كيسنجر آفاق حل القضية الأوكرانية


رضي السماك
2022 / 6 / 12 - 22:36     

رغم بلوغه ال 99 عاماً إلا إن وزير الخارجية الأميركي الأميركي الأسبق مازال يملك طاقة ذهنية وفكرية متقدة، لعل آخر تجلياتها ما طرحه من أفكار لحل الأزمة الأوكرانية في منتدى دافوس الأخير، حيث تميزت بقدر معقول من الواقعية السياسية، بل يمكننا وصفها بأنها أشبه بالمبادرة، لولا أنها صادرة عنه بصفته مراقباً سياسياً لا بصفته وسيطاً، ويمكن تلخيص أهم نقاطها في التالي :
1-يجب الشروع في المفاوضات بين الجانبين الروسي والأوكراني خلال الشهرين القادمين (حزيران الجاري وتموز المقبل) قبل أن تستفحل الأزمة إلى مالا يُحمد عقباه، لأن مسار الحرب سيتحول بعدئذ - حسب توقعه- إلى حرب مباشرة ضد روسيا، وليس لتحرير أوكرانيا.
2-يجب على أوكرانيا التخلي عن جزء من أراضيها لروسيا( أي ما يمكننا تسميتها بالتنازلات المؤلمة).
3-يجب على أوكرانيا التنازل عن شبه جزيرة القرم لروسيا.
وفيما يشبه التحذير من فكرة عزل روسيا عن اُوروبا،ذكّر كيسنجر الغرب بأنها تنتمي إلى اوروبا منذ أربعة قرون- بمعنى تاريخ وجودهاالقوي على الساحة الاوروبية- وأن روسيا كانت القوة الوازنة خلال الصراعات والحروب في القارة العجوز، ويضيف ما معناه: ينبغي عدم التطرف في العداء الشديد لروسيا، أو الأنسياق لشهوة هزيمتها بشكل مذل كامل.
وفي تقديرنا أن هذه الأفكار لم يطلقها كيسنجر جزافاً على عواهنها، بل مستنداً على دراسة معمقة للقضية من جميع جوانبها،لاسيما وأنه يتمع بخبرة دبلوماسية عريقة،ناهيك عن دوره التنظيري في رسم السياسة الخارجية لبلاده وخبرته التفاوضية في المسائل الشائكة سواء المتعلق منها بمصالح بلاده الكونية الاستعمارية أو بحلفاء الولايات المتحدة، ومن ثم فلم يأتِ تلقيبه ب " ثعلب السياسة الأميركية" من فراغ، ونحن نتذكر جيداً شهرته المدوية في النصف الأول من سبعينيات القرن الآفل حيث عُرف سياسة " الخطوة خطوة" التي أستدرج مصر الساداتية إليها لتقديم تنازلات هائلة لأسرائيل.ودوره في تحقيق التقارب بين بلاده والصين الشعبية في الفترة نفسها. أما أندريه جروميكو، وزير الخارجية السوفييتي الأشهر في تاريخ الدبلوماسية السوفييتية،والذي خصص له ما يقرب من فصل كامل في مذكراته، فقد وصفه في سياق أنتقادي لسياساته وأسلوبه التفاوضي بأنه إنسان كفؤ جداً ويملك خبرة لا يٌستهان بها في الشؤون الخارجة، وبوسعه إيجاد خيارات وبدائل مختلفة لحل الأزمات والقضايا(أندريه جروميكو، من الذاكرة، الجزء الثاني ص472).
ولما كان جزء من تعقيدات الأزمة الأوكرانية ناجماً عن حقيقة أوكرانيا تنقسم منقسمة على نفسها إلى شرق وجنوب ثقافتهما أقرب إلى روح الثقافة الروسية؟ ووسط وغرب تتملك سكانهما الثقافة ذات النزعة القومية الموالية للغرب، فإن مبادرة كيسنجر تتمتع -كما ذكرنا- بقدر معقول من مقومات الواقعية، التي ينبغي تبنيها من قِبل الجانبين الروسي والأوكراني بمقاربة تتقاطع معها، وهذا لن يحصل للأسف في الأمد القريب ما دامت كييف ما فتئت تراهن على إمدادات التسلح الغربية بلا أنقطاع، معتمدة في ذلك على جيشها البسيط. ونخشى أ لاتحدث مبادرة ذات مقاربة مع رؤية كيسنجر للحل إلا بعد فوات الأوان حيث يأخذ التدمير أقصى مداه الكارثي في أوكرانيا، وحيث لن تستثني خسائر الحرب الجانب الروسي ، وإن بشكل أقل باعتباره الطرف الأقوى.
ولعل تكثيف الضغوط من قِبل التيار العقلاني في كلا الجانبين، وبدعم مو كل القوى المحبة للسلام فيهما وفي العالم ، وكل القوى التي لها مصلحة في أنهاء التورط الأميركي في أوكرانيا هو الذي سيوقف الحرب النزيف التي طال أمدها.