نظرة الى الامام (مذكرات ج5)/ قاعة الخلد


كاظم حسن سعيد
2022 / 8 / 11 - 15:42     

مجزرة قاعة الخلد/احسان وفيق السامرائي.
نحن نمتلك ذاكرة هشة , لهذا نكرر اخطاءنا,اتذكر بعد السقوط قلت لهم .
بعد ان افرج عن الكاتب احسان السامرائي الذي نجا باعجوبة من مجزرة الخلد , التقيته مرات في منزله بالجزائر .. ولانه كان يسكن بالقرب من الشاعر الرائد البريكان / الذي لم انقطع اكثر من ثلاثة ايام عن زيارته وطالما كنت امكث في منزله لايام فقد تكررت زياراتي لاحسان السامرائي ... لفت البريكان نظري ــ عليك الا تتفقد من هم تحت المراقبة ـ لكني لم اكن مهتما بتلك الملاحظة ..وكان احسان يقصد البريكان في منزله .. اعرف كيف يفكر البريكان ..انه يلمح للسلطة (بابي مشرعة للجميع لكني لا اقصد احدا حتى من وضعتهم تحت المراقبة ).ورأيت السامرائي انيق الروح والمظهر في غرفة الاستقبال التي صممت لتكون مكتبة زاخرة وتحفة فنية .كنت استعير من كتبه النادرة التي فقد الكثير منها بسبب الاعارة حتى اني حين طلبت مرة اخرى كتاب (الايطاليون ) قال متاسفا اسفت مثله فهو كتاب في غاية الاهمية يتناول فيه الكاتب الظواهر الاجتماعية.في المجتمع الايطالي ويربطها بجذرها التاريخي مثلا اصحاب القرون الذين يجلسون جوار منازلهم للدعارة .
كان الاستاذ احسان دؤوبا غزير الانتاج ورايت العشرات من مسودات الكتب بعناوين عدة مركونة على الرفوف, منها كتاب ضخم بعنوان (الفوال ) اعدته له لاني لم اتمكن من تنقيحه وطباعته ...ورأيته يتملل من كثرة الزائرين (كلما شرعت بالكتابة طرق زائر بابي ) . / كما كان البريكان يتضايق من الزائرين المتعاقبين كلما هم ان يستحم لانه ينتظر وقتا ليفور الماء في قدرين شتاء اذا الضيوف يشغلونه حتى يبرد ./ كان يدخن بالغليون تبغا فاخرا لكنه عانى ابان الحصار فكان يخلط التبغ المحلي مع الايطالي ويتأفف من ذلك .
ـ هل كتبت شيئا عن النظام
ـ كتبت
وتوقعت ان يكون كتابا مهما لانه يملك الاسرار..بعد سنوات طويله وقد انهار النظام دعاني يوما لمنزله وطلب مني ان انقح الكتاب ..بعد يومين اكملت التنقيح اللغوي ..الكتاب يلقي الضوء على مجزرة <قاعة الخلد > .
مرات زرته وهو ماسك فرشاته واقفا امام مسند اللوحة يتدرع بقطعة قماش (صدرية ) فوق ملابسة الانيقة وقد تبقعت بالالوان ,...
مبكر الحكم على تلك اللوحات التي تذكرك بطبيعة اوربا.. وهي تتمتع بالتناسق وتدرج الالوان وقوة الاضاءة . ومن غير المعروف ان كانت محاكاة او بعضها او هي ابتكار خالص , الا انها ذكرتني برسوم الطبيعة في القرن التاسع عشر . ـ اكتب بعد المنتصف والكهرباء مطفأة .. ودرجة الحرارة في البصرة نصف درجة الغليان .هناك رأيت القاص محمود عبد الوهاب يتوّجه شعر فضي , يجتاز الحديقة الصغيرة المزهرة ويصعد السلم حيث يسكن في الطابق الثاني من منزل احسان , مطويا على روح اضاءتها روح الدعابة والتطلع للجمال :< يحسبون النقد المرسل اليهم بالدينار اما انا فاحسبه بالدولار لاني افكر بالسفر > .. مع هذا لم التق به هنا في غرفة الاستقبال المترفة بالمصنفات والتحف الخشبية والمسودات ..قال احسان يوما معتذرا (اضطر لاودعك .. علي ّ ان اطهو ).
