إنَّ فهمنا للاستعارة يذهب ضد التقليد فنحن نرى الاستعارة ضرورية للفهم البشري، ونحسبها آلية لتوليد معاني جديدة وحقائق جديدة في حياتنا. وهذا يجعلنا في خلاف مع معظم التقليد الفلسفي الغربي، الذي رأى الاستعارة عامًلا من عوامل الذاتية..."
الاستعارة جوهر ماهيتها منجز ذهني هو جزء أصيل من البناء التصوري العقل الإنساني، وهي متداولة في الاستعمالات العامة اليومية وفي كل الحقول الحياتية والفكرية ،أليس ذلك مدعاة للبحث في إيجاد تصور عملي لبنية المعنى وآليات الفهم مستندة إلى موقع البشر في رسم التصور الدال وبعين الوقت إمكانيات الخيال الإنساني في صنع ذلك التصور ...يقول "جونسن": "بدون خيال، لا شيء في العالم يمكن أنْ يكون ذا معنى. بدون خيال، لا يمكننا أبدًا فهم تجاربنا. بدون خيال، لا يمكننا أبدًا التفكير في معرفة الواقع" هذا انقلاب راديكالي على القوانين اللغوية في الجانب البلاغية للاستعارة ...
النظرية التقليدية تنظر للاستعارة باعتبارها مقاربة "محاكاة "والتي أرساها "آرسطو" وتعتبر الاستعارة مقاربة تعبيرية من طرفين ؛المجاز اللغوي " في مراحل لاحقة أضيف أو المجاز العقلي" و والقواعد الإشارية والترميزية لمنظومة اللغة التي تقييد التعبير حرفيا وتستند على المقارنة والمحاكاة والمقاربة التشابهية...وهناك ما يطلق عليه بالتفاعلية من روادها " ماكس بلاك " الذي كان يفرق بين" البؤرة " وهي الاستعارة المفردة ضمن العبارة وما بقي كلمات هي إطار" .صلة البؤرة مع الإطار عضوية تنافذية تفاعلية يتبادلان فيها التعويض والخسران. عموما التصور المحاكاتي أو التصورالتفاعلي كلاهما يجمعان على أن الاستعارة ذات تأصيل لغوي وهي ظاهرة تعبيرية تقارب بين طرفي الاستعارة عبر التشابه والتقارب ...
في المقاربة للتصورين حافظت الاستعارة على مكانتها اللغوية وكل الدراسات والبحوث انصبت على التوسع في البحث عن أبعادها وقيمتها التبادلية والجمالية والبلاغية.لا تعدو الاستعارة في النظريات التقليدية عن كونها مقارنة بين شبيهين ومقاربتها ومحاولة إجراء التماثل بينهما وهي علامة في حال استعمالها المجازي على العبقرية كما قال،" آرسطو" ،وأنها واحدة من أدوات تحسين اللغة تطويرها ولكنها تبقى بعيدة عن أنْ تكون عامًلا مشتركًا في الكلام اليومي والتعبير عن الحياة والعالم كما أنها محدودة التأثير في تطور الذهن أو توظيفها كتصور في عمليات الاستدلال ،ومقاربة تفسير الوقائع محاولة تغيرها...هذه القناعات دفعت" لاكوف" و"جونسن " لمهاجمة التفكير الإتباعي باعتباره عامل تحجير و تنميط للذهن البشري وتجميد لقدراته التعبيرية لأنَّ البنية اللغوي مهما تطورت تبقى محدود الفعالية التجاوب مع متغيرات العالم والفكر .القول بأنَّ المعاني موجودة خارج العقل البشري ومستقلة عن فهمه باعتبار وجود موضوعي ذلك التفكير قاد للاعتقاد بأنَّ كل الأشياء اللغوية بمنأى عن مكنة فعالية الذهن على التفكير التأويلي لتحقيق الفهم .إنَّ الشيئنة هي وارء القول بأن البحث فيها مستقل عن دراسة المعنى أو الفهم الإنساني هذا يحجم الاستعارة ويحد من قدراتها التعبيرية كتصور ذهني ..دراسة المعاني والتعبير عنها تتباين ما بين مباحث العلوم الطبيعية ومباحث العلوم الإنسانية فإذا كانت المباحث الأولى تستدعى اعتمادية مفرطة على قوانين الصدق فإنَّ مباحث أخرى لا تستوجب ذلك وعليه فإنَّ لغة العلم غير لغة الأدب مثلا وعليه ورغم وجود الاستعارة في كلا المبحثين ،فإنها في لغة الأدب غير ما في لغة العلم ...
