أثمة من يهب لنجدة جماهير لبنان؟


كورش مدرسي
2006 / 9 / 24 - 12:08     

سؤال: ادت هجمات اسرائيل على لبنان الى الحاق الدمار والموت. ولايبدوا لحد الان ايضاً ان ثمة نهاية لهذه الحملة. وقد احاطت العالم الابحاث والتفاسير وردود الفعل حول هذه الحرب. "ان الفاشية المنفلتة العقال الاسرائيلية والامريكية بحجة اسر جنديين" يمثل المحتوى الاساسي لبيان الحزب الحكمتي فيما يخص هذه الحرب. وطبقاً لمايذكره نفس البيان، فان مايتم تعقبه هو اهداف النظام العالمي الجديد لامريكا في المنطقة. ان تحليلات قسم عريض من التيارات السياسية يستند الى اساس "مجابهة قطبين ارهابين". ان القاء نظرة على الطرفين المتصارعين، حزب الله والجمهورية الاسلامية وحماس من جهة واسرائيل المدعومة من امريكا من جهة اخرى، وكذلك خلفية صراع هذين الطرفين لايبدوا في الحقيقة ان مثل هذا التحليل بنظر الكثيرين امراً يجانب المنطق. لماذا تنظر الى هذا الحدث بصورة اخرى، وكيف؟

كورش مدرسي: علينا عند النظر الى هذا الحدث، وقبل اي تحليل اخر، ان نتوخى الدقة في عامل. ففي التحليلات الرائجة، يركن الانسان، مصير الناس والاحداث التي تحيط باناس هذه المنطقة جانباً. ان هذه التحليلات تشابه كثيرا تلك التحليلات التي تتفحص مصير جيل كلب البحر والبطريق، على سبيل المثال، في القطب الشمالي جراء التغيرات المناخية. على المنوال ذاته، يمضون نحو تحديد لائحة بـ"العناصر" و"المسببين". لقد جرى حدث بين جداً. ببساطة ان جماهير لبنان كانت تعيش حياتها، اما اليوم فلاتعيش.
كانت جماهير جنوب لبنان تمضي صباحاً صوب اعمالها، اما اليوم فتحرم من مثل هذا العمل. كانت هناك مدارس، مستشفيات وحياة، اما اليوم فان عدد كبير من هؤلاء الاطفال قد لقوا حتفهم دون ان يكون لهم اي ذنب. يجب ان نحدق بعين هذا الحدث. ان تكون اسرائيل قد جعلت المنطقة مسلوبة الامان طيلة 40 عام، وان كل تقدم تحرزه، يكون منبع انواع واقسام رجعية (فترة كانت القومية العربية، واخيرا الاسلام السياسي ايضاً) لايشكل سوى مستويات تحليلية للقضية. ان مايجري الان هو ان اسرائيل- وبالدعم المباشر لامريكا وبريطانيا- ودون ايلاء اهتمام لاكثر القيم الانسانية اولية، قطعت اوصال ارض المنطقة من اجل مصالحها. لاتقر بحق الفلسطينيين. احتلت جنوب لبنان مرة اخرى. والادهى من ذلك انها تدعي ايضاً ان حزب الله هو من احتل جنوب لبنان!
برايي، لايتعلق البحث بحزب الله قط، بل يتعلق بجماهير جنوب وعموم لبنان. انه يتعلق بالوضعية التي خلقتها اسرائيل لجماهير فلسطين. ليس ثمة تبرير اخر لحرب اسرائيل وخطوتها هذه غير سياسة امريكا التي اعدتها مسبقاً للمنطقة. لقد حذرنا سابقاً من هذه السياسة. ان الصراع مع الجمهورية الاسلامية بحجة مشروعها النووي هو احد ميادين سياسة النظام الجديد لامريكا. اذ ان جنوب لبنان هو ميدان اخر للسياسة ذاتها. استمراراً لهذه السياسة في الميدان العملي، يسعون الى حسم امر حقيقة اخرى بحجة حزب الله. أُعِدَّ لهذه الحرب مسبقاً. وان جماهير لبنان ضحية مثل هذه الحرب. ليست لهذه الحرب اي صلة بالحرب الاقدم مع الفلسطينيين او حزب الله اللبناني. ان حوادث مشابهة لاسر الجنديين الاسرائيليين تحدث يومياً. بيد ان يؤدي نفس هذا الحدث الى الرد الفعل الحالي، فذلك لانه يستند برايي (وبالطبع ان الجميع ومن بينهم المحللين في واشنطن انفسهم ايضاً لايخفوا ذلك) الى القرار الاحادي الجانب لاسرائيل وامريكا لحسم اوضاع المنطقة بصالحهم. ان ذلك يتم على حساب دمار الجماهير. وبحكم الحق الاحادي الجانب لامريكا وحلفائها، يقومون بفعل ما في اي بقعة من العالم ما ان تقتضي مصالحهم، وان هذا يقومون به امام اعيننا. يقولون بصريحة العبارة ان لم يبدي احد ما ايات الطاعة امام هذه القوة العظمى ولم يسير في ركبها، سيرى بام عينه الدمار، والسحق وقتل الابرياء مثل لبنان بالضبط.

