السياسيون في واد وشعبنا في واد أخر ...


صادق محمد عبدالكريم الدبش
2022 / 8 / 15 - 07:41     

السياسيون في واد وشعبنا في واد أخر ....
انقضت عشرة أشهر وخمسة أيام على انتخابات 10/10/2021 م بالتمام والكمال ، وما زال العراق يدور حول نفسه ، بفضل المتحكمين بأمر الله وصلوات وكلائه على أرض العراق المباركة !..
المشكلة اليوم ما يعاني المتابعين للمشهد العراقي هي : ..
أصبحنا لا نفرزن بين الأبيض والأسود والرمادي والضبابي ، وماذا يريد الحاكمين الذين أخذوا من شعبنا كل شيء جميل !..
أين يسير هؤلاء بهذه السفينة المتداعية البالية والمتهالكة !..
الجميع توافقوا على إجراء انتخابات 10/10/2021م ، وبعد إعلان نتائجها بدأ شوط من الصراخ والزعيق والتشكي ، بأن الانتخابات مزورة وغير شفافة وظالمة ، شابها الاستهداف السياسي وخاصة من قبل الإطار التنسيقي ومن معهم من الخاسرين ، الذين يدعون بأنهم لم يحصلوا على استحقاقهم الانتخابي ، محملين جهات بعينها مسؤولية تلك النتائج .
وبعد سجالات وتنابز واتهامات متبادلة بين التيار الصدري ، الذي حصل على أعلى الأصوات في مجلس النواب الجديد 73 مقعد ، والاطار التنسيقي الموالين لإيران .
لم يتمكن التيار وحلفائه من عزم وتقدم والديمقراطي الكردستاني ، الحصول على 210 صوت تأهلهم لتشكيل الحكومة الجديدة ، لمعارضة الاطار التنسيقي والاتحاد الوطني الكردستاني ، وتشكيلهم ما أصبح يعرف بالثلث المعطل ، الذي أدى إلى الاستعصاء الكارثي الذي سلبا على حياة الناس والخدمات التي تقوم بها الحكومة ، وعمل مؤسسات الدولة لغياب موازنة تعين الحكومة على أداء مهماتها ، فأضحت حكومة تصريف أعمال منقوصة الصلاحية .
السبب المباشر لهذا الاستعصاء ، القوى الممسكة بمقاليد البلاد والعباد ، المتصارعين على السلطة المدافعين على مصالحهم الأنانية الضيقة ، دون أي اعتبار لمصالح الناس ومعيشتهم ، الفقراء منهم على وجه التحديد .
وبعد انسحاب التيار الصدري من مجلس النواب وتقديم أعضاءه ال73 استقالاتهم ، وقيام الاطار التنسيقي بمليء فراغ هؤلاء المستقيلين ، بأعضاء من الخاسرين وجلهم من الاطار التنسيقي ليحلوا محل الأعضاء المستقيلين ، والذي كان بمثابة فتيل أشعله الاطار ، واستفزاز مقصود للتيار الصدري ، مما دفع التيار الصدري إلى مواقف تصعيدية ، كردة فعل لما قام به الاطار الذين سيحلون محل الكتلة الفائزة الأكبر في مجلس النواب الصدريين .
ليكرروا ما حدث في انتخابات 2010 م عندما أبعدت الكتلة الأكبر حينها ( العراقية الوطنية الفائزة ورئيسها أياد علاوي ) ليحل محلها دولة القانون وحلفائها ، وتنصيب نوري المالكي بدل عن أياد علاوي !..
هذا لن يرضي السيد الصدر وتياره وأتباعه ، فاستخدموا الشارع كأداة للضغط والاحتجاج والرفض ، لما قام به الاطار التنسيقي ، ولن يقبلوا بتكرار تجربة 2010 م .
المشكلة الأكبر التي يعيشها العراق اليوم هي :
الأطراف المتناحرة اليوم من الفريقين ، لن تطرح حلول قابلة للتنفيذ ، ولتضع نهاية لهذا الصراع الذي طال أمده !..
الفريقين يستخدمون الشارع بدفع أنصارهم للتعبير عن رؤيتهم وسياساتهم ، ولكنها من دون رؤيا حقيقية تضع حد لهذا الصراع الخطير والذي قد يحمل بين طياته ما لا يحمد عقباه !..
الكل متمسك بما يعتقد ويرى دون أن نرى النور في نهاية النفق يخرج من هذا النفق !..
هذا لا يمكن قبوله أو استمراره ، والناس تنتظر حلول للمعاناة والفقر وغياب الخدمات ، بل وغياب الأمل في التغيير المنشود .
