وطني أضحى بلا وطن ولا هوية ؟.. معدل


صادق محمد عبدالكريم الدبش
2022 / 7 / 11 - 04:33     

وطني أضحى بلا وطن ولا هوية ؟...
جئتك يا وطني أشكو إليك وقد بعد القريب وما كنت البعيد !..
أهيم إليك وأشكوا البعيد هذا والقريب !..
تمهل ولا تذهب ؟..
كأنك تهمل الأعداء والواشون لتتركهم خلف طهرك وتقتفي أثر الجدود !..
كأن دهرك ما ألوى سواعد بناتك والبنون!..
وما اهتزت قامتك عقب الزلازل والكوارث والمحن ؟..
كيف لا وأنت موطن الأوطان ... وفيك بُعِثَ وولد أو الإنسان !..
وتغنى بنسائم جنتك فنطق الحرف والكلمة !..
وأقام المسلة والقانون وأرسى دعائم العدل والميزان ! ..
تحيرت مني الأفكار ودارت بي الدنيا.. أبحث عن شبيهك ، حتى أقارنه بالمقارن .. فلم أجد غيرك قرين بالمقارن ، فتركت أهوائي واللذة والمستطاب عندك دون سواك .
ما زال هناك من يعيش في كنفك وفي حاضرتك وعرينك من يعتقد بقدرته على تطويعه لإرادتهم ويستعبدون فتيتك وفتياتك ؟..
عشرين عاما وما زالوا يعملون على تقطيع أوصالك وتمزيق نسيجك وتهديد ترابك وتقطيع الجغرافية والتأريخ والتراث والثقافة والحضارة ، لإلحاق بهذا التأريخ حضارة وثقافة وتراث لا يمت إليك أبدا !...
هدفهم إضفاء الشرعية على هذا التشويه اللاأخلاقي ، غايته مسخ لأعرق تأريخ وجد على كوكبنا ؟
لا شك أن كل شريف وطني غيور ، عنده ضمير .. شرب من مائه وعاش على ترابه وأكل من خيراته ، يشعر بالفخر والاعتزاز كونه ينتمي لهذا الوطن العظيم بكل شيء حبته الطبيعة وميزته عن باقي الأوطان .
العراق أو بلد السواد أو بلاد ما بين النهرين أو بلاد الرافدين ، يعيش على أرضه منذ ألاف السنين وقبل التأريخ والكتابة ، وحتى قبل ظهور الأديان ، عاش على أرضه مكونات وقوميات وطوائف عديدة ، وعاشوا بتأخي ومحبة وسلام .
متعاونين في صنع تأريخهم وحضارتهم وتراثهم المجيد ، برغم المحن والنوائب والكوارث الطبيعية والبشرية ، الداخلية والخارجية ، لم تتمكن هذه الأحداث من تهديد وحدته الوطنية ولا نسيجه الاجتماعي والسياسي والجغرافي ، بقي هذا الوطن شامخا قويا متماسك .
بعد الاحتلال الأمريكي الغربي للعراق عام 2003 م وتدمير ما تبقى من أطلال الدولة ، فأتى المحتلين على ما تبقى من مؤسسات الدولة والبنية التحتية ، وتحول العراق إلى دولة فاشلة ، أو بشكل أدق تم تحويل العراق إلى دويلات وإمارات ومشايخ وعصابات وميليشيات ، يحكمه مجموعة من الطفيليين الفاسدين اللصوص ، المتاجرين بالدم العراقي ، بدعم وتأييد ومباركة دولة الاحتلال الأمريكي وحلفائه ، والدول الإقليمية التي تسعى للاستفادة من هذا الواقع ، خدمة لمصالحها ولإبقاء العراق ضعيفا متصارعا بين مكوناته وأطيافه المختلفة .
هذه القوى الممسكة بالسلطة من الانتخابات الأولى التي جرت في 2006 م ، أفرزت واقع جديد لم يعيشه العراق في تأريخه الحديث من 1921 م وحتى الساعة .
النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الجديد ، قام على أساي الطائفية السياسية والقومية والمنطقة والحزب .
كما أسلفنا بتأييد ومباركة بل بتخطيط الاحتلال الأمريكي ومشروعهم ( مشروع بايدن .. بتقسيم العراق بين السنة والشيعة والأكراد في اتحاد فيدرالي أو كونفدرالي !..
