البحث عن عقد اجتماعي جديد ضرورة ملحة


عصام الياسري
2022 / 8 / 23 - 14:36     

إذا كان من أساسيات المبادئ وأخلاقياتها اعتبار الإنسان أثمن رأسمال. فلا زال السؤال قائما: ماذا ينبغي على القوى الوطنية العراقية أن تعمل؟... وكيف يجب أن تكون مواجهة نظام المحاصصة الطائفية لتحقيق ذلك؟. وألا يدعو الوضع العراقي المعقد والمليء بالأزمات الخانقة على نحو تسعة عشر عاماً، وصل فيه الوضع حد حرب منتظرة بين الأطراف المتصارعة للبقاء في السلطة أبد الآبدين، تنتهي بدمار العراق وآلاف الضحايا. أقول الا يدعو لأن يكون ذلك من باب المسؤولية الوطنية والأخلاقية، حافزاً ملحاً أمام أطياف المجتمع العراقي، لعقد اجتماعي رصين يقود إلى مرحلة جديدة؟. مسؤولية إنماء مشروع كهذا لإنقاذ الوطن من الضياع، تقع بالأساس على عاتق المخلصين من الشخصيات العراقية الوطنية النزيهة، من مختلف الانتماءات والمعتقدات... مثقفون وكتاب وصحفيون، حرفيون وممثلو منظمات حقوقية واجتماعية مستقلة، عليهم أيضا، المشاركة لمواجهة الأوضاع والأزمات السياسية والاقتصادية والمجتمعية المتفاقمة وتحمل مسؤولية الدفاع عن الدولة وأمن المواطن والمجتمع ككل. والأهم مواجهة ممارسات مؤسسات الدولة ومنها التشريعية والتنفيذية والقضائية الخاطئة ومساءلتها عندما تخضع لضغوط القوى المتسلطة وأحزابها الطائفية والشوفينية التي تصر للهيمنة على القرار والسلطة معا، كما وتحتكر الشأن السياسي والاقتصادي الذي ادى إلى معاناة المواطن والمجتمع.

المطلوب فيما يتعلق الأمر بخلاص العراق وشعبة من هذه الطغمة الفاسدة التي لا تملك من الحس الوطني مقدار ذرة، سوى الدمار والخراب ونهب ثروات الشعب والوطن واللعب بمقدرات الدولة وأملاكها. إن تختار النخب المجتمعية والسياسية الوطنية العراقية، بين الموقف السلبي "آني شعليه" وتترك البلد يتجه نحو الإنهيار، أو أن تؤسس لمشروع وطني نهضوي يدرك حجم المسؤولية وتحمل أعبائها لمواجهة تبعات التغيير السياسي الشامل بالقدر الذي يمكن صناعة المستقبل.

إن مشروعاً وطنياً من هذا النوع، إن كانت الإرادة متوفرة، لم يعد بأي حال من الأحوال أمراً صعباً كما يتصور البعض. إذ ليس التاريخ يذكر بإمكانية ذلك فحسب، الهيئات والمواثيق الدولية، ايضاً، تؤكد دون استثناء حق المواطنين للدفاع عن حقوقهم المعيشية والسياسية والمجتمعية والقانونية ومنها ضمان مبدأ دولة المواطنة وحرية الرأي والتعبير. كما يحق لهم تنظيم الإضرابات السياسية بما في ذلك الدعوة إلى العصيان المدني الجماهيري والنقابي والوقوف بوجه النظام الذي يستهدف المصالح العامة للأمة ولا يحترم حقوق شعبه ووضع حدٍّ له وإزالة آثاره المزرية.

في بلد كالعراق تسودهُ الفوضى وتتخندق فيه الطائفية وتمارس أَساليب منافية للأعراف والقوانين كملاحقة أصحاب العلم والرأي والقلم. ليس لدى قادة أحزاب السلطة الطائفية الذين أتت بهم الإدارة الأمريكية، أي حرص على مستقبل العراق ومصير الأمة، دولة وكيان. فقط، تغليب مصالحها الفئوية، المادية والسلطوية، حد نهش جسد الإنسان العراقي. ليس أمراً عجيباً أن ينهب المال العام وتوزع الامتيازات والعقارات بين أحزاب السلطة وقادتها وتنتعشُ أساليبَ الخطف والابتزاز المُنظم إلى جانب القمع والتهديد السياسي، ولا يُسأل الشعب عن رأيه في القضايا المصيرية. إنما العجب عدم خروج المعارضة "الأغلبية الصامتة" عن عباءتها الانتهازية لتكون المواجهة المباشرة "عمل فعل" له دلالات اعتبارية قيمة تجعل المواطن يطمئِن، في الوقت الذي يزداد الوضع سوءاً وتعقيداً، على أن المستقبل ينذر بالأمل والاقتراب من نهاية النفق المظلم الذي قاده إليه نظام المحاصصة الطائفية بعيدا عن أسوار دولة المواطنة والمؤسسات.

إذن الحاجة تقتضي تخليص العراق من مأزقه المأساوي وإنهاء الأزمات وبالتالي معالجة الشأن الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وتحرير العراق، بما في ذلك السيادة الوطنية، من التبعية السياسية للأجنبي. كما يتطلب مواجهة المواقف والمفاهيم الديماغوغية السائدة التي تؤثر بشكل وآخر على رؤية طبقات المجتمع الرافضة للنظام الطائفي "الأغلبية الصامتة" لتكون جاهزة للإنضمام للمشروع الوطني والتغيير. ففيما تضيّق أحزاب السلطة الخناق على الشعب وادعائها أحقية الحكم ولا يمكن إزاحتها. تكثر أحزاب خارج السلطة التنظير، وبعضها يساوم على حساب الوطن والبعض الآخر ترك الباب خلفه مرصودا، بل بعضها أخفقت حتى الإيفاء بالتزاماتها الأخلاقية لمواجهة أصحاب السلطة بالمطلق دون تبريرات واهية وغزل المصالح مما أفقدها مصداقيتها ذلك.

السؤال: متى ستدرك القوى والشخصيات الوطنية العراقية التي ما زالت تقف على "الحياد السلبي" متخندقة خلف حبل الوعود والتبريرات الزائفة، "آني شعليه" أهمية تحمل المسؤولية الوطنية والأخلاقية لتحقيق التغيير الجذري وإنهاء الأزمات للخروج من دائرة الخطر الذي قاد إليه نظام حكم طائفي تمرس في كيفية خراب العقل البشري والقيّم ونشر الفساد بشكل منظم للغاية على مدى عقدين من الزمن.

القول الفلسفي: ليس المهم بأي وسيلة وأي أدوات تعالج المريض... المهم كيف تنقذه!!