سؤال: اسمح لي ان اتناول مباشرة الافكار المعارضة المطروحة تجاه تصورك فيما يخص الحرب. لقد قيل انها تغض النظر عن الهجمات والخطوات الارهابية لحزب الله والاسلاميين تجاه جماهير اسرائيل. تدعي اسرائيل انها اخلت، ومنذ زمن، جنوب لبنان. الاترى قدرات ودور حزب الله والتيارات الاسلامية؟

كورش مدرسي: اني لا اغض النظر عن هذه المسالة قط. انظر، ان فلسطين تحتلها اسرائيل. انها محتلة منذ 40 عام. ان اقسام من جنوب لبنان لم تخليها اسرائيل. ان جماهير لبنان، بغض النظر عن طائفتهم او فئتهم، محقين في ان يناضلوا ضد الفاشية المنفلتة العقال. من حقهم ان يقاوموا. ان لايكون هناك احد ما لينظم الجماهير، وتظهر جماعة اسلامية مجرمة تلبست لبوس حامي الجماهير، وتحولت هذه التيارات ذاتها الى الحامي الوحيد للجماهير، ان هذه الظاهرة هي مبعث خزي للبشرية المتمدنة. ولكن لازال هذا لايغير شيء من حقانية جماهير لبنان في الدفاع عن حقهم. انه تقصيرنا نحن الشيوعيون وامثالنا الذين لم نتمكن من ان نقيم حمى لجماهير لبنان. انه تقصيرنا كوننا لم نتمكن من ان نضع في متناول ايدي الجماهير او الفلسطينيين سبيل للدفاع عن حياتهم. اؤكد ان من حق جماهير فلسطين ولبنان الدفاع عن انفسهم. ان الشيوعيين، التحرريين والطبقة العاملة هناك غائبين و"يلوحوا بايديهم تحية" لتلك الجماهير من بعيد. من جهة اخرى، هناك حفنة تيارات اسلامية مجرمة ومعادية للانسان وضعت على كاهلها راية الدفاع عن الجماهير. ان كلا الظاهرتين تلك مرتين. مهما تكون من مرة ايضاً، الا انه ليس مسموح لنا ان نزيل عواقبها وتبعاتها عن جماهير لبنان، ليس مسموح لنا ان نبقي الناس عزل من محمى.
ان دولة لبنان لم تطلق الى الان حتى اي طلقة على اسرائيل. تحول حزب الله اليوم في لبنان والمنطقة، بالنسبة للجماهير، وبهذا الخصوص حتى بالنسبة للنساء العلمانيات والجماهير غير المسلمة، الى القوة الوحيدة التي بوسعهم عبرها الدفاع عن حياتهم. اذ نظم مقاومة على الاقل. وهو نفس العمل الذي تنهمك به حماس في فلسطين. لقد خلقت اوضاع استعرض فيها من جهة الانفلات المنفلت لاسرائيل وامريكا. ومن جهة اخرى، تسود نفس اوضاع الانفعال، غياب الخط، الياس المزمن الجلية التي تهيمن على تيارات اليسار. لم تستطيع هذه التيارات وليست قادرة على ان تقيم حمى للجماهير. لايأتي على ايدي هذه التيارات اي شيء سوى الشعارات الطنانة. ومادام انه لاياتي على ايديها سوى توزيع البيانات، فان تيارات اخرى مثل حماس وحزب الله تحولت المرجع الوحيد للدفاع عن بيوت الجماهير وحياتها.
