غورباتشوف بالدار البيضاء


عذري مازغ
2022 / 7 / 27 - 00:48     

لا اعرف كيف أصف القبعة المألوفة عند غورباتشوب، كانت قبعة متمسحة على رأسه وحتى الرفاق قبله كانوا يستعملونها ، قبعة تشبه وضع الكف فوق الرأس، وعموما ليست القبعة وحدها هي ما يميزهم بل أيضا المعطف الشتوي الصوفي على الأغلب، وعموما كان لدي الإثنين، القبعة التي تشبه اليد والمعطف الشتوي، وكان الرفاق في الثانوية يلقبوني مزاحا بغورفاتشوف السوفياتي ، وحينها كنت افتخر باللقب برغم أنه ينطبق على لباسي فقط، لم يندثر الإتحاد السوفياتي بعد وكانت البيروسترويكا حينها توحي بالعودة إلى اللينينية الحقة، وكنا نفتخر بغورفاتشوف حين زار عمال الفحم وتكلم معهم بشكل يوحي بأن لا فرق بين القائد والعمال وهذا امر آخر ليست قصتي مجاله.
أهداني عمي بأكادير (مدينة بالجنوب المغربي بسوس تحديدا) معطفا شتويا وقبعة وكان المعطف كل ما املكه من لباس الشتاء، كان عمي قصيرا واعتقد انه لذلك لم يلبس المعطف، اما انا فلبسته في الثانوي وما بعد الثانوي وحتى حين كنت عاملا بالمنجم، كان يتناسب مع تمدد جسمي مع العمر، اما لقب غورفاتشوف قياسا على المعطف كان مزاح الرفاق في الثانوية، كنا نسمي أيضا رفيقا بسبب كثلته الجسمية بخروتشوف وكنا نسمي آخر بستالين على الرغم من انه لا يشبهه في شيء إلا في الموستاج والهياة الجسدية كنا طلاب نتقاسم شخصيات أيديولوجية تتناسب مع فقرنا (أريد فقط أن أضعكم في الصورة).
في سنة 1993 دخل عمال مناجم جبل عوام في إضراب عام (إضراب سيدوم اكثر من اللازم بشكل سأدخل في تفاصيل أخرى ستزيحني عن موضوع "غورباتشوف في باب مراكش" بالدار البيضاء.
في الدار البيضاء كان لي قريب بمؤسسة صندوق الضمان الاجتماعيج وكان رائعا (بصدق كان يتفاعل معي في سياق القانون والملفات العمالية التي أقدمه إليه كانت بالفعل قانونية وكانت مساعدته لي في هذه الملفات هي أننا نتجنب الروتين البيروقراطي والعراقيل الأخرى البيروقراطية، هذا الشخص وإن كان قريبي لم يساومني يوما في شيء، حتى حين تقدم إلى الانتخابات البرلمانية في منطقتنا، حصل لي نقاش معه لن أنساه: كان نقاشا صريحا حين قدم إلى منطقتنا وتوقف في الطريق ليدق علي بابي وعائلته في الخارج بعربته، سألني:
ــ اريد رأيك في ترشيحي للإنتخابات البرلمانية؟
ــ هل تريد نقاشا سياسيا ام نقاشا عائليا؟ سألته
ــ أنت لن تنجح ولو شاورتني قبل سأنصحك بأن لا تتقدم
ــ لماذا؟
ــ ببساطة لأنك إنسان نزيه برغم انك يميني (كان يتعاطف اكثر مع احزاب اليمين لسبب بسيط، يعرف ان الحاكم بالمغرب هو الملك وان الترشح بحزب يساري لا يرضي الملك (الملك حينها كان هو الحسن الثاني)، ويمكن للبعض ان يجادل في هذا الأمر من خلال مساومات الحسن الثاني مع الكثلة اليسارية).
ضحك قريبي قليلا ثم قال: هل تعلم أن المعطيات الحسابية التي لدي تؤهلني؟
ــ نعم أصدقك، لكن اخاف ان تفاجأ، وعموما انصحك ان لا تاخذ مسألة نجاحك باليقين
في الأنتخابات فاز خصمه عليه بصوتين وفيما بعد عرفنا ان اخته وابنها وزوجها صوتوا ضده.
