؟الشقاء في إنتاج الشقاء


احمد مصارع
2006 / 9 / 24 - 12:05     


"إن من أشقاه ربي , كيف أنتم تسعدوه ؟."
يتهرب كثير من أشباه المفكرين , من استخدام المفردات البسيطة , ومن البناء عليها , ولو مؤقتا , بقصد التنوير , فالشقاء الذي يعتبره البعض هلاميا , لا يمتلك أي رصيد تعريفي له ليس حجة كافية لتجاهل بلاغته وقدرته على بيان طبيعة النفوس الشقية , لأنها لسبب أولي أدارت ظهرها للعقل الذي هو مطية سهلة للعابرين نحو السعادة .
بالمقدور عرض الكثير من الحكم التي تقرر بأن الخير الكثير مصدره جنة العقل , وأن العاقل صنو لحياة الهناءة ..
ولأنني مطالب بوضع حد تعريفي ومهما كان بسيطا على طريقة , مفاهيم الفيزياء والرياضيات والميكانيك , وهو أمر غير معجز البتة .
تحميل الإنسان مالا طاقة له به , أن تتحمل للحظات مالا تطيقه , أمر ممكن , ولكن أن تبقيه على هذا الحال لمدة طويلة ومفتوحة , يعني وضعه في بيئة تنتج الشقاء , ومن هنا نجد سعة المفهوم فهو يشمل كل كائن حي , يتم تحميله ظروفا قاسية في العيش , وبما يفوق طاقته على التحمل ومن هنا أستذكر الدعاء الذي يقول :" اللهم ولا تحملنا مالا طاقة لنا به" .
الله الذي ندعوه , كان قد حملنا جميعا ككائنات حية , مالا طاقة لنا به , ولكنه كان أيضا قد خفف علينا بعض العبء , نفعله بإرادتنا , ومنها أن خلق الأرض واسعة مترامية الأطراف , بل ومتنوعة الأوضاع , بحيث يمكن لأي متهرب من الشقاء أن يفعل ذلك بحثا عن البيئة التي تلائم طاقاته , مع العلم بأن وحدة الشقاء هي :" وما الناس إلا هالك وابن هالك ...
مما لاشك فيه أن للإنسان عقل وإرادة , وهو سلاحه في تخفيف العبء , وإنقاص درجة شقاوة حياته , فالحياة ليست جحيما دائما , وليست هي جنة الخلود ..
إن طريقة الفرد أو المجتمع في مواجهة الظروف القاهرة , هي التي تجعل من اسم مدينة القاهرة , مجرد اسم مزيف لمدينة مقهورة , حيث لا نسبة ولاتنا سب بين الاسم والمسمى ...
إنني ممن يستغربون , أن يقوم الفقراء لله وللعلم والمعرفة , باللجوء الى نفخ عضلاتهم الواهنة , وتسميم نفوسهم , عبر المكابرة وروح الصلف الواهنة , بادعاء القدرة على التحدي , بصورة أقل ما يقال عنها عملية خداع للذات والمجتمع !!..
في التراث أو الموروث السلبي قيل " للبيت رب يحميه ", فما يحميه الرب بقوة واقتدار , وحيث لايمكن للضعفاء الى رحمة الله الدفاع عنه ؟.
ما الفرق بين السلام والاستسلام ؟, حين يكون باعث الضعفاء اللذين لاحول لهم ولا قوة , في تجنب ليس الشقاء , بل والتهلكة , " ولا تلقوا بأنفسكم الى التهلكة .." , وكأن الهلاك هو غاية الغايات لطلاب الشقاء ؟...
الحيوان ينتحر من حياة الشقاء , لذا من الطبيعي أن ينتحر الإنسان خلاصا من جحيم الشقاء ,هذا إذا اعتبرنا الإنسان مجرد حيوان ؟!.. ولكن الإنسان ليس حيوانا غريزيا , لأن له عقل كما يزعم , وله أرجل تصلح للهروب من قدر لله الى قدر آخر من أقدار الله , وتلك فسحة للتخفيف من قضاء الله وقدره .
المهم في هذه المقالة المتواضعة , تبيان قدرة مفهوم مغيب , مثل مفهوم الشقاء , على خلق فضاء واسع في البحث , عن محاور كبرى من مثل , المجتمعات الشقية , ولماذا هي تستمرئ الشقاء , بل وتستعذب آلامه , بطريقة مدهشة ؟!.
يكفي وجود منتج الشقاء في الأسرة لتكتسب تلك الأسرة خصائص حياة الشقاء .
ربما كان الأب أو الأم , أو أي فرد من أفرادها , يمتلك موهبة الأشقاء , ليبثها حول العائلة ويقلب حياتها الى حياة العذاب ..
مجتمعات تراكم بكل سذاجة تاريخا من الهزائم المنتصرة , ببقايا وجودها الشكلاني , وتعبر عن نفسها بشكل دائم على شكل معاناة دائمة , باللطم والندب والبكائيات ..
هل الشقاء إيديولوجية ؟!.
هل الشقاء قضاء وقدر للأشقياء ؟!.
كما ينتج عن ذلك مفهوم اقتصاد الشقاء , بدراسة عناصره المكونة من مثل الطريقة الكلاسيكية , في مناقشة ( الأرض والعمل ورأس المال ...) , بأسلوب يبين طبيعة الشقاء , ويحضرني هنا ترديد البعض من مجتمعات الشقاء تساؤلهم : النفط نعمة أم نقمة ؟!.
يمكن أن نزيد عليها الماء والهواء , ولكن اللاعب الأساسي في ديمومة الشقاء , هو الجهل العفوي والتجهيل المتعمد , ضمن بيئة كل إرادتها تتلخص في تأبيد الشقاء !!!!.
هل يعقل أن نكون وفي آن واحد معا , نحن طلاب الشقاء , وأنجح الأمم الصالحة في البناء الاعمار و البقاء ؟!!!.
وللبقية كتاب مفتوح على الشقاء ..