اني اؤكد على اننا نتحدث عن بيوت الجماهير وحياتها وليس عن لحية او عباءة شيخ حزب الله. ان الانتقاد المطروح هو من نوع انتقاد اليسار الهامشي والمريخي العاجز عن رؤية الحقيقة الجارية البسيطة في المنطقة. انه نفس اليسار عديم الصلة بالامور الذي لم يتمكن من القيام باي عمل للجماهير خلال الثلاثين او الاربعين سنة المنصرمة. في هذا اليسار، وفيما يخص اوضاع العراق، لازالوا يمنون النفس بان ياتي جند الامم المتحدة وانقاذ اناس ذلك البلد. طالما ان اليسار والشيوعيين في العراق نفسه غير قادرين على ان يقيموا خندق دفاعاً عن الجماهير وحياتها قبالة ذلك الجهنم، وفسحوا المجال لاكثر القوى رجعية. وبدلاً من رؤية هذه الحقيقة، فان الاحتماء بتحليل "مجابهة الاقطاب الارهابية الرجعية" لايتعدى سوى ستار كاذب لرد فعل ذلك اليسار. ان هذا اليسار وهذه المواقف طغت على اجواء العالم. ينبغي ايقاضهم. ينبغي ايقاض الناس. ينبغي مخاطبة الشيوعيين الاسرائيليين ان يعيدوا تصويب فوهات البنادق نحو دولتـ"هم" اسرائيل. ان موقف "القطبين الرجعيين" هو فقط اتخاذ موقف محايد في هذا الصراع المدمر وحسب. انه موقف حاد ظاهرياً ولكنه في الواقع يسدي خدمة الى اسرائيل والى حزب الله. ان الموقف الراهن الذي يستند الى " حرب رجعيتين" هو اكبر خدمة لحزب الله. ان هذا موقف امريكا. انه موقف بريطانيا. وذلك لان بريطانيا تلوح للعالم ان للحرب طرفين. بهذا الخصوص، ليس ثمة من يتحدث عن ان القوة الوحيدة التي تضع اليوم سداً لجماهير لبنان التي تعصف بها الحرب امام دمار حملة اسرائيل، وللاسف، واحدة من اقذر قوى عالمنا المعاصر، الا وهو حزب الله نفسه. اذ تشن اسرائيل الحرب واراقة الدماء، وبالمقابل توفر حماس حضانة الاطفال لجماهير فلسطين.
في اطار التيارات التي تراود ذهنك، السياسة تعني كل شيء ماعدا الانسان. ان السياسة هي كل شيء بالنسبة لهم ماعدا ان تكون قناة من شانها ان يضع الناس، من بينهم اليسار والتحررين انفسهم، مهمة طرح سبيل وحل امام اؤلئك الناس. ان هذه السياسة هي كل شيء ماعدا طرح سبيل امام جماهير لبنان كي يعودوا الى حياتهم العادية. اوجه السؤال الى اؤلئك الذين امتطوا صهوة حصان "قطبين ارهابيين": ماذا كنت ستعمل لو كنت اليوم في لبنان؟ أَتجعل فعلا من حزب الله هدف اطلاقاتك؟
برايي، ان الانسانية هي من يضحى بها بهذا الخصوص. برايي، وقبل الاطفال وجماهير لبنان، فان التحرريين واليسار التائهين في الدهاليز الملتوية للتحليلات المسماة بالنظرية، هم من ينبغي عدَّهم من ضمن ضحايا هذه الحرب. ان النتيجة العملية لهذه الاوضاع ليست سوى استمرار قتل الجماهير البريئة في لبنان.

