الوحدة الوطنية الكفاحية الطريق الوحيد لحرية الشعب الفلسطيني


خليل اندراوس
2022 / 6 / 11 - 10:26     


في تاريخ 23 آذار عام 2011 أقر الكنيست (المسرح) الإسرائيلي قانون ما يسمى "قانون النكبة"، والذي ينص على أن أية مؤسسة أو جمعية تقوم بفعاليات لإحياء ذكرى النكبة الفلسطينية بدلًا من يوم الاستقلال الإسرائيلي سيتم سحب تمويلها أو تقليص ميزانيتها بعد موافقة النائب العام ووزير المالية. ويمنع مشروع القانون إحياء ذكرى النكبة، وكل فرد يخالف هذه المادة معرض للسجن لمدة سنة أو دفع غرامة كبيرة.

هذا القانون العنصري الشوفيني ينفي وجود الآخر ويفرض القيود على حرية الفلسطينيين في ممارسة حرية التعبير والموقف والرأي، ويهدف إلى قمع الوعي الوطني والسرد التاريخي للبقية المتبقية من الشعب الفلسطيني في وطنه. على الرغم من أن السياسيين اختاروا 1948/5/15 كتاريخ لبداية النكبة الفلسطينية، إلا أن المأساة الإنسانية للشعب الفلسطيني بدأت قبل ذلك بكثير، لأن جرائم عصابات الحركة الصهيونية الإرهابية ضد القرى والمدن الفلسطينية بهدف إبادتها وهدمها وتهجير سكانها وتنفيذ مشروعها، وهو التطهير العرقي في فلسطين، كان مخططًا له قبل عام 1948. وهنا أريد أن أذكر بما قاله هرتسل في إشارة وحيدة للسكان في فلسطين، ولكن دون تسميتهم، يقول هرتسل:

"فلنفرض على سبيل المثال أنه كان علينا أن نطهر بلدًا من الوحوش البرية... لا يجب علينا أن نقوم بذلك بنفس الطريقة التي اتبعها الأوروبيون في القرن الخامس مثلًا. لا يعقل أن نتسلح بالدرع والرمح ونجري وراء الدببة واحدًا واحدًا، بل يجب أن نعد لرحلة صيد جماعية، فنقوم بحشر الحيوانات في منطقة واحدة، ومن ثم نلقي بقنبلة كبيرة في وسطها".

أليس هذا الطرح قمة العنصرية والوحشية والنازية؟ وما قامت به الحركة الصهيونية قبل النكبة وخلال سنة النكبة وحتى الآن أكبر دليل على استمرار الصهاينة حكام إسرائيل في ممارسة الإرهاب الرسمي ضد الشعب الفلسطيني.

إن طرد وتهجير الفلسطينيين عام 1948، وتدمير أكثر من 400 قرية ومدينة فلسطينية، لهو أكبر دليل على وحشية وبربرية الأيديولوجيا الصهيونية التي تنفي وجود الآخر، وتنظر إلى شعب فلسطين كوحوش، كما جاء في كلام هرتسل، مؤسس الحركة الصهيونية. وحصار غزة ومهاجمتها بالطائرات وإلقاء القنابل على السكان وقتل مئات النساء والأطفال والشيوخ، أكبر دليل على همجية هذه الأيديولوجيا العنصرية.

الشعب الفلسطيني لا يفصل بين النكبة ووعد بلفور، في 2 تشرين الثاني عام 1917، تبنت بريطانيا بشكل جدي المشروع الصهيوني، وأعلنت عن دعمها لإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، وهنا لا بد أن نذكر خيانة آل سعود، حيث وقّع أول ملك سعودي على قصاصة ورق مثل قصاصة ورق بلفور، قائلًا: "لا مانع لدي من إعطاء فلسطين لليهود المساكين".

نكبة الشعب الفلسطيني شكلت أكبر عملية تطهير عرقي شهدها القرن العشرين، وبموجب معلومات المركز الوطني الفلسطيني، فخلال نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948 تم قسرًا وبالقوة والإرهاب الصهيوني تشريد أكثر من 800 ألف فلسطيني من أصل نحو مليون و400 ألف إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة. وخلال عام النكبة أقيمت إسرائيل على 85% من مساحة فلسطين التاريخية، وجرى تدمير 531 من أصل 774 قرية ومدينة فلسطينية، ونفذت العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين، نذكر منها مجزرة دير ياسين والطنطورة وغيرها.

ورغم التدمير والقتل والتشريد والاغتصاب والإرهاب الصهيوني، بقي نحو 150 ألف فلسطيني فقط في المدن والقرى العربية داخل إسرائيل، والآن ارتفع عدد الفلسطينيين في إسرائيل ليصل إلى مليون و700 ألف فلسطيني حتى نهاية عام 2021، وهم وفق الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، يشكلون أكثر من 21% من سكان إسرائيل. وفي فلسطين التاريخية أصبح عدد الشعب الفلسطيني يفوق عدد الإسرائيليين اليهود، وفي إسرائيل ليس كل اليهود صهاينة، بل هناك عشرات الآلاف من اليهود لا يعترفون بدولة إسرائيل، وهنا أذكر بأن أحد حاخامات القدس زارني في بيتي قبل عدة سنوات للعمل سويًا من أجل القدس، وانتابني تساؤل لماذا توجه إلي، وقلت له بأن المشكلة هي الأنظمة الاستبدادية الرجعية العربية، فلو قررت الدول الغنية العربية الاستبدادية سحب رؤوس أموالها من بنوك الغرب الرأسمالي الإمبريالي، والتوقف عن ضخ النفط إلى الغرب، لانتصرنا ليس فقط في فلسطين بل وفي كل العالم العربي، ولأصبحت أنت الرابي اليهودي تركع الخمس ركعات يوميًا، فقال لي: من أين تأتي بهذا الكلام؟ فقلت له: هذا هو الواقع. فشرب الماء وخرج من البيت، وهو يتواصل معي حتى الآن ويقول لي: لا أستطيع ألا أذكرك وأذكر ما قلته لي.