طبعا في العلن أغلبية الذين يدًعون تمثيلهم لهذه المكونات ، رفضوا هذه الفكرة ، ولكنهم ما وراء الستار رحبوا بالفكرة كونها تعبر عن مصالحهم الضيقة .
بعد أن بان سر هذا التوجه ، وشعور هذه القوى الممسكة بالسلطة ، ومعارضة القاعدة الجماهيرية لهذا المشروع التدميري ، فشعر الغرب والدول الإقليمية بالحرج ، تمت تغذية الطائفية السياسية والقومية المتطرفة ، ودعم الحركات الإرهابية المتطرفة ، وتأليب تلك المشاعر العنصرية ، ودفعها إلى نهج أكثر تطرفا ، وتغذية مشاعر الكراهية والعنصرية والانقسام ، فظهرت منظمة القاعدة الإرهابية وغيرها ، وتنامت المشاعر الطائفية السياسية والقومية .
وحدث ما كان متوقعا نتيجة لما بيناه ، الحرب الأهلية التي امتدت لسنوات ، وما زالت أثارها ماثلتا للعيان حتى يومنا .
إن الانتخابات التي جرت من 2006 م وحتى 12/10/2021م لم تكن نزيهة ولا تمثل إرادة شعبنا بمكوناته المختلفة ، ولم تكن نزيهة لا في قانون الانتخابات ولا بمفوضة مستقلة ولا بقانون أحزاب يصار إلى تطبيقه بحذافيره ومنع أي حزب يمتلك أجنحة مسلحة من الاشتراك في الانتخابات حسب الدستور .
هذه وغيرها لم تتم مراعاتها في كل انتخابات جرت ، فلابد أن تكون نتائج هذه الانتخابات غير نزيهة ، ولا تعكس إرادة الناخب العراقي أبدا .
هذه حقيقة يعرفها الجميع والقوى السياسية المشتركة في العملية السياسية أو حتى من هم خارج النظام السياسي ، من المعارضين لمجمل العملية السياسية .
ليس هذا فقط بل ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة وبعض المنظمات الدولية ، على بينة من كل الذي كان يجري في كل انتخابات .
لكنهم كانوا يغضون الطرف عن تلك الممارسات المخالفة للدستور والفاضحة ، بدواعي وأسباب يلفها الغموض ، أو لإضفاء الشرعية على هذه العملية برمتها ، رغم الأصوات العالية ، التي كانت تفضح تلك العملية المزورة وعدم نزاهتها .
بالتأكيد فإن ممثلة الأمم المتحدة في لغداد تتحمل جزء من المسؤولية الأكبر في نتيجة تغاضيها عن الذي كان يجري .
جماهير شعبنا الرافضة لهذا التزوير الفاضح ، وفشل الحكومات المتعاقبة من المتنفذين المتسلطين على رقاب شعبنا ، في عدم الوفاء للشعب وتقديم الخدمات ومعالجة حالة الفقر وغياب الخدمات وفقدان الأمن وعدم المساواة وغياب العدالة ، وتوقف عجلة الاقتصاد والزراعة ، وتحويل العراق إلى بلد ريعي غير منتج ، وتوقف شبه كامل للنشاط الاجتماعي في إنتاج الخيرات المادية وما يحتاجه الناس من غذاء ودواء وعيش كريم !..
هذا وغيره وخلال العقد الماضي وحتى الساعة ، خرجت الملايين تعبر عن رفضها لهذا الواقع ، تطالب بالخبز والأمن والحرية والحق في الحياة .
تتوج هذا النشاط الاجتماعي في ثورة تشرين المباركة العظيمة ، حين خرج الملايين إلى ساحات التظاهر ، وبشعارات ومطالب واضحة ومفهومة ، تمس حياة المجتمع العراقي .
فواجهت حكومة عادل عبد المهدي وقوات ( الشعب .. الشغب ) هذه الملايين بالرصاص الحي وقنابل الغاز المحرمة دوليا ، كون هذه القنابل لا تستخدم في التظاهرات والاعتصامات السلمية بل في معارك ومواجهات مع مسلحين .
سقط جراء تلك المواجهات الدامية ما يربو على الألف شهيدة وشهيد ، ويزيد على ثلاثين ألف مصاب وجريح ومعوق ومفقود ومعتقل ومخطوف .