الجميع يتحدث عن التوقيتات الدستورية وخرقها ، والكل تتحدث عن مصالح الناس وعن الفقراء وعن العاطلين والسلة الغذائية والخدمات ، والناس في وضع بائس ومؤلم صعب .. وصعب جدا !..
السؤال الذي يراود الكثير ؟..
من هو المسؤول عن تلك المعاناة وعن هذا البؤس والفقر والظلم ؟..
إذا كنتم لستم المتسببين عن هذه المعاناة وغيرها ؟..
هل هناك دونكم يتحكم في مصائر الناس ، المسؤول عن تلك الإخفاقات وعن ذلك القصور وعن تلك الجرائم ؟..
اخرجوا وصارحوا شعبكم ، ليعرف من منكم المسؤول والمتسبب في كل ما يعانيه شعبنا ، ومن منكم البريء ؟..
الشعب يريد من المتنفذين كل شيء ، فمن المفترض أن تكونوا خادمين لهذا الشعب البائس المحروم ، لا أن تكونوا سادة وأمراء وحكام ظالمون مفترون ؟..
ما يتم طرحه في المطالبة بحل البرلمان ، فهو أمر مشروع ، كون هذا البرلمان اليوم فاقد الأغلية بانسحاب 73 نائبا منتخبا انتخابا ديمقراطيا .
انتخابه يتم حسب الدستور بإرادة الشعب ، و يتم حله بإرادة الشعب ، بالتالي يكون البرلمان الحالي فاقد للشرعية الشعبية ولا يجوز له أن يمارس أي من صلاحياته الدستورية ، فقد تمت إضافة لملاكه أعضاء غير منتخبين ولن يحققوا القاسم الانتخابي يؤهلهم أعضاء في مجلس الشعب ، وكان على القضاء أن يأخذ بروح القانون وليس فقط بنصه .
أعتقد وفي مقالات سابقة بينت بأن الوسيلة الأسلم للخروج من عنق الزجاجة ، وإصلاح ما اعوج في نظامنا السياسي ، الذي جلب لشعبنا الويلات والنكبات وما ارتكب بحقه من جرائم ، أقصر الطرق وأسلمها وبأقل الخسائر ، من خلال حكومة إنقاذ وطني بصلاحيات كاملة ، لفترة محددة وبمهمات محددة ، وأولاها إعادة بناء دولة المواطنة وتعديل دستور يمثل إرادة كل العراقيين ، وقانون انتخابات عادل ومنصف ، ومفوضية انتخابات مستقلة وتطبيق قانون الأحزاب بحذافيره ، والإسراع بمعالجة الوضع الاقتصادي والسياسي والتنمية والخدمات من تعليم وصحة وماء وكهرباء والتنمية ومعالجة مشكلة البطالة وغير ذلك .
ويمكن لحكومة الكاظمي أن تكون حكومة إنقاذ وطني ، وتنهي هذا الاستعصاء والصراع على السلطة وأعتقد بأنه أنجع الطرق ، ولا يأتي من يرفع صوته ويتباك على الدستور والقانون والتوقيتات ، فالجميع ليس له أي اعتبار بالدستور فقط عندما تكون مصالحه مهددة ، وليس مصالح الناس البؤساء والمغلوب على أمرهم ، ففي زمن هؤلاء كل شيء مباح ولا اعتبار للعدل والحق والمساواة والانصاف والضمير .
أما البحث عن حلول لتجميل صورة الفاسدين والسراق والمضللين الكذابين ، فهذه ستزيد الأمور سوءا وتعقيدا بل وفساد ، وستعمق الصراع وتدفع بالعراق أكثر إلى مستنقع الطائفية السياسية والعرقية والمحاصصة والفساد وتغييب للأمن والتعايش ، وستبقي على نفس الوجوه التي دمرت العراق وأفقرته وأذلت شعبه ، وستبقي على بنفس الأدوات التي بيد الفاسدين اليوم ، وبقاء ( الدولة ) غنيمة للأحزاب الحاكمة والمتنفذين الجاثمين على صدور شعبنا ، الحاكمين بأمر الله المتأسلمين اللصوص !..
أعتقد جازما .. فقد غاب عن ذهن هذه القوى الفاسدة الحاكمة أي حلول تفضي إلى انفراج في المشهد السياسي العراقي على أيديهم ، يؤدي بنا إلى استقرار ويسود الأمن المنشود ، ويحدث التغيير الذي يطالب به شعبنا وقواه الديمقراطية .
الأمل معقود على انتفاضة تشرين ووحدتها وصمودها ، وقد يعيد الأمل لشعبنا وللملايين الصامتة ، وتحرك المياه الراكدة .. تشرين هي الأمل والقوة الحقيقية القادرة على التغيير المنشود .
15/8/2022 م