سؤال: وضعت مسؤولية الحرب بشكل كامل على عاتق اسرائيل. طالبتم بالانهاء الفوري لهجمات اسرائيل. على هذا الاساس، كيف سيتم حسم مصير التيارات الارهابية الاسلامية؟

كورش مدرسي: ان حسم مصير هذه التيارات في لبنان والمنطقة هو عمل التيارات اليسارية التي استطاعت ان تلجم اسرائيل قبل اي شيء اخر. في ايران، ان الاطاحة بالجمهورية الاسلامية هو امر يقع على كاهل التيارات اليسارية. ان مثل حسم مصير الامور في العراق ايضاً هو بعهدة التيارات التي استطاعت قبل ذلك ان تمسك بخناق جيش امريكا. لا اعرف باي منطق يجب قول ذلك. ان قضية جماهير لبنان اليوم هي هجمة اسرائيل. اني اسأل ماربط الارهاب بهذه المسالة؟ لحد الامس كان الناس يعيشون، اما اليوم فهم يخسرون معيشتهم. أ ثمة من يلبي استغاثة جماهير لبنان؟
بوسع طرف ما ان يحسم مصير حزب الله شرط ان يكون قد طرح قبل ذلك بديلاً امام جماهير لبنان. ان يطرح سبيل امام الجماهير كي يستضلوا بكم بدلاً من حزب الله كي يتمكنوا من تنظيم مقاومة بوجه اسرائيل. بوسع امرء ان ينظم مقاومة بوجه حزب الله شرط ان يكون مبتكراً لاكثر اشكال النضال تاثيراً ضد اسرائيل. بالضبط مثلما هو الحال في ايران، ان مقاومة التيارات الاسلامية والقومية تاتي على ايدي اؤلئك الذين طرحوا امام جماهير ايران اكثر السبل تاثيراً لمواجهة الجمهورية الاسلامية. بخلاف ذلك، يعني ان تدير البنادق واطلاق الرصاص على اقدامك. ان حصيلة ذلك هو التحول الى تيار منزوي، معدوم السبيل والوجهة وعديم النفع وعاجز عن القيام باي شيء للجماهير.
اصبح تاريخ البشرية اليوم مبعث اسف الى ابعد الحدود. اذ تتحفنا اكبر وسائل الاعلام والصحفيين الجماهير باكبر كذب التاريخ على انها الحقيقة. اما البقية فهم يبغون ادانة " قطبي الارهاب"! ماذا يمكن القول؟ عشتم! ايها المليون انسان لبناني مشرد والالاف من القتلى. نتلوا التراتيل ونجلس بانتظار ان يضمحل حزب الله وان اسرائيل لابد من ان تتراجع وتندم يوماً ما!
برايي ان هذه "التحليلات" هي صياغة الكف عن الاتيان بعمل. هذا وحسب. انها صيغ انعدام السبيل. ان الحاق الهزيمة بحزب الله وحماس هو عمل اؤلئك الذين وضعوا امام ذلك المجتمع اكثر السبل مؤثرة لالحاق الهزيمة باسرائيل. ان موقف "كلاهما مدانين" واهداء الشعار الاممي من بعيد لجماهير لبنان هو امر لايتعدى موقف امرء يغط باستراحة فردوسية ويدعوا الاخرين صوب الاوهام. لايشفي جماهير لبنان من داء كذلك.
اذا كان مناصروا حزب الله في لبنان قبل هذه الهجمة في وضع هامشي وآيل للتحجيم، فان نفس الحكومة المعادية لحزب الله والموالية لامريكا تدافع اليوم عن تيار حزب الله. تتحدث تقارير وسائل الاعلام عن التنامي الملحوظ للدفاع عن حزب الله في عموم لبنان. هل من الممكن ان تكون هناك مصيبة اكثر من هذا. يقصف الناس بلا رحمة. ليس امام الناس من حل سوى ان يجتمعوا تحت غطاء وملجأ. كان هذا الغطاء الذي في متناول الجماهير، ولسوء الحظ، هو اكثر قوى المنطقة رجعية. وبهذا الخصوص، هناك عدة تحولوا الى قضاة كي يحددوا من هم معسكر الرجعية ومن هم ليسوا بكذلك. من هو مدان ومن هو غير ذلك... ان حديثي موجه للشيوعيين واليسار والتحرريين في ايران والعراق ولبنان واسرائيل، وفي اوربا نفسها. او ان مخاطبي هم اؤلئك الذين يجب ان يتحركوا.