اعتماد نظرية كون المعنى مستقًلا عن الفهم ووجوده خارج الذهن قتل الاستعارة وهمش مكانها المفترضة والواقعية ودفع لاخراجها من الدراسات الدلالية وعدت غير صالحة لتحقيق الفهم والتأويل طالما كانت المعاني خارجية "موضوعية" ومستقلة عن التفكير البشري...حينها تنتفي امكانية وجود معنى استعاري، وهذا يبقي الاستعارة مجرد وسيلة لغوية لفظية تجميلية ذات قدرات تمثيلية لمقاربات المشابهة...ذلك ليس له مصاديق في الحياة الواقعية...
قال" لايكوف" و"جونسن":" أنَّ الاستعارة لم تكتسح لغتنا فحسب، بل نظامنا التصوري كذلك. وقد بدا لنا أنه من غير الممكن تصور أنْ لا تكون أي ظاهرة أساسية جدا لنظامنا التصوري غير مركزية في فهمنا للحقيقة والمعنى".
فند كتاب" استعارات نحيا بها" النظرية الموضوعية وعزز التجريبية وحقق تشريح تفصيلي لكيفيات بناء المعاني وتجارب خلق الفهم وأوضح دور الاستعارة الحيوي في تحقيق استجابة الذهن الإنساني للحوادث وتفسيرها وتأويلها وصوًلا لفهما واستعرض تطبيقيًا تقانة قدرات الاستعارة دلاليًا ومكنة إنتاج الحقائق الجديدة، ما يعني أنَّ الاستعارة من حيث الأصل هي المنتج التصوري الذهني الذي له قدرة استيعاب تغيرات الواقع الحياتي وهذا يدفع للقول، إنَّ وجود المعني ليس مستقًلا عن الذهن البشري واللغة التوروية المجازية التصورية"الاستعارة" هي قنطرة التجسير وذلك مكسب بشري منح الإنسان التفوق على غيره من الكائنات. اللغة التصورية وسيط بين الأشياء وكنياتها بمعنى أنَّ القدرات التصورية الكلامية تمنح مؤسسة اللغة عبر الاستعارة انفتاح على واقع الحياة والعالم وهذا ما يعطي الإنسان امكانيات التأويل بغية الفهم وتلك الفعالية تحكمها الأنساق العامة النفسية والثقافية والاجتماعية ولذلك فإنَّ بحث موضوعة المعنى والفهم تنطلق من افتراضات تجريبية تستعمل فيها اللغة التصورية الاستعارية كأداة للتقريب والفهم والتأويل. اللسانيات الحديثةالمعرفية تتباين مع اللسانيات القديمة في مكانة وماهية وفهم وتصور الحرفي والمجازي .لا يمكن إنجاز التأويل المجازي لنص أو جملة أو عبارة انطلاقًا من البحث في المعنى الحرفي فذلك يقتل ماهية جوهر الاستعارة المعروضة .