في المساء دق علي بابي مرة اخرى وهو عائد إلى مدينة الرباط، كما العادة ترجل إلى سكني دون عائلته، قال لي: "معك كل الحق، خسرت بسبب أختي، لم اوظف ابناءها وهو امر انزه نفسي منه.
قلت له نعم: لم توظفني انا ايضا يا خالي ، وعموما احترم خالي هذا برم قرابتي إليه: لم يوظف اي من اقاربه من خلال موقعه لانه بالفعل نزيه، وشخصيا لا ألومه بقدر ما احترمه كثيرا. قبل ذلك وكما تقدم سألته: هل سنتكلم سياسيا ام عائليا وهو رد علي بأن نتكلم سياسيا وانا اخبرته باني مقاطع للإنتخابات وتقبل الامر بصدر رحب برغم ما يقدمه لي من خدمات في الضمان الاجتماعي لصالح عمال يفترض ان يصوتوا عليه، في تلك الفترة كان خطاب الإتحاد الاشتراكي بزعامة اليوسفي هو المسيطر في منطقتنا وانا كنت من اليسار "الراديكالي"، كنت مقاطع لأي انتخابات، إلى الآن حتى!
عندما أتوسط لشخص في ملف بالدار البيضاء كنت افرض امورا معقولة:
ــ التنقل على حساب الشخص
ــ السجائر وتكاليف السفر من غذاء وغيره على حسابه وعمليا حتى لا اقول أني نزيه كنت أجمع ملفات أخرى وأطلب نفس التكاليف حتى وإن لم يصاحبوني إلى الدا البيضاء وكنت احل تلك المشاكل دون إرشاء شخص أو غير ذلك.
في تلك السفريات صاحبني قريب، كنت البس المعطف الغورباتشوفي، كان الجوا باردا في منطقتي بالاطلس المتوسط، كنت اعرف ان هذا القريب بخيل، لكن بكل صدق لم يكن كذلك، من الوهلة الأولى، طلبت سيجارة من النادل، هو خرج ثم عاد واعطاني علبة سجائر ثم مدني بخمسين درهم قائلا: لا احب أن ينقصك شيء وتطلبه وانت معي : كان الامر مفاجأة: إنسان حكمت عليه بالبخل يتصرف هكذا، وحتى عندما وصلنا غلى الدار البيضاء وقضينا امره لا زال عندي شك في بخله، عندما انتهينا من أمر ملفه في الدار البيضاء، سألني إن كنت اعرف مكان ما للغذاء فأخبرته بنعم: كان كل الصداع الذي صاحبني هو انه بخيل، خطرت لي فكرة أن نتغذى بباب مراكش بالدار البيضاء: اكلات رخيصة، سريعة وصحية هي اكلات السمك، دخلنا إلى باب مراكش وبمجرد ما رأوني أصحاب المطاعم السمكية بباب مراكش، انتصبت حلقة من نادلي المطاعم كل يظهر مميازت مطعمه بشكل شككت في الأمر: لا اعرف، اعرف ان كل المقاهي تقدم جميلها، لكن المسالة فيها غدر وانا عكس الذين يقدمون ان المغرب بخير للسواح اقول بأن على السائح ان يتوخى الحذر وان لا يركن للحفاوة، عليه أن يتأكد من الاثمنة قبل كل شيء، عندما وجدتني في حلقة بسبب معطفي الموسخ برقعة الحمري ب"أحروق" بتيط إفسثن، عندما وجدت نفسي في حلقة في باب مراكش بالدار البيضاء خطرت لي فكرة ان استرخي ولا يجب ان أتأثر بحفاوة الاستقبال ثم ألقيت خطابا: "انا هنا لشم رائحة السمك، هل تبيعونها؟، تفرقت الحلقة والكل يقول "على خاطرك" " صحيح ان رقعة "الحمري ظاهرة في معطفي، لكني انا ايضا متمدن مثلكم، لذلك احب ان نحتكم للفواتير واثمنة الغذاء المعمول بها وليس ان تسجنوني في حلقة وتقاذفوني بالأثمنة" . في الحقيقة لا يتكلمون عن الاثمنة في الحلقة كانوا يراهنون على ان ادفع قيما بغير قيمتها الحقيقية في الدار البيضاء، كانوا يراهنون على غفلتي البدوية، على معطف غورباتشوف الملطخ بحمري "أحروق"، رمز الطبقة العاملة الفلاحية .