عيد الاستهلاك


سعد الماركسي
2022 / 7 / 7 - 00:48     

الرعناء واﻹستهلاكيين، العبيد الخاضعين لقيود ولعادات وتقاليد المجتمعات الرجعية والخرافية، هم من ينشطون بكيفية زائدة عن اللزوم في هذه الفترة من كل سنة، وهي فترة تتناسب مع إقتراب عيد تقديم اﻷضاحي تقربا لﻹله.
لنلقي نظرة سريعة عن العيد من منظور تاريخي، فاﻷساطير في الحضارات القديمة، كانت تحتوي على طقوس للتضحية مشابهة تماما لطقوس اليوم، وتقدم القرابين لكي ترضى عنهم آلهتهم الوهمية، فقبل أن يقوم اﻹنسان بالتضحية بالحيوانات المدجنة، كان يضحي بالبشر، فقد كان في المسكيك مثلا شعب اﻵزتيك يقدم قرابين بشرية كل يوم ﻹله الشمس، لكي يشرق حسب إعتقادهم، وكان ذلك يتم بطريقة بشعة حيث يقومون بفتح صدر اﻷسرى الذين كانوا يحصلون عليهم من الحروب والهجمات على القبائل، حتى يظهر قلبهم ثم ينتزعون القلب ويرفعونه بيدهم للسماء مطالبين بأن تشرق شمس ذلك اليوم ويظهر إلههم في السماء، بعد ذلك جاءت الحضارات في بلاد الرافضين كل من الحضارة السومرية والبابلية واﻷكدية(...)، وكانوا يقدمون قرابين حيوانية تقربا لﻵلهة أيضا، ومن هذه اﻷساطير الرافضية الوثنية نقلت اﻷديان الابراهيمية التوحيدية طقوسها وأساطيرها أيضا، ومن بينها طقوس الاضحية والعيد، هذه الاساطير التي لا دليل تاريخي على صحتها، سوى أنها مذكورة في الكتب المقدسة لهذه الديانات بعد أن نقلت من أساطير الحضارات القديمة، وتطورت من شكلها البدائي الوثني، إلى ما نراها عليه اليوم في شكلها الصافي النهائي مع الديانات الابراهيمية، وغير ذلك فإن مثل هذه المناسبات تتسم بكثرة اﻹستهلاك، والفوضى، والمشاكل الاجتماعية، والعائلية، وقد تسبب في تشتيت العائلات الصغيرة الغير قادرة على مواكبة الموجة الاستهلاكية للمجتمع عند إقتراب هذه المناسبة من كل سنة، وقد تدفع بعض اﻵباء إلى اﻹنتحار نتيجة الضغط المحمول على أكتافهم من جهة، ونتيجة الشح المادي من جهة أخرى، كما أن هناك من يذهب ليقترض المال من أجل شراء اﻷضحية وذلك لكي يرضي الجيران والاقارب! ألهذا الحد وصلنا ؟ ،لقد أضحى العيد عادة إجتماعية إستهلاكية لابد منها، وأضحى فرصة لا تعوض لدوائر النفوذ المتحكمة في السلطة في بلداننا المنهوبة ﻹلهاء ولتسلية وتشتيت إنتباه الشعوب المتدينة، الخاضعة والمهلوكة عن همومها، وعن مشاكلها الاجتماعية الحقيقية.
أنا أرفض أن أشارك في هذه المناسبات التي تشعرني بالتقزز، والتي أمقتها بقدر ما أمقت من جعلها عادة إستهلاكية مفروضة على المفقرين والمجوعين، إنني أرفض، وأحتج، وأصرخ في وجه كل من يكلفون أنفسهم عناء إقتناء اﻷضحية، وهم غارقون في الديون، إنهم عبيد، رعاع، غريزيين، تم تجهيلهم بطرق ممنهجة وتدريجية، ولو فكروا قليلا لجودوا أنفسهم ضحية عادات وتقاليد قديمة، بالية، وموروثة، تم تلقينهم إياها ونحن معهم منذ الصغر، وتم جعلها جزء من أسلوب حياتهم لدرجة أنه في حالة غيابها أو عدم تمكنهم من عيش طقوسها، يعني أنهم ضعفاء، ومثيرين للشفقة، وأن اﻵخرين أفضل حال منهم، ماداموا قادرين على عيشها والتلذذ بها.
إن جمال الطبيعة، وكائناتها الحية التي تعطي وتبث الحياة فيها، يتم تدميرها من قبل اﻹنسان الخرافي، وذلك بسبب إيمانه اﻷعمى بالخرافات والأساطير.
إن الاكباش تساهم في صناعة الملابس والاحذية عن طريق تقديم صوفها وجلدها، واﻷبقار تعطي الحليب والزبد وتعطي الحياة لصغارها كأي كائن حي كالبشر أيضا، أما اﻹنسان الخرافي فيأخد كل شيئ، ولا يعطي سوى اﻷدى، والشر، واﻷنانية، من أجل إشباع غرائزه الحيوانية والبهيمية، وكم من خروف يستحق الحياة يتم ذبحه أو إن صح القول إعدامه بتلك الطرق البشعة التي نراها في كل سنة، غارقا في دمائه، وكم عدد اﻷطفال الذين يرفضون رؤية تلك الطقوس الدموية التي يقوم بها اﻵباء أو الجزارة التقليديين في يوم العيد، ونحن كنا منهم في وقت مضى، ورفضهم لذلك نابع من فطرتهم السليمة والخيرة، وإحساسهم اﻹنساني باﻵخر وعدم تحملهم رؤية كائن حي آخر وهو يتعذب ويتألم بتلك الطريقة، إلى أن يتم تلقينهم بعد ذلك أنه أمر عادي، ووارد في الكتب السماوية المقدسة، وواجب على كل مؤمن أن يقوم به أو يشارك فيه، وأنهم هم أيضا عندما سيكبرون يجب عليهم القيام بنفس الشيئ في المستقبل، ﻷن من بين معايير الرجولة في المجتمعات العبدة، الخاضعة، الاستهلاكية، الخرافية، هي أن تكون قادرا على إقتناء أضحية العيد بنفسك،وأن تقوم "بذبحها"، "وسلخها"، وأكلها من رأسها حتى رجليها، "تدرعا وتقربا من اﻹله!".