الدولة - المقاومة - الحريات

معقل زهور عدي
2006 / 9 / 19 - 11:11     

حسنا فعلت ( الرأي ) ( جريدة حزب الشعب الديمقراطي السوري ) في عددها 57 حين طرحت موضوع علاقة الدولة بالمقاومة ، انشغالنا بهكذا موضوع يأتي على خلفية الحرب اللبنانية ، ذلك يعني استخلاص الدروس والعبر ، ومحاولة فهم تأثير المستجدات الاستراتيجية للحرب في وضعنا السوري .
في تحليل ( الرأي) ثمة أفكار صحيحة متناثرة هنا وهناك ، لكن دمج تلك الأفكار بسياقات تتمتع بالانسجام والمتابعة كان فقيرا نوعا ما ، على أية حال ليس سهلا القفز من الوضع اللبناني للوضع السوري ، دعونا في البدء نحدد المسألة ، قد لاتكون تلك المسألة وحيدة او منقطعة أو بسيطة لكن تحديدها يسهم في تركيز الضوء عليها ، أرجو ان لا يظهر الأمر كاجتزاء ، كما حصل في مقالة سابقة أثارت نقد السيد نايف سلوم وفقا لقراءة كانت تأمل اظهار العلاقة بين الوطنية والمواطنة وكذلك بين الوطنية والمسألة الاجتماعية وهذا ضروري بالتأكيد .
المسألة وفق ما أرغب في وضعها ليست هل نعفي الدولة من مسؤوليتها في تحرير الجولان باسم المقاومة ؟ أعتقد ان هذه صياغة غير موفقة للمسألة . لكنها يمكن ان تكون : ماذا يعني نجاح المقاومة الشعبية في لبنان فيما عجزت عنه الجيوش النظامية في الصمود بوجه العدو الصهيوني واجباره في عام 2000 على الانسحاب من الجنوب وكذلك اجباره في عام 2006 على وقف النار وانهاء حربه دون تحقيق أي انجاز على الأرض وتكبيده خسائر فادحة؟
أقول ماذا يعني ذلك لنا في سورية في ظل وجود مسألة لابد من حلها هي تحرير الجولان .
وضعتنا ( الرأي ) أمام خيارات صعبة: المقاومة تعني دولة ضعيفة ، الدولة القوية هي التي تتولى التحرير ، تريدون مقاومة شعبية ذلك ممكن في حالة تفكك الدولة هل ذلك ماتريدون ؟
الدولة القوية دولة متصالحة مع شعبها ، دولة حريات ، هذا مايستحق العمل من أجله وهو المدخل الحقيقي الوحيد
هذا كلام جميل لكن مشكلته انه يلغي تجربة حزب الله وكأنها لم تكن .
نحن نريد دولة قوية متصالحة مع شعبها ، دولة حريات ، وأيضا دولة حد أدنى من العدالة الاجتماعية وحماية مصالح الطبقات الفقيرة ، دولة قانون ومؤسسات ، وأكثر من ذلك ، لكننا مازلنا في مسالة تحرير الجولان بل واذا شئنا ان نكون أكثر تواضعا الدفاع عن سورية في وجه نزعة عسكرية أمريكية -اسرائيلية قد تنفلت في أي وقت لتعيد هيبة الردع المكلوم بفعل الحرب اللبنانية الأخيرة .
حسنا الم تعلمنا تجربة حزب الله أن طريقته في القتال كانت الأكثر نجاعة والأقل كلفة ، لماذا نرمي ذلك في البحر فقط من أجل ابعاد شبح التناقض بين الدولة والمقاومة .
نحن لانقول نريد دولة مقاومة داخل الدولة الديمقراطية العتيدة ولكن نريد دولة ديمقراطية مقاومة هل هذا مستحيل !
دولة ديمقراطية مقاومة تعتني بثقافة المقاومة وتطلق طاقات الشعب الحبيسة وتوزع الجهد المقاوم بين الجيش النظامي الذي لانشك لحظة في دوره وأهميته وبين المقاومة الشعبية التي تمثل محصلة تفاعل الدولة الديمقراطية مع الشعب ، هذا ليس بدعة بل هو ما اختبرته سورية في الخمسينات .
اليوم أظهرت تجربة حزب الله مدى أهمية مثل تلك المقاومة وفعاليتها ، لكن ماذا نفعل اذا كان البعض يغص بمجرد ذكر كلمة المقاومة وثقافة المقاومة .
( هناك آفاق تحمل المخاطر أمام سورية ولبنان والمنطقة ككل مخاطر انهيار الدول تحت وطأة الاندفاع الأمريكي المتطرف والتفسخ والانقسام الداخلي ، العراق نموذج قد يتعمم ...) حسنا ، أمر سار أن تذكر( الرأي) مخاطر انهيار الدول تحت وطأة الاندفاع الأمريكي المتطرف ، ذلك يعيدنا لمشروع الهيمنة الأمريكي الذي فضل البعض شطبه لصالح رؤية أحادية دخلاوية . نتفق أن الخطرين الأمريكي الخارجي والتفسخ الداخلي يعملان معا ، ومن أجل مواجهتهما لابد من رؤيتهما معا ووضع استراتيجية صحيحة متكاملة تشكل الديمقراطية جناحها الأول والمقاومة جناحها الثاني وتتضمن مراعاة مصالح الطبقات الفقيرة وتأمين حياة كريمة لها .
لن أهتم كثيرا للعبارة ( رؤيتنا لم تتغير ) ولكني سأهتم أكثر بالعبارة ( سيكون كل كلام عن الصمود والممانعة والمواجهة تضليلا لامعنى له دون تحرير المواطنين من أغلال الخوف و المذلة التي يقيدهم بهما النظام منذ عقود ) هذا صحيح لكن بشرط الا يستخدم كطريقة للالتفاف على مفهوم المقاومة الحقيقية واغتيال ذلك المفهوم باعتباره مجرد ذريعة للاستبداد .
مثلما نتفق مع عبارة الرأي الأخيرة نرى ان كل كلام عن الديمقراطية وتحرير المواطنين دون التطرق لضرورة مواجهة خطر الاندفاع العسكري الأمريكي – الاسرائيلي وتبني خط المقاومة هو أيضا تضليل وتهرب من استحقاق قد يداهمنا في أي وقت ، وقد لاينتظر انتهاءنا من اللمسات الأخيرة لمهمة التغيير الديمقراطي