آفاق زيارة بايدن للسعودية


جاسم ألصفار
2022 / 7 / 17 - 03:05     

د. جاسم الصفار
12-07-2022
سيزور بايدن إسرائيل والضفة الغربية والمملكة العربية السعودية في الفترة من 13 إلى 16 يوليو / تموز كجزء من أول جولة في الشرق الأوسط خلال رئاسته. وقبل زيارته تفاخر بأنه سيكون أول زعيم أمريكي يطير مباشرة من إسرائيل إلى مدينة جدة السعودية، حيث سيجتمع مجلس التعاون الخليجي. للتذكير، كان سلفه، دونالد ترامب، فخورًا بكونه أول رئيس أمريكي يسافر من المملكة العربية السعودية إلى إسرائيل.
قبل رحلته التي تعرضت للنقد الشديد من العديد من المراقبين، كتب جو بايدن مقالاً في صحيفة واشنطن بوست، جاء فيه، من بين أمور أخرى، أن السلطات السعودية تعمل مع الإدارة الأمريكية على زيادة إمدادات النفط إلى السوق العالمية وخفض أسعاره. مضيفا: "وظيفتي كرئيس هي الحفاظ على بلدنا قويًا وآمنًا. نحن بحاجة لمواجهة العدوان الروسي، وأن نكون في أفضل وضع لكسب التنافس مع الصين، والعمل من أجل استقرار أكبر في منطقة مهمة من العالم". داعيا، في نفس الوقت، أصدقاء الولايات المتحدة في المنطقة إلى تعزيز وتطوير "شراكة استراتيجية تقوم على المصالح والمسؤوليات المشتركة مع الحفاظ على الالتزام بالقيم الأمريكية الأساسية".
الا أن تحقيق هذه الأهداف، لا يبدو هينا، فعشية زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى الشرق الأوسط، لا تزال الدبلوماسية الأمريكية عاجزة عن وضع "خارطة طريق" مقبولة من قبل شركائها في المنطقة. رغم أن وزارة الخارجية تبذل جهوداً غير مسبوقة لتنظيم قمة ثنائية أو متعددة الأطراف بمشاركة دول المنطقة، الا أن المشكلة لا تكمن في جمع القادة المدعوين في مكان واحد، كما تشير الصحيفة التركية ايفيرنسيل، ولكن في "وضع أجندة مقبولة للجميع، والاتفاق على بعض القرارات حتى لا تبدو زيارة بايدن فاشلة". لكن حتى الآن تتطور الأحداث وفق سيناريو سلبي لواشنطن.
في العراق، فشلت الخطة الأمريكية للسيطرة على الوضع السياسي في البلاد. وخرج زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من البرلمان بعد أن فشلت كل محاولات القوى السياسية الفائزة في الانتخابات لتشكيل الحكومة، والوضع في البلاد أصبح على كف عفرت، كما يقال. ترى بلومبرج أن "الأحداث في العراق ليس لها أهمية إقليمية محلية فحسب"، حيث إن "الولايات المتحدة تواجه خطر فقدان إمكانية التحكم بإمدادات النفط العراقي"، الأمر الذي "سيقوض الجهود الأمريكية، في الفترة التي تسبق انتخابات التجديد النصفي في الخريف، من أجل خفض أو تجميد أسعار النفط الخام حتى نهاية العام الجاري". إضافة الى زيادة أهمية دور العراق الإقليمي في المرحلة المقبلة خاصة بعد تعطل المحادثات في الدوحة بين واشنطن وطهران بشأن البرنامج النووي الإيراني.
إدراكاً منها لاهتمام الولايات المتحدة ليس فقط بنفط العراق بل وبتوجهاته السياسية، ألقت إيران ثقلا كبيرا للتأثير على مجرى العملية السياسية في العراق من أجل بلورة موقف سياسي متجانس مع مواقف الجارة إيران. على هذه الخلفية، تكتسب المحادثات المقبلة بين بايدن وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أهمية حاسمة.
في هذا الصدد، قام الأمريكيون، تمهيدا للزيارة، بتحديث ملفهم السعودي. وأصبحوا يرسلون إشارات بأنهم يسقطون الاتهامات ضد سلمان بالتواطؤ في مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وليس هذا فقط. بل ويتم التعبير عن دعم الأمير من قبل الكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة، التي لم تشكل فقط تحالفًا لممالك "النفط" في الخليج، ولكنها بدأت أيضًا في إبراز نفوذها في العالم العربي بأكمله.