سؤال: لاتناول الموضوع من زاوية الاوساط الايرانية. يقال ان الجمهورية الاسلامية صرفت ولسنوات طوال مال وخزينة البلد لحزب الله. يقال ان من يُقْصَفْ وتهجم عليهم اسرائيل هم اصدقاء الجمهورية الاسلامية. ويبدون مشاعر الغبطة والسرور لقرص اذان الجمهورية الاسلامية وحزب الله.

كورش مدرسي: برايي ان هذه اكثر الردود قصر نظر التي قد تطرح في هذه المسالة. انها اكثر انواع ردود الفعل الممكنة قصر نظر. اولاً، بهذا الصدد، ليس حزب الله من تُلحق به الهزيمة. انها جماهير لبنان من يقصم ظهرها. اعمت الجمهورية الاسلامية الانسانية لسنوات في ايران ايضاً. ان قمع الجمهورية الاسلامية سحق الاحاسيس الانسانية للجماهير. اذ تعرض وسائل الاعلام امام اعيننا صور الاطفال الاسرائيليين وهم يوقعون على الصواريخ التي يقصف بها اطفال لبنان. اعمى نظام الاسلامي اعين جماهير لبنان ايضاً برؤية هذه الصور. لقد تم اختزال اصل القضية من الجماهير البريئة في فلسطين ولبنان الى قضية مقتصرة على حزب الله. من قال ان حزب الله هو من سيهزم؟ في الحقيقة ألم تذهب بعيداً الاموال لو انها انفقت على حوزة قم فقط بدلا من حزب الله؟ يمثل مثل هذا الموقف برايي هو ردة كبيرة للوراء بالنسبة للبشرية. ان الشخص الذي يفكر بهذه الطريقة يدلل على ان المعايير الانسانية قد وضعها جانباً. انها النزعة القومية من احرزت هدفاً. وذلك لان من الواضح ان ملا لبناني هو اسوأ من ملا ايراني! من الواضح ان صرف الاموال على الحوزة العلمية يعني انها لم تذهب بعيداً! ان كلاهما (اي الملالي-م) سواء في لبنان ام في ايران هما سخف واحد بالطبع. ان البحث لايتعلق بحزب الله هنا.
المسالة هي لو نحكم بهذه الطريقة على اوضاع جماهير لبنان، فان جماهير لبنان ستتعامل على الغرار ذاته غدا حين تقوم امريكا بشن هجمتها المحتملة على ايران. من هذه الزاوية نفسها، وامام الصواريخ التي تنهال على رؤوس جماهير ايران –اذا جرى مثل هذا الحدث- ستقول جماهير العالم: " لتتحطم رقابهم! انهم من جلبوا الجمهورية الاسلامية للسلطة، ليجنوا عواقب ذلك ايضاً"! ماذا سيكون ردنا؟ أناتي اليوم، وامام الجهنم السائد، لنوبخ جماهير العراق؟ برايي ان هذا اكثر اشكال التعامل اللانسانية ممكنة. ان هذا نتيجة العجز الذي سَيَّدَته الجمهورية الاسلامية على الجماهير. ان هذه المحافل والاوساط تتغذى من الحقد والسخط ولا تملك القدرة على طرح اي سبيل امام الجماهير.

