تجدد المعني القرآني


الطيب عبد السلام
2022 / 6 / 18 - 22:40     

وَكَذَٰلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُۥ عَلَيْكَ وَعَلَىٰٓ ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَىٰٓ أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَٰهِيمَ وَإِسْحَٰقَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" هذه الأيام بمثابة الإضاءة المخالسة للفكرة التي انشد نقاشها، فهي تبين لنا سعات أخرى للنص خارج السعة المحدودة للفظ،اللفظ الذي هو بمثابة صورة فوتوغرافية للمعنى الحي و المتدفق و الغني و المتعدد و المتصير.
هنا نحن أمام غابة مهيبة تكشف بأعيننا عن جلالها المخبوء خلف نافذة اللفظ المغلقة،نحن أمام مايكرسكوب تأملي يرينا الحيوات الكامنة في قطرة الماء التي نحسبها هامدة.
و هنا يطل السؤال؟ ما هي تلك التأويلات و التأملات و الحيوات التي بمقدور اللفظ ان يكشف عنها غير معناه المباشر و دلالته القاطعة؟
و للإجابة على هذا السؤال المركزي علينا تأمل "السيرة الذاتية" للنص نفسه لنعرف أن طبيعة أي نص هي طبيعة متعددة و حاشدة بالتجارب و الإختبارات الشخصية التي جعلت من النص يتحول إلى لفظ،نهر يصب في بحر الرمز،الرمز الذي ما هو إلا تكثيف لحيوات و تجارب حية جعلت منه بقدر ما هو مغلق بقدر ما هو إنغلاق وصفي و رمزي يريح النص من السرد الطويل، إنها بذور لأشجار الدلالات و التجارب العملية و المعايشات الشخصية.
إن النص النص الرمز هو إحدى ظهورات النص التعدد و التجربة..التجربة العملية.
إن المعنى العملي للنص لا يعادل المعنى اللفظي له بل هو في علاقة حرة معه لا علاقة تفسير و تقديس و منحه مشروعية فوق بشرية بل إستلهامه و النظر إلى جماله المتألق،بوصفه الجاذبية الأرضية لهواء و مياه و غيوم الثقافة المنتجه للفرد و المولود ك شخصية إنسانية بين يديها، بإعتبار النص جبالا اوتادا تشد الثقافة و الوعي البشري إلى الأرض فلا يزيغ عنها الفرد و يستلب و تنمسخ هويته و يصير "غيره"،هذه النصوص التأسيسية التي ولدت حرة بين يدي نصوص تأسيسية سابقة هيأت له الأرض..نصوص أمنت بلسانها و "كفرت بقلبها" نصوص هي بمثابة البنيان المتين المشيد و الذي تممه هذا النص الجديد الذي إكتسب دلالات أقوى بالمغامرات العسكرية الكبرى التي حققها و غير بها وجه التاريخ، فلم تعد معانيه كامنة في صحرائها و جبالها بل عبرت البحار و الأفاق و أكتسبت معايشات جديدة و نصوص مغايرة واجهتها و تساكنت معها و ولد من رحم هذا الزواج الثقافي مدونات و نصوص تأسيسية جديدة، احيت دماء الأباء في شباب الأحفاد.
فيكون النص الرمز بمثابة الأرض التي تجتمع في سمائها غيوم النص الترحال و التجربه و المعايشة و المزاوجه،فلا قدسية للفظ بل تألق يستحيل عليه السطوع في سماء الحراسة و العكوف بل سماوات الترحال و الجهاد و الكفاح و "التبليغ"!! اليس هو للناس كافة؟ اليس هو الذي شيد لحظة البداية للإنطلاقة الجديدة في البلاد البعيدة؟ اليس هو هاديا و نذيرا؟ اليس هو المتعدد في داخله، تعدد العالم أمامه و تباين مواقفه؟ اليس هو المتموضع وفقا لدنيوية الترحال و تبدل الأحوال؟اليس هو نفسه معايشة حياة لما أبصره! اليس هو الذي ينسخ بعضه بعضا؟اليس هو ذاته المعايشة الحية الحرة للظرف التأريخي و المستبطن للحلم القومي إستبطان الفرد للجماعة لإنه بذرتها، و إستبطان الجماعة للفرد لإنها تنجبه؟
فكيف تسد الشمس بكمامة الرمز؟ ليس شعرا ما أقول! لكن أروني شاعرية أكثر من هذا النهر المتدفق للمعنى! لن يكون النهر نهرا إن صار لفظا! و كذلك الرمز و الأوثان و النار التي هم عليها عاكفون لن تأسر صيرورة الأزلي او تحجب الشروق الإلاهي خلف جبل من تفسيرات و مسميات حظها من الفهم الحفظ و من الفكر الترديد.
و أنت أيها الانا المتأمل تتكشف لك الدلالات تكشف النجوم في السماء و المدن في الصحراء و الوصولات في الكفاح تجدد في نفسك ذاكرتك الحية بالمعاني القرأنية الحية فترد أية و يهياء لك أنك تسمعها لإول مرة!! تكتشفها لإول مرة!! تتكشف لك تكشف تلالؤ أخاذ للقمر الذي أمامك.. فأنت يوسف و مصرك تلك الأبدية..الم يكن يوسف حين أستعاده النبي هو اليدان اللتين ولدت بينهما الهجرة؟ اولم تكن الهجرة هي المهد الذي ولد فيه تسفارنا هذا؟الم تكن النعمة التي اتمها الله على يوسف هي نفسها التي اتمها على "ابويه" إبراهيم الذي ألقي في النار لرفضه الاوثان فصار "أمة" لله قانتا!!