الوعي عبر الفن -ب- دفاعا عن التنوير الكتاب الثاني من سلسلة الوعي المجتمعي


ياسر جاسم قاسم
2022 / 8 / 28 - 22:35     

ونستمر في هذا المبحث راصدين بعض الفنانين العراقيين والعالميين حتى نضع رؤاهم في قدراتهم التعبيرية عبر فنهم لرصد معاناة المجتمع ومتطلباته فالفنان العراقي كاظم حيدر الذي ولد في بغداد 1932م ونال دبلوم رسم في معهد الفنون الجميلة عام 1955م ، عالج هذا الفنان عبر فنه فكرة الخير والشر والماساة في ابرز اعماله الفنية وتركزت هذه النزعة كما يشير صلاح البشير بمجموعته الفريدة المؤلفة من 40 قطعة من الخامات المرسومة بالزيت وبالقياس الكبير، وبها سخر تجربته التعبيرية باشكال تميل نحو التكعيبية والاختزال لينطلق منها في جو ماساوي مصورا في معرضه (ملحمة الشهيد) حيث صور واقعة مقتل الحسين بن علي ، اما في مسرحية (بغداد الازل بين الجد والهزل) التي اعدها قاسم محمد عن مصادر تراثية عربية مثل مؤلفات الجاحظ ومقامات الهمداني والحريري ومراجع حديثة عن العامة في بغداد والظرفاء والشحاذين والصعاليك والطفيليين الذين كانت تعج بهم اسواق بغداد فان الامر اختلف مع حيدر وبخاصة ان الفضاء المسرحي هنا (السوق البغدادي) يكاد يكون هو البطل الحقيقي للمسرحية وللروائي البصري محمود عبد الوهاب رايا هاما يسلط الضوء على علاقة المثقف او الفنان بالواقع حيث يعتبر عبد الوهاب : ان التصالح التام مع الواقع يعني الغاء للعقل النقدي فليس الواقع دوما هو المثال المكتمل او النموذج في عقل المبدع او المثقف غالبا ما ياتي الواقع فجا لولا الاحلام والفنون التي تعمل على بناء واقع افتراضي ،عقل المبدع مسكون دوما بمثال يوتوبي التناقض قائم بين واقعين ،الواقع الوقائعي والقاطع الحلمي لدى المبدع، لذلك نجد ان قصص محمود عبد الوهاب قد لا تحمل مصالحة تامة مع الواقع ولكن معظم ما كتبه على قلته هو علاقة مغايرة للواقع تقوم على التعرف على الواقع اولا وعلى فهمه ثانيا كما عبر عن ذلك. ثم كتابة نص تخيلي جمالي يحمل انساق الواقع لكنه لا يماثله .
اما عن دور ثقافة الاخر في منجز الكاتب فلا بد من ان تلعب الثقافة الاجنبية دورا في تطوير منجز الكاتب بعيدا عن الاستنساخ الذي يخيط نصا على غرار نص مستورد " (المدى 2010، محمود عبد الوهاب) هذا يحيلنا الى المعرفة الحقيقية التي يجب ان يكون عليها المثقف والكاتب والفنان بل ان الحدث الواقعي يتماهى مع الكتابة لدى القاص عبد الوهاب لذى نجده يجيب عن سؤال وجه اليه في صحيفة المدى مفاده" ان الحروب تمر على القاص عبد الوهاب دون ان يكتب عنها مالم تختمر فيه تداعياتها بماذا تقلق ؟فيجيب هذا صحيح الكتابة الاتية عن الاحداث الكبيرة تفرط كثيرا بعمق دلالاتها وتاتي الكتابة عنها باشكال مباشرة تتناول سطح الحدث الرخو والهامشي لكن الاختمار يحفر في واقع الاحداث عميقا حتى يمسك بجذور المسالة مانحا النص شكلا ابداعيا متميزا" نحن امام تزاوج اذا بين الواقع الذي ينتج الاحداث الكبيرة وبين الانتظار حتى تختمر تلك الاحداث منتجة نصا فنيا ذو دلالات هامة، لذلك نرى ان الفنان او المثقف عليه ان يكون معرفي واقعي لكي يستطيع ان يمنح نفسه منجزا يفخر به المجتمع ولو انتقلنا الى العالمية قليلا لراينا الكثير من المنجز الفني والقصصي والشعري يعالج واقعا ماساويا فهذه روايات ديستوفسكي ممتلئة بعذابات البشرية بصنوف تلك العذابات التي تعرض لها الروائي نفسه ، فشخصية راسكولينيكوف في روايته الجريمة والعقاب تمثل (ديستوفسكي) نفسه وما تعرض له من اذى واقعي والام وعذابات انعكست في روايته اذن نحن امام تجانس بين الروائي او الفنان بفنه وبين الواقع . وجميلة كلمة الاختمار التي استخدمها محمود عبد الوهاب معبرا فيها ومن خلالها على اختمار الاحداث لدى الكاتب لكي يصنع بعدها رؤيا مهمة تجعل من الاحداث معاشة عبر نصه الروائي او الفني حتى لو عمما كلام القاص عبد الوهاب.
ملحوظتان:
1- التعبيرية ممكن ان يستخدمها الكاتب لكي يعبر تعبيرا مباشرا وعبر فنه عن الام وعذابات وافراح انسانية اما اذا كان الفنان يستخدم اساليب غير مباشرة فسوف سيكون ضمن اطار التعبير وليس التعبيرية .
2- مجموعة الامثلة التي صغناها حول المفاهيم والتعابير من روائيين مثل الروائي البصري محمود عبد الوهاب واراؤه المهمة حول العمل الفني تعطي اساسيات هامة نستشف من خلالها اهمية الفن في احداث الوعي .