هل كان للانقلاب على خروشوف تأثير في هزيمة يونيو 1967


رضي السماك
2022 / 6 / 5 - 22:32     

إذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد اٌشتهر بالخروج في كثير من الأحيان عن مقتضيات البروتوكول والاُصول الدبلوماسية؛ بهدف توجيه إشارات ضمنية محددة - توددية أو تحذيرية- لرئيس الدولة الضيف على موسكو، والحال كذلك فيما يتعلق بمبعوثي الدول إلى العاصمة الروسية،فإن الزعيم السوفييتي الراحل نيكيتا خروشوف كان يبزه في هذا الشأن بشكل أكثر فظاظة فيما يتعلق بالإشارات السلبية تحديداً، ولعل حادثة طرقه المنضدة التي أمامه بفردة من حذائه خلال أجتماع الجمعية للأمم المتحدة في خريف عام 1960 هي واحدة من أكثر المواقف غرابة في شذودها في تاريخ الدبلوماسية الدولية منذ مطلع القرن العشرين، وقد جاء هذا الأحتجاج للتعبير عن غضبه الشديد الإنفعالي رداً على كلمة مندوب الفلبين التي هاجم فيها ما وصفه بانعدام الحقوق السياسية والمدنية في دول المعسكر الاشتراكي الحليفة لموسكو . بيد أن ثمة حكاية عن خروشوف ولا تقل غرابة عن الأولى؛ لشذودها عن أعراف و قواعد الدبلوماسية والبروتوكول إن لم تكن أكثر غرابةً، ويروي هذه الحكاية إبنه سيرغي خروشوف،ففي عام 1956قبيل العدوان الثلاثي على مصر ، وخلال زيارة الرئيس خروشوف بصحبة عائلته لبريطانيا، أستضافه رئيس وزرائها أنطوني إيدن في بيته الريفي بتشيكرز، وأثتاء شرب الشاي بجوار المدفأة تجاذب الرئيسان أطراف الحديث الودي والنكات، إلا أن خروشوف فجأة خرج عن النص مستديراً ببصره نحو زوجة إيدن وموجهاً لها سؤالاً يفتقر للباقة وآداب الضيافة ،ومتظاهر بالبلاهة: هل تعلمين مدام ايدن كم رأساً نووياً يلزم جزيرتكم لتدميرها؟ووسط ذهول الحاضرين الذين صُعقوا بسؤاله أستطرد مكرراً السؤال بصيغة المحقق: ألا تعرفين؟ أنا أعرف.. يلزم جزيرتكم خمسة رؤوس نووية فقط وهي موجودة لدينا، أما حليفتكم باريس فيكفيها خمسة رؤوس نووية!
ووقتذاك لم تكن لندن وباريس تملكان أسلحة نووية بعد، وحينما بدأت كل من بريطانيا وفرنساوإسرائيل عدوانها الثلاثي المشترك على مصر، وجّه الاتحاد السوفييتي مذكرة أنذاره الشهيرة لدول العدوان لوقفه فوراً خلال 24 ساعة، وطلب خروشوف من سفيره في لندن أن يسلم الحكومة البريطانية نسخة من المذكرة، وأن يُذكّرهم بالدردشة "الودية" التي جرت بجوار المدفأة في بيت إيدن الريفي في "تشيكرز"، غامزاً بذلك بما تتخللها من تساؤلاته دعابته الماكرة الصاعقة التي وجهها لزوجة.
ويكشف الباحث الروسي الكسندر أوكوروف الذي أطلع على وثائق من الأرشيف السوفييتي بعد رفع غطاء السرية من على الكثير من أوراقه عن سر في منتهى الخطورة، لعله غير معلوم لدول العدوان الثلاثي، ومفاده أن موسكو شاركت سرياً في حرب 1956 بطلعات لمقاتلاتها للتصدي للطائرات البريطانية والفرنسية أو لضرب أهداف عسكرية أرضية لدول العدوان، وكانت تلك المقاتلات السوفييتية الموجودة على الأراضي المصرية في عداد صفقة الأسلحة التشيكية الشهيرة لمصر عام 1955. والحاصل فقدكانت تلك المشاركة السوفييتية المحدودة في الحرب- إلى جانب انذارها المشار إليه- من أكبر العوامل الحاسمة في إفشال العدوان الثلاثي، فضلاً عن الوقفة الباسلة التي وقفها الشعب المصري في مقاومة العدوان وخاصة في مدين. الإسماعيلية، وكذلك وقوف شعوب البلدان العربية برمتها إلى جانب مصر ودعمها بكل أشكال الدعم الممكنة، وهكذا فبفضل كل ذلك خرج خرج عبد الناصر من حرب السويس بطلاً وطنياً وقومياً أمام شعبه والشعوب العريبة جمعاء، على الرغم من الهزيمة العسكرية المحتومة التي كانت تنتظره؛ نظراً لاختلال توازن القوى العسكري أختلالاً حاداً بين مصر ودول العدوان.
