دفاعا عن التنوير . ح 8، الوعي باللامساواة ب من سلسلة الوعي المجتمعي ، الكتاب الثاني .


ياسر جاسم قاسم
2022 / 8 / 21 - 20:49     

بغية دراسة تاثيرات العولمة في اللامساواة تشير ليندا بير الى : ان نظرية النظام العالمي التي تؤكد على النتائج التنموية للعلاقات العالمية بين الدول اللامتساوية في القوة ولاسيما علاقات التبعية ، فمنذ السبعينيات اهتم معظم عمل ليندا بتاثيرات الاستثمار المتراكم من الشركات عبر الوطنية في العالم النامي او البلدان المحيطية وتطرح الدراسات بشكل محدد مجادلاتها عن " التبعية لراس المال" او" تغلغل الشركات عبر الوطنية" موضحة ان السيطرة غير المتناسبة للشركات عبر الوطنية على اقتصادات البلدان المضيفة زادت من حالة اللامساواة من خلال تغيير انماط التنمية لهذه الدول ، وعلى الرغم من كون الغالبية العظمى من الاستثمار الاجنبي المباشر تقع ضمن البلدان المتقدمة الا ان تاثير الاستثمار الاجنبي المباشر في اقتصاد البلدان النامية يعد بالغ الاهمية في تاثيراته ولذلك يركز العلماء المختصون في الشؤون العالمية على خزين الاستثمار الاجنبي المتراكم كحصة من الناتج المحلي الاجمالي للبلدان المضيفة ، وعلينا معرفة ان الاستثمار الاجنبي المباشر ازداد من حيث الاهمية بشكل مذهل عبر العقدين الماضيين ويعد المصدر الاولي حاليا لتدفق الموارد الى الدول النامية وتشجع البلدان المتخلفة ومنها العراق على اجتذاب الاستثمار الاجنبي باعتباره الطريق الاولي للنمو الاقتصادي نك الدولي والصندوق على الاستثمار الاجنبي باعتباره طريقة كفوءة تضاف الى المعين الداخلي الحالي لراس المال والتكنولوجيا والمهارات الادارية وهنالك فكرة ضمنية يجب ان يعيها المجتمع في منطق تحرير الاستثمار وهي ان التدفق الحر لراس المال غير المقيد هو افضل وسيلة للتنمية القومية ولم تبدا هيئات التنمية التقليدية الا مؤخرا في ادراك ان الاستثمار الاجنبي المباشر قد يضر بمجموعات معينة من الافراد وانه لابد وان يحمي صناع السياسة سكانهم الواهنين ، ان هيكل الصادرات للدول النامية تناقشه (العالمة ليندا) في كتاب(اللامساواة العالمية) معتبرة ان التجارة بين البلدان الصناعية والمصنعة اوجدت انماطا تبعية للتبادل اللامتكافئ ادت الى مستويات عالية من اللامساواة في الدخل ضمن نطاق العالم النامي ، فالانتاج الموجه نحو التصدير للاسواق العالمية اوجد ثنائية اقطاعية حيث احتكر قطاع الصادرات الذي يمتلكه الاجانب اساسا من الاقتصاد للراسمال الداخلي واسترجع الارباح وادى الى ركود القطاع المحلي، وتشير الادلة التجريبية الى ان قطاعات التصدير الكبيرة ترتبط ايجابيا باللامساواة في الدخل وينجم عن الصفة الكثيفة لراس المال، الانتاج المعد للتصدير عوائد عالية للراسماليين من جانب واستخدام غير شامل للقوة العاملة المحلية من جانب اخر ، علاوة على ذلك انخفضت الاجور بسبب الحركة المحدودة لقوة العمل بين القطاعات بسبب القصور في قابلية نقل المهارات والمستويات التعليمية الواطئة والقيود الاجتماعية والقانونية المختلفة وهنالك ثلاث اليات رئيسة يفترض انها تربط التبعية لراس المال باللامساواة الاجتماعية ، تذكر في كتب عالمية منها : كتاب اللامساواة العالمية وهو تاليف(مجموعة من علماء الاجتماع) وقبل الخوض في هذه الاليات علينا ان نعرف ان التوكيد اليوم يقع على الاستثمار الاجنبي باعتباره الوسيلة الاولية التي يسبب ويديم من خلالها النظام الراسمالي العالمي الحديث حالة اللاتكافؤ الاقتصادية والاجتماعية على الصعيد الدولي بشكل عام وفيما بين الدول بشكل خاص واكدت دراسات تجريبية عديدة وجود ارتباط مهم بين تغلغل الشركات الاجنبية واللامساواة بينما وجد اخرون ان التغلغل الاجنبي يؤشر في مناطق جغرافية معينة فقط، وحتى تلك الدراسات التي اخفقت في تأكيد هذه العلاقة سجلت عموما استنتاجها بتحفظ ولم تستبعد تغلغل الشركات الاجنبية كمحدد مهم محتمل للامساواة في الدخل، وبالرجوع الى الاليات الرئيسة :
1- يولد الاستثمار الاجنبي في الدول النامية تباينات قطاتعية كبيرة فثنائية القطاع في هذه الحالة هي التباين بين القطاعين الاجنبي والمحلي، فالاول يتضمن حصة غير متناسبة من قطاع الصادرات في البلدان النامية لكنه لا يقتصر عليها فقط وبالمقارنة مع القطاع المحلي تستقطب كثافة راس المال العالمية وانخفاض الاستفادة من قوة العمل المحلية توزيعات الدخل لتكون تذبذباتها في اتجاه واحد.
