الاوضاع السياسية في العراق ... وإلى أين سيفضي احتقان الشارع؟


عصام الياسري
2022 / 8 / 23 - 14:37     

مضي ما يقرب عشرة أشهر على الانتخابات العامة التي جرت في العام المنصرم، والأوضاع في العراق الدولة الغنية بالنفط لاتزال تتجه نحو المجهول. اقتحام الصدريين للبرلمان وتعطيل جميع الجلسات، أشعل بين الطبقة السياسية شرارة صراع على السلطة. وكان هدف المتظاهرين في "الخضراء" الضغط على السياسيين وبالأساس الإطار التنسيقي الذي عرقل تشكيل حكومة أغلبية وطنية. الكتلة الصدرية في ذلك الوقت كانت المنتصر، لكنها، فشلت في تأمين النسبة المطلوبة "أغلبية الثلثين" نظرا (لتفسير المحكمة تحت ضغط قوى الإطار التنسيقي) لانتخاب رئيس الجمهورية ومن ثم رئيسا للوزراء. وكان قادة الإطار يشككون في نتائج الانتخابات ولا يريدون الاعتراف بالهزيمة ومجيء حكومة تحارب الفساد وتصلح النظام السياسي برمته. وكان للصدر رغم تخلي مجموعة ما يسمى "بالمستقلين" عن تعهداتهم. وانتهازية حلفاء الصدر، البرزاني والحلبوسي، تحت تأثير وإغراءات الاطاريين بعد استقالة الصدريين، أن يصمد بوجه التداعيات وأن لا يدعو نوابه كأكبر كتلة برلمانية للاستقالة لتضييق الخناق على الاطاريين وصد مناوراتهم.

إنه من المؤكد أن تشكيل حكومة جديدة متمثلة بقوى "الائتلاف الثلاثي" الصدر الشيعي، والحلبوسي السني، والبرزاني الكردي، سوف لن تفضي إلى تحقيق نوع من الإصلاح المضمون، بمعنى، التغيير الشامل للنظام السياسي ومحاربة الفساد وبالنهاية القطيعة مع التقاليد السياسية "التوافقية" الدارجة، وفقا لنظام المحاصصة الطائفية الذي أسس له المحتل منذ 2003 حتى الآن. قوبل مشروع الصدر "حكومة الأغلبية الوطنية" من جميع أطراف "الإطار التنسيقي" بالمقاومة على الرغم من تعدد التناقضات السياسية بين أعضائه، لخشيتهم ضياع السلطة والنفوذ، والأخطر والأهم، خوفهم مواجهة القانون وعدم إمكانية الهروب من العقاب. انتهى الأمر بالصدر دعوة أعضاء تياره إلى الاستقالة من مجلس النواب. ربما كان الانسحاب خطوة مدروسة ومستهدفة لوضع الأحزاب والسياسيين المناوئين تحت الضغط، لكنها كانت بالتأكيد خطوة غير متوقعة، نظرا لما نتج عنها من تجاذبات خطيرة بعد نزول التيار ومقابله التنسيقي إلى الشارع بعد ترشيح الإطار التنسيقي محمد شياع السوداني لرئاسة الوزراء.

في رسالة موجهة للمتظاهرين، وصف الصدر الاحتجاجات بأنها "ثورة عفوية وسلمية". ودعا إلى دعم جماهيري، مجتمعي ووطني واسع، لا سيما العشائر العراقية. مرددا (هذه فرصة عظيمة لإحداث تغيير جذري في النظام السياسي). وهي المرة الاولى التي يتحدث فيها عن "التغيير الجذري" بشكل واضح، دون أن يشير بالضبط إلى نوع التغيير الذي يريده وكيف؟. والأهم لم يعط ضمانات للقوى القريبة من أهدافه، سيما المتمثلة بالتشرينيين، ليحسموا أمرهم في اختيار الموقف!.

