هل أصبح -ويكيبيديا العربية- موقع للتضليل المعرفي ؟

نشر في موقع "ويكيبيديا العربية", مقالة عن تسمية "المغرب" بدأها الناشر بتخريفة مقززة الى حد الغثيان, بقوله:" فإسم المغرب كان يطلق على المملكة المغربية من المغاربة العرب عندما استقبلو البربر القادمون من أمريكا لاتينية، فاختطلت الكلمة العربية مغرب الشمس مع كلمة غِرب بلغة البربر القادمون من أمريكا لاتينية الذين استقدمهم العرب من أمريكا الجنوبية واختلطت اللغة البربرية التي هي في الاصل عربية قديمة مع لغة عرب المغرب التي هي عربية حديثة. في القرن تالت قبل الميلاد أنشأ الأمازيغ في شمال مغرب الاقصى التي كانت ارض العرب أسسو مملكة أمازيغية ...".
ذكرتني هذه السخافة بما تفوه به القدافي (ملك ملوك أدغال افريقيا, كما كان يلقب نفسه), عندما إستقبل أحد قادة الشعوب الأصلية (الهنود الحمر) في أمريكا, بأن قال له أنتم (الهنود الحمر) من أصول عربية, و إستغرب الضيف من هذه الحماقة و سكت.
التزمت للخرافات و الاساطير العروإسلامية جعلت الشوفين يتنكرون لكل الحقائق العلمية, و بالمقابل يحاولون إقناع أنفسهم و إقناع الآخرين بالروايات الخرافية و كلام الأميين في الأسواق الشعبية (معزة ولو طارت), لإثبات خرافة الأولوية التاريخية لقوم اللاتاريخي في مستعمرات العروبة الإصطناعية المستحدثة.
ليس غريب على موقع " ويكيبيديا العربية" " الموسوعة الحرة" من نشر هذه الخزعبلات, مادام يعد جزء من مشروع بناء الكيان المعرفي العرقي على أسس بنيوية ثقافوية تستمد مرجعيتها من الجهل و الخرافة و الإختلاقات و قصص الحكواتيون.
سخافة "البربر" المستقدمون من أمريكا اللاتينية من طرف العرب و أسكنوهم أرض العرب (مورك), ويتكلمون لغة عربية قديمة, و على هذا فإن "البربر" الإفتراضيون من شعوب أمريكا اللاتينية, فهم ينتمون الى حضارات المايا و الإستيك و الإنكا, إذا فهذه الشعوب كذلك من أصول عربية و لغاتها كذلك عربية قديمة. و السؤال للحكواتي العبقري صاحب المقال, متى إستقدم العرب ( ملاك مورك), "البربر" اللاتينيون؟ و كيف إتصلوا بهم؟. ربما إكتشفهم البحارى الأعراب عندما طافوا حول العالم في سفينة نوح, أو إتصلوا بهم عبر اللاسلكي, الذي إخترعه يعرب, وإستقدموهم فوق أسطول طير الأبابيل.
يقول غابرييل كامبس " ينذر أن تجد أقواما قد جرى البحث في أصولها من الإجتهاد والتلفيق بقدر ما حدث مع البربر. فقد كانت الروايات تتداول مع أقدم العصور في أوساط العلماء ولدى رواة الأساطير عن أصول سكان شما افريقيا" (البربر ذاكرة وهوية, ص.53) ترجمة عبد الحليم حزل.
حكايات أصل الأمازيغ, قد إنتهى زمانها الإيديولوجي التضليلي و الإفتراضي, ودحضتها العلوم بما توصلت إليها الحفريات الآثرية و الدراسات التاريخية و الأنتروبولوجية و الإثنوغرافية و الدراسات اللغوية و الدراسات الجينية. يقول ابن خلدون في قدم الوجود الأمازيغي (تاريخ ابن خلدون) بقوله: " لم تزل بلاد المغرب إلى طرابلس بل وإلى الاسكندرية عامرة بهذا الجيل ما بين البحر الرومي وبلاد السودان منذ أزمنة لا يعرف أولها ولا ما قبلها"
مورك بلد أمازيغي منذ الأزل, و تسمية "المغرب" نتاج ثقافة الجهل, فالعرب صدقوا أن الشمس تغرب في مورك و سموه مغرب الشمس.
يقول هيرودوت في أصول الأمازيغ :"أحاديث هيرودوت عن الليبيين (الامازيغ)" ترجمة وتعليق و شرح د. مصطفى اعشي, يقول:" فقرة 197: هؤلاء هم الليبيون الذين تمكنا من معرفة أسمائهم, أغلبهم لا يبالي ولا يهتم بملك الميديين. ففي هذه الأرض بقي لي أن أقول, وحسب معرفتنا, انها مؤهولة بأربعة شعوب لا أكثر: شعبان أصيلان وشعبان أجنبيان, الأصيلان هم الليبيون والاثيوبيون, يستوطن أحدهما شمال ليبيا والآخر جنوبها..." و ليبيا في المعتقد الإغريقي القديمي هي قارة, في الشمال يعيش قوم الأمازيغ و في الجنوب تعيش أقوام الأثيوبيون (السود).
أحفاد إيغود (الأمازيغ) ظهروا في مروك منذ الأزل, نحتوا الصخور و سوو الأرض و تضاريس و نقشوا الكهوف منذ العصر الحجري القديم للإعلان عن هويتهم الآثنو-ثقافية و اللغوية. منذ العصر الحجري الحديث, تركوا آرث مادي و اللامادي (من ما رفع عنه الغبار), في التطور التاريخي و الحضاري للمنطقة. مقتطف من دراسة عن هذا التطور في العصور القديمة : "انخرطت شمال إفريقيا في التنمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية لبلدان منطقة البحر الأبيض المتوسط. لم يقتصر الأمر على المناطق الساحلية, ولكن أيضا في مناطق واسعة من المنطقة الشمالية من الصحراء, التي كانت الظروف المناخية و النباتية مقبولة في ذلك الوقت, مما جعل الزراعة وتربية الماشية أمرا ممكنا. و كذا ما أظهرته المنحوتات الصخرية دليل على ثقافة مادية من العصر الحجري الحديث, مثل السيراميك والفؤوس الحجرية المقطوعة والحجارة المشقوقة والمطاحن الحجرية. اتخذ التحول إلى منطقة شمال إفريقيا مسارا مختلفا. في الشمال, كان السيراميك قيد الاستخدام يتوافق مع بصمة الخزاف من العصر الحجري الحديث في منطقة البحر الأبيض المتوسط. انتشر على طول الساحل بين برقة و البلاد المغاربية في أواخر الألفية السادسة" مؤلف جماعي (ص.97-98) Weltgeschichte bis Herausbildung des Feudalismus.
الحكايات التضليلية للقوميين المتعصبين للعروبة القهرية و السخافات الصبيانية في صناعة الأصول, قد ولى عهدهما. فقد رفع التاريخ الغبار عن الشعب المقهور المستعمر (بفتح الميم) و عن القاهر, المستعمر (بكسري الميم) في بلاد إمازيغن. عصرنا الحالي هو عصر التحرر من الإستغلال و الإضطهاد الإستعماري و عصر النضال من أجل تقرير مصير شعبنا المقهور, ومهامنا الأولوية تكمن في ترسيخ وعي قومي تحرري ثوري يعتز بالجغرافية والتاريخ و الحضارة و الآرث الثقافي و اللغوي, وعي تحرري ثوري يقود الجماهير الشعبية للثورة لهدم النظام الكولونيالي و لتحقيق تقرير مصير الشعب و إقامة الدولة المستقلة.