عارض التداولي "جون سورل " أزدواجية؛ الحرفي / الاستعاري في معنى العبارة أو الجملة هو يعتقد إنَّ ثمة معنى واحد لا غير هو معنى العبارة أو الجملة ،أما عن الاستعارة فيقول ،هي مجرد تعبير عن عما يريده مطلق الخطاب وهو قد يختار التوصيل الظاهري باستخدام اللغة الطبيعية أو التوروي بتوظيف المجاز والاستعارة واستخدام لغة العدول والإنزياح ، ويعتقد أنَّ الخوض في البحث عن المقاصد لا علاقة له بالمعنى ."سورال" إذًا يتصور الاستعارة مجرد فعالية لغوية وبوعثها نوايا صانعها ولا علاقة لها بمعنى العبارة أو الجملة ،تكون سخروية أو جادة أو تنبيهية ...إلخ وبذلك فهو لا يميز بين لغة العلم ولغة الأدب ،وينزع عن الاستعارة أصلها التصوري الذهني حيث يعتبرها مجرد تقنية لغوية ومن ثم إنَّ الاستعارة لا يمكن أنْ تخرج من فضاء اللغة إلى فضاء الكلام ولذلك لا شأن للاستعارة بالدلالة ...
ليس" سورال" وحده بل الكثير من اللسانيين والنقاد من اتباع المدرسة الكلاسيكية لا يزالون ينافحون عن تلك الأفكار ويعارضون المعرفية في اللسانيات ، ودخل التداوليون الساحة ومنهم من لزم النظرية التقليدية في تفسير الاستعارة ومن ثم ابقاها في مضمار اللغة وحسب وقال، إنَّ البعد الحرفي المباشر عندما تدخل الاستعارة وتوظيف المجاز هو بعد حواري أدخل المعنى غير مباشر، يضبطه السياق والبعد التداولي وليس له شأن في المعنى الأصلي للجملة أو العبارة ...بمعنى ما يحدث من تغيير دلالي للمعنى مبعثه السياق التداولي وليس دخول الاستعارة ،ولذلك فالمعنى الحرفي للجملة يتطابق المعنى اللفظي لها والعدول أو الإنزياح الذي يلحق عبر المجاز أو الاستعارة مرده رغبة القائل/الكاتب ولا علاقة له بلغة الخطاب وتفسير الدلالة الجديدة موضوعها ليس اللغة ومنطوقها ولا ما تضمنته من استعارات وإنما دوافع وغرضيات المنشئ للقول أو الكتابة ومعرفة المعنى تتبع درس في المقاصد لا نقع عليه من تتبع دراسة اللغة والمعنى اللغوي غير المعنى الدلالي التداولي والذي هو معنى استلزامي غير مباشر..لا يقع تتبعه في مضمار اللغة ...لفهم الدلالة الأخيرة المقصودة والتي لا تمنحها لنا العبارة أو الجملة مع وجود الاستعارة بل نحصل عليها، مع معرفة اللغة الحصول على آليات تفسر مقاصد الباث والتي جعلته يأتي بقول ويقصد أمرًا غير ما يعني القول الملفوظ/المكتوب، وذلك يعني قدرتنا على استنباط ظروف الرسالة /الخطاب /العبارة الملفوظة وسياق المقام، وواقع الحال والذي قد يكون السبب في التورية أو الإضمار، تقول "إوركيوني":"القول المضمر هو مجموع المعلومات التي يمكن للخطاب أنْ يحتويها ،لكن تحقيقها في الواقع يبقى رهن خصوصيات سياق الحديث" .دافع" لايكوف"و"جونسن" عن اللسانيات المعرفية وعن مكانة الاستعارة باعتبار ماهيتها الجوهرية تصورية كفعالية ذهنية .
الاستعارة متلازمة الكلام زجت في اللغة ، ويستعين بها جميع البشر وتكون من الدرجات العليا تبعًا لنوع النشاط الممارس وقدرات العقل /الفكر الذي يتعاطها ومقدار مكتنزه المعرفي والحسي هذا سبب كون الذي يمارسه الشاعر من النوع العالي المشبع بالمجاز المكثف مثًلا على أنَّ الاستعارة أداة ناجعة وأساسية تمكننا من استيعاب المجرد تصورًا وفكرا ،وهي تقنية لازمة لفهم تجاربنا، و خلق المعاني المتجددة والمسايرة للتطورات الحياتية ولها( أي الاستعارة ) القدرة على تخطيط ورسم حقائق تتناسب والمتخيل أو الحادث فمجال عمل الاستعارة هو المستوى العقلي( الفكري/الذهني...) .لا إدراك للعالم المحيط ولا قدرة على إنجاز تجاربنا فيه دون استعارات مخلوقة عقليا (فكريًا/معرفيًا/تخيًلا...) . وهنا تتقاطع هذه الأطروحات مع بناء التصور الذي يقطع الصلة من الذوات ويقتصر البحث ضمن الموضوع ذلك التصور الذي أهمل الاستعارة بله اخرجها ( باعتبار فعاليتها هامشية )من مسار الدرس الدلالي للوصول للمعني بغية تحقق الفهم ..
