الانتخابات الرئاسية مرآة للأزمة المجتمعية في فرنسا


محمد حسن خليل
2022 / 7 / 26 - 21:33     

تعكس الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة عمق الأزمة الاجتماعية الاقتصادية التي تمر بها فرنسا، مع كل المجتمعات الغربية المتقدمة، منذ أوائل السبعينات من القرن الماضي. وهي أزمة مستمرة، تتزايد أحيانا لتصل إلى ذرى عالية مثل ما حدث عام 2008، وفترة وباء كوفيد 19، وأخيرا الأزمة الأوكرانية. ومن أهم ملامح الأزمة وتجلياتها تآكل نظام الحزبين الذين يتداولان السيطرة على المجلس التشريعي ويقدم أحدهما رئيس الجمهورية بالتبادل مع الآخر في كل انتخابات رئاسية.
وشهدت فرنسا، التعبير الأكثر وضوحا عن الأزمة متمثلا في انهيار نظام الحزبين، الحزب الجمهوري الفرنسي (الديجولي) والحزب الاشتراكي الفرنسي حتى من الاقتراب من أي نسبة معقولة في الانتخابات الرئاسية عام 2017. لقد حصل ممثل الحزب الجمهوري على أقل من 5% من الأصوات (4.8%) ليكون في الترتيب الخامس للانتخابات الرئاسية، بينما حل مرشح الحزب الاشتراكي في الترتيب العاشر بأقل من 2% من الأصوات (1.7%). أما المرشحون الثلاثة الأوائل في الانتخابات فمثلوا أحزابا جديدة أو جديدة نسبيا.
ماكرون الذي نجح كرئيس عام 2017 بحزبه الجديد "الجمهورية إلى الأمام"، الذي أسسه عام 2016 كحزب يجمع بين الشعارات الليبرالية والاجتماعية، وإن كانت ممارساته وانحيازاته النيوليبرالية (رفع سن المعاش، سياسات الأسعار والضرائب..) خلال فترته الرئاسية الأولى جعلت شعبيته تتراجع في الانتخابات التالية عام 2022 (58%) عن نسبته عام 2017 (66%) رغم نجاحه رئيسا.
ومارين لوبان التي أتت ثانيا عن حزب "التحالف القومي" الفاشي، وهو حزب جديد من حيث التسمية (2018) ولكنه استمرار لحزب "الجبهة الوطنية" الفاشي الذي أسسه والدها ماري لوبان عام 1972 ودخل الى الحياة السياسية منذ منتصف الثمانينات. شعارات الحزب عنصرية ضد المهاجرين، وقومية وضد الاتحاد الأوروبي، ومحافظة تشجع العائلات كبيرة العدد وترفض الإجهاض.
كما أتى في الترتيب الثالث جان لوك ميلونشون عن حزب "فرنسا الأبية"، الذي تأسس عام 2016 ويتجه يسارا. برنامج الحزب هو رفع الحد الأدنى للأجور، وتعديل الدستور للحد من السلطات الرئاسية (التي يسميها الملكية الرئاسية)، وإعادة تأسيس معاهدات الاتحاد الأوروبي التي يغلب عليها الطابع النيوليبرالي المعادي لمصالح الشعوب، والحفاظ على البيئة.
ومن المقرر أن تجري الانتخابات البرلمانية الفرنسية بعد شهرين من الانتخابات الرئاسية، في شهر يونيو، ويطلق عليها ميلونشون المرحلة الثالثة من الانتخابات الرئاسية، وهناك مؤشرات كثيرة على أن ماكرون لن يحصل على أغلبية لحزبه في البرلمان. وشرع جان لوك ميلونشون في تأسيس تحالف يساري برئاسته مع الخضر والحزب الشيوعي، وربما يضم في المستقبل آخرين. في هذه الحالة، حالة حصول الأغلبية البرلمانية (سواء حزبا أو تحالفا)، يختار زعيمها رئيسا للوزراء. وإذا كان الأمريكيون يسمون الحكومة في تلك الفترة بالبطة العرجاء فإن الفرنسيين يسمونها بالمساكنة أو ما يعني إقامة غريبين معا، وكلاهما يتسم بالتوتر والعجز.
وهكذا نرى مظاهر انعكاس الأزمة المجتمعية على تدهور شعبية الأحزاب التقليدية، ونشأة أحزاب جديدة تمثل قوى جديدة. كما تنعكس الأزمة على تصاعد الاستقطاب المجتمعي ببروز أقصى اليمين الفاشي وأقصى اليسار المعادي للرأسمالية والعولمة. وعلينا أن نراقب عن كثب تلك التطورات، ليس في فرنسا وحدها، ولكن في كل البلدان الغربية المتقدمة لأثرها الحاسم على السياسة الدولية وأيضا علينا.