الجلوس على التل ام النضال من أجل الخلاص؟


جلال الصباغ
2022 / 9 / 5 - 18:35     

يتداول الكثير من ناشطي الانتفاضة عبارة "الجلوس على التل" في إشارة إلى أن الصراع بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري لا يمثلهم، وانه ليس لديهم سوى الانتظار لحين حسم الصراع بين الجانبين وما ينتج عنه. وبعيدا عن أصل هذه العبارة، لنرى بعض دلالاتها وما الذي تعنيه موضوعيا.

ان الصراع الدائر بين قطبي النظام، لا يمثل الجماهير فعليا، فهذا الصراع هو صراع على السلطة والسيطرة على مؤسسات الدولة، والتحكم في ثروات الجماهير ونهبها، وهذا الأمر حاصل منذ تولي الأحزاب الإسلامية والقومية وشركاؤهم للسلطة بدعم دولي واقليمي، فمرة يحتدم الصراع كما هو الان، ومرة أخرى يهدأ، بحسب الاتفاق او الاختلاف على تقاسم الحصص.

تبقى طبيعة الصراع الحالي بين أحزاب الاسلام السياسي الشيعي الحاكم، هي نتيجة لانتفاضة اكتوبر في ٢٠١٩، التي وضعت النظام برمته في أزمة خانقة وكادت ان تطيح به، لو انها كانت منظمة، وتمتلك بديلا سياسيا واقتصاديا للنظام الطائفي القومي الحاكم.

وبالعودة الى " الجلوس على التل" فان صراع أقطاب النظام لا يمثل الجماهير الرافضة ولا الناشطين بشكل فعلي، لكنه في نفس الوقت يعنيهم ويتحكم بحياتهم ومعيشتهم، فدائما ما يكون وقود هذه الصراعات هم الفقراء والمحرومين من المخدوعين، وبمعنى اخر فأن نضال الجماهير هو في جوهره عمل من أجل الخلاص من هذا النظام بكل اقطابه ومكوناته. وفلسفة الجلوس على التل هي فلسفة استسلامية سلبية تعني الحياد الذي يخدم النظام بالمحصلة النهائية.

ان المقولات المعبرة عن الواقع السياسي انما هي انعكاس وتعبير عن حال كل جهة داخل هذا الواقع، واكتوبر او تشرين منذ انطلاقها رافقتها وعبرت عنها العديد من الجمل والمقولات منها " محد قادها ثورة شبابية" و " الوعي قائد" و " كلا كلا للاحزاب" في إشارات واضحة لرفض اي شكل من أشكال التنظيم، أو الانخراط في عمل منظم.

لا أحد ينكر دور السلطة وقواها داخل أوساط المنتفضين وبثها لمثل هكذا تصورات ومفاهيم، تهدف لتشتيت وإضعاف اية حركة احتجاجية جماهيرية، وإعاقة تطورها نحو بناء جبهة تهدف لإسقاط النظام وبناء نظام جديد.

في نفس الوقت تعاني العديد من قوى الانتفاضة وناشطيها من غياب الرؤية السياسية والاقتصادية الاستراتيجية، فهي في غالبيتها تدور في فلك النظام من حيث تبنيها لخط السلطة السياسي المبني على اساس التقسيم القومي والطائفي للدولة والمجتمع، والمتبني للنهج الاقتصادي الليبرالي الهادف لتخلي الدولة عن مسؤوليتها امام المجتمع والعمل على خصخصة القطاعات المختلفة. والابتعاد عن البديل الجماهيري الهادف لإسقاط النظام وبناء سلطة الجماهير الساعية نحو التحرر والرفاهية وتوفير الخدمات الصحية والتعليمية المجانية والقضاء على البطالة وتوفير الماء والكهرباء والسكن وغيرها من الحقوق.

بالتالي فإن عبارة الجلوس على التل هي تعبير عن الواقع المرتبك الذي تعيشه قوى الانتفاضة، وسبب هذا الارتباك، هو غياب المنهج والمشروع السياسي واضح المعالم لقطاع واسع من هذه القوى. والا فإن الموقف من صراع أقطاب النظام هو ليس الجلوس على التل والانتظار، انما العمل والنضال من أجل توحيد الجهود والخروج بموقف قوي وواضح من الإطار والتيار وجميع القوى المشاركة الأخرى، وفضح مخططاتهم وسياساتهم، بالاضافة الى تعميق ازماتهم واستغلالها من أجل تسريع الخلاص منهم. وليس الجلوس على التل بشكل سلبي وكأنهم ينتظرون المخلص من السماء.

#جلال_الصباغ