الاستعارة في الفهم الحديث اخذت مكانتها المعرفية في الدرس اللساني الدلالي ، بعدما استبعدتها أطروحات قديمة كانت تقف في الدرس على أسس وقواعد إتباعية أصولية .إنَّ النظرية اللسانية المعرفية تتباين مع ما سبقها لأنها تقف في بحثها على معطيات ما قدمه الفكر الإنساني لخلق تصورات متماهية والتقدم والتطور الحاصل في مختلف الحقول والأصعدة . يقول "ريكور":"النص المكتوب يغدو، فور كتابته، صوتًا مُمَحَّضًا منفصلًا عن المؤلف وعن موقف المؤلف".لقدبنى "ريكور " تصوره الاستعاري معتمدًا على نموذج "يان رامزي المعتمد على ثنائية المماثلة الضحية (مثل/ليس مثل) وتوسع في تعميم ذلك وعممه في استخداماته التأويليته والتي جسر بها الضفتين المتناقضتين المتضادتين وهذا هو مركز حالة الريبة في فهم التأويل الخلوصي والذي يبقي القارىء الناقد بين اليقين الكلي غير التام والشك الشامل غير المطلق...هذا التقعيد "الريكوري" هو ما يفسر موقف" ريكور " من "غادمير" و"هابرماس" حيث اعتقد أنَّ تأويل الأول لا يعطينا قواعد منهجية تعين في الوصول لماهية المعنى المنتج تأويليا ("هيرمينوطيقيًا") للمعنى المطروح ومن ثم تعزيز الفهم للفهم العام وفق جدل أفقنا وأفق النص...
هل ترانا نتوصل للمعنى الصادق(الحقيقي) لملفوظ أو مكتوب جزئي كعبارة أو جملة أوبيت شعري أو فقرة نثرية أو كلي كنص أو قصيدة أو مسرود؟؟ يؤمن "ريكور" أنَّ المرور من "شلايرماخر " إلى "غادمير" أوقع التأويل ("الهيرمينو طيقيا ") في التضليل أو في أحسن الأحوال في الفشل ببلوغ المعنى المنشود ...فسبيلهما يقود لقطيعة في المسار" الأبستمولوجي" الوضعي لحقل العلوم الإ نسانية والذي ليس مرهونًا بتأويلاتهما ولهذا يتواصل تقدمه رغم من مخرجاتها المنطلقة من مدخلات مغرقة الذاتية حد الغلو ...أما بالنسبة ل"هابرماس" كان الأوفر حضوة من لدن "ريكور" فهو يتساوق معه في عشق اللغة ومساعيه الحثيثة لإنتاج سيميولوجية متعالية التي وجدت هوى من "ريكور "الذي كان ذلك أحد توجهاته ومع قنطرة "فرويد" و"ماركس" التي ربطتهما لكن" نيتشه" فرقهما فاختلف معه بحرقة وقال، عنه إنَّه لم يفرق بين فعالية الفهم ومعضلة إقحام الذاتية في البحث عن المعنى وهذا طريق تضييع المعنى وتمييع الفهم تلك تقويض للنقد المرجو في عملية القراءة المنتجة والمتضمنة وضع حلوًلا لمشكلة الفهم بعد تدارك المعنى . نتحفظ و لا تتوافق مع ما بشر به" ريكور" في الدرس" السيميولوجي" رغم توافقنا معه في الكثير من مسارات بحثه في الاستعارة ودرس "غادمير" و"هابرماس" بله في مقاربات أفكار "ماركس" و"فرويد" و"نيتشه"...