سؤال: ثمة مفارقة هنا كذلك. الجماهير ساخطة الى حد كبير من هجمات اسرائيل. يتمثل فرح وبهجة الجماهير نفسها في الاوضاع الراهنة باين وكيف يعفر حزب الله هيبة اسرائيل بالتراب. حزب الله الذي الجماهير نفسها ساخطة منه. انه الشيء ذاته الذي تغذيه الجمهورية الاسلامية. ان هذه مفارقة تبعث على الحزن. ماهو رايك؟

كورش مدرسي: انظر، ان المفارقة المؤلمة التي تتحدث عنها خلقناها نحن. ان قصدي من كلمة نحن هم الشيوعيون والتحرريون الذي عجزنا في هذا الاعصار الجارف والمدمر عن ارساء ملجاً تستضل الناس به. مضت الجماهير في هذا الاعصار الجارف صوب تيار رجعي. ان بحثي يتمثل هل ينبغي الجلوس والتحول الى قضاة حول اي ملجأ حسن واي ملجأ سيء؟! لو وفرنا اقل منفذ للناس حتى الان، عندها ربما يكون المجال لمثل هذه المواقف وارداً. بخلاف ذلك، ان مثل هذه المواقف لاتتعدى مداراة قلوب مجموعة عديمة الهم. نحن اعداء اقحاح لحزب الله. ان حزب الله يدرك ذلك اكثر من اي طرف اخر. ولكن الحديث هنا، واليوم بالذات، عن جماهير العراق ولبنان وفلسطين. ان بحثي يتعلق بتحويل جماهير اسرائيل قربان بحيث يُدّفَعْ الاطفال للتوقيع على الصورايخ، وهي الصواريخ التي ستنفجر بعد ساعة بين الاطفال الفلسطينيين. برايي ان هذه الخطوة هي اكثر اجرامية من المحارق الجماعية. من ينبغي ان ترتفع صرخته قبال هذا؟
ببساطة، في القصف الافتراضي لجماهير طهران، سنقبل بمثل رد الفعل هذا لمواطن فرنسي؟ ان مثل هذه الرؤية ستكتب، وبشكل واضح، القصف الامريكي لطهران على جبين صراع قطبين رجعيين، وفي السياق ذاته، "ستدين "كلا القطبين الارهابيين"! انظر، اني مسالتي لا تتعلق بادانة او عدم ادانة امر ما. ان مثل هذه الصيغ برايي مبتذلة. ان مسالتي هي الناس وحق الدفاع عنهم. بوسع امرء ان يمضي نحو "اعمال الادانة" كان قد طرح قبل ذلك سبيلاً امام الجماهير. ان هذا السبيل فقط بوسعه ان يكسر الانعدام التام للافق الذي ساد التيارات التحررية في 40-50 سنة الاخيرة. ينبغي المضي وارساء ملتجأ. وطالما لم تمضي صوب ارساء ملجأ للجماهير، سنبقى فقط على حالنا كما هو، اي نبقى بدور "قاض". وان هذا "القاضي" لن يحقق شيء لاحد. انه تصوير امرء يجلس يعلك الحلوى ليصدر حكم لماذا ان الطفل الفلسطيني الذي تنهال عليه الصواريخ التجاً الى حزب الله! ان هذا موقف هزيل، لامبالي، مثقفي واعلامي-المنطلق للعالم المعاصر والذي تعد قيمة الانسان فيه امراً تافهاً.
اني اقصد انه ينبغي الدفاع عن الانسان والبشرية بدلاً من ذلك. سحقت اسرائيل حياة الناس. كان هناك مليون انسان يمارسون حياتهم اليومية، اما اليوم فهم ليسوا كذلك. هنا محاسبات ايديولوجية بوسعها ان تكون سبيل واسلوب الفئات الدينية، هذا وحسب. ولنفس المبرر بالضبط فان اليسار يخسر دوماً امام حزب الله والتيارات الاسلامية. وذلك لان الاخيرين يظهران فعلاً بوصفهما مدافع عن الجماهير، يعملان للناس فعلاً. يضعا ايادي الجماهير بيد بعض. يوحدوهم، يرسيان ملتجأ عاطفي ومادي. ينظما التراجع. يفكران بالناس. بالمقابل، انظر الى التحرريين واليسار!