إن كلا المعسكران الشيعيان- الصدر والمالكي- يعتبرون أنفسهم، كل على طريقته، الأَوْلَى بالحكم. فالمالكي البالغ من العمر 72 عاما، كان بعد سقوط الدكتاتور صدام حسين رئيسا للحكومة من 2006 إلى 2014. إلا أن منتقديه يتهمونه بسبب سوء إدارة الحكم وتجاوزه حدود صلاحياته كمسؤول دولة، من بين أمور أخرى، بالمسؤولية عن نجاح ميليشيا الدولة الإسلامية الإرهابية (داعش) وسقوط الموصل وغيرها من المدن العراقية، وكان يفترض أن يصون البلد ويحفظ أمنه وأمن شعبه كما يتطلب الدستور والقانون ذلك. بالإضافة إلى هدر المال العام وتفشي الفساد الإداري وعدم احترام سيادة الدولة. فيما يعتبر الصدر البالغ من العمر 47 عاما، شخصية مثيرة للجدل. بعد سقوط نظام صدام حسين في 2003، أسس جيش المهدي لمحاربة القوات الأمريكية. اليوم هو أكثر اعتدالا ويبدو مزيجا من، القوميين والشعبويين. أتباعه يعيشون في المناطق الأكثر فقراً في بغداد ومدن أخرى. وتكمن قوة الصدر في قدرته على حشد الجماهير وضبط إيقاعها السياسي والمجتمعي. لذلك فسر انسحاب أنصاره من البرلمان على أنه مناورة لمواصلة وضع الأحزاب تحت "ضغط الشارع" ومنع "التحالف السابق" من الالتفاف حول المالكي.

المثير للدهشة، احتجاج "المالكي الإطار التنسيقي" على اعتصام الصدريين ووصفه اعتداءً (على الشرعية والدولة ومؤسساتها الدستورية) ووضع (السلم الأهلي على المحك). متجاهلا حجم الخروقات الدستورية والقانونية والإدارية التي ارتكبوها على مدى تسعة عشر عاما ومنها:. انتهاك حرمة الدستور والقانون، تعريض السلم الأهلي للخطر بسبب الضغط على المؤسسة القضائية لفرض الإرادات والاستهتار بالسلطة، تعريض الدولة العراقية ومؤسساتها الشرعية للابتزاز والدفع بها نحو حافة الإفلاس، الانتهاكات الاقتصادية ونهب الثروات الوطنية. وعلى ما يبدو أن الصراع بين الطرفين، سيبقى مستعرا، والوضع لكلا المعسكرين "الشيعيين" خطيرا، بسبب انتشار سلاح ميليشيات الأحزاب بكثافة، يحرق الأخضر واليابس. فيما البلاد غارقة بالمشاكل وحكومة "تصريف الأعمال" الحالية، عاجزة عن كسر الجمود السياسي وفك تشابك الأطراف المتصارعة على السلطة.

كان لذلك تداعيات انعكست مظاهرها بعدم ثقة ملايين العراقيين بالطبقة السياسية بعد الآن، والاعتصام المفتوح في "مجلس الشعب" للتعبير عن غضبهم من الجمود السياسي وأساليب المماطلة والتسويف. مع نقص في وجود نخبة سياسية مسؤولة قادرة لتسوية الخلافات والبحث عن مخارج تبعد الشعب من الويلات والدمار. لكن على ما يبدو، أن الطبقة السياسية (الشيعية والسنية والكردية) الماسكة بالسلطة، غير مستعدة لمنع ما يحمل المستقبل من مفاجآت خطيرة، ولم تستوعب لحد الآن، أن عاصفة التغيير الحتمي مقبلة لا محال. بيد انها لازالت تبحث عن مخارج لا قيمة لها كالدعوة إلى "حوار" بين أطراف الأزمة ذاتها، وكأن البلد "شركة تمتلكها" وتتصرف بها كما تشاء، خاليا من الناس والنخب والأحزاب، تتمرد عليه وتتحكم بمقدرات مجتمعاته وحقوقها.

للخروج من الأزمة من الناحية الموضوعية، لتجنب صراع مدمر، الذهاب إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني تعمل على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة ينتج عنها تشكيل حكومة وطنية عدالة، تسعى لتصحيح ما أخفقت في تحقيقه الحكومات المتعاقبة في أوقات كانت عصيبة على المجتمعات العراقية.