2- تستحوذ الشركات عبر الوطنية العاملة في البلدان النامية على حصة غير متناسبة من المصادر المحلية من الائتمان وتحول نسبة من ارباحها بدلا من اعادة استثمارها في الاقتصاد المحلي ومن اهمها، عند المقارنة براس المال المحلي فانها لا تنهض بقطاعات الاعمال المحلية ذات الصلات القريبة منها، ومن المحتمل ان تزيح حتى شركات الاعمال المجهزة المتوسطة والصغيرة والمهنيين وتجار التجزئة الذين يغذون الطبقة المتوسطة ذات القدرات المهنية، والريادية .
ان انعدام الصلات بين القطاعات هو الاختلاف الرئيس بين الاستثمار الاجنبي المباشر في بلدان المحيط والمركز حيث تكون الصلات مشتركة ويمتلك الاستثمار الاجنبي تاثيرا مضاعفا في قطاع الاعمال المحلي واخيرا تنفذ حكومات هذه البلدان التي تدفعها ضرورات اجتذاب وادامة الاستثمار الاجنبي عالي الحركة سياسات واستراتيجيات تخفض القوة التساومية للقوة العاملة ، وتحول دون الحركة الافقية للطبقات الدنيا في بحث عن فرص العمل فيما تعزز بالمقابل حركة وتدريب النخبة الادارية والفنية للشركات عبر الوطنية ، وتتضمن امتيازات ضريبية وضمانات استعادة الارباح وقوانين عمل غير محمودة للعمال ويتوقع المهندسون حسب ما تشير دراسات بعض علماء الاجتماع او حملة شهادات الماستر في ادارة الاعمال من الولايات المتحدة او الاتحاد الاوربي رواتب وظروف معيشية مماثلة لنظرائهم في دول المركز ولكن هنالك سبب رئيس واحد يدفع الشركات عبر الوطنية للعمل في بلدان المحيط وهو كلفة العمل الواطئة.
ملحوظتان:
1- بدا المختصون بشؤون التنمية مؤخرا في استكشاف الطرق التي تعرض فيها العولمة البلدان للخطر من خلال زيادة اللامساواة في الدخل اذ يجادل (رودريك) بان التحدي الاولي للاقتصاد العالمي هو :/ ضمان عدم اسهام التكامل الاقتصادي الدولي في التفكك الاجتماعي المحلي كما تزيد العولمة من وهن جماعات معينة لا في البلدان النامية فحسب بل في بلدان السوق المتقدم كذلك كما يؤشر تغلغل الشركات عبر الوطنية في توزيع الدخل بشكل اكثر مما يتوقعه المرء استنادا الى المستويات السابقة من اللامساواة والعوامل المحلية المختلفة ، فهل بامكان البلد تقليص تغلغل الشركات عبر الوطنية التي تزيد من اللامساواة من دون التقليل من الاستثمار الاجنبي الذي يزيد نموه، قد يبدو هذا مستحيلا في البداية لان التغلغل هو احد عوامل الاستثمار الاجنبي المباشر ومع ذلك فان من احدى المشاكل الرئيسة للاستثمار الاجنبي المباشر هي انعدام الروابط بين قطاعات الاعمال المحلية وستؤدي السياسات التي توسع هذه الروابطبما فيها تلك التي تجعل راس المال المحلي اكثر نفعا الى مضاعفة النمو المحلي والطبقة المتوسطة المحلية ، والاستثمار الاجنبي المباشر مع ضرورة مراقبة درجة التغلغل وحتى لو ازداد التغلغل فستكون التاثيرات السلبية خفيفة ولاسيما اذا ما اقترنت بالسياسات المذكورة في اعلاه.
ففي الحقيقة تعرض العولمة على ما يبدو البلدان الى خطر ازدياد اللامساواة وعلى الرغم من ان البعض قد استبعد مخاوف اولئك الذين اعربوا عن قلقهم من تاثيرات العولمة السريعة في الضمان الاجتماعي باعتبارها حمائية او انها ( نظرة موجهة نحو التنمية من الداخل ) ان الاعتماد غير المناسب على الاستثمار الاجنبي قد ينفع في الواقع شرائح نخبة دون السكان الاخرين، ويدعم الدليل التجريبي وجهة النظر بان العولمة تعرض اناسا معينين للخطر والبيانات تلمح الى ان تلك الدول الصناعية المتقدمة ذات المستويات العالية والمتزايدة نسبيا من الاستثمار الاجنبي كالولايات المتحدة والمملكة المتحدة شهدت كذلك لامساواة عالمية عبر الثمانينيات والتسعينيات من القرن المنصرم ، كما علينا معرفة ان التبعية للاستثمار الاجنبي تعود بالنفع على شرائح النخبة من السكان المستحوذين على الدخل قياسا باولئك الفقراء الذين يشكلون 80% من السكان ومثال نسوقه على الواقع العراقي نجد ان جولة التراخيص التي منحت حقوق استخراج النفط وانتاجه وتسويقه للاسواق العالمية عبر الشركات العالمية الكبرى في البصرة بالخصوص جعلت قلة قليلة من الناس تحصل على اموال كبيرة في حين ان الفقراء والذين تضررت اراضيهم وبيئتهم وهم نسبتهم عالية لم يحصلوا على مردودات من هذه الشركات.
2- علينا تفعيل التعليم كون التعليم يخلق طبقة متوسطة قادرة على مقاومة المد العولمي المتمثل بالشركات عابرة القارات التي تستحوذ اليوم على الجزء الاكبر من الاستثمار في العراق والعالم والمستفيد هم نخبة من الناس وليس المجاميع الكبيرة من الفقراء لذلك فان دعم الطبقة المتعلمة وايجاد فرص عمل جيدة لهم سيسهم وبشكل كبير بايجاد طبقة مجتمعية وسطى قادرة على ديمومة الانتاج المحلي.