العبقري المبدع نجيب سرور


رضي السماك
2022 / 6 / 30 - 14:05     

ونحن العيال .. لنا عادة..
نقول إذا أعجزتنا الأمور" أبي يستطيع!"
فيصعد للنخلة العالية
ويخدش بالظفر وجه السما
ويغلب بالكف عزم الأسد
ويصنع من معجزات
أهذا أبي ؟
- نجيب سرور -
في الأول من حزيران الماضي مرت الذكرى التسعون على ميلاد المبدع العبقري المصري نجيب سرور، المولود 1932، والراحل عن عالمنا عام 1978، بعد حياة قصيرة مضطربة حبلى بالمآسي والصدمات النفسية جراء صراعه مع الدكتاتورية التي حاربته بضراوة وأدخلته السجن غير مرة لسلاطة لسانه في مواقفه وأشعاره ومسرحياته ضد النظام خلال العهدين الناصري والساداتي، وأستغلت السلطة اضطراباته النفسية،لما تعرض له من جوع وتشرد لمحاربتها إياه في رزقه، لتودعه عنوةً مستشفى الأمراض العقلية حتى غادر دنيانا منه.
وُلد الشاعر والمخرج والممثل والكاتب المسرحي سرور في قرية "أخطاب" بمحافظة الدقهلية، وهي واحدة من قلاع الأقطاع، وتعبر قصيدته"الحذاء" التي ثبّتنا مقطعاً منها مستهل هذا المقال عن أول صدمة نفسية تعرض لها ولم يزل طفلاً إثر مشاهدته ما تعرض له أبوه من إهانة وضرب على يد عمدة القرية عميل كبار الإقطاعيين، وكان يرى أباه في مخيلته البريئة بمثابة السيد القوي المهاب، ومن هنا كان يختم كل مقطع من قصيدته بالتساؤل المعبر عن هول صدمته : "أهذا أبي ؟" وكان قد كتبها عام 1956 غداة أنضمامه لتنظيم "حدتو" الشيوعي. ألتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية ليحقق شغفه العارم بهذه الفنون كتابةً واخراجاً وتمثيلا، وبعد تخرجه حصل على منحة حكومية لدراسة الاخراج المسرحي في موسكو أواخر الخمسينيات في فترة بلغ العداء للشيوعية ذروته؛ بسبب تحفظ الشيوعيين على الأسلوب المتسرع الذي تمت به الوحدة الأندماجية المصرية- السورية، فتعرض في موسكو لمضايقات زملائه الطلبة العسس الذين كانوا يألبون السلطة الناصرية عليه بتقاريرهم الأمنية، فسُحبت المنحة المالية منه ثم اُسقطت جنسيته، وصُدم هناك بنبأ أستشهاد شهدي عطية ودكتور فريد حداد تحت التعذيب، وتيمنا بأسميهما سمى ابنيه بهما، أما القائد الشيوعي اللبناني فرج الله الحلو الذي سقط هو الآخر تحت التعذيب في سوريا فقد خلّد إسمه في قصيدة درامية بعنوان "فرج الله والجستابو".
ثم أضطر للانتقال إلى المجر، وطوال تغريبته ظلت شرايين قلبه مشدودة بقوة إلى آلام وطنه التي عبر عنها بمواصلة أعماله الابداعية من شعر ومسرح مستلهما فيها التراث الريفي والشعبي، وغنى من كلماته المطرب الشعبي المعارض الشيخ إمام "البحر بيضحك ليه" و "حلو المراكب" . ونشر فصولاً من دراسته" رحلة في ثلاثية نجيب محفوظ" في مجلة " الثقافة الوطنية" البيروتية التي كان يدير تحريرها الشهيد المفكر اللبناني حسين مروة ومحمد دكروب، ثم صدرت في كتاب عن دار الفكر الجديد 1989 بعد أن حصل دكروب على بقية فصولها في القاهرة من زوجته الروسية ساشا كورساكوفا التي أحبته حُباً عاصفاً، وقاسمته في وطنه شظف الحياة والمحن، وتوفيت في مصر في يناير الفائت ودُفنت بناءً على توصيتها بجواره.أما ابنه شُهدي فقد مات متغربا في الهند بالسرطان بعد أن أضطر هجرة وطنه مصر غداة تحقيق أمني معه لنشره على "النيت" قصيدة أبيه الشهيرة " … الاُميات"والمعروفة بهجائه اللاذع للنظام بألفاظ عُدت خادشة للحياء . عاد من تغريبته عام 1964، ومع أنه ظل محارباً من قِبل السلطة لكنه بقي عنيداً في مواقفه غير مهادن في نقده الحاد لانحرافات النظام في شتى أعماله الأدبية دون ترميز، وبخاصة في أعقاب هزيمة حزيران 1967، ثم خلال حكم أنور السادات .
كان مُبدعنا الكبير نجيب سرور متعدد المواهب، لكنه مرهف الأحساس بدرحة عالية. وختم حياته المضطربة بالأبيات التالية المعبرة عن أحساسه بدنو أجله وقد نُقشت على شاهد قبره:
يا نابشاً قبري حنانك
هاهنا قلب ينام
لا فرق من عام ينام وألف عام
هذي العظام حصاد أيامي فرفقاً بالعظام
لكن قلبي كان دوماً قلب فارس
كره المنافق والجبان