اعتقد "ريكور " إنها وسيلة في اللغة بها نعالج المعنى وتعيننا "السيميولوجيا" في الكشف عن مضانه وسبر كنهه متوسلة في معالجة النص بذاته دونما حاجة للتعرف على غاية الناص .. هو يعتقد إنَّ ذلك يمكن القارىء من بلوغ مآرب الناص عبر النص (الخطاب )دون الحاجة إليه( قتله قرائيًا) ويعتقد إنه بذلك يحقق أستقلالية المتلقي (مخاطَب حر) وتحريره من هيمنة الأخر المخاطِب (الناص) وبعد ذلك مشاركة حرة في تخليق غايات النص مع الناص دون إذنه أو انتظار قبوله أو رفضه...ويعتقد إنَّ القارىء الناقد بذلك يمتلك قدرة في تعاضد المشاركة في المقصد مع القدرة على البقاء بعيد عن قيود وعلامات المؤلف وحينها يمكن وهذه الاستقلالية فرصة لاستهاض قوى الفن الذوقي من حدس مانح لقدرات عرفانية تعاضد فعاليات التفكيك والتحليل العلمي في التعامل مع الإشارة- الرمز / الاستعارة وبذلك يمتلك المتلقي الإيجابي القرائي المنتج ملكة تمكين ذاته من الوصول الحقيقة للمعنى والفهم بتقاسم/ المشاركة الخلق والنقد بعين الوقت وهو ما يسميه "ريكور" حضور الذات المساهمة بالإنتاج المقاصدي في النقد الموضوعي . أكد "ريكور" في كتاب" نظرية التأويل - الخطاب وفائض المعنى"، - على أنَّ-" التأويل حالة خاصة من حالات الفهم، هو الفهم حين يطبّق على تعبيرات الحياة المكتوبة، وفي نظرية للعلامات تغضّ الطرف عن الفرق بين الكلام والكتابة، وقول كل شيء لا يؤكد على جدل الواقعة والمعنى"يقول "ريكور": "لا يتوافق المعنى اللفظي للنص مع المعنى العقلي أو قصد النص، فهذا القصد يحققه النص ويلغيه معًا، لأنّه لم يعد يحمل صوت شخص حاضر. النص أخرس، لا صوت له؛ هنا تحصل علاقة غير متناسبة بين النص والقارئ، يتحدث فيها الشريكان على لسان كليهما، وبالتالي، ليس الفهم مجرد تكرار الواقعة الكلامية في واقعة شبيهة؛ بل توليد واقعة جديدة تبدأ من النص"ولذلك فإن نقل " المعنى إلى معنى لفظي للنص هو التخمين بعينه، إذا كنا نفتقر إلى وجود قواعد للقيام بتخمينات صحيحة، فإنّ هناك مناهج للتصديق على تلك التخمينات التي نقوم بها، وكلا الطرفين مطلوب في هذا الجدل الجديد" ،و "إذا صحّ القول دائمًا بوجود أكثر من طريقة لتفسير النص، فلا يصحّ القول أنّ التأويلات متساوية؛ فالنصّ يقدّم ميدانًا محدودًا من الأبنية الممكنة، ويتيح لنا منطق التصديق أنْ نتحرّك بين حدّي الدوغمائية والشكّية، بل يمكن دائمًا الوقوف مع أو ضد تأويل معين، والمواجهة بين التأويلات، والفصل بينهما، والبحث عن اتفاق ""إما أنْ نبقى كقرّاء في نوع من حالة التعليق فيما يخصّ أي نوع من المحال به إلى الواقع، أو نحقّق خياليًّا الإحالات غير الظاهرية الضمنية للنص في موقف جديد، وهو موقف القارئ؛ في الحالة الأولى نعامل النص ككيان لا واقع له، وفي الحالة الثانية نخلق إحالة ظاهرية بفضل نوع التنفيذ الذي يتضمنه فعل القراءة، وهاتان الإمكانيتان موقوفتان معنا على فعل القراءة والمفهوم بوصفه تفاعلهما الجدلي"و"يسعى التأويل في مرحلته الأخيرة إلى المساواة والمعاصرة والاندماج بمعنى المشابهة، وتحقّق هذه الغاية بمقدار ما يحقّق التأويل معنى لنص للقارئ الحاضر"."