سؤال: احيلت البشرية جمعاء وبشكل مفزع الى مراقب لهذه الحرب. تركت جماهير لبنان عزلاء. ليس هناك اي خبر عن تظاهرات كبيرة مناهضة للحرب في اي مكان من اوربا او في سائر انحاء العالم، بل وحتى بابعاد قليلة من مئات الاشخاص. ان مثل هذا اطلق ايادي امريكا واسرائيل الى ابعد مايمكن. ماسر هذا الوضع؟

كورش مدرسي: ذلك لان النزعة التحررية قد دُفِعَ بها الى وضع غير مساعد. اولاً، وذلك بسبب ان مجموعة ظهرت اخافت الجماهير من التحرر. شيوع صيغ نظرية عجيبة وغريبة حول "اقطاب ارهابية" كبلت ايادي الجماهير. ثانياً، لان الجماهير قامت بتظاهرات ضد الحرب في العراق ولم تبلغ غايتها. لم تتمكن من الحيلولة دون الحرب.
المسالة ان التظاهرات لم تحقق مبتغاها. التظاهرات هي اطار لاتخافه البرجوازية. ان الامر الذي يبث الرعب في البرجوازية هو ان امكانية الحاق الهزيمة بها تكمن فيها- اي الطبقة العاملة. ذلك ان هذه الطبقة توقف عجلات الانتاج. من الجلي ان هذه الخطوات قد طُرِحَتْ من برنامج العمل. قُلِّصَ الشكل النضالي الى حركات الشارع فقط. ان التظاهرات والشوراع لاتحقق المبتغى. ان الشارع يحقق مبتغاه متى ما راى ان اعداداً وتحضيراً آخراً يسبقه. ان الطبقة العاملة غائبة. ليس بوسع الجماهير ان تلحق الهزيمة بالدولة. ان الشعارات، الاحاسيس، الافق، التطلع، المطاليب والافاق الثورية غائبة. ليس ثمة امرء يبغي من الجندي الاسرائيلي ان يدور فوهة بندقيته نحو دولته. ليس ثمة شخص يطلب ذلك من الجندي الفرنسي والامريكي. بالنسبة لعدة من مثل هذا اليسار يعد "خروج امريكا من العراق واحلال جنود اخر غيرهم بدلاً عنهم" اكثر المطالب راديكالية. وبالنسبة لهؤلاء ايضاً، ان سبيل تحقيق ذلك هو القيام بتظاهرات الشوارع. ان هذا الاطار لايحل اليوم مشكلة لجماهير لبنان والعراق، ولا يحقق غدا غاية وهدف الدفاع عن الجمهورية الثورية في ايران.
ان الحدث الذي نشهده اليوم هو امر حتمي اللهم الا ان يتمكن الشيوعيون من جر الطبقة العاملة للميدان. ان الطبقة العاملة لهذه البلدان هي التي بوسعها ان تلحق الهزيمة بدولتهم المعنية، ومن بينها امريكا. ان نفس هذه الدول تعبر ببساطة هذه التظاهرات بالصمت. اذ يجب ان يمضي الناس غداً نحو اعمالهم ومعيشتهم الروتينية. لو ان عجلة الانتاج، النفط، المياه والموانيء، معامل صنع الاسلحة يتم ايقافها، عندها يكون من الواجب على دولة امريكا ان تفكر بحالها.

سؤال: في الختام، لأتقيد بجانب الانصاف. اقيمت تظاهرات دفاعاً عن السلام في ميدان ساحة الطلبة في مدينة طهران. أُقيمت هذه الحركة الاحتجاجية دفاعاً عن الجماهير البريئة ضحايا الحرب. كما ان هناك نداء اخر مطروح الان من قبل فعالي ميدان المراة ايضاً ال. ما هو رايك بتوجهات هذه التظاهرات وهؤلاء الشبيبة؟