على إثر ذلك اضطر عادل عبد المهدي ، وتحت ضغط هذه الملايين إلى الاستقالة ، وتعيين مصطفى الكاظمي رئيس مجلس الوزراء وتكلف هذه الحكومة لإجراء انتخابات مبكرة لتهدئة الشارع .
وتمت الانتخابات في 12/10/2021 م ، وحين تم فرز أصوات الناخبين التي كانت نسبة المصوتين أقل من 20% ممن يحق لهم المشاركة في التصويت ويقدر عددهم 25 مليون نسمة .
وتبين برغم هذا الإحجام الكبير عن التصويت ، فقد منيت قوى وأحزاب الإسلام السياسي الشيعي على وجه التحديد ، بخسارة فاضحة وكبيرة ، بلفظ جماهيرهم والشعب لهم ، نتيجة فشلهم في إدارة الحكم وفشلهم في تقديمهم الخدمات للسواد الأعظم من الناس .
فأصيبوا بصدمة كبيرة ، وفقدوا توازنهم وتعرضوا لخيبة أمل مروعة وشعورهم ، بأنهم ربما سيفقدون سلطانهم ونفوذهم ومكاسبهم التي يتمتعون بها خلال العشرين سنة الماضية !..
فعليهم أن يفعلوا شيء بأسرع ما يمكن ؟؟...
الجميع يعلم بأن نظامنا السياسي قام على أساس المكونات والمحاصصة الطائفية السياسية والقومية وتقاسم المغانم وما أصبح يسمى بالتوافق وليس لبناء دولة .
ونتوخى الدقة وتبيان الحقيقة كاملة دون رتوش !..
كل من ارتضى لنفسه وشارك بها بشكل فعلي ، فإنه يتحمل المسؤولية وحسب ثقله في صنع القرار ، ومساهمته الفعلية في صياغة القرارات السياسية والاقتصادية ، ومساهمته في صياغة وتشريع القوانين التي تخالف روح الدستور ونصوصه ، مثل ما تم تشريع قانون الحشد الشعبي ، الذي عرف ب( فتوى الجهاد الكفائي ، والدستور يمنع قيام أي فصيل عسكري خارج المنظومة العسكرية والأمنية أو قيام أي شكل من أشكال الميليشيات والعصابات بأي شكل من الأشكال .
حين تم فرز نتائج الانتخابات وحصول الأحزاب والكتل والأفراد على عدد الأصوات التي حصلوا عليها ، اتضح بأن التيار الصدري قد حصل على أعلى الأصوات بحصوله على 73 مقعد وبذلك يعتبر هو أكبر كتلة عددا في المجلس الجديد !..
بعد فترة حصل اتفاق سياسي ، بين الديمقراطي الكردستاني والحلبوسي والخنجر ، لتكون هي الكتلة الأكبر في مجلس النواب ، والتي من المفروض أن تشكل الحكومة لاحقا .
وبعد تجميع الأصوات من الصدريين وحلفائهم من السنة والأكراد لتشكيل حكومة أغلبية سياسية ، وليست حكومة محاصصة .
اتفق الحلفاء على حكومة الأغلبية ، ولكن هذا التحالف قد جمع ما مقداره 210 عضو من أعضاء البرلمان ، وكانوا بحاجة إلى ما يقرب عشرة نواب ليكتمل عدد الثلثين ولكن هذا لم يحدث .
قام الاطار التنسيقي بتشكيل ما يعرف بالثلث المعطل ، فأصبح من الصعوبة بمكان القدرة على السير بالعملية حتى النهاية .
والشيء الذي فاجئ الجميع ، قرار مقتدى الصدر بتقديم نواب كتلته الاستقالة والبالغ عددهم 73 نائب ، وبذلك يكون قد قلب الطاولة على الجميع !..
فأحدث واقع جديد ، يحمل بين طياته الكثير من المفاجئات والمتغيرات ، وبنفس الوقت وضع القوى السياسية التي تشكل البرلمان الجديد ، أمام تحدي متشعب وخطير ، وخلق شروخ وانقسامات بين الكتل المشتركة في العملية السياسية ، التي ستزيد الأزمات والانقسامات على مستوى القوى السياسية . وعلى مستوى الشارع ، وربما ستفرض نفسها على التدخلات الخارجية في الكم والكيف .
لابد من التعقيب على مواقف قوى ( الأغلبية السياسية ، من السنة والكرد والصدريين ! ) حلفاء الأمس !..