ومقارنةً ما جرى في حرب 1956 التي أنتهت بفشل العدوان الثلاثي -لأسباب سياسية لا عسكرية- بما جرى في حرب يونيو 1967، فإن عبد الناصر ، و كما ذكرنا في أكثر من مناسبة، لم يكن ينوي أصلاً الدخول في حرب مع إسرائيل حينذاك، ليس لعلمه بغياب التوازن العسكري بين بلاده وإسرائيل فحسب، بل ولعدم جاهزية جيشه لخوض حرب تحت قيادة فايطة ممثلةً بصديق عمره المشير عبد الحكيم عامر الذي أثبت بامتياز فشله الذريع في قيادة الجيش المصري في حرب 1956 ثم فشله في التنبؤ والتصدي للأنقلاب السوري على حكومة الوحدة المصرية السورية 1961. وعندما رأى عبد الناصر بات لا مناصاً منه بعد أن تورّط في توجيه تهديداته الثورية الحماسية إلى إسرائيل وطلب سحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء، وأغلق خليج العقبة في وجه الملاحة الأسرائيلية فإنه كان يعوّل باجراءاته حينئذ على تكرار سيناريو 1956 ، لكنه لم يتنبه جيداً بأن الظروف الدولية التي أستجدت بين 1964( عام الأنقلاب على خروشوف ) إلى عام 1967، تختلف عن الظروف الدولية التي كانت سائدة عشية حرب 1956، ففي حرب 1956 لم يكن لواشنطن موقفاً أيجابياً من العدوان؛ لتجاهل أطرافه إياها، ولعدم وجود لها أيضاً مصلحة مباشرة فيها ، في حين غدت في حرب 1967 احليفاً قوياً لإسرائيل وداعماً له بكل أشكال الدعم السياسي والعسكري والأقتصادي .
أكثر من ذلك فإن خروشوف زعيم الاتحاد السوفييتي-حليف مصر الدولي -والذي وقف بقوة مسانداً لها سياسيا وعسكرياً إبان العدوان الثلاثي ، والذي لطالما أتبع سياسة "حافة الهاوية" مع غريمته الولايات المتحدة، كان أخطرها إبان أزمة الصواريخ النووية السوفييتية في كوبا،خريف 1962،
لم يعد موجوداً على قمة الدولة السوفييتية بعد إزاحته من قِبل رفاقه عنها عام 1964، حيث حل محله ليونيد بريجنيف المعروف باتباع سياسة الحذر الشديد من المواجهة مع الولايات المتحدة.
ومع أن هزيمة مصر 1967 تعود لأسباب داخلية سياسية وعسكرية في المقام الأول، إلا أن تردد موسكو في أتخاذ موقف تحذيري حازم تجاه إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة من مغبة أحتلال إسرائيل لأراضي عربية جديدة، لما سيترتب عليه ذلك من نتائج خطيرة، عرّض مصر والعالم العربي ليس لنكسة خطيرة فحسب، بل وإلى وفاة عبد الناصر- صديق الأتحاد السوفييتي -كمداً وهو المريض أصلاً بالسكر ، ومن ثم انكسار مشروعه القومي، فضلا عن خسارة السوفييت لأهم مناطق نفوذهم الاستراتيجية في العالم، ما أدى إلى بدايات تضعضع نفوذهم دولياً في المنطقة ومن ثم أنحسارهم النهائي، وقد أفضى كل ذلك في النهاية -إلى جانب عوامل اخرى متعددة- إلى أنهيار الأتحاد السوفييتي نفسه مطلع التسعينيات0