قاطعوا الاستفتاء حتّى لا يستعملكم سعيّد حطبا


حمه الهمامي
2022 / 7 / 3 - 17:52     

قاطعوا الاستفتاء حتّى لا يستعملكم
سعيّد حطبا


يدافع البعض من القوى السياسية والمدنية ومن الشخصيات عن المشاركة في الاستفتاء بـ"لا" ظنّا منهم أنّ هذا هو السبيل الأنجع لإسقاط مشروع دستور قيس سعيّد الاستبدادي. وقد كنّا أجبنا عن هذه النقطة عدة مرّات وبيّنا أنه لا يوجد أي دليل على نزاهة هذا الاستفتاء وشفافيته إذ أن كل شيء معدّ للتزوير: هيئة معينة، إدارة غير محايدة، قضاء مدمّر، عدم تحديد عتبة لنسبة المشاركة الخ... وهي كلها عناصر تبيّن أن سعيّد متجه نحو تمرير مهزلة الاستفتاء كلّفه ذلك ما كلفه وفرض الدستور الجديد لتكريس حكمه الاستبدادي، الفردي المطلق. وهو أمر منطقي جدّا فالرجل لم يقم بانقلاب ليسلّم الحكم لغيره عن طواعية أو ليعترف بأنه فشل في الاستفتاء وهو المردد ليلا نهارا بأنه "الشعب" وبأن "الشعب" هو.
هذا الكلام قلناه قبل صدور مشروع "الدستور". وهو من باب التحليل القائم على أدلّة. ولكن اليوم، وقد صدر مشروع الدستور فقد جاء فيه ليس ما يؤكد كلامنا فحسب بل جاء فيه ما ينتقل بنا من مجال التحليل أو التخمين إلى مجال اليقين. لقد جاء في المشروع البائس أن قيس سعيّد لا يهتم أصلا لا بالمشاركة بـ"نعم" ولا بالمشاركة بـ"لا" وأن الاستفتاء الذي ينظمه لا يعدو أن يكون مسرحية، ستصرف عليه أموال طائلة بالطبع، على حساب قوت الشعب، ولكن لا تهمّه نتائجه مطلقا. بعبارة أخرى سعيّد سينظم الاستفتاء على "عينين الناس"، في الخارج خاصة. ودور الهيئة في هذه العملية لا يتجاوز دور التياس، دور التزكية.
لقد جاء في الفصل 139 من مشروع الدستور وفي باب الأحكام الانتقالية ما يلي:
"يدخل الدستور حيّز التطبيق ابتداء من تاريخ الإعلان النهائي عن نتيجة الاستفتاء من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات".
إن معنى هذا الكلام أن قيس سعيد لا تهمّه مطلقا نتيجة الاستفتاء وهو لا يضع في احتماله مطلقا إمكانية فشله. فهو "رَابْحُو، رًابْحُو" أحب الشعب أم كره. وبالتالي فهو عازم على فرض الدستور في كل الحالات. فحتّى لو صوّت العالم كلّه بـ"لا" فذلك لا يعني شيئا بالنسبة إليه وهو لن يمنعه من وضع دستوره حيّز التنفيذ. إن الحالة الوحيدة، نظريّا، وفق الفصل المذكور، التي تمنعه من وضع الدستور حيّز التنفيذ هي عدم إعلان الهيئة نتيجة الاستفتاء النهائية، وهو ما لن تجرؤ عن القيام به وهو الذي عينّها لتقوم بهذه المهمة.
فماذا بقي للتصويت بـ"لا" من معنى إذن غير رفع نسبة المشاركة التي سيستغلها سعيّد وأنصاره للدعاية مع العلم أن قيس سعيّد، احتياطا بعد "درس" الاستشارة، لم يضبط أية عتبة لهذه المشاركة؟ إن الموقف السليم يبقى مقاطعة الاستفتاء باعتباره حلقة من حلقات الانقلاب. إن المقاطعة تساعد على عزل الانقلاب وهزمه، على الأقل، سياسيا وأخلاقيا في المرحلة المباشرة، مع المراكمة لإسقاطه عمليّا وواقعيا في أقرب وقت ووضع الأسس لبناء جديد يحقّق للشعب التونسي مطامحه في الشغل والحرية والكرامة الوطنية.
خلاصة القول: (من باب التأكيد و"التكعرير"):