يبدو بأن هناك شيء يدعوا إلى التوقف عنده !..
من المتعارف عليه وفي البلد الواحد ، هناك قواسم مشتركة تعقب كل انتخابات !...
لكن ما يحدث في العراق مختلف تماما ، بغياب تلك القواسم فكل يغني على ليلاه !..
وهذا شيء محير وغريب في عراق ،اليوم وفي بلد الذي ليس كمثله بلد في العالم .
بالأمس تراهم جميعهم جمعا واحدا ، واليوم تراهم شتى ؟..
فذهب بعضهم مهرولا إلى من كانوا بالأمس القريب يعتبرونهم ألد الخصوم !..
صحيح بأن مصالح الناس من يحدد وعيهم ، وليس العكس ، ولكن ليس بهذه السرعة ، يتسابقون مع بعضهم قبل أن يسبقهم الأخرين !..
سؤالي إلى الديمقراطي والحلبوسي والخنجر ومن كان يقف معهم ؟..
أين الوطن والمواطن من كل الذي جرى ويجري اليوم ؟..
ألم تحرصوا على شعبكم كحرصكم على مصالحكم وامتيازاتكم ، وما تجنوه من أموال وفيرة وجاه وسلطة ؟..
لماذا لا تأخذوا بتجارب من سبقكم ، وأين أل به المطاف ، وذهبوا غير مأسوف عليهم ، وبقى العراق بحدوده وأرضه ومكوناته ؟..
لماذا تضعون رؤوسكم كما هي النعامة وتغلقون البصر والسمع والبصيرة ؟..
فشعبكم أولا بكم أن تسمعوه ، وتأخذوا بالذي يريده ويسعى من أجله ، كونه السيد والحاكم وإليه يرجع القرار ،؟..
فإن تخلف اليوم عن ذلك كما تتوهمون ، فإنه سينهض ليعيد ناصية السلطة والسيادة والقرار والنهي والأمر .
هذه حقيقة مطلقة عليكم أن تعلموها ، وتصغوا لمنطقها ولا تأخذكم العزة بالإثم إن كنتم تعلمون .. تنبهوا قبل أن يأتيكم الطوفان حين غفلة ومن حيث لا تعلمون ، عندها لا ينفع الندم .
أما للسيد الصدر فنقول ، عليك أن تدرك حقيقة واحدة يا سيد مقتدى ، لا ثانية ولا ثالثة غيرها !...
الوطن والمواطن أولا .. وثانيا .. وثالثا .. وإلى ما لا نهاية وهو الباقي والجميع راحلون !..
فإما حياة تسر الصديق .. وإما ممات يغيظ العدى ؟..
والشاعر يقول .. ذو العقل يشقى بالنعيم بعقله وأخو الجهالة بالشقاوة ينعم !..
إن شعبنا شعب عظيم ، وله الإرث العظيم والتأريخ الخالد ، وهذا الشعب لا يمكن هزيمته .. سينتصر حتما في قادم الأيام ويقيم دولته ، دولة المواطنة وقبول الأخر ، الدولة الديمقراطية العلمانية في عراق ديمقراطي حر مستقل .
على جماهير شعبنا من فتيانه وفتياته ونسائه ورجاله ، أن يدافع عن العراق وشعبه وعن نظام سياسي واجتماعي عادل ومنصف ، ويجودوا عن حياضه بالنفس والنفيس ، ، لإعادة بناء دولة المواطنة وليس أقل من ذلك .
لا تسمحوا لدول الجوار وللسياسة العدوانية الأمريكية والغرب التدخل في شؤونك ، أو التدخل لرسم سياسات بلدكم ، والتي هي بالضد من مصالحكم ورغبتكم في الاستقلال والنماء والأمن والسلام والحرية والكرامة وبناء حاضركم ومستقبلكم ، تفخرون به وتجسدون بحق ما شيده لكم وللأجيال القادمة ، وخلد تراثكم العظيم الذي تفخر به البشرية جمعاء .
دافعوا عن هذا الوطن العظيم ،وعودة الحياة لربوعه ، و تلحقون بركب الحضارة الإنسانية ، ومن عراق أمن رخي وسعيد ، في عالم يسوده الأمن والسلام والمحبة والتعايش ، في بيئة صالحة للعيش وللحياة .
10/7/2022 م
وطني أضحى