ومع ذلك، ليس سهلا أن تنجح الولايات المتحدة في تحقيق انعطافه كبيرة في مواقف المملكة العربية السعودية. سبق أن أعربت واشنطن عن دعمها المطلق للسعودية في رغبتها في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة. لكن الآن السعودية وإيران تتفاوضان بوساطة العراق لتطبيع العلاقات. في المستقبل القريب، لا يتوقع حصول تصعيد عدواني بين طهران والرياض، نظرا لحاجة الطرفين لحل مشاكل مستعصية، ثبت عدم القدرة على حلها بمساعدة أطراف دولية تستثمر في الخلافات بينهما.
وتجدر الإشارة الى أن المملكة العربية السعودية، ليست وحدها تستعد لوصول جون بايدن إلى المنطقة. عشية وصول محمد بن سلمان إلى القاهرة، عقد الرئيس عبد الفتاح السيسي قمة منفصلة في شرم الشيخ بمصر مع قادة الأردن والبحرين. ولم يتضمن البيان الختامي للاجتماع أي تفاصيل، عدا ما أعلن عن أن المشاركين ناقشوا المحادثات المرتقبة في الرياض. ومما له دلالته في هذا الصدد التصريح الذي نشرته البي بي سي عربي عن رئيس وزراء الأردن بشر الخصاونة والذي جاء فيه " الأردن لم يعامل إيران أبدا على أنها تهديد لأمنه القومي". تبعا لذلك فالأمور ماضية نحو تهدئة إقليمية.
من المؤكد أن دول المنطقة تحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى الاستقرار لإعادة توجيه الموارد لمكافحة التصحر وندرة المياه والدفع بعجلة الانتاج. من الضروري ضمان النمو الاقتصادي من أجل تخفيف التوترات الاجتماعية الناجمة عن الفقر والبطالة والحروب. وليس من شك في أن المواجهة الإقليمية مع إيران تشتت الموارد.
في الوقت نفسه، تدرك المملكة العربية السعودية وإيران معًا انحسار النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط. كما انهما لن ينسيا متلازمة انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وتحويل اهتمامها الرئيسي إلى آسيا، وفي مقدمتها الصين. ونتيجة لذلك، إضافة الى قرائن أخرى، أصبحت دول الشرق الأوسط أقرب إلى روسيا، التي تعمل على تنويع سياستها في المنطقة. بالتالي، أصبح من الصعب على واشنطن بشكل متزايد أن تطرق أبواب الدول الغنية بالنفط في الشرق الأوسط، لتذكرها بعهود لم تعد الولايات المتحدة نفسها مهتمة، أو ربما قادرة، على الالتزام بها.
كما لم يعد من شك في أن كل تأملات الولايات المتحدة حول إنشاء "الناتو العربي" في المنطقة ليست سوى ثمار التخيلات السياسية للاستراتيجيين الأمريكيين. لذا ستهتم الزيارة قبل كل شيء بالحصول على مكاسب في مجال الطاقة. على أنه مهما كانت أهداف واشنطن فمن غير المتوقع أن يجري التخلي عن قرار مجموعة أوبك + بشأن النفط، الذي تم اعتماده في 2 يونيو بمشاركة روسيا، وكذلك شراكة موسكو مع المملكة العربية السعودية.
وهنا لابد من التذكير بأن وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان، الذي زار المنتدى الاقتصادي الروسي في سانت بطرسبرغ، كان قد وصف العلاقات الروسية السعودية بأنها جيدة "مثل الطقس في الرياض". وبحسب المراقبين فان السعودية لا تفكر في أي انسحاب من الاتفاق مع روسيا وأن التقارب مع روسيا والصين سياسة استراتيجية للقيادة السعودية شرعت في وضع اسسها في وقت مبكر من العقد السابق.
وأخيرا، ستواصل موسكو التعاون داخل أوبك + إلى ما بعد عام 2022. هذا أولا. ثانيا. لن يتغير عمل أوبك + حتى انتخابات التجديد النصفي في الولايات المتحدة، التي ستجرى في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل. الجميع ينتظر التغييرات، مع الحفاظ على آفاق المزيد من الشراكة. علما بأن الأمريكيين قد يحاولون استخدام "أدواتهم العقابية"، فسبق أن ألقى بايدن باللوم على النفط الروسي والسعودي في "التواطؤ" لرفع أسعار النفط.