إن المشاركة والتصويت بـ"لا" لا معنى لهما بمنطوق الفصل 139 الذي يقول لكم إن الدستور سيدخل حيّز التنفيذ شاركتم في الاستفتاء أم لم تشاركوا. سواء صوّتم بـ"بنعم" أو صوّتم بـ"لا"، فالدستور سينفّذ. ربّما سيتوهّم الذين صوتوا بـ"نعم" أنهم انتصروا لكنّ الذين سيصوتون بـ"لا" سيتبيّن لهم لاحقا أنه "ملعوب بهم".
دعونا إذن نتحد على موقف واحد ونخلق رأيا عاما قويا وواسعا للمقاطعة ليتم عزل المنقلب وضرب مشروعيته المزعومة داخليا وخارجيا حتى يكف عن ترديد معزوفة المشروعية التي يتغنى بها باستمرار. لا يجب أن نمنح المنقلب الفرصة لتدعيم سردية المشروعية الزائفة التي لا يكف عن تكرارها...
سيمر دستوره واستفتاؤه، فالمناخ السياسي والدستوري كله مهيّأ للتزوير، لكن خيار المقاطعة سيجعله معزولا ومحدود المصداقية لتفتح بعد ذلك معارك جديدة حول مشروعيته ومشروعية دستوره وحول خيارات حكومته الاقتصادية والاجتماعية المدمرة للشعب الكادح وللوطن...معارك ستضعفه أكثر فأكثر في انتظار الضربة القاضية التي ستسقطه والتي يجب المراكمة لها بثبات.
فلنقاطع إذن، يا نساء تونس ورجالها، المهزلة ونبني مع بعضنا البعض المستقبل دون العودة إلى الوراء. إلى ما قبل 14 جانفي 2011. أو إلى ما قبل 25 جويلية 2021.
إن الشعبوية في وقت الأزمات سُمٌّ للشعوب عليها أن تجتنبه، وتبحث بصورة عقلانية عن الحل الجدي والحقيقي لأزماتها.
للعبرة:
كم مرّة كذب قيس سعيّد على التونسيات والتونسيين منذ 25 جويلية 2021؟ مرّات ومرّات ولكن دعنا نذكر الكذبات من الحجم الثقيل:
أولا: طلع علينا يوم الانقلاب ليتحدث عن إجراءات محدودة بشهر فإذا بالشهر يتحول إلى شهور.
ثانيا: ادعى أنه يحترم الدستور وأن الأمر لن يتجاوز إدخال "إصلاحات سياسية" لتحسين المناخ السياسي ليتبين لاحقا أن الأمر يتعلق بـ"دستور جديد" لـ"جمهورية جديدة".
ثالثا: كوّن "لجنة استشارية وطنية" ووضع على رأسها أقرب المقربين منه و"كلّفهم" بوضع مشروع دستور وصدّقوا الأمر وخدموا ليلا نهارا (حكم الصادق بلعيد رئيس اللجنة على المشاركين بأن يعطوه في ظرف 72 ساعة وفي صفحتين فقط رؤيتهم إلى مستقبل تونس خلال الـ40 سنة المقبلة)، وفي النهاية ألقى بمشروعهم في سلة المهملات ونشر مشروعه الخاص، وهو ما "خلّى" أمين محفوظ "يغنّي وحدو بالسوري":
« Aghata ne me mens pas
Ce n’est pas mon fils…. »

فكيف يمكن للناس أن يثقوا بشخص كهذا؟
لا شيء إلا المقاطعة والمقاومة لوضعه عند حدّه.
ولا تخويف لنا بعودة النهضة إذا سقط سعيد
فقد قاومناها وسنقاومها
لتثق القوى الحيّة في المجتمع بنفسها وبالقوة الكامنة فيها
والنصر آت آت...

تونس في 2 جويلية 2022
--------
ملاحظة:
لو توفرت في قيس سعيد أدنى شروط النزاهة والحد الأدنى من احترام الشعب التونسي الذي يزعم أنه يمثل إرادته لوضع في الفصل 139 مضمونا غير الذي وضعه فيه، لوضع فيه على الأقل فرضيتين:
- في صورة التصويت بنعم....
- في صورة التصويت بلا...
وبناء على ذلك يحدد ما ينبغي أن يقام به. ولكن الرجل لا يؤمن بالديمقراطية. فهو يتصرف سلطانا أو خليفة بالمعنى التقليدي أو دكتاتورا شعبويا من الصنف الرثّ بالمعنى الحديث وبالتالي لا يمه في شيء كيف سيصوت الناس فالنتيجة محددة في مخّه وبصورة مسبقة بالنسبة إليه.