كورش مدرسي: ان هذه الخطوات متباينة وبدرجات. في ايران الجمهورية الاسلامية، ثمة قمع ولاتستطيع الجماهير ان تتحدث بشكل واضح وصريح. ان المرء الذي هو في انهماك لارساء خندق للدفع بنضال مؤثر ضد الجمهورية الاسلامية، يواجه اوضاع وامكانيات متباينة. كان بحثي يتعلق اساساً بالتيارات والاحزاب السياسية ووسائل الاعلام والصحفيين. شخصياً، اعتقد ان هؤلاء الفعالين المدافعين عن السلام منهمكين باعمال مهمة. برايي، انهم من بين عدة من خنادق الدفاع عن الانسانية في ايران. ينبغي دعمهم والشد على اياديهم. انهم مجبرين على الحديث عن الدفاع عن السلم، وفي المطاف الاخير من المؤكد انهم لو كانوا في اوربا لنطقوا بكلامهم كاملاً. لقد قلنا صيغ ادق بهذا الخصوص. في المطاف الاخير، ينبغي الانتباه الى ان الاحتجاجات في ايران، اضافة الى عامل الجمهورية الاسلامية واضافة الى القوى ذاتها التي تصيغ بديلها، وان جميعها تخلق تعقيدات. على اي حال، يجب اطراء عمل هؤلاء الشباب. ينبغي الدفاع عن الانسانية. ان البحث يخص الدفاع عن قيم انسانية. ينبغي ادانة اي امرء او اي دولة تدفع بالاطفال الى ساحة ضحايا الحرب. الجمهورية الاسلامية ترسل الاطفال فوق ساحات الالغام لتكسح الالغام باجسادهم. وان دولة اسرائيل اليوم تجعل من الاطفال اللبنانيين والفلسطينيين ضحايا اقذر جريمة ربما تكون في التاريخ كله. ان الفاشيين ودولة اسرائيل تُرَغِبان الاطفال الاسرائيليين للتوقيع على الصورايخ. حتى هتلر لم يدفع الاطفال للتوقيع على الصورايخ حتى يقوم لاحقاً برميها على رؤوس جماهير روسيا وفرنسا. يجب ارساء خندق دفاعاً عن كرامة الاطفال وكرامة الانسان. يجب الشد على ايادي اؤلئك الذين يسعون لارساء مثل ذلك الخندق في ايران. تتمنى لهم الموفقية وسنقوم فعلاً باي عمل قادرين عليه كي يغدوا نضالهم اكثر مؤثراً. انها جبهة تعد الانسان نقطة انطلاقها وليس الحسابات الفئوية الضيقة النظر.

سؤال: لاستكمال البحث، اعود مرة اخرى الى بيان الحزب الحكمتي. جاء في البيان ان حرب اسرائيل على جماهير لبنان هي حرب على البشرية. ينبغي ان تنتهي فوراً. ان مسؤولية هذه الحرب تقع وبصورة كاملة على عاتق اسرائيل. ينبغي محاكمة قادة اسرائيل بوصفهم مجرمي حرب. ينبغي على الجيش الاسرائيلي اخلاء جنوب لبنان ومجمل الاراضي المحتلة فوراً. اقامة دولة فلسطين ذات الحقوق والخيارات الدولية المساوية لدولة اسرائيل. هل لديك نقاط اضافية؟

كورش مدرسي: ان النقاط الاساسية لسبيل حل القضية الراهنة مذكورة في نفس البيان الذي ذكرت. ان قضية فلسطين غدت عقدة في المنطقة، ولدت الاسلام السياسي والقومية العربية ورعرعتهما. تحولت هذه القضية الى غدة متقيحة في المنطقة. ان امريكا واسرائيل هما المسببين لها. ان سبيل حلها بسيط جدا: اخلاء مجمل المناطق المحتلة والاقرار بحق جماهير فلسطين بتشكيل دولة متساوية الى جوار دولة اسرائيل. لو تحقق ذلك عندها ستكون ايادينا مفتوحة كي نتمكن وبصورة ابسط من استئصال الاسلام السياسي في المنطقة والعالم.

حوار مع كورش مدرسي، (تلفزيون برتو، 4 اب-اوغست)

(اجريت هذه المقابلة في 4 اب 2006. اجريت المقابلة واعدها للنشر مصطفى اسد بور. وتمت الترجمة عن النص المنشور في العدد الخاص من جريدة " جوانان حكمتيست" -الشباب الحكمتيين- الجريدة الاسبوعية لمنظمة الشباب الشيوعيون-الحكمتيون الصادرة في 8 اب-اوغست 2006 )
ترجمة فارس محمود