حين اهداني روايته / شتاء اللقالق / قال (لست اهديها لاشخاص يركنونها على الرف ).
تقرأ قائمة بمؤلفاته ((الأنهار السبعة (قصص قصيرة).
«حركة الفنون التشكيلية والعمارة التراثية».
رواية (تلك النيران الزرقاء 1978).
لوحات من البصرة: عبير التوابل والموانئ البعيدة (2008).
(الموت والشاعر)
رسائل إلى ابنة الشمس.
للأطفال أن يحبوا).
الانتظار عند العشب. )) .
حولت ا لطائرات الاسرائيلية مائة ألف كتاب إلى رماد حين اغارت على مكتبة سمير منصور الشهيرة في قطاع غزة فعبر عن حزنه لوكالات بقوله "40 عاما من حياتي دمرت في أقل من ثانية"، وهو يقف يتأمل ما تبقى من المكتبة . في كتاب "إبادة الكتب"، للألمانية ربيكا نوث، تقول "إن المكتبات تكون أحيانا هي الحصون الأساسية ضد الاندثار الثقافي، وتدمير هذه المكتبات آلية يسعى عن طريقها نظام سياسي ما إلى إضفاء شرعية على هيمنتهم على أقليات متنافسة، أو تأكيد مزاعم بأحقيتهم في إقليم أو موارد، وقد يسعى أيضا إلى تدمير أي سجلات أو مدونات يمكن أن تشكل تهديدا لموقفهم".نحن هنا تدمر مكتباتنا بطرق اضافية اخرى فضلا عن الحروب ..بالتجويع والتهجير والاهمال .. فكم اديب ومثقف باع كتبه ابان الحصار على العراق لاجل الرغيف ..هل من الانصاف ان تكون البصرة وفيها هذا الكم اللافت من الكتاب بلا مطبعة ..او مكتبات ..صدمت من اسابيع حين شرعت ببحث عن تقييم القصة الستينية بالعراق بان لا مصادر في مدينتي ..وحين كتبت نصا لم يكتمل عن القاص احمد خلف حول قصته التي نشرها في الاداب ولفتت النقاد / خوذة لرجل نصف ميت / توقفت لندرة المصادر فكاتبته وليس من طبعي وصادف ان اقيمت ندوة ادبية في قاعة هندال احتفاء به فتكرم باهدائي مجموعته الاولى (نزهة في شوارع مهجورة ) ومجموعة اخرى ...
قيل (كفى من القلادة ما لاح على الجيد) , مثل لا ينطبق على مؤلفات احسان السامرائي ..فهو شاهد على العصر في اكثر الحقبات العراقية توترا . العشرات من مؤلفاته تغلفها الفولكسات بانتظار الفجر . لقد فقد مجموعته الستينية الى الابد في ظروف جائرة , كما فقدنا كتب البريكان بعد مقتله .. وان تأكد لي بانها نجت من المحرقة ومحفوظة باياد امينة .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ ليلة السكاكين الطويلة أو «عملية الطائر الطنان» أو ما يعرف بالألمانية بـ«روم بوتش»، هي عملية تطهير وقعت في ألمانيا النازية بين 30 يونيو و 2 يوليو 1934، نفذ فيها أدولف هتلر وبتشجيع من هيرمان غورينغ وهاينريش هيملر سلسلة من عمليات الإعدام خارج نطاق القضاء لأجل تعزيز قبضته على السلطة في ألمانيا، وكذلك للتخفيف من مخاوف الجيش الألماني حول دور إرنست روم وكتيبة العاصفة(إس أ)، التي هي قوة شبه عسكرية تابعة للحزب النازي. ولقد عرضت الدعاية النازية عمليات القتل كإجراء وقائي ضد انقلاب وشيك مزعوم من قبل إس أ تحت قيادة روم.

معظم عمليات القتل نفذت بواسطة القوات شبه العسكرية شوتزشتافل (إس إس) تحت قيادة هملر، والغيستابو والشرطة سرية. كان القتلى مجموعة من قادة كتيبة العاصفة، وأبرزهم إرنست روم، الذي يعد من أبرز حلفاء وداعمي هتلر.