ومع كل هذه الممارسات الصهيونية المتوحشة، بلغ عدد الفلسطينيين في أنحاء العالم 14 مليونًا حتى نهاية 2021، وهو ما يعني تضاعف عدد الفلسطينيين نحو 10 أضعاف منذ عام 1948، ويتوزع الفلسطينيون كالتالي: 3 ملايين و200 ألف في الضفة الغربية المحتلة، منهم 477 ألفًا في القدس الشرقية المحتلة، كما يوجد مليونان و100 ألف في قطاع عزة المحاصر، فيما يتواجد العدد المتبقي في الشتات (خارج فلسطين التاريخية). واليوم يشكل الفلسطينيون نحو 49,9% من السكان المقيمين في فلسطين التاريخية، فيما يشكل اليهود 51,1% على هذه الأرض.

وفي ذكرى النكبة نقول، كفى 74 عامًا من الظلم والاضطهاد والعنصرية الصهيونية المتوحشة، كفى لسياسات الغرب الإمبريالي الداعم للحركة الصهيونية، وسياسات الكيل بمكيالين، وجرائم التطهير العرقي الذي عانى منه الشعب الفلسطيني خلال النكبة وما زال يعاني، وهذه لا يمكن أن تسقط بالتقادم، بل تحولت إلى قضية إنسانية كونية عادلة، وردود الفعل على المستوى العالمي المدينة لإسرائيل بعد مقتل الصحفية الشهيدة شيرين أبو عاقلة أكبر مثال على ذلك.

وبسبب سياسات الكيل بمكيالين، تعاني وكالة الغوث الدولية من ضائقة مالية صعبة، وفي رسالة نشرها موقع "الأونروا" الإلكتروني في 23 نيسان من هذا العام (2022)، تقول الرسالة بأن "الأونروا" تعاني من ضائقة مالية وأنه "أصبح من المعتاد تقريبًا أن يتوسل المفوض العام طلبًا للمساعدة".

وصرح المفوض العام لوكالة الغوث الدولية "الأونروا" فيليب لازاريني بأن "من طرق ضمان استمرار تقديم الخدمات هو زيادة الشراكات داخل منظومة الأمم المتحدة". وهذا التصريح الهدف منه تصفية "الأونروا" وتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وهذا الطرح يلقى الدعم والتأييد من الولايات المتحدة وإسرائيل، وهذه القضية لها أبعاد سياسية خطيرة يجب أن تتعامل معها السلطة الفلسطينية بشكل مدروس ومثابر، فعمل "الأونروا" يجب أن يستمر حتى الوصول إلى حل عادل لقضية اللاجئين وعودة اللاجئين.

وهنا لا بد من القول بأن "الأونروا" تعاني من تراجع الدعم العربي، لدرجة أصبح هذا الدعم شبه منعدم. فالأنظمة العربية الرجعية الاستبدادية التي تمارس سياسات التطبيع المذل بل سياسات الخيانة هي شريكة وتعمل بهدف القضاء على قضية اللاجئين. ويبلغ عدد اللاجئين المسجلين لدى "الأونروا" ما يزيد عن 4,1 مليون لاجئ، ثلثهم يعيشون في 58 مخيمًا في الأردن ولبنان وسوريا وقطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، بينما يعيش الثلثان الآخران داخل المدن والقرى وحولها، وفي الضفة الغربية وقطاع غزة. وهذه القضية -أي قضية اللاجئين- تعتبر أحد التحديات الأساسية للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

إن ما حدث في عام 1948 عام النكبة هو تطهير عرقي غير إنساني، حيث شردت إسرائيل والحركة الصهيونية قسرًا وبالقوة نحو 800 ألف فلسطيني من أصل نحو مليون و400 ألف، إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول المجاورة، وهذا ظلم تاريخي والنكبة مستمرة على مدى 74 عامًا، ولذلك على الشعب الفلسطيني الاستمرار بالكفاح والنضال والمقاومة حتى إحقاق الحقوق القومية الإنسانية العادلة للشعب الفلسطيني، وهذا النضال لن ينجح دون تحقيق الوحدة بين جميع المكونات الوطنية لمواجهة التحديات المحدقة بالقضية والانتهاكات الإسرائيلية، من خلال استمرار الاحتلال الكولونيالي العنصري الشوفيني وسياسات غطرسة القوة.

وتبقى الوحدة الوطنية الفلسطينية هي الورقة الرابحة الوحيدة للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال والتنكر للحقوق العادلة للشعب الفلسطيني.