لا أخفي عليكم، القرآن يحتاج لنظام gps


محمد ليلو كريم
2022 / 7 / 17 - 01:39     

وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ*إِذْ نَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ*
إِلاَّ عَجُوزًا فِي الْغَابِرِينَ*ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخَرِينَ*وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ*وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ
.....
إنك - عزيزي القارئ- تمر على الآيات القرآنية أعلاه، وهي من سورة الصافات، من الآية ١٣٣ الى ١٣٨، وتسمع أو تستمع لقارئٍ يجود بصوته الرخيم يُرتل الآيات الصافاتية فيخشع قلبك وترتخي اعصابك، ولكنك لا تسأل نفسك أي بقعة جغرافية قصدها النص القرآني..
رغم أن مهمة تحديد البقعة الجغرافية التي قصدها القرآن تقع على عاتق موجد النص لأنه هو من تطرق للموضوع وهو الذي أدّعى علمه بما دار في تلك البقعة الجغرافية وهو الذي وجه للقارئ دعوة لينظر بعيني رأسه لآثار الغضبة الإلهية المُدمِرة؛ إلا أنه وبخ القارئ في اجراء استباقي " أَفَلا تَعْقِلُونَ " دون تحديد تلك البقعة الجغرافية التي وقع فيها حدث التدمير..
هذا النص يعود الى عهود غابرة كانت فيها العلوم والتقنيات والتخصصات بدائية قياسًا بالتي نشهدها ونتعامل معها اليوم، والقرآن كتاب قديم، لا معادلات فيزيائية فيه ولا كيميائية، ولا أطلس خرائط، ولا يرشدك عبر نظام GPS، ولا يعتمد على دليل سياحي بتقنيات متطورة، وأفضل ما يقدمه لك المسلم الغيور على دينه والحريص على إثبات صدق قرآنه في ذلك الزمن القديم هو ارشادك الى أفضل قافلة من التجار الذين سيحملونك على ظهر ناقة لتصحبهم أيامًا وليالٍ طوال لتبلغ تلك البقعة وتدفع للقافلة الأجرة وتتوجه لمكان الحدث المفترض وحين تعتقد انك وصلت ستكتشف انك لا تملك دليلًا جغرافيًا أو اثاريًا ولا صور أو مقطع فيديو أو خارطة مؤشر عليها مكان الحدث التدميري، وستتسائل، أو ستتوجه للقرآن ومن صنع القرآن بسؤال: أي بقعة جغرافية قصدتها حين توجهت لنا بهذا التنبيه " وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ*وَبِاللَّيْلِ"؟!..
بعد أن تتأكد أنه نص غير مدعوم بخريطة أو صور وتقنية مرشدة رديفة ستتوجه للنص بسؤال غاضب: أن لم تكن مدعومًا بخريطة وصورة وتقنية مرشدة فلماذا توبخني أنا بينما أنت من تتحمل هذا القصور.. لماذا توبخ الكائن العاقل " أَفَلا تَعْقِلُونَ " مع أن منطق العقل يقول إنك أنت المُقصّر لعدم تحديد مكان الحدث التدميري!!..
تنتبه كذلك الى أن القرآن لم يُسمّي البقعة المُدمرة مما يضطرك للرجوع الى التوراة תּוֹרָה‏-العهد القديم للبحث عن إسم البقعة فتكتشف إنها مجموعة قرى تُدعى بأسمين " عمورة وسدوم " وها هو النص التوراتي يُخبرك كيفية تدميرهما:
« فامطر الرب على سدوم و عمورة كبريتا و نارا من عند الرب من السماء* و قلب تلك المدن و كل الدائرة و جميع سكان المدن و نبات الأرض/ سفر التكوين، الإصحاح ١٩، العددين ٢٤ و ٢٥».
ولكن؛ هل يسترشد المسلمون بغير القرآن عند الضرورة كالتي نتحدث حولها الآن؟.
كثيرة هي المسائل والمتطلبات التي لم يرد فيها نص قرآني، أو كان نصًا لا يهدي لزمان ومكان أو رقم دقيق، وقد ورد في الكتب السابقة للقرآن اجوبة وأسماء وإشارات أكثر دقة، وكذلك توفرت تواريخ وتحديد أمكنة وارقام فائقة الدقة في العلوم والتقنيات الحديثة، والحقيقة أن القرآن والسُنة والإجماع وبقية التدرجات التفسيرية والاستنباطية لم ترفد المسلم ولا غير المسلم بتقنيات ضرورية ليصل الى أماكن تحدث عنها القرآن ولم يحددها، ولسنا ننتفع بـ" وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ*وَبِاللَّيْلِ " كمرشد أو تقنية لتحديد تلك البقعة، كما أن عبارة " لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم " عجيبة، إذ كيف لنا أن نراهم أو نعرف أننا نمر عليهم بدقة ويقين وهم قد اندثروا واندثرت بعدهم قرون، وما هي المعالم التفصيلية في هذا التوصيف؟!.
جوابًا على توبيخ القرآن للعقول أقول: العقل وحده لا يكفي لتحقيق رغبة صانع القرآن في بلوغ الناس تلك البقعة والتعرف عليها، فالعاقل يحتاج لعلوم وتقنيات لم يوفرها القرآن وصانعه للوصول الى البقعة الجغرافية المفترضة ونبش أرضها والتأكد من القصة القرآنية، وعليه؛ كان الأولى أن يوبخ الموبِخ نفسه...