غياب الشخصية الوطنية والتقدمية البحرينية البارزة الدكتور يعقوب جناحي


نجيب الخنيزي
2022 / 6 / 27 - 21:37     


إثرصراع مع المرض أستمر لعدة شهور ،غيب الموت المناضل الوطني والتقدمي البحريني البارز الدكتور يعقوب يوسف جناحي يوم السبت 25 يونيه من الشهر الجاري عن عمر ناهز الثمانين عاما .
يعد الفقيد الراحل من أوائل الطلبة البحرينين الدارسين في الإتحاد السوفيتي وذلك في أوائل الستينات ، وقد نسج علاقات قوية مع المنظمات الطلابية والشبابية و اليسارية العربية والأجنبية المتواجدين هناك ، ومن ضمنها رابطة الطلاب السعودين واعضاء جبهة التحرر الوطني في السعودية ، حيث ارتبط بعلاقات شخصية ورفاقية مع العديد منهن استمرت حتى وفاته .
بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في القانون غادر الفقيدالراحل الإتحاد السوفيتي إلى المنطقة العربية ، حيث عاش متنقلا بين لبنان وسوريا وكان ضمن قيادة جبهة التحرير الوطنية البحرينية ولجنة العلاقات الخارجية فيها .
تعود معرفتي المباشرة مع الفقيد الراحل إلى منتصف السبعينات حيث التقيته مرارا أثناء زياراتي المتعددة إلى بيروت ودمشق سواء بمفرده ، أو بمعية بعض الرفاق البحرينيين ، أذكر من بينهم الدكتور حسن مدن والدكتور عبد الهادي خلف وعبد الله راشد وغيرهم .
وقد جمعتنا مناسبات مختلفة في الخارج من بينها حضور مؤتمرات الأحزاب الأشتراكية الحاكمة في أوربا الشرقية ، و اجتماعات الأحزاب الشيوعية واليسارية العالمية و العربية والخليجية .
أتسم الفقيد الراحل بسعة الثقافة وقدرته التحليلية العميقة للقضايا السياسية والفكرية ، وما شدني ولفت انتباهي أنه كان يمتلك من منطلق الصدق والإخلاص المبدئي ، رؤية نقدية متقدمة آنذاك لمكامن الخلل والقصور الجدي والخطير للتجربة الإشتراكية في الإتحاد السوفيتي ، وبلدان أوربا الشرقية التي استلهمت النموذج ( رأسمالية الدولة ) السوفيتي ، وفي الواقع فأن ذلك الموقف النقدي لم يكن مألوفا في الحركة الشيوعية والعمالية العالمية ، وخصوصا في بلدان الجنوب ومن بينها البلدان العربية ، حيث لم تتخلص العديد من الأحزاب الشيوعية فيها من الأرث الستاليني ، وكان يوصم ذلك الموقف النقدي في العادة بالتحريفية أوالعداء للشيوعية والسوفييت ,
أمتلك الفقيد الراحل تلك الرؤية النقدية ( من موقع الماركسية ) ، من خلال تواجده الطويل في الأتحاد السوفيتي ،ومعايشته عن كثب للأوضاع السائدة ، واحتكاكه المباشر بالناس العاديين ، وخصوصا الشباب ، وبما في ذلك تفاعله مع تصورات العديد من نشطاء وكوادر ومثقفي الحزب الشيوعي السوفيتي الذي كان صوتهم خافتا أو مقموعا ، و مع التزامهم المبدئي بالفكر الماركسي ، كانت لديهم توجهات تتعارض مع السردية الرسمية غير الواقعية ،والتي ترسم صورة وردية ومثالية (طوباوية ) للواقع، والتي في سياقها العام تتعارض مع المفهوم العلمي الجدلي للماركسية الذي يستند إلى مفاهيم ومقولات التناقض والصراع ونفي النفي و التجاوز و التغيير كحقيقة أبدية لا تعرف المراوحة ، وهو يتعارض مع الفهم المادي المبتذل و المجتزأ السائد الذي يكرس الجمود والثبات.
غير انه بعدعقد ونصف أصبح واضحا بأن التجربة الأشتراكية في الأتحاد السوفيتي وصلت إلى طريق مسدود مما أدى إلى انهيارها ، وهذا بطبيعة الحال لا يلغي الإنجازات التاريخية والحضارية الهائلة التي تحققت ، وفي الواقع كان الاتحاد السوفيتي يعيش مرحلة انتقالية صعبة ومعقدة وغير مطروقة سلفا ، مما يستبطن احتمالات ونتائج متناقضة بما في ذلك إمكانية النجاح أو الفشل ، في الوصول بالتجربة إلى مستوى النضج و نحو أفاق جديدة ، أو التدهور العام والشامل وهو ما حصل ، وهو ما يستدعي مزيدا من التحليل والتقييم والنقد المعمق للتجربة التاريخية ، وللواقع الملموس في ظل المتغيرات النوعية الجارية على صعيد الأنساق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والمفاهيم والقيم السائدة .
مع مطلع الألفية الثالثة الجديدة طرح العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة الذي استلم الحكم عقب وفاة والده في العام 1999 مشروعا إصلاحيا شمل جوانب سياسية وإجرائية وتشريعية واسعة ، كما تضمن اعلان العفو العام والإفراج عن جميع المعتقلين والسجناء السياسيين ، وحل محكمة أمن الدولة وإلغاء مرسوم 1974 بشأن الأمن ،إلى جانب السماح للمنفيين بالعودة إلى أرض الوطن وكذلك عودة الحياة النيابية والتشريعية ، بما في ذلك تفعيل العمل بالدستور المنقح وفقا " لميثاق العمل الوطني " الذي طرحه الملك حمد بن عيسى ، ونال الأغلبية الساحقة ( 98،4% ) وفقا للإستفتاء الشعبي العام ، كما تضمن الميثاق تشريع حرية العمل السياسي من خلال الجمعيات السياسية .
في ضوء هذه المعطيات الجديدة تسنى للفقيد الراحل الدكتور يعقوب جناحي ومن معه العودة إلى أرض الوطن في عام 2001 بعد غربة أستمرت بالنسبة اليه لأكثر من أربعة عقود ، وقد قمت مع مجموعة من الأصدقاء بزيارتهم وتهنئتهم بالعودة ، وبالمشروع الإصلاحي المطروح .
وقد شارك الفقيد الراحل في تأسيس المنبر التقدمي كما انتخب عضوا في أول لجنة قيادية تشكلت فيه ، وعلى الصعيد المهنى كانت آخر وظيفة له مستشار أول .
للفقيد العديد من المشاركات في الصحافة البحرينية ، كما صدر له كتاب حول تطور الحركة التقدمية
عزائي الحار لعائلة الفقيد الراحل وخصوصا زوجته ورفيقة دربه ونضاله ثريا فريدون ولجميع رفاقه واصدقاءه الكثر في البحرين والسعودية .
سيظل الفقيد الراحل خالدا في الذاكرة الوطنية للشعب البحريني وبين رفاقه وأصدقائه بإعتباره أحد أبناء البحرين البررة الذين ناضلوا وضحوا من اجل استقلال وحرية وتقدم الوطن .