ما ينبغي تملكه هو معنى النص نفسه، مفهومًا بالمعنى السيّال المتحرّك بوصفه اتجاه الفكر الذي يفتتحه النصّ..." الذي لغته هي نسق رموز لغة وكلام هو شيء مغاير كليا لذلك النسق كما شخص" سوسر" لايوجد نص لغوي دون كلام تسلل من مرجعه المنطوق اللفظي وعلى القارىء المتلقي العمدة الناقد أنْ يرجم المعنى إلى وحدات الفهم لديه برموزه ومنطق تأويله للحقيقة المعنى المبثوثة في خطاب النص المتلقى؛ المنطوق أو المكتوب .
إذًا لا فهم دون استخلاص المعنى ولا معنى دون ترجمة الرموز والدوال ولا ترجمة إلا بالتخمين التأويلي من وجهين العلم والفن .وكما اسلفنا التأويل وفق أدق التعاريف للاصطلاحات العربية والأكثرها ضبطا، تعريف "الإمام الراغب الأصفهاني "في" المفردات في غريب القرآن "التأويل: "ردّ الشيء إلى الغاية المرادة منه، علمًا كان أو فعلا" ...وقبل التأويل تحديد المؤلات وأدوات التأويل وتلك نستنبطها من الخطاب النص المكتوب أو المسموع وذاك اجرائيًا وفق "دريدا" هي فعالية التفكيك. ونوظف ما أدخله الأمريكي الفلسطيني الأصل "إدورد سعيد" في طرائق الفهم والتعاطي القرائي المنتج وعندما تزحمنا الحاجة لفهم معان وقعنا عليها نلج التفسير التأويلي الوجهين المذكورين سالفًا الحس الحدسي من الذوق وطرق العلم والموروث والحيثيات بعد مراقبة "إكلينيكية" ونعمل مشرطنا بجهاز CT"" و"MRI "وأحدث المسابر المتاحة بها نستعين. ولكن لن نمر من ثقوب التلموديين والبنائيين. نحتاج "كرستيفا "كما نحتاج" بارت "و"رورتي " و"جفري "و"سوسر" و" بيرس "والعشرات وإن اقحمنا في "الهرمينوطيقا "مضطرين للفهم وكشف المقاصد سنستعين ب"شلايرماخر" و"هيدجر "و"غادمير " و" هابرماس "أما "ريكور " فلمكانته لدينا في مباحث الاستعارة والتأويل نأخذ منه دائمًا كما نأخذ" فوكو" نستعين ب "فرانكلين روجرز "و"غاستون باشلار" ونتخذ ما توصل إليه "تودوروف و" تُشُومِسْكِي"و"عزالدين إسماعيل" و "علي البطل" و"حفناوي بعلي" و"تمام حسان "و"عبد السلام المسدي" و"جابرعصفور"و" عزالدين المناصرة"و"أدونيس: و"أنسي الحاج "و"توفيق الصائغ"و"سركون بولص "و "د. محمد مندور"و"وعبد القادر الرباعي"و "محمود طرشانة" و العشرات مع نصوصهم كتاباتهم كلها حاضرة معنا، ونحن نبحث ليس في الذات في قصيدة النثر بل بمجمل المعطى الأدبي العربي والعالمي ولكن ليس بخاف ،إننا نعالج ونبحث بعناية في الجنس الذي هو موضوعنا الرئيسي. ولكن ما نلفت إليه إنَّ ما نحن فيه يخرجنا عن موضوع الشعر، وليس المقصود الفرق مابين الحر وقصيدة النثر، وهو حيوي جوهري.
سنكون بحاجة إلى بحث موضوعةالاحتلال والتمعن بأرشف قصيدة النثر ونحو نعالج قرائيا وقنديل أي نص قصيد شعر ب/في النثر وهنا إشارة عابرة نؤكد درس في "عباس بيضون" غير الدرس " محمد الماغوط".ولكيما نستوعب طباقيًا أبعاد الأنساق النفسية/ الثقافية/ الاجتماعية، سنمتاح من "دوركهايم" و"فرويد " "بافلوف" و "فروم" وسواهم مرورًا" بماركوز " وسنستعين ب "علي الوردي "كما نستعين ب "علي شريعتي" والعديد ممن قد يظن البعض ما شأنهم بالشعر؟ فنقول له قصيدة النثر تعالج محليًا وكونيًا كل المتاح الواقع وما وقع وما سيقع. لن يعيننا درس النقد المدرسي كما أنَّ ما توصل له كبار النقاد من الدروس العامة له المنهج المعتمد ويتبع مدرسة و يستعين بكل ما متاح في العلوم ولذلك نرى -"فوكو"يدرس "الأركيولوجيا" و"الجينالوجيا" و"شتراوس "درس "الأنثروبولوجيا" و"بالي" يدرس اللغة و"تودوروف "يدرس ما تقوم به الولايات المتحدة منذ التأسيس.لهذه الأسباب شطرنا درسنا للشاعر"شلال عنوز "لإننا نعلم ما سنقدم عليه لا يجيب عليه نقد أدبي خالص وفق المعايير التقليدية وهو ذاته ما نتعامل به مع سواه من أهل الداخل. أما من هم في الخارج فنعرضهم لل"صورلوجيا "ونخضعهم للمعايير العامة ونقوم بالتمحيص. هنا قراءة في الأسلوبية والتاريخية والعقائد نعود ل"مولينيه"و"إكسيل هونيث" و "هابر ماس "مع" تالكوت بارسونز"و"جان بياجيه: و"محسن الامين "و" محمد جواد مغنية: والعشرات في مختلف الشؤون ذات العلاقة، ومن الموسوعات للمعارف. فإننا في الحد الأضيق نستعين بالنت فنحن نعتقد إنَّ بعض ممن يكتب يقوم تحت يافطة التناص والمثاقفة بكولجة ولصق وإغارة على مواقع منها ليس بالمتناول وبلغات ليس الجميع يطرقها فيسلب جهود الناس دون أنْ ينسبها. بل الأنكى أنْ يخلط ويعبث بما لا يستقيم مع الأدب الذي هو تأدب ولا مع الذوق وهو تهذيب. قبل أنْ نلج عالم "شلال عنوز" سنضع تحت أبصاركم نصوص لرواد لنؤكد أنَّ جنس قصيدة النثر من النصوص الكتابية قبل أنْ يكون من النصوص اللفظية، بمعنى يخلق على الورق أوًلاومن ثم يقرأ..
يقول،" أدونيس":
كان الليلُ والنهار في صراعٍ يحاول كِلاهما أن يخنقَ الآخر.
وكان الوقت يحوّل المشهد إلى شريطٍ وثائقيّ.
غيرَ أنَّ امرأَ القيس، قال مودّعاً:
الكونُ هنا كمثل وردةٍ
بعضهم يريدها عطراً للبشر جميعاً،
وبعضهم يريدها بستاناً له وحده.
ويقول،" فاضل العزاوي":
أينَ الأنسانُ ا لمطرودُ من الجنةِ؟
هذا القادمُ من حربٍ خاسرةٍ؟
هذا الواقفُ عندَ بيوتِ المنفيين؟
أيةُ أمالٍ اسقطُ من عشِ النسرِ؟
انتِ مستقبلي حقاً؟
أيةُ أحلامٍ